لم تعد التمارين و المناورات البحرية التي تجريها القوات البحرية الملكية بسواحل الصحراء المغربية خلال الفترة الممتدة من 17 إلى 19 شتنبر ،في إطار برنامجها السنوي الرامي إلى تعزيز جاهزية وحداتها البحرية وقدراتها العملياتية.فعلى طول السواحل الجنوبية، من الكويرة إلى الداخلة، إستعراض عسكري و تمرين تقني يحمل في عمقه رسالة إستراتيجية متعددة الأبعاد، تتجاوز بعدها العسكري الضيق لتلامس جوهر النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. إن تنظيم هذه العمليات الضخمة بمشاركة خمس سفن حربية، من بينها فرقاطات وسفينة إنزال للعتاد الثقيل والجنود، وبإستعمال الذخيرة الحية بنجاح في إصابة أهداف تدريبية محددة، يعكس تكريس السيادة على الأرض والبحر والجو ، ويؤشر على أن المغرب يحسم معركته الميدانية بنفس القدر الذي يحسم فيه معركته الدبلوماسية والتنموية. إن الرهان الذي تنطوي عليه هذه المناورات هو رهان الردع الإستباقي، إذ يبعث المغرب برسالة مفادها من جهة أولى أن القوات المسلحة الملكية في أعلى درجات الجاهزية لحماية مكتسبات التنمية بالأقاليم الجنوبية، ومن جهة ثانية أن أية محاولة للمساس بأمن المملكة أو التشويش على وحدتها الترابية سيقابل بصرامة وبوسائل ردع حاسمة. كما أن اختيار المجال البحري الأطلسي للصحراء ليس إعتباطيا، بل يعكس وعيا إستراتيجيا بأهمية السواحل المغربية في تأمين طرق التجارة العالمية، ومكافحة التهديدات العابرة للحدود، وتثبيت موقع المملكة كفاعل محوري في معادلة الأمن البحري الإقليمي والدولي. كما يكتسب توقيت هذه المناورات بعدا سياسيا لافتا، إذ تأتي عشية صدور قرار مجلس الأمن في أكتوبر المقبل بخصوص نزاع الصحراء، الأمر الذي يجعلها إعلانا عمليا بأن المغرب لا ينتظر صيغ القرارات الأممية لتثبيت سيادته، بل يفرض واقعا جديدا على الأرض، عنوانه أن التنمية والدبلوماسية و القوة العسكرية مكونات متكاملة في معادلة الحسم النهائي لزاع مفتعل، ومن هنا فإن الرسالة الموجهة إلى المجتمع الدولي واضحة وهي أن حل الحكم الذاتي وهو الحل الواقعي والعملي الذي دعت إليه الأممالمتحدة ليس مجرد مقترح تفاوضي، بل خيار إستراتيجي واحد وأوحد يترجم في الميدان عبر سيادة فعلية للمغرب على صحرائه. إن هذه المناورات تفتح أفقا جديدا في مسار النزاع المفتعل ، حيث يتحول التوازن العسكري والأمني إلى عنصر حاسم في ترجيح كفة الحل النهائي. فالمغرب الذي يراكم إنجازاته التنموية في الأقاليم الجنوبية، ويعزز شراكاته الدولية، ويوسع من حضوره في إفريقيا والأطلسي، يرسم معالم نهاية النزاع المفتعل، ليس عبر الشعارات أو الرهانات المؤجلة، بل عبر فرض السيادة الكاملة بمزيج من القوة الناعمة والخشنة. أما خصومه من الجزائر والبوليساريو، فإنهم يواجهون عزلة متزايدة، حيث تتراجع أطروحاتهم أمام تنامي الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي، وتتآكل قدرتهم على المناورة في ظل تصاعد الضغط الإقليمي والدولي. ومع اقتراب موعد القرار الأممي ، يبدو أن الحسم الفعلي لمستقبل الصحراء لم يعد شأنا تفاوضيا بقدر ما أصبح أمرا واقعا، يفرض نفسه بقوة على الخصوم وعلى المجتمع الدولي على السواء. ختاما، إن ما أبانت عنه المناورات البحرية الملكية من جاهزية وصرامة، ليس مجرد استعراض عسكري ظرفي، بل إعلان سيادي صريح بأن المغرب حسم ملف الصحراء . رسالة واضحة لخصوم الوحدة الترابية ،بأن أي رهان على إضعاف المملكة أو التشويش على وحدتها لم يعد ممكنا، لأن الميدان هو الفيصل، والسيادة أصبحت واقعا لا رجعة فيه. ومع كل خطوة تنموية، وكل إنجاز دبلوماسي، وكل إستعراض للقوة العسكرية، تتهاوى أوهام الإنفصال وتتراجع دعايات الخصوم. إن المغرب اليوم لا يدافع فقط عن صحرائه، بل يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها القطع النهائي مع نزاع مفتعل عمر أكثر من أربعة عقود، وبشائر الحسم تلوح في الأفق القريب، حين يصبح الحكم الذاتي ليس مجرد مقترح، بل حقيقة سياسية وقانونية وميدانية يفرضها المغرب على الجميع، شاء الخصوم أم أبوا. ذ/ الحسين بكار السباعي محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان خبير في نزاع الصحراء المغربية