الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية ويهدد صحة العمال    السكتيوي يكشف تشكيلة المنتخب المحلي لمواجهة تنزانيا بالشان    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب    بولتون بين أيدي الFBI.. سقوط ورقة ضغط طالما راهن عليها نظام الجزائر والبوليساريو    تقرير أممي يؤكد رسميا حدوث المجاعة في غزة ويتوقع انتشارها    مداهمة منزل جون بولتون المستشار السابق لترامب الذي يشتغل مع الجزائر من طرف الFBI    حماس تطالب بوقف الحرب وفتح المعابر بعد إعلان الأمم المتحدة المجاعة في غزة    الرميد ينتقد إخضاع جرائم الاتجار بالمخدرات للعقوبات البديلة ويحذر من أن يصبح القانون وسيلة للتهرب من العقاب    باشا يتعرض لاعتداء وسرقة وسط مدينة طنجة    لاعب بفريق المغرب التطواني يتسلل سباحة إلى سبتة المحتلة        أداء إيجابي يغلق بورصة الدار البيضاء        بطولة إنجلترا .. مانشستر سيتي يجدد عقد مدافعه روبن دياز حتى صيف 2029    إجراءات استرجاع الدراجات المحجوزة    "تيكاد-9" يفضح محاولات انفصاليي "البوليساريو" ويؤكد دعم اليابان للحكم الذاتي المغربي    السعودية تعزز خدمات العمرة: منصة إلكترونية متكاملة للمعتمرين دون الحاجة لوكالات أو وسطاء        فلاحو سهل صبرة بزايو يرفعون نداء استعجالي لإنقاذ محاصيلهم المهددة بالجفاف    نهاية مأساوية لاختفاء شاب بين شاطئي إزدي وصباديا بالحسيمة        الكاف يعين حكاما من البنين لمواجهة المغرب وزامبيا        بمناسبة عيد الشباب.. فرقة "المسيرة الخضراء" تبهر الجمهور بعرض جوي مذهل فوق سماء المضيق ومرتيل    آسيا الجنوبية في القرن الحادي والعشرين: رؤية صينية للتنمية والتعاون الإقليمي    إجراءات ضريبية محفزة لمغاربة العالم لا يعرفها الكثيرون    طنجة.. مواطن يتعرض للتعنيف داخل مخفر الشرطة بسبب تمسكه بالحديث بالأمازيغية    ضبط زورق محمل بطنين من الشيرا وتوقيف سبعة أشخاص        الفرنسي كوندي يجدد عقده مع برشلونة حتى 2030    مأساة كروية في الأرجنتين.. 19 إصابة خطيرة و111 موقوفاً بعد أحداث عنف مروعة            مشروع قانون يُثير الجدل.. استحداث "مجلس أمناء" على رأس جامعات المغرب يفقدها آخر ما تبقى من استقلاليتها        توقيف مختل متشرد أنهى حياة شرطي خلال عمله بإيموزار    بعد التدخل المفاجئ لأخنوش: من يحمي حياة المواطنين وسط تغوّل الحسابات السياسية والمالية؟    الخنوس يقترب من فريق جديد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    الاصابة تبعد الهولندي فريمبونغ عن ليفربول ثلاثة أسابيع    تركيا تستعد لإطلاق شبكة الجيل الخامس ابتداء من سنة 2026    المغرب يتصدر مستوردي الغاز الإسباني    إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد    إسرائيل تتوعد بتدمير مدينة غزة    نادي سينما الريف يطلق العنان لإبداع الشباب السينمائي        أفلام مغربية تتألق في بانوراما تونس    وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة        المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح الوساطة الأمريكية المحتملة في الصحراء المغربية
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


حسن لقيبي
الأربعاء 16 يوليوز 2025 - 23:43
ملامح الوساطة الأمريكية المحتملة في الصحراء المغربية
عندما توضع قضايا السيادة والأرض على موائد القوى الكبرى، لا تُناقش كحقوق مشروعة بقدر ما تُستخدم كأوراق ضغط ومساومة. قضية الصحراء المغربية ليست استثناءً؛ إذ لطالما أدت تباينات المصالح الدولية إلى تعقيد الحل السياسي وإبقاء النزاع قائماً. وفي ظل هذا السياق الدولي الذي تهيمن عليه مقاربة براغماتية ترى في الصراعات فرصا لإعادة ترتيب النفوذ وتوزيع المصالح، برزت "فلسفة الصفقات" الأمريكية "الترامبية"، التي تعتبر النزاعات أدوات لتحقيق الهيمنة والمكاسب الاقتصادية. لذا، من الضروري لكل دولة تحرص على وحدة ترابها واستقلال قرارها أن تُحكم إعداد أوراقها الدبلوماسية وتكون مستعدة لمواجهة كل الاحتمالات.
تحول السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا
لقد شهدت السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا تحولا ملحوظا بعد عقود من اللامبالاة اتسمت أساسا بتدخلات أمنية محدودة ومساعدات إنسانية ظرفية؛ هذا التحول بدأ مع إدارة بايدن وتواصل مع إدارة ترامب، فالاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه القارة لم تعد تقدم الاستقرار الإفريقي كقيمة أخلاقية بحد ذاتها، بل كأداة وظيفية لضمان بيئة آمنة للاستثمار الأمريكي، خصوصا في مجالات ذات أولوية كالطاقة والمعادن الاستراتيجية. ومن هذا المنظور، لم تعد الوساطات السياسية أو مبادرات السلام غايات إنسانية، بل تحولت إلى أدوات تقاس بمدى قدرتها على فتح الأسواق وتقويض نفوذ الخصوم، وعلى رأسهم الصين وروسيا. هذه المقاربة البراغماتية تمثل جوهر التصور الأمريكي الجديد لإفريقيا فكل تسوية سياسية يجب أن تولد فرصا اقتصادية، وكل استقرار داخلي يعاد صياغته باعتباره مقدمة لاختراق استثماري.
الوساطة الأمريكية في الصحراء المغربية: منهجية الصفقات
في هذا السياق وباستحضار الوساطة الأمريكية الأخيرة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا يمكن القول إن ملامح الوساطة الأمريكية في ملف الصحراء المغربية ستتشكل وفق نفس المنهجية، خاصة إذا علمنا أن مهندس الوساطة الأخيرة هو مسعد بولس، مستشار الرئيس المكلف بالشؤون الإفريقية والشرق أوسطية، بوصفه حاملا لمشروع يدمج البعد السياسي بالاقتصادي ضمن منطق الصفقات الشاملة.
وقد كشفت تصريحاته الأولى في أبريل 2025 عن جانب من هذا النهج؛ إذ قبل أن يؤكد لاحقا على ثبات موقف بلاده الداعم لسيادة المغرب على صحرائه، كان قد تحدث بلغة ملتبسة عن ضرورة إيجاد حل "يرضي طرفي النزاع" وتسوية "مشكلة اللاجئين"، مضيفا أن الجزائر "مستعدة للقبول بما تقبل به البوليساريو" ( حديث خاص مع قناة العربية،). ما يعني أنه تواصل مسبقا مع الجزائريين وبما يعكس رؤية وسيط يفضل إبقاء الأبواب مفتوحة أمام الطرفين، لتهيئة مناخ تفاوضي مرن يمهد لصفقات أوسع ذات أبعاد سياسية واقتصادية متشابكة، وفي نفس الوقت تحقيق مجد دبلوماسي شخصي.
معادلة واشنطن: المغرب حليف والجزائر منجم
على ضوء النموذج الكونغولي الرواندي، تصبح قضية الصحراء المغربية اليوم تحت مجهر مسعد بولس. فالولايات المتحدة، التي اعترفت رسميا بمغربية الصحراء في دجنبر 2020، تجد نفسها أمام معادلة دقيقة، الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية العميقة مع المغرب كحليف استراتيجي موثوق لا يمكن التفريط به لصالح أقطاب منافسة، وفي نفس الوقت عدم إغلاق الباب أمام الجزائر التي تمتلك أوراق طاقية ومعدنية بالغة الأهمية.
ويبدو أن الجزائر تدرك طبيعة المقاربة الأمريكية، لذلك اتجهت دبلوماسيتها مؤخرا إلى خطاب يقوم على استمالة واشنطن عبر إغراءات اقتصادية، كما جاء في تصريح السفير الجزائري بواشنطن ووزير الخارجية السابق صبري بوقادوم الذي قال بوضوح إن "الرئيس ترامب يؤمن بالصفقات" (ديفانس سكوب)، مشيرا إلى استعداد الجزائر لفتح قطاعات الغاز والمعادن النادرة أمام الاستثمار الأمريكي، وهي رسالة مركزة مفادها أن الجزائر جاهزة لتكون منجما أمريكيا مقابل التخفيف من "انحياز" واشنطن لموقف المغرب وعرقلة أي حل نهائي وشرعي لقضية الصحراء المغربية، ولعل مصادقة الجزائر على قانون يسمح للمستثمرين الأجانب بإمتلاك 80% من المناجم لدليل أخر على أن هناك من يهمس في أذن الجزائريين خلف الستار، كما تشير النسبة المذكورة إلى أنها مزايدة على النسبة المغربية 70%.
جوهر النزاع يتجاوز منطق الصفقات
رغم وجود مؤشرات تفيد برغبة أمريكية في بلورة صفقة وساطة تنسجم مع مقاربتها الجديدة، فإن جوهر النزاع في الصحراء المغربية يتجاوز منطق الصفقات العابرة؛ فهذه القضية ليست مجرد خلاف حدودي أو تنازع مصالح اقتصادية، بل تمثل للمغرب مسألة وجود وهوية ووحدة وطنية لا تقبل المساومة، في المقابل، تنظر الجزائر إلى النزاع كأداة استراتيجية لتفتيت المغرب عبر دعم مشروع انفصالي تابع لها، وهو ما يجعل أي محاولة وساطة أمريكية تصطدم بجدار صلب من التناقضات؛ فكيف يمكن التوفيق بين مطلب السيادة الكاملة للمغرب، ومخطط جزائري جوهره التقسيم؟ وأي صفقة تلك التي يمكن أن ترضي طرفين لا يلتقيان في الحد الأدنى من الأهداف؟
صحيح أن واشنطن تملك أدوات ضغط فعالة، من العقوبات الموجهة إلى التحكم في المساعدات ودوائر القرار الدولي، لكنها نادرا ما تفعل هذه الأوراق ما لم تتقاطع مع مصالحها الكبرى، فهل تملك الولايات المتحدة حافزا كافيا لتوظيف قوتها في هذا الملف؟ والأهم، هل سيستعمل هذا الضغط لتعزيز موقف المغرب أم لمقايضته؟ في كل الأحوال، تظل سيادة الدول ومواقفها الراسخة عاملا حاسما، إذ لا يمكن اختزال القرارات المصيرية في رهانات السوق أو أدوات الابتزاز الجيوسياسي.
السيناريو المحتمل: وساطة شكلية وبهرجة إعلامية
للامتصاص الضغط من المحتمل أن تنصاع الجزائر إلى وساطة أمريكية شكلية مع المغرب، تُسوق على أنها انفراج دبلوماسي يشمل إعادة فتح الأجواء واستئناف العلاقات... وتُرفق ببهرجة إعلامية تهدف إلى إظهار مرونة جزائرية مصطنعة. غير أن هذا المسار، لن يغير شيئا من طبيعة الصراع، إذ لا يُنتظر أن يتبعه أي التزام بحل جذري أو نهائي، بل يُوظَّف فقط لربح الوقت... مع الحفاظ على الجمر تحت الرماد في انتظار لحظة إقليمية أو داخلية ملائمة لإعادة إذكاء النزاع المفتعل؛ ويكشف هذا السلوك عن رهان خفي على تآكل داخلي محتمل في المغرب أو سقوط النظام السياسي، وهو وهم تغذيه أطراف في المؤسسة العسكرية الجزائرية تعتقد أن الوقت يعمل لصالحها، وتعمل على تحقيقه من خلال الاختراقات السيبرانية ومجموعات التسريبات استنساخا لتجربة ويكليكس ووثائق بنما.
إن تعقيدات المقاربة الأمريكية تجاه قضية الصحراء المغربية تتطلب تبني سياسة مغربية تُوازن بين استيعاب منطق المصالح الأمريكية وتفادي الانجرار إلى منطق التنازلات التدريجية، فالموقف المغربي الذي يجب التمسك به واضح؛ السيادة على الصحراء ليست موضوع نقاش، والحكم الذاتي المقترح ليس سوى صيغة نهائية ضمن إطار الوحدة الوطنية، لا بوابة لحوار بلا سقف.
أوراق الضغط التفاوضية للمغرب
يمكن للمغرب تحريك عدة أوراق ضغط تفاوضية تجاه الجزائر وتغذيتها واستثمارها بفعالية، كملف الصحراء الشرقية من خلال الوثائق التاريخية، واتفاقية الاستغلال المشترك لمنجم غار الجبيلات... عبر الوسائل القانونية، أضف لذلك الضغط من أجل إحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، توظيف التقارير الأوروبية المتعلقة بالمتاجرة بالمساعدات الإنسانية في الجزائر... والاشتغال على مشاركة البوليساريو في دعم أنظمة القذافي وبشار الأسد ومشاركتها في أنشطة إرهابية بمنطقة الساحل... باعتبارها فاغنر جزائرية...
أخيرا إن الرهان المفرط على الدعم الأمريكي في قضية الصحراء المغربية يُعد خطأ استراتيجيًا متكررا في مقاربة الرباط للسياسة الدولية. فرغم التحالف الوثيق بين البلدين منذ الاستقلال حتى الآن، ظلت واشنطن تتعامل مع الملف من منظور براغماتي بحت، حيث تقدم الوعود وتتوارى الالتزامات. فحتى عندما امتلكت القدرة على حسم الموقف لصالح المغرب، خصوصًا بعد نهاية الحرب الباردة وفي عز الحرب الأهلية الجزائرية، فضلت تبني مقاربات مائعة تحافظ بها على قنواتها المفتوحة مع الجزائر، ومجمل التوازنات الإقليمية.
هذا الواقع يفرض على المغرب تجاوز منطق الاعتماد على "الحليف التقليدي" نحو هندسة دبلوماسية أكثر استقلالية، تقوم على تنويع الشركاء، وتعدد مسارات التأثير، دون الارتهان لأي طرف. مع تقوية الشرعية الميدانية والسياسية بأسلوب مرن وفعال، فالشرعية الدولية لا تُنتزع فقط من الخارج، بل تُبنى من الداخل؛ عبر ترسيخ مشروع تنموي عادل، وتعزيز اللحمة الوطنية، وتوطين سردية وحدوية قادرة على الصمود أمام تقلبات الجغرافيا السياسية. ففي النهاية، لا يحمي القضايا الوجودية إلا قوة الداخل، لا وعود الخارج.
الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.