المنصوري: الحكومة تنقصها "لمسة الشعبوية" والتعديل الحكومي مهم لضخ نفس جديد    حماس تعلن وفاة أحد الرهائن الإسرائيليين متأثرا بإصابته في غارة جوية    كأس العرش لكرة القدم .. الرجاء الرياضي يبلغ نصف النهائي بفوزه على حسنية أكادير (4-2)    تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة    حضور متميز لأسود الأطلس في نهائيات المسابقات الأوروبية للأندية    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض وتلون السماء بأضواء قطبية    انطلاق المهرجان الدولي للفروسية "ماطا" بمنطقة "بن مشيش"    الأزمي ينتقد تضارب المصالح في الصفقات العمومية الكبرى واستخدام قوانين المالية لذلك    القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تكشف تفاصيل مناورات "الأسد الإفريقي"    المنصوري تقول إن أعضاء حزبها ال44 ألفا غالبيتهم ليسوا فاسدين مع تبني "ميثاق الأخلاقيات"    شبكات المخدرات تواصل عملياتها بسواحل الجديدة.. الدرك أوقف 6 متهمين والمهربون نجحوا في تمرير 95 رزمة حشيش    مبابي يعلن رسميا مغادرته باريس سان جيرمان    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    جماعة طنجة تساهم بنحو 13 مليون درهم لتطوير وتوسيع مطار ابن بطوطة الدولي    مركز الاستثمار يروج لمؤهلات جهة طنجة في ملتقى اقتصادي بالامارات المتحدة    العين الإماراتي يسقط ذهابا أمام يوكوهاما الياباني في ذهاب نهائي دوري أبطال آسيا    فاطمة سعدي ضمن لائحة أعضاء المكتب السياسي للبام    بعد اعتقال بعيوي والناصيري.."البام" يصدر ميثاق الأخلاقيات    نشرة إنذارية | زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرَد بعدد من مناطق المغرب    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق    البحرين تحضر لانعقاد القمة العربية    دار الشعر بتطوان تفتتح ليالي الشعر في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    الكراوي يتناول "معطيات مرجعية" لتجربة تدريس العلوم الاقتصادية في المغرب    القنصل العام للسنغال بالداخلة: لا وجود لمهاجرين عالقين في الصحراء المغربية    المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    المعرض الدولي للكتاب والنشر.. المجلس الأعلى للتربية والتكوين يناقش الرافعات الكبرى لحكامة المنظومة التربوية الوطنية    إطلاق أشغال إنجاز خط سككي بين الدار البيضاء وبني ملال قريبا    هلال: المبادرة الأطلسية مقاربة متبصرة لتحقيق التنمية المشتركة        بعد شهر على الانتخابات.. أمير الكويت يحل مجلس الأمة ويعلق بعض مواد الدستور    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تبرز الأدوار التاريخية والرهانات المستقبلية لقنواتها الأمازيغية في المعرض الدولي للنشر والكتاب    كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    فرقة كانديلا ارت الفنيدق- تطوان تترافع عن التراث الوطني في المهرجان الوطني لهواة المسرح بمراكش    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو حول دعوتها للمشاركة في إدارة غزة    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    تصفيات كأس العالم لكرة القدم النسوية لأقل من 17 سنة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الجزائري    "الطاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    جديد موسم الحج.. تاكسيات طائرة لنقل الحجاج من المطارات إلى الفنادق    مدرب الجيش مطلوب في جنوب إفريقيا    صدمة جمهور الرجاء قبل مواجهة حسنية أكادير    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادة الكاتب السويدي هينينغ مانكل .. «فجأة وقع إطلاق نار، فهمت أن اسرائيل اختارت المواجهة»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 12 - 06 - 2010

الكاتب السويدي الشهير كان ضمن «أسطول الحرية» الذي هاجمته اسرائيل،في هذه الشهادة،يروي تفاصيل مشاهداته، بدءا من تنظيم الرحلة الى الهجوم الاسرائيلي، مرورا بالاهانة والاحتجاز بكلمات بليغة ودقيقة.
هذا النص نشر في نفس الوقت في عدة صحف منها الغارديان، البايس، داعبلاديت، لاريبوبليكا اوتورنتوسار
الثلاثاء 25 ماي - نيس
في الخامسة صباحا، كنت في الشارع انتظر سيارة أجرة ستنقلني الى المطار.لأول مرة منذ مدة، تمكنت أنا و«أ»من أخذ عطلة لبضعة ايام معا .في البداية كنا نعتقد أن هذه العطلة ستستمر اسبوعين، لكنها تقلصت إلى خمسة ايام. «سفينة إلى غزة» تبدو جاهزة للابحار، وكما كان مقررا، توجهت الى قبرص لالتحق بالرحلة.
الهدف من كل رحلة مكتوب في نقطة انطلاقه، هذا ما كنت أعتقد وأنا انتظر سيارة الاجرة. وكما كان متفقا، قلصت اغراضي في حقيبة سفر واحدة تحمل على الظهر تزن بالكاد 10 كلغ. الهدف من عملية «سفينة الى غزة» واضح و محدد: كسر الحصار اللامشروع الذي تفرضه اسرائيل على غزة ،ومنذ الحرب قبل سنة تقريبا. لم تعد الحياة تحتمل بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون هناك، الحاجيات ضخمة فقط لتوفير ابسط شروط حياة كريمة
«لكن هدف الرحلة أكثر وضوحا ودقة: «الفعل يؤكد القول» من السهل أن تقول بأنك تساند، تدعم، تقاوم هذا الشيء او ذاك، ولكن في الفعل وحده تقدم الدليل. الفلسطينيون الذين ارغمهم الاسرائيليون على العيش في هذا البؤس بحاجة الى معرفة انهم ليسوا وحدهم، واننا لن ننساهم. حياتهم يجب ان يذكرها العالم. ويستغل هذا التذكير ايضا لتقديم بعض المواد الاساسية: أدوية، و حدات تحلية المياه لانتاج الماء الصالح للشرب، الاسمنت.
سيارة الاجرة وصلت، اتفقا على السعر. كان غاليا. وانطلقنا عبر الازقة الخالية في الصباح الباكر في اتجاه المطار. هنا في السيارة. اتذكر الان إنني بدأت أدون اولى مذكراتي. لا أتذكر بالضبط الكلمات، ولكن المحتوى، اندهشت ربما لانني لم اقدر حتى الآن الرهان: هذا المشروع يثير لدى الاسرائيليين كرها الى حد أنه من الممكن ان يلجأوا الى القوة لمنع القافلة من المرور.
لكن هذه الفكرة فارقتني حتى قبل الوصول الى المطار حول هذه النقطة أيضا تم تحديد المشروع بشكل واضح جدا ودقيق. نحن نتحرك في اللاعنف، بدون أسلحة، بدون رغبة في المواجهة، إذا ما منعنا من التقدم، المسألة يجب أن تحل دون أن تتعرض حياة المشاركين للخطر.
الاربعاء 26 ماي، نيقوسيا
كان الجو في نيقوسيا أكثر حرارة من نيس، من كانوا سيركبون البواخر - والذين سينتظروننا في مكان ما في عرض سواحل قبرص - تجمعوا في فندق سونتروم بنيقوسيا، كان الأمر كما في إحدى روايات غراهام غرين القديمة: شخصيات مختلفة مجتمعين في زاوية منسية من أجل رحلة مشتركة... سنكسر حصارا غير مشروع، هذه الكلمات تتردد بلغات مختلفة، ولكن فجأة، بدأت تتزايد التساؤلات، البواخر تأخرت، كانت هناك مشاكل، لانعرف بعد في أي مكان سيتم الالتحاق بالسفن الست، الامر الوحيد المؤكد، هو أن ذلك سيتم في البحر، قبرص ترفض ترك سفننا ترسو، اسرائيل مارست ضغوطا. لاحظت أيضا لحظات توثر بين مختلف المنظمات المسؤولة عن هذا المشروع الحساس، قاعة الفطور الصغيرة تحولت الى مكان للاجتماعات السرية جدا. في لحظة من اللحظات يتم استقدامنا لملء ورقة - اسم ومعلومات عن أقارب لإخبارهم في حالة وقوع مكروه. الجميع يملء ورقته بعناية، تم قيل لنا بأن ننتظر، كانت هذه الكلمة هي التي تتردد كثيرا خلال هذه الايام، «الانتظار» إذن ننتظر.
