للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    تواصل الحركة الاحتجاجية بالجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف الحرب في غزة    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    حادث سير خطير بالقرب من المحكمة الابتدائية يتسبب في إصابة خمسة أشخاص    مافيات الشينوا دخلات للبلاد. طاحت وحدة كتپيراطي المكالمات    حكيمي يتوج بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    مراكش: المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    النائب المرابط إلى وزير التربية الوطنية: إحداث ثانوية بجماعة بليونش ستكون له انعكاسات جد إيجابية تربويا واجتماعيا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    أول تعليق من مدرب نهضة بركان على مواجهة الزمالك في نهائي كأس "الكاف"    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    استطلاع.. غالبية المريكانيين كيبان ليهوم أن إدارة ترامب أنجح من ديال بايدن    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«زوبعة «فرويد» في فنجان «أونفري» 2/2
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 06 - 2010

يعرض أونفري من بين ما يعرض من حجج في هجومه على فرويد، لمجموعة من المعلومات يقدّمها باعتبارها حقائق، فيقول مثلا بأن الرجل كان معجبا بموسوليني، وأنه أهداه نصا عن الحرب، وأنه تعاون مع «غورينغ» النازي في إنشاء معهد يحمل اسمه، بل وكان عضوا في لجنة تابعة للنظام النازي، وأشياء أخرى كثيرة. لست أريد أن أناقش هذه المعلومات التي أغلبها فيه نظر كما وضح المحقّقون، ولكني أريد أن أنبه إلى حجم الخلط التاريخي والثقافي الذي يسقط فيه أونفري. أول الأمور أن أحكامنا نحن اليوم حول موسوليني لم تكن هي أحكام فترة فرويد، فموسوليني الذي تحدث عنه فرويد كان موضوع إعجاب مجموعة من الساسة والمثقفين حينها، بل إن خصوما لاحقين كثرا (تشرشيل- إيزنهاور) راسلوه وأثنوا عليه، وأوربا كلها كانت ترى فيه قائدا محترما، لكن الصورة تبدلت بعد الحرب العالمية الثانية، فموسوليