معنى ‬أن ‬تصبح ‬العيون ‬نقطة ‬وصل ‬بين ‬شمال ‬أفريقيا ‬وعمقها ‬الجنوبي    وثيقة مزورة تعكس انزعاج الجزائر من نجاحات المغرب    الدورة51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي تبرز جهود الملك محمد السادس لفائدة القارة الإفريقية    احتجاج عمالي أمام المحكمة التجارية بالدار البيضاء رفضًا "لاغتيال سامير" وتجاهل مصير عمالها    2024 ‬الأشد ‬حرارة ‬على ‬الإطلاق ‬في ‬تاريخ ‬المغرب ‬بمعدل +‬1.‬49 ‬درجة ‬مئوية ‬    ارتفاع أسعار الذهب مع إقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة    إيران تتوعد واشنطن "بعواقب وخيمة" وتستهدف إسرائيل برشقة صاروخية جديدة    سداسية مانشستر سيتي ترسل العين خارج المونديال    ألونسو: من الأفضل أن تستقبل هدفًا على أن تخوض المباراة بلاعب أقل    "الفيفا" يفتح تحقيقًا بعد تعرض لاعب باتشوكا روديغير لإهانة عنصرية من طرف الأرجنيتي كابرال    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    الكركرات.. توقيف شاحنة محملة بالكوكايين القادم من الجنوب    كيوسك الإثنين | تسجيل 111 حريقا غابويا أتى على 130 هكتارا من يناير إلى يونيو    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    نزيف إسرائيل الداخلي.. تزايد الهجرة الجماعية لمواطنيها مند 2023    كأس العالم للأندية 2025.. ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي (3-1)    طنجة.. تتويج فريق District Terrien B بلقب الدوري الدولي "طنجة الكبرى للميني باسكيط"    منحرفون يفرضون إتاوات على بائعي السمك برحبة الجديدة وسط استياء المهنيين    الأستاذ عبد الرحيم الساوي يغادر المسؤولية من الباب الكبير.. نموذج في الاستقامة والانتصار لروح القانون    إيران تبدأ هجوماً صاروخياً جديداً على إسرائيل    استعمال "Taser" لتوقيف مبحوث عنه هدد المواطنين بسلاح أبيض في سلا    تصعيد غير مسبوق .. إيران تهدد شريان النفط العالمي!    إيران تتحدى الضربات الأمريكية: مخزون اليورانيوم والإرادة السياسية ما زالا في مأمن    بركان تواجه آسفي في نهائي الكأس    منظمة التعاون الإسلامي تسلط الضوء على جهود الملك محمد السادس لفائدة القارة الإفريقية    البرلمان الإيراني يقرر إغلاق مضيق هرمز    توقيف المتهم في حادثة دهس الطفلة غيثة.. والمحاكمة تنطلق يوم غد الإثنين    الجزائر.. ارتفاع ضحايا حادث انهيار مدرج ملعب 5 جويلية إلى 3 وفيات    الأبواق الجزائرية تطلق كذبة جديدة    إدارة مهرجان تكشف أسباب تأجيل "أيام وزان السينمائية"    تجدد المطالب للدولة بالخروج من صمتها إزاء "العربدة" الصهيونية وإسقاط التطبيع    بورصة البيضاء .. أهم نقاط ملخص الأداء الأسبوعي    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    مهرجان مشرع بلقصيري الوطني 16 للقصة القصيرة (دورة أبو يوسف طه)    الكلام عن الشعر بالشعر مقاربة لديوان « في معنى أن تصرخ» لفاطمة فركال    شكل جديد للوحات تسجيل السيارات المتجهة إلى الخارج    بنكيران يعلن دعمه لإيران ضد إسرائيل: "هذا موقف لوجه الله"    مجموعة بريد المغرب تصدر دفتر طوابع بريدية لصيقة تكريماً للمهن ذات المعارف العريقة    مشروع لتشييد عدد من السدود التلية باقليم الحسيمة    جائزتان لفيلم «سامية» في مهرجان الداخلة السينمائي بالمغرب    استمرار موجة الحر وأمطار رعدية مرتقبة في الريف ومناطق أخرى    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    الركراكي يشارك في مؤتمر للمدربين نظمه الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم    مهرجان كناوة بالصويرة يختتم دورته ال26 بعروض عالمية    تراجع في كميات الأسماك المفرغة بميناء الحسيمة خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    التجارة تقود نشاط المقاولات الجديدة في كلميم-واد نون    إيران تستعمل لأول مرة صاروخ "خيبر"    موجة حر تمتد إلى الأربعاء القادم بعدد من مناطق المملكة    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقاش الهوية في فرنسا هل يتغلب هيردر على روسو؟

«أوقفوا هذا النقاش» هكذا صرح زعيم حركة sos racism في فرنسا مؤخرا في سياق ردة فعل على ما آل اليه النقاش الدائر في الساحة السياسية والاعلامية والثقافية الفرنسية حول موضوع الهوية الوطنية، والذي انطلق منذ مدة بمبادرة من أقطاب حزب الاغلبية.
زعيم الحركة المذكورة لاحظ، في سياق دعوته تلك، كيف أن هذا النقاش انحرف عن مجراه المرسوم رسميا ولما تمض على انطلاقته أيام معدودة، وبدأ يعرف انزلاقات خطيرة،ومنها مثلا جعل الاجانب وفي مقدمتهم العرب والمسلمون، حتى المستقرون منهم فوق التراب الفرنسي لعقود وأجيال، والمندرجون قانونيا وسياسيا دون إشكال جعلهم مجددا موضوعا لحملة عنصرية تتخذ هذه المرة من موضوعتي الثقافة والهوية، ومن القيم السياسية للجمهورية الفرنسية متكأ وذريعة وملاذا مأمونا، وبما يحملهم مسؤولية ما يقدم، وبشكل ماهوي essentiolistes كاهتزاز أو اضطراب في الهوية الوطنية خلال هذه المرحلة من تطور المجتمع الفرنسي.
التقديم الماهوي للهوية، للذات وللاخر، انطلق دائما، منذ هيردر والرومنطيقيين الالمان من ثلاثة أوهام تتحول بسرعة في ذهن من تخترق عقله، الى حقائق دامغة ومسلم بها، يتعلق الامر بما يلي
أ - السكون، حيث يتم النظر في الهوية كمعطى ثابت مطبوع بالديمومة والاستمرارية المطلقة
ب - الصفاء، حيث ينظر الى الهوية كمعدن صاف لا يقبل الاضافة أو التلاقح أو الانصهار في / أو مع أي مكون آخر.
ج - نقطة بدء مرجعية، حيث يعطى للهوية تاريخ ميلاد محدد بما يكفي من الدقة والوضوح والقطعية.
إن من يقف اليوم عن بعض مجريات النقاش حول موضوع الهوية الوطنية كما تعرضه القنوات الإعلامية الفرنسية، لابد أن يلمس، بشكل أو بآخر، ما يذكر، في الجملة أو في التفاصيل، بواحدة أو أخرى من تلك الاوهام الثلاثة لدى العديد من المتدخلين في النقاش حتى وإن قدمت الافكار بطريقة لبقة وبلغة زئبقية لا تكشف مفرداتها عن خلفيات أصحابها بشكل مباشر أو متنطع.
التقديم الماهوي للهوية، للذات وللآخر، يعتمد ميكانيزمات كان قد حللها بعمق كل من المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد ومنظر القومية والحركات القومية التشيكي إرنست كيلنر.
إدوارد سعيد كان قد أوضح كيف أن المستشرقين قاموا بما أسماه «مشرقة الشرق» أي بناؤه في الوعي الغربي عبر تكوين صورة نمطية مستبقة عن مجتمعات الشرق وثقافاته (القدرية، الشهوائية الخ) وإسقاطها عند الدراسة على هذه المجتمعات بما يسمح، في نفس الآن، بتعبئة الرؤى والتصورات حول الذات الغربية العارفة، والمختلفة، خصائص وصفات، عن مجتمعات الشرق المدروسة.
أما إرنست كيلنر فكان قد بين كيف أن بناء الهوية القومية يتأسس دائما على نوع من المتخيل الذاتي، يرعاه الفاعلون القوميون ويتعهدون رمزيته الجماعية. وبمقتضى ذلك المتخيل تتم أدلجة التواريخ وصناعة العلامات الفارقة والمميزة في حياة الدول القومية.
أولسنا نرى ونسمع بمناسبة هذا النقاش حول الهوية القومية الذي تعرفه الساحة الفرنسية، نوعا من رجع الصدى لعملية مشرقة الشرق التي تحدث عنها الراحل إدوارد سعيد (مع وضع العرب والمسلمين مكان الشرق والمشارقة) لكن هل يغير ذلك من الأمر شيئا!؟
أولسنا نقف، بمناسبة هذا النقاش على رجع الصدى لما كان إرنست كيلنر قد وصفه بعملية أدلجة التواريخ وصناعة العلامات الفارقة والمميزة، من طرف الفاعلين القوميين، وهو ما يقوم به اليوم العديد من المنخرطين في هذا النقاش في فرنسا ممن لا يرون للهوية خصائص أو معطيات أخرى غير السكون والصفاء ونقطة بدء مرجعية مسجلة في كناش حالة مدنية يبين يوم وشهر وسنة الميلاد!؟
من المؤكد أن قضية الهجرة وتدبير تداعياتها الثقافية في بلدان الاستقبال هي التي كانت في فرنسا على الأقل، وراء احتلال موضوع الهوية الوطنية كل هذه المساحة في ساحة النقاش العام. وبما أن الامر كذلك، فإنه من المفيد الإشارة الى أن النموذجين الأساسيين المعروفين في موضوع تدبير التداعيات الثقافية للهجرة، أي النموذج الفرنسي والنموذج الانجليزي قد أبانا، وإن بدرجات متفاوتة، عن حدودهما القصوى.
النموذج الفرنسي، الشديد التعلق بفهم معين للعالمية، أثبت محدوديته منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي لأن دعوى الاندماج التي قام عليها هذا النموذج، هددته، في المحصلة النهائية بإلغاء الحق في الاختلاف، حق كانت حركة هارليم ديزير قد وضعت الدفاع عنه في قلب تحركاتها النضالية والمطلبية في صفوف المهاجرين غير الأوربيين، ونجحت في تحقيق بعض المكتسبات على مستوى إعمال مقتضياته.
النموذج البريطاني، المعتمد على توظيف النزعة الجماعوية إن كان قد بدا أقل ضغطا وأكبر مرونة وأكثر سماحة وسخاء تجاه حرية استعمال الرموز الثقافية والدينية للمهاجرين (الحجاب مثلا)، فإنه أفضى، تحت يافطة النسبية الثقافية الى انتشار غيتوهات مغلقة على ذاتها (حي لادبروك كروف في لندن بالنسبة للمغاربة وحي ساوث هول وواديت شايل في نفس المدينة بالنسبة للهنود والباكستانيين) وقد أدى ذلك النموذج في تدبير التداعيات الثقافية للهجرة، في المحصلة النهائية، الى إجهاض أية مساهمة للثقافات المحلية في بناء نزعة عالمية تعددية بالشكل الذي توخته الجماعوية في المنطلق.
خطورة النقاش حول موضوع الهوية الوطنية بالشكل الذي يجري به اليوم في فرنسا، أن الحدود على مستوى العائلات السياسية بين اليمين المعتدل المؤطر داخل الاحزاب الكبرى واليمين العنصري المتطرف، يمكن أن تتهاوى أمام حمى الرغبة الجامحة في إثبات الصفاء، صفاء الأصول، وقد كان السيد آلان جوبي محقا في التعبير عن مخاوف بخصوص هذا النوع من الانزلاقات المحتملة.
بين ثقل القفص الحديدي للاندماج، باسم عالمية مجردة توظف لحسابات سياسية ظرفية، وضغط القفص المطاطي للجماعوية المقدمة على أنها أكثر قربا من النزعة العالمية، بين القفص الحديدي والقفص المطاطي يبقى نقاش الهوية بالشكل الذي يجري به اليوم بمثابة سيف ديموقليس المسلط فوق رقاب المهاجرين من ذوي الأصول غير الأوربية يذكرهم وينبههم أن العالمية، إذا لم تكن تعددية في مضامينها الفلسفية العميقة، أي إذا لم تبتعد وتطور منطوقها الأول الذي برزت به خلال عصر الانوار، فإنها قد تتحول الى ايديولوجية جديدة للاقصاء والتمييز، أو الى داروينية حضارية لا تكشف عن اسمها.
على أية حال، نقاش الهوية الوطنية، بالشكل الذي يتم به حاليا في فرنسا، يجعلنا نتخوف من أن يتغلب إرث هيردر، القومي المحلي، على قيم روسو العالمي الكوسموبوليتي، وذلك ما لا نتمناه في كل الاحوال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.