أثارت موجة من الحسابات على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) جدلاً واسعًا بعدما تبين أن جزءًا كبيرًا منها يروج رسائل عدائية تجاه المغرب وينشط من داخل قطر. وبرغم ما كشفته البيانات الرقمية المحدثة من منصة اكس من توجيه ممنهج، إلا أن قراءة المشهد السياسي الخليجي والمغاربي تشير إلى أن الأمر يتجاوز مجرد موقف رسمي لدولة تجاه أخرى. قطر، وفق مواقفها المعلنة دوليًا، ليست في حالة خصومة مع المغرب، بل سبق لوفودها الرسمية أن عبّرت صراحة في الأممالمتحدة عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في الصحراء، وهو موقف لم يتغيّر منذ سنوات. لكن هذا لا يلغي وجود واقع آخر موازٍ: واقع يتحرك خارج حدود القرار الدبلوماسي التقليدي لقطر. فمنذ العقد الأخير، تحولت الدوحة إلى مركز استقطاب لعدد كبير من نشطاء تيارات الإسلام السياسي، إضافة إلى متعاطفين مع الطرح الجزائري المعادي للوحدة الترابية للمغرب. هؤلاء لا يمثلون الدولة القطرية، لكنهم يستفيدون من البيئة الإعلامية والسياسية هناك، ويتحركون ضمن شبكات منظمة قوامها جماعات إيديولوجية، وجماعات ضغط إعلامية، وجهات مرتبطة بالصراع الإقليمي على النفوذ. وتبرز قناة الجزيرة في قلب هذا التعقيد. فالقناة، رغم كونها رسمياً جزءًا من المؤسسة الإعلامية القطرية، تُتهم منذ سنوات بأنها خاضعة لتوجهات فكرية وسياسية لا تعكس بالضرورة الموقف الحكومي في كل الملفات. أسماء مثل عزمي بشارة ووضاح خنفر ووليد العمري وخديجة بن قنة وحفيظ الدراجي لطالما ارتبطت بنقاشات حول التأثير الخفي داخل غرفة الأخبار، وتأثير ذلك على الخط التحريري، خاصة في القضايا المرتبطة بالمغرب والجزائر. وعليه، يبدو أن قطر ليست بالضرورة طرفًا مباشرًا في هذه الحملات الرقمية، بقدر ما تبدو مسرحًا تتحرك فيه أطراف أخرى تسعى للتأثير في اتجاهات الرأي العام العربي، واستغلال البيئة الإعلامية القوية التي تمتلكها الدوحة لتحويلها أحيانًا إلى أداة نفوذ موازٍ. وبين الموقف الرسمي الداعم للمغرب، والنشاط الإعلامي والسيبراني الذي يستهدفه، يقف المشهد السياسي معقدًا، ما يطرح سؤالًا أكبر: هل نحن أمام سياسة دولة أم أمام نفوذ أشخاص وشبكات أصبحت أقوى من بوصلات السياسة التقليدية؟ الجواب لم يتضح بعد، لكن المؤكد أن المعركة اليوم لم تعد تُخاض فقط على الأرض أو داخل المؤسسات الدولية، بل في فضاءات رقمية تُدار بالكثير من الذكاء... والكثير من الغموض.