الخميس 27 ماي - نيقوسيا.
ننتظر ، الحرارة خانقة.
الجمعة 28 ماي - نيقوسيا
فجأة تساءلت ماذا إذا كان الأمر سينتهي هكذا، ما إذا كنت سأضطر لمغادرة هذه الجزيرة دون أن أتمكن من ركوب أية باخرة. يبدو أن الاماكن قليلة على متنها، وأن هناك لوائح انتظار للمشاركة في هذه الرحلة التضامنية. لكن النائب« ك»الوسيم، والسيدة الطبيبة «س» رفيقاي السويديان في هذه الرحلة، يساهمان في الحفاظ على الروح المرحة، الرحلات في الباخرة متعبة دائما. هذا ما كنت أقول. كنا نستمر في انجاز مهمتنا، كنا ننتظر.
السبت 29 ماي - نيقوسيا
«فجأة سار كل شيء بسرعة، سنركب على متن باخرة سريعة - ولو أن ذلك يبقى بطبيعة الحال، مرهونا ب «ربما» - بهدف الالتحاق في عرض البحر بالسفن الخمسة الاخرى في القافلة، لنتوجه بعد ذلك جميعا نحو غزة، كنا ننتظر.. قبيل الساعة الخامسة مساء، سمحت لنا سلطات الميناء أخيرا بالركوب على متن باخرة تدعى «شالنجر» والتي ستبحر بسرعة 15 عقدة حتى نقطة الالتقاء، حيث سنركب الباخرة «صوفيا» التي كانت في الانتظار. كان هناك عدد كبير على متن شالنجر، كانوا ينتظرون كذلك. كانوا محبطين بعض الشيء وهم يرون وصولنا نحن الثلاثة. كانوا يأملون وصول بعض الايرلنديين، لكن هؤلاء اختاروا في النهاية التخلي والعودة الى ديارهم، صعدنا على متن الباخرة، نتبادل التحايا فيما بيننا، ونتعرف بسرعة على الالتزام بالقواعد المعمول بها، كنا شبه محاصرين ، في كل مكان أكياس بلاستيكية بداخلها أحذية، لكن كان الجو العام جيدا وهادئا. كل نقط الاستفهام والتساؤلات رفعت فجأت، في الساعة الخامسة بعد الظهر، انطلق المحركان القويان للباخرة وسط صوت مدوي، لقد انطلقنا.
الساعة الحادية عشرة ليلا
جلست على كرسي، في السطح الخلفي. لم تكن الرياح تهب بقوة، لكن بما يكفي ليحس بعض الركاب بألم البحر. كنت ملفوفا بغطاء، كنت أنظر إلى ضوء القمر يرسم طريقا في البحر، ويواجه تصادم الامواج، والتفكير بأن التضامن يمكن فعلا أن يشبه كل شيء وأي شيء. لم نكن نتبادل الكلام كثيرا بسبب الضجيج. أغلب الناس كانوا يحاولون النوم او التمدد على الاقل. كنت أقول في داخلي، حتى الآن الرحلة هادئة بشكل رائع، ولكنه هدوء خائن.
الاحد 30 ماي
البحر في الجنوب الشرقي لقبرص - ليلا الساعة الواحدة. أنوار مترددة، قائد السفينة الذي لا استطيع تذكر اسمه خفض السرعة. هذه الانوار التي كنا نراها تلمع على مسافة معينة منا كانت أنوار باخرتين اخريين في القافلة. سنبقى الآن راسين في انتظار بزوغ النهار، حتى يتمكن اشخاص آخرون من الانتقال الى بواخر أخرى.
ولكن حتى الآن، لم أجد أي مكان لأتمدد فيه للنوم، كنت أنام بشكل متقطع فوق الكرسي المبلل. التضامن يولد في الرطوبة وفي الانتظار، وهكذا نساهم بأن يكون لآخرين سقف.
8 صباحا
البحر هدأ، توجهنا نحو أهم باخرة في القافلة، باخرة كبيرة وعلى متنها مئات الاشخاص، ناقشنا كثيرا كون الاسرائيليين سيركزون لا محالة عملهم على هذه الباخرة.
ولكن أي عمل؟ كان ذلك بطبيعة الحال السؤال الذي يتردد منذ انطلاق المشروع. لم يكن هناك أي يقين، هل ستغرق البحرية الاسرائيلية البواخر؟ أم ستطردها بالقوة؟ او ربما الحل المعقول، بأن يسمح للبواخر بالعبور وأن تستعيد اسرائيل بعضا من سمعتها المنحطة أكثر فأكثر في أعين العالم؟ لانعرف.
ولكن المحتمل، هو أن ينذرونا بالتراجع عند الاقتراب من المياه الاقليمية. وعبر أصوات مهددة تنقلها مكبرات الصوت من على قطع البحرية الاسرائيلية. اذاما رفضنا الامتثال، سيقومون لا محالة بتدمير مروحات او دفات بواخرنا قبل نقلها الى ميناء حيث يمكن إصلاحها.
الساعة الواحدة بعد الظهر
بواسطة سلم من الحبال، انتقلنا نحن الثلاثة على متن الباخرة «صوفيا»، باخرة قديمة أكلها الصدأ، يقودها طاقم مليء بالحب، احصيت 25 شخصا تقريبا على متنها، الحمولة على متنها كانت تشمل الاسمنت والحديد ومنازل جاهزة من الخشب، أشاروا لي بمقصورة سأتقاسمها مع النائب السويدي.
بعد أيام طويلة، قضيناها في نيقوسيا، أصبح هذا الأخير بمثابة صديق قديم جداً. اكتشفنا أنه لا توجد إنارة كهربائية. للقراءة يجب انتظار فرصة أخرى.
الساعة الرابعة زوالا
تجمعت القافلة، توجهت نحو غزة
الساعة السادسة مساء
تجمعنا في الزاوية، أكلة مرتجلة بين الحاويات وسطح الباخرة. اليوناني ذي الشعر الرمادي المكلف بالأمن والتنظيم على متن الباخرة بالإضافة الى الملاحة، يتكلم بصوت خافت يثير ثقة عفوية، لم تعد كلمة «انتظار» ضمن القاموس. نحن نقترب الآن. ولكن من ماذا؟ لا أحد يعرف ما سيفعله الاسرائيليون. نعرف فقط تصريحاتهم المهددة التي تقول بأن الرحلة سيتم طردها بكل الوسائل. ولكن ما معنى ذلك؟ قذائف؟ قطر قسري؟ جنود يقتحمون البواخر جوا؟ لا نعلم، لكن العنف، إذا ما وقع عنف، لن يكون من جانبنا. وما وراء الدفاع المشروع عن النفس، لن نرد. ولكن بإمكاننا أن نعقد المهمة لأي مهاجمين محتملين. وبالتالي قررنا أن نبسط أسلاكا شائكة على طول حصن السفينة. اعتدنا على وضع سترة الإنقاذ. نظمنا دوريات مراقبة. قررنا في أي مكان نلتقي إذا ما صعد جنود الى السفينة. الملجأ الأخير سيكون مقطورة القيادة، ثم جاء وقت العشاء. الطباخ مصري، قوي وضخم الجثة، يعاني من إحدى قدميه. طبخه جيد
الاثنين 31 ماي
الساعة صفر
أشارك في مهمة حراسة المنفذ بين منتصف الليل والثالثة صباحاً. كان القمر لايزال كبيراً ولو أن السحب كانت تحجبه في بعض الفترات. كان البحر هادئاً. الأضواء تتلألأ. الساعات الثلاث مرت بسرعة، اكتشفت تعبي وقت تعويضي. مازلنا بعيدين عن المياه الاقليمية التي يمكن أن يعتقد الاسرائيليون أن من حقهم الدفاع عنها. كان بإمكاني أن أنام بضع ساعات، شربت الشاي، تحدث لحظة مع أحد رجال الطاقم، يوناني، كانت انجليزيته رهيبة، لكنه مصر على معرفة ما تتحدث عنه كتبي، كانت الساعة الرابعة تقريباً عندما نمت فعلا.
الساعة الرابعة والنصف
لم أكد أنام فعلا حتى تم إيقاظي مجدداً. عندما ذهبت الى سطح الباخرة، رأيت أن الباخرة الكبيرة مضاءة بالأضواء الكاشفة. فجأة سمعت طلقات نارية. فهمت أن اسرائيل اختارت المواجهة العنيفة، في المياه الدولية.
مرت ساعة بالضبط قبل أن نرى الزوارق المطاطية القوية تقترب وعلى متنها جنود ملثمون واستولوا على الباخرة. تجمعنا في مقطورة القيادة، كان الجنود يريدون إنزالنا الى سطح السفينة. كانوا متعجلين: تأخر رجل بعض الوقت للامتثال، فتلقى على الفور صعقة كهربائية في ذراعه. سقط. رجل آخر تأخر كذلك، أصيب برصاصة مطاطية. أعتقد أن هذا يحدث بجانبي. إنها حقيقة مطلقة، أناس لم يفعلوا شيئاً يطاردون مثل قطيع ويعاقبون لتباطئهم.
تم تجميعنا وإجلاسنا على سطح السفينة، بقينا هناك طيلة 11 ساعة إلى أن رست باخرتنا بإسرائيل. بين الفينة والأخرى كان الجنود يقومون بتصويرنا، بينما ليس لهم الحق في ذلك. بإمكاني كتابة بعض الملاحظات، لكن أحد الجنود تقدم على الفور، وسألني ما الذي أكتب. كانت هذه هي المرة الوحيدة التي أحسست بالنرفزة. أجبته بأن ذلك لا يعنيه. لم أكن أرى سوى عينيه. لا أعلم بماذا كان يفكر، لكنه أدار وجهه وابتعد. 11 ساعة من دون حركة، مكومين تحت الحرارة. كان ذلك يشبه التعذيب. للذهاب للتبول كان لابد من طلب الإذن. بالنسبة للأكل، أعطونا بعض البسكوت والتفاح. لم يكن مسموحاً لنا بإعداد القهوة، بينما كان بإمكاننا إعدادها دون أن نتحرك من مكاننا. قررنا مجتمعين ألا نطلب من الجنود الترخيص بطهي الطعام. وإلا سيقومون بتصويرنا ويستعملون تلك الصور لإظهار أنهم كانوا أسخياء معنا. لذلك اقتصرنا على تناول البسكوت. فالوضعية برمتها إهانة كاملة (في غضون ذلك، كان الجنود قد جروا أسرَّة خارج المقصورات وناموا على السطح في مؤخرة الباخرة).
خلال هذه 11 ساعة، كان لدي الوقت الكافي للتفكير في خلاصة ما يجري. هوجمنا في عرض البحر، في المياه الدولية. وهذا يعني أن الاسرائيليين تصرفوا كقراصنة، لم يكونوا أفضل من القراصنة الذين يتحركون في عرض سواحل الصومال. وبمجرد ما سيطروا على قيادة السفن وبدأوا الإبحار نحو اسرائيل، يمكن القول، إننا كنا أيضاً مختطفين، هذا التدخل كان خارج القانون من البداية الى النهاية.
حاولنا التحدث فيما بيننا لفهم ما سيقع الآن. كنا مصدومين لكون الاسرائيليين اختاروا هذا «الحل» الذي يضعهم فعلا في مأزق. الجنود ينظرون إلينا، بعضهم يوهمنا أنه لا يفهم الانجليزية. في الواقع كلهم يعرفونها، كانت بينهم بعض الفتيات، كن يبدين منزعجات، ربما سيكن من بين من يفرن الى «غوا» (Goa) يتعاطون المخدرات حتى الموت بعد خدمتهم العسكرية؟ هذا يحدث دائماً.
الساعة السادسة مساء
في الميناء، في مكان ما في اسرائيل، لا أعرف أين. أنزلونا إلى اليابسة. أجبرونا على الجري في الأزقة، بين الجنود، بينما كان التلفزيون الاسرائيلي يصورنا. أعتقد أن هذا الفعل بالذات لن أغفره لهم أبداً. في هذه اللحظة ليس في أفكاري شيء آخر غير الأوغاد والحقراء.
فرقونا، لم يكن لنا الحق في التواصل فيما بيننا. فجأة تجسد بجانبي شخص من وزارة الخارجية - فهمت أنه هنا ليتأكد أنهم لا يعنفونني كثيرا. فأنا بالرغم من كل شيء معروف بعض الشيء في اسرائيل ككاتب، ترجمت للعبرية. طلب مني إن كنت بحاجة لشيء ما.
نعم، أن يتم الإفراج عني و عن جميع الآخرين أيضا، لم يرد، طلبت منه أن يرحل. تراجع بضع خطوات، ولكنه لم يرحل مع ذلك.
لم أعترف بشيء بطبيعة الحال. علمت أنه سيتم ترحيلي. الرجل الذي أخبرني بذلك أضاف أنه يقدر كتبي، أفكر بألا تترجم أعمالي أبدا إلى العبرية، إنها فكرة لم تصل بعد إلى عمقها.
يسود جو فوضوي تماما في هذا« المنفى الاستقبال». بين الفينة والأخرى يتم ضرب أحد، يرمى به أرضا، مكبلا، مقيدا. اعتقدت عدة مرات بأن لا أحد سيصدقني عندما سأحكي كل هذا. ولكن عيونا كثيرة ترى نفس ما تراه عيناي. العديدون بإمكانهم أن يقدموا شهاداتهم ،العديديون من سيصدقون أن ما أقوله حقيقي.
مثال واحد سيكون كافيا. بجانبي رفض شخص فجأة أن تأخذ بصماته. قبل أن يتم تصويره. ولكن بصماته؟ يعتبر أنه لم يقترف أي سوء. عارض، قاوم، ثم ضربه وما إن سقط أرضا حتى تم جره خارج القاعة. إلى أين؟ لا أدري، أي كلمة يمكن أن استعملها؟ مقرف؟ لاإنساني ما عليكم سوى الاختيار.
الساعة الحادية عشرة ليلا
نحن، السويديون الثلاثة. النائب، والسيدة الطبيبة وأنا - اقتدنا إلى مركز اعتقال، تم تفريقنا. رموا لنا بعض السندويتشات لها طعم ممسحة أواني بالية. الليل طويل، كان حذائي الرياضي هو وسادتي.
الثلاثاء 1 يونيو - بعد الظهر
فجأة، جمعونا أنا والنائب واخبرونا أنه سيتم اقتيادنا إلى طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا قصد طردنا. رفضنا الذهاب ما لم يخبرونا ماذا سيقع للطبيبة. وعندما علمنا أنها في طريقها كذلك إلى العودة، غادرنا زنزانتنا.
في الطائرة، أعطتني المضيفة زوج جوارب. جواربي سرقها مني أحد أفراد كومندو الجنود على متن الباخرة التي كنت فيها.
إنه وهم ينهار. وهم الجندي الإسرائيلي الشجاع والمنضبط. الآن يمكن أن نقول عنهم أنهم لصوص حقراء. لم أكن الوحيد الذي سرق. أموال، بطائق بنكية، ثياب، حاسوب، مسجل موسيقي، كل شيء صالح للسرقة. كنا كثيرين في هذه الحالة على متن هذه الباخرة التي هوجمت في الصباح الباكر من طرف جنود ملثمين لم يكونوا شيئا آخر سوى قراصنة مقنعين.
في ساعة متأخرة من الليل، وصلنا إلى السويد، تحدثت مع صحفيين، ثم جلست لحظة في الظلام أمام المنزل الذي أسكنه. رفيقي «أ» لم يقل شيئا.
في اليوم الموالي 2 يونيو، سمعت شحرورا يغرد نشيدا للذين ماتوا.
الآن، هناك كل ما تبقى فعله. حتى لا نضيع الهدف المتمثل في رفع الحصار عن غزة، هذا سيتم، وراء هذا الهدف، هناك اهداف أخرى تنتظر، القضاء على نظام الأبارتهايد ،هذا يتطلب وقتا. ولكن ليس دهرا.
عن ليبراسيون الفرنسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.