دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    توقيف سيارة رباعية الدفع محملة بكمية كبيرة من المعسل المهرب ضواحي طنجة    وثيقة l من حصار بيروت 1982 إلى إبادة غزة 2025: رسالة السرفاتي وأسيدون إلى ياسر عرفات تتحدى الزمن وتفضح جٌبن النٌخب    تيزنيت: محاولة فاشلة لعصابة تسرق أسلاك الكهرباء و أنابيب السباكة النحاسية من منازل في طور البناء ( صور )    البقالي يكتفي بالمرتبة 12 في سباق 1500 متر    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    رحلات طيران أرخص: جوجل تطلق أداة ذكاء اصطناعي للعثور على أفضل العروض    اكتشاف جيولوجي مذهل.. المغرب يكشف عن أقدم ديناصور من فصيلة "التورياسورات" بإفريقيا    لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن في نيويورك    الجزائر تعلن سحب الحافلات القديمة    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    "حق تقرير المصير" في السويداء .. شعار يُغري إسرائيل ويمزق سوريا    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة    دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء        بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع        مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    غاب عن جل الأحزاب    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طالع سعود الأطلسي ل .. الاتحاد الاشتراكي .. المغرب محتاج لنخبة سياسية مؤمنة بقضايا البلاد ..
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 05 - 2010

يعتقد الفاعل السياسي طالع سعود الأطلسي أن المطلوب اليوم إفراز خريطة سياسية حقيقية ، و ترك التعبيرات الحزبية لإفراز اصطفافات موضوعية ، مضيفا في حواره مع الجريدة أن المغرب محتاج اليوم لنخبة سياسية حقيقية مؤمنة بقضايا البلد و لديها بدائل عميقة و موضوعية إزاء الشأن السياسي .
- كيف توقفت الأستاذ طالع سعود الأطلسي عند الجدال الذي خلقه عدم تفعيل المادة 5 من قانون الأحزاب إبان الانتخابات الجماعية الأخيرة وما رافقه من تأويلات قانونية تخدم أجندة معينة ؟
- الواقع أن الأمر لا يتعلق بتنفيذ أو عدم تنفيذ المادة 5 من قانون الأحزاب، يمكن أن نقول بأن تطبيق قانون الأحزاب في سياقات التجربة السياسية المغربية التي نعيشها، تستدعي أن يعاد النظر في بعض بنوده، وأظن أن مطلب تعديل هذا القانون وارد في أهداف عدة أحزاب سياسية في المرحلة المقبلة، وأيضا تعديل كل ما هو متصل بالقانون في الممارسة العملية للأحزاب، كمدونة الانتخابات، يتعلق الأمر بتجربة في واقع سياسي، والواقع السياسي بدا أكبر من القانون، ومعناه، أن الذي وضع القانون، بما فيه المادة 5 لم يراع بعض خصوصيات البيئة التي أنتجت أحزابنا، البيئة بمعناها العام ..السياسية والاجتماعية والثقافية ولم يراع أيضا الممارسة الواقعية للعمل الحزبي في سياقاتها التاريخية الراهنة.
- بغض النظر عن موقفك من الترحال، السؤال الذي يطرح نفسه هو دوافعه، إذا كان للترحال دوافع فكرية أو سياسية فهو مقبول بعيدا عن المقاربة القانونية، لكن المشكل هو عندما يتعلق الأمر بالنفعية والبراغماتية والبحث عن الحماية الحزبية، كما يثار دائما الجدال بشأن الترحال عندما يتعلق الأمر بالمنتخبين ولا يثار الحديث عنه عندما يرتبط الأمر بالقياديين أو الحزبيين؟
- بحثت في القواميس العربية عن معنى لكلمة «ترحال» فلم أجد لها ذكرا ولا مقابلا ولا مرادفا... هي كلمة استحدثت من خارج اللغة، والواقع أن الرحيل الذي نحتت منه تلك الكلمة أمر عادي، ودوافعه العادية متصلة أكثر بالحرية والديمقراطية والبحث المشروع عن آفاق جديدة، سواء في عاديات الحياة أو في السياسية. فالترحال ككلمة، أخذت معنى مرذولا في سياق سجال سياسي، طبعا مضمونها يشير إلى تلك الممارسات الانتهازية كما قيل، عن شخص ينتخب باسم هذا الحزب ويرى أن مصلحته في البرلمان أن يكون مع حزب آخر، فينتقل الى الحزب القوي الذي سيكون له نصيب أوفر في الحكومة أو ما شابه ذلك، لذلك عابت الصحافة ذلك ، وتلك كانت أسباب نزول المادة 5 ضدا على هذه الممارسة التي تنم عن انتهازية في السلوك.
