عادة، المسافة ضرورية بين الحدث وقراءته.. لأن سخونة الفعل، ليست دائما، متساوقة مع برودة التأويل.. وحين يكون في الأمر، قضية تجمع المغرب إسبانيا والجزائر، فإن التأويل يجد صعوبة في أن يبني معنى للفهم صحيح.. المسألة في البداية، تقتضي أن لا يسقط المرء، معطى الجوار.. ذلك، أن للجوار ثمنه.. وحين يكون ذلك الجوار تفرضه الجغرافية، ويغديه التدافع من أجل النفوذ الإقليمي ( بالمعنى الجيو- ستراتيجي للمسألة)، فإنه يصبح جوارا قابلا للتلغيم، وقابلا للإشتعال، إذا ما كان أصحاب ذلك الجوار لا يمتلكون مكرمة المسؤولية أمام ضميرهم الجمعي وأمام شعوبهم. تتبعت، مثل غالبية المغاربة، ما أصبح يعرف في قاموس الصحافة ب « قضية أميناتو حيدر». وكنت حقا في حيرة من الفهم. ذلك أن الواحد منا ظل موزعا، بين الروح الوطنية وإكراه حسن الدفاع عن المصلحة العمومية للمغرب والمغاربة، التي تلزم أحيانا ببعض التنازلات المؤلمة. فهذه السيدة، الأم، ابنة الجنوب المغربي، يؤلم حقا أنها في خصومة مع ذاكرة المكان في الإمتداد اللانهائي لكثبان الرمل في الجنوب المغربي. فالمغرب، ظل مغربا، عبر التاريخ، في تفاعله الدائم مع عمقه الإفريقي الصحراوي، إلى الحد الذي يكاد الواحد منا يجزم أن كل الفعل السياسي للمغاربة، كوجود وكدولة، قد ظل يصنع في جنوبنا الصحراوي ( سواء في شقه الغربي أو الشرقي.. يكفي تذكر أن المرابطين جاؤوا من عمقنا الصحراوي الغربي في بلاد شنقيط، وأسسوا مراكشالمدينة والدولة والإمبراطورية.. والشرفاء العلويون جاؤوا من عمقنا الصحرواي الشرقي، من تافيلالت حتى تيندوف). بالتالي، فنحن مغاربة بعمقنا الصحرواي أولا وأخيرا. ومن يركب اليوم على حساب تدافع مصلحي آني، يفرزه منطق التنافس والتدافع المصلحي بين الجوار ( المغربي، الجزائري، الإسباني)، متناسيا شجرة أنساب فعل أجداده في التاريخ، إنما هو أشبه بمن يترك السباحة في عمق الوادي، ويكتفي بتبليل الأطراف بطمي السواقي. في سياق ذلك التتبع الخاص لقضية السيدة أميناتو حيدر، استغربت كيف لم ننتبه كثيرا لتأويل نشر في الزميلة « الصباح» يفيد أن تمة مخططا جزائريا، مخابراتيا، كان يستهدف تصفية تلك المواطنة المغربية ( إلى إشعار آخر منها)، من أجل قلب المعادلة الحقوقية على المغاربة. الحقيقة أن الخبر ذاك أعتبره يمتلك غير قليل من الحجية، بسبب أنه نشر أساسا في الصفحة الأولى للزميلة «الصباح»، فهي تكاد تكون اليومية المغربية الوحيدة التي تتوفر على مصادر جد موثوقة وذات مصداقية في الشأن الأمني للمغرب. وحين ينشر خبر من ذلك العيار فيها، فهو يمتلك الكثير من الصدقية. مما يترجم، أن التصعيد ضدنا بالجزائر، هو تصعيد استراتيجي في سياسة قصر المرادية، يكاد يقنعنا أن الآتي ليس مطمئنا هناك، لأنه يترجم خصومة مع مكرمة المسؤولية الواجبة في كل صناع القرار السياسي. المكرمة التي تنتصر لمنطق التعاون والتكامل وتنظيم المصلحة المشتركة. إن الجوار، هو الجوار.. وقدر المغرب، أن جغرافياه، تجعله ملتقى تصارع مصالح متراكبة ( حتى آلهة الإغريق تحاربت وتقاتلت عند مضيق جبل طارق)، مما يقتضي آلية هائلة من المتابعة والرصد والتتبع والمبادرة. آلية، تكون الديبلوماسية المغربية في واجهتها، لكنها مسنودة بأمرين حاسمين: وضوح استراتيجي يتأسس على وعي بالتاريخ والحاضر وصراع المصالح.. ثم لحمة رجال ونساء ذوي خبرة، وكفاءة، وممتلكين لما يجب من أدوات عمل للفعل. (للحديث بقية)