إذا شئنا أن نقول أن تاريخ السياسة في المغرب على الأقل من الاستقلال إلى يومنا هذا، هو تاريخ ترحال مستمر، سنذكر مثلا أن الإتحاد الوطني للقوات الشعبية رحل عن حزب الاستقلال أي خرج من حزب الاستقلال ورحل عنه، أي غادره بالمعنى العربي ليؤسس حزبا آخر، بعض اليسار الماركسي المغربي رحل عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ليؤسس 23 مارس، ومن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي رحل هو أيضا من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سترحل عدة أحزاب، ومن حزب التقدم والاشتراكية رحل آخرون وهكذا، ومن التجمع الوطني للأحرار رحل الحزب الوطني الديمقراطي ثم منه رحل الاتحاد الدستوري. إنه تاريخ حافل بالرحلات، وهي رحلات بعضها مشروع لأنها تدل على أن طائفة ما أو مجموعة ما كبيرة أو صغيرة شعرت بالضيق داخل حزب ما وفي فترة ما من أفكاره أومن برامجه وضاقت عليها الآليات الداخلية للحزب بما لا يسمح لها بالنمو و الحركة، فخرجت إلى أرض الله الواسعة لكي تمارس قناعاتها.
طبعا الظاهرة نفسها أضحت مرضية، لأنها سارت في تناسل مرضي وليست في تناسل صحي، فالتناسل الصحي كانت فيه الفروق والاختيارات الفكرية واضحة، ولكن مع ما سبق للدولة المغربية أن أسسته بقناعة وباختيار في اتجاه تنمية التعددية وإحداث نوع من الحركية السياسية في التعددية المغربية عبر تأسيس أحزاب، ذلك تعدد مرضي و أنتج ترحالا مرضيا، شمل الهيآت و الأفراد، غير مفيد للبلاد، وأشاع «ثقافة» لا ترى في الحزب إلا مصعدا للطموحات الفردية .
- تطرح إشكالية حقيقية هي أن وجود الترحال يخدم النظام أو النسق السياسي المبني على وجود أغلبية ذات تفوق عددي حقيقي ومعارضة بأقليتها..؟
- مشكلتنا هي أننا في بعض ما ننجزه في عمقه وفي مؤداه، عوض أن يكون ايجابيا وفي مصلحة تطوير الديمقراطية وترسيخها، ينتج مظاهر مضرة في سياقات المفاعيل الاجتماعية والثقافية، من بين ذلك ما يتعلق بانتخابات البرلمان بمجلسيه، وعلى الأقل مجلس النواب والأهمية التي باتت تحظى بها المقاعد لوزن الأحزاب، أصبح لدينا اليوم شعار مركزي «المقاعد تهمنا»، وهو أمر معقول وفي صميم الحركية الديمقراطية...وقبل هذا في أواسط السبعينات من القرن الماضي، وفي سياقات أخرى، كان عبد الرحيم بوعبيد يقول «المقاعد لا تهمنا». أيامها، كان اليسار يريد فقط أن يتواجد في المؤسسات التشريعية للتعبير عن الرأي المعارض للإختيارات المهيمنة سنواتها. في تلك المرحلة كانت المقاعد في أغلبيتها محسومة سلفا لصالح القوى الأخرى المعروفة، اليوم باتت في المغرب شرعية واحدة، هي شرعية صناديق الاقتراع، لم يعد لدينا حزب إداري ولا حزب غير إداري، الكل يجتاز امتحان صناديق الاقتراع
- مشكلتنا أن الحاجة إلى المقاعد (وللدقة التهافت عليها) أنتجت سلوكيات مضرة بالديمقراطية نفسها، نحن نلاحظ كيف أن الأحزاب في أغلبها، تستنجد بكل من له القدرة على أن يحصل على مقعد، أي أنه يتوفر على قاعدة «شعبية ما»، قد تكون قبلية وقد تكون نفوذه المهني كرجل أعمال، أو فلاحا كبيرا أو مركزيته في علاقات عشائرية، تؤهله للترشح باسمها. و للأسف أضحى هذا الأمر واقعا معيشا و مسلكا مشتركا بين العديد من الأحزاب، بحيث أضحى ترشيح «المناضل» الحزبي و العضو الذي يبرز الحزب قبل شخصه، أمرا نادرا لدى تلك الأحزاب.
لقد أصبحنا رهينة لما تولد عن الشرط الديمقراطي و اختزلنا الأمر كله في المقاعد، مما أضعف مؤسساتنا سواء كانت برلمانية أو مجالس جماعية بلدية أو قروية، من وجود المناضل الحزبي فيها، الحامل لأفكار وبرامج مفكر فيها جماعيا و تعبر عن اختيارات اجتماعية تصارع بالوسائل الديمقراطية اختيارات أخرى.
وهنا المادة 5 تصبح غير ذات معنى، لأن الذي يترشح في 95 في المائة من أحزابنا ويحصل على أصوات، لا يحصل عليها من أجل أفكاره، في الواقع تم التصويت عليه لذاته، وهو استجلب الأصوات بتدبيره الشخصي وليس بقوة أفكاره و لا بنفوذ حزبه، وهذا يعني أنه متحرر من أي التزام فكري مع ناخبيه، وحيثما حل وارتحل سيبقى هو نفسه.
وهنا نحن نناقش ظاهرة عامة، وليس مهما فيها التشخيص ولا التخصيص. لنقل بأن السياقات الديمقراطية التي نعيشها وهي متصلة بمعطياتنا الاجتماعية والثقافية قابلة لأن تنتج ما يخربها وما يدمرها. هل هذه دعوة لأن نوقف هذا المسلسل؟ لا، نحن مع ترسيخ الديمقراطية، ولا يمكن إلا أن نستمر في هذا المسار، حتى وإن طال بنا الأمد، لأن سنوات الشعوب ليست هي سنوات الأفراد، يقتضي أن نتمرن جميعا على أن تفيد الديمقراطية في تنميتنا وتفجر طاقات شعبنا، وأن نصونها باستمرار وننقيها من شوائبها.
نعم دائما كان لدينا تعدد حزبي، بمعنى أن المغفور له الحسن الثاني منع أن يكون لدينا حزب واحد لا حاكم و لا معارض، وكانت لدينا بنيات دنيا للديمقراطية. ولكن لم يكن لدينا ما يسمح لنا بأن نقيس منسوب الديمقراطية في مجتمعنا بشكل صحيح وسليم، لأن الانتخابات في 90 في المائة منها كانت مغشوشة لصالح ما نسميه تجاوزا «يمين». ولأنها مغشوشة بتلك النسبة العالية، فإن أرقامها ومعطياتها برمتها مشكوك في صحتها. كما أن تلك التعددية تفسخت هي الأخرى و أبهمت الوضع برمته.
نحن اليوم في العهد الجديد على سكة ترسيخ الديمقراطية ليس فقط كعملية تصويت وترشيح، ولكن أن تكون معطى ثقافيا و قناعة لدى المواطن و في كل شرايين وأطراف المجتمع. و هو مسار يستدعي التصدي لكل ما يشوبه من تشوهات و دك النتوءآت أمامه ..من نوع هذه التعددية المرضية نفسها.
هذا التعدد الحزبي المفتعل، مغشوش وغير صحي، أعرف أن بعضه أنتجته إرادات طيبة ونوايا حسنة، ولكن أكثره أنتجته إرادات لا حسنة ولا طيبة، فلا يعقل أن يكون لدينا 35 رأيا في قضايا السكنى، البيئة، الديمقراطية، الصحراء، الأمازيغية، الفلاحة، التعليم... فالترحال الموجود مرده أساسا لهذا الوضع الحزبي المرضي.
- بعيدا عن المادة 5، كيف للأحزاب ذاتها أن تلعب دورا في الحد من ظاهرة الترحال السياسي؟
- هذا الموضوع يفرض علينا الرجوع إلى ماهية الحزب، وما هو دوره، للأسف لدينا عدد غير قليل من الأحزاب وجدت لتكون بقالات انتخابية. وهذا ما يمكن كل شخص فشل في الحصول على تزكية حزبه للانتخابات أن يذهب إلى عشرين حزبا آخر ليحصل على هذه التزكية. لدرجة قد يشتري هذه التزكية. فهذه الأحزاب تبخس قيمة العمل الحزبي، بمعنى أن ذلك الشخص الذي هو غير مبدئي وغير أخلاقي حين توصد أمامه الأبواب في حزبه يشعر أن لديه عدة بدائل ما دام أن منطلقه ليس منطلقا مبدئيا، وهو لا يحمل أفكارا و لا برامج للدفاع عنها في أحد مجلسي البرلمان، إنما يحمل فقط ذاته والرغبة في الحصانة البرلمانية ليس إلا.
طبعا نحن نعي، أنه مع توسع الهامش الديمقراطي، توسعت الطموحات السياسية، فالعمل السياسي لم يعد فقط يؤدي إلى السجون أو يستدعي تضحيات. بل العمل السياسي في جزء منه أضحى من ضرورات التنمية لأنه يمكن من إنتاج النخبة المفروض أن تتوفر فيها الأهلية، لتتبوأ مواقع التسيير الجماعي أو البرلماني أو الحكومي. وهذه الآفاق تنمي طموحات لدى العديدين، وبعض تلك الطموحات لا تستفيد منها البلاد. فبلادنا تحتاج إلى أن تكون لديها نخبة تؤمن بقضايا البلاد، وجاهزة بإرادتها ومشروعها للنهوض بالتحديات المرفوعة في وجه المغرب، وليس فقط خدمة أشخاص ومصالح خاصة.
وبالنسبة للمادة 5 من قانون الأحزاب، فيظهر وكأنها تسعى إلى اعتقال كل من نجح في الانتخابات باسم حزب ما لمدة خمس أو ست سنوات في هذا الحزب. و لكن المشرع نفسه لم يشدد في المنع، حيث جعل جزاء خرق هذه المادة عقوبة مالية أقصاها مائة ألف درهم فقط. فالذي ينفق على حملته الانتخابية مليار سنتيم، لن يضيره أو يصعب عليه غرامة مالية محددة ما بين عشرين ومائة ألف درهم إذا طولب بأدائها.
ليس مجديا، و أصلا لم يحصل، أن يتم اعتقال منتخب في حزب ما لمدة خمس سنوات، خاصة أنه لن يكون مفيدا فيه. و حتى «موازين القوى» البرلمانية قلما تأثرت بالانتفاخ المفتعل للفرق البرلمانية، و حتى إذا ما استفادت فليس بفائدة هامة.
السبيل إلى مواجهة هذا المد التبخيسي للعمل الحزبي هو أن نعلي من قيمة الحزب في بنيات العمل السياسي المغربي. و ذلك بالإجراءات التي تفرض على المتطلع للعمل السياسي احترام حزبه و الحرص على الارتباط به و العمل داخله.
يمكن، مثلا، التفكير في وضع لائحة وطنية يتقدم بها الحزب للانتخابات إلى جانب ترشيحات الدوائر المحلية، تتكون على سبيل المثال من مائة شخص.
معنى ذلك أن الشخص المنتمي لحزب ما عليه أن يكثف نشاطه الحزبي ليتمكن من الترشح ضمن لائحة المرشحين المائة، وفي المراتب الأولى من هذه اللائحة الوطنية.
ومن خلال هذه اللائحة الوطنية سيكون التصويت على الحزب وعلى أفكاره وليس على فلان أو علان. آنذاك سيشعر الجميع أن للحزب أهمية، وأن على من يرغب في العمل السياسي أن يعمل بجد حتى يحظى بشرف انتدابه من طرف حزبه للترشح للانتخابات.
وهذه تجربة موجودة وناجحة في عدة بلدان بحيث يعتبر البلد كله دائرة واحدة. ويمكن لنا في المغرب أن نزاوج بين الأمرين، بين لائحة وطنية و لوائح الدوائر المحلية، مما يعدد الفرص لدى الحزب ليضمن فيهما وجود الفاعل السياسي المتمرس المستوعب لاختيارات حزبه، وبالتالي لاختيارات وطنه، والقادر على إدارة الشأن العام، بوعي وإدراك وإبداع وليس بمنطق مصالحه.
للأسف اليوم جزء من المناقشات التي نتتبعها في البرلمان ضحلة، بسيطة وسطحية. وهي نقاشات لا تعكس ما هو متاح للبرلمان من صلاحيات في أن يكون أداة مراقبة وتشريع وتدبير ومتابعة لأعمال الحكومة.
ويمكن أيضا أن نعطي قيمة للحزب حين نرفع من عتبة الأصوات في الانتخابات، فإذا ما وضعنا عتبة 7 أو 8 في المائة على الصعيد الوطني، لن يستطيع مرشحو أي حزب المرور إلى البرلمان إلا إذا حصل الحزب وطنيا على هذه النسبة. وبذلك سيشتغل الحزب بشكل دائم ومستمر ويقدم أحسن عناصره من أجل أن يحقق هذه النسبة. وبذلك وبشكل غير مباشر لن يتجه من لم يحصل على تزكية حزبه إلى حزب صغير لأنه سيكون متيقنا من أن هذا الحزب لن يحصل على 7 أو 8 في المائة على الصعيد الوطني. وهكذا ستفقد الأحزاب الصغيرة دورها في تمييع الحياة السياسية والتشويش على حسن سير المؤسسات الديمقراطية، لأنها، موضوعيا، في أغلب حالاتها، طحالب مضرة بالديمقراطية ينحصر دورها في التشجيع على الترحال وتبخيس العمل الحزبي. وسننمي الثقة في الأحزاب الكبرى التي ستغطي كل الاختيارات الفكرية والسياسية في البلد. دون أن نمنع أي حزب من الوجود، لكن الحزب الذي له الحق في أن يلج مواقع التسيير الجماعي والبرلمان والحكومة يكون قد حصل بالفعل على تمثيلية حقيقية.
- قد يكون كما قلتم وراء ظاهرة الترحال السياسي مصالح شخصية ضيقة أو وجود عدد كبير من الدكاكين السياسية المسماة أحزاب صغرى، لكن هناك عامل آخر يكمن في صناعة الخرائط السياسية، من يتحمل مسؤولية هذا الأمر؟
- لا شك أننا عانينا في مراحل سابقة خاصة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من صناعة الخرائط.
ففي تلك المرحلة كان انقطاع الجسور وهشاشة القائم منها، بين الدولة وأحزاب الحركة الوطنية هو السائد. ومنذ 1996 تاريخ التصويت على الدستور جرى ترميم هذه الجسور، وخلقت حركية نمت الثقة بين الفاعلين الأساسيين في بلدنا. وتمتنت أواصر الاشتراك في جهود مواجهة المعضلات الاجتماعية الكبرى، ورفع مهام التحديات الوطنية الكبرى.
وهذا ما يجعلني أقول أن صناعة الخرائط السياسية لم تعد الحاجة إليه كما في السابق، الحاجة اليوم لشفط الزوائد من الجسم الحزبي.
واليوم، المشكلة الكبيرة في نظري، أننا نعيش حركية اقتصادية واجتماعية هامة، لكن تغطيتها السياسية أو محركها السياسي متخلف عنها. ومن ذلك ما يقال عن ضعف البرلمان وضعف المجالس الجماعية التي من المفترض أن تتحمل مسؤولية كبرى في التنمية.
- كيف تنظرون إلى ظاهرة الترحال السياسي ومن ثمة إلى المشهد الحزبي في أفق استحقاقات 2012؟
- يحضرني الآن ونحن نتحدث عن الترحال السياسي باعتباره عنوان أزمة للعمل الحزبي في المغرب، المثل القائل «تلك الشجرة التي تخفي الغابة». وبالتالي فالترحال السياسي لا يجب أن يتحول إلى المشجب الذي نعلق عليه عثرات مسارنا الديمقراطي، علل المشهد الحزبي هي من أنتج الترحال ضمن عدة ظواهر مرضية أخرى.
فالمشهد الحزبي، تنطبق عليه مقولة «زماننا كأهله، وأهله كما ترى» ورغم ذلك علينا أن نكف عن قياس تجربتنا بمقاييس تجارب ديمقراطية أخرى لها صيرورتها وميكانيزماتها الثقافية والتاريخية المختلفة تماما عن تجربتنا. ومن ذلك قياس القوى المحافظة في المغرب إلى تلك الموجودة في الغرب، في الوقت الذي نجد قوى محافظة في المغرب تشمل ما نسميه عادة باليمين، وحتى بعض قوى اليسار المغرقة في اليسارية، الأمر نفسه ينطبق على الليبرالية، نجد أن حزب الاتحاد الاشتراكي أكثر ليبرالية، في عمقه، من كثير من الأحزاب التي تسمى ليبرالية. تلك الأحزاب لها من الليبرالية اسمها فقط، لم تخلقها حاجة اجتماعية، ولم تنبثق من تدافع طبقي للتعبير عن تطلعات ليبرالية حقيقية.
المغرب يعيش على إيقاع مرحلة توافقية تسعى لتمتين الثقة فيما بين الفاعلين الأساسيين، ومن ثمة ترسيخ آليات الديمقراطية. وضمنها الرفع من قيمة العمل الحزبي، وعلى هذا الأساس تجدد دعائم المؤسسات التمثيلية.
المشهد الحزبي أمامه رهان الرقي بممارستنا الديمقراطية إلى الوضوح، وضمن معالم الوضوح أن تكون لدينا اصطفافات حزبية، واضحة، نوعية وقليلة.
والأمل أن تكون انتخابات 2012 مدخلا مهما لما بعدها نحو تصفية وتنقية أجوائنا السياسية ليكون فيها البقاء للأجود والأصلح لعملنا السياسي.
آنذاك لن تجد لظاهرة الترحال السياسي أثرا، ومن سيكون في حزب لن يسعى أو يفكر في تغييره، والحزب لن يكون فقط مصعدا أو أداة للاكتساب، بل أداة لتأطير المجتمع، سواء كان أقلية في المعارضة أو أغلبية في الحكومة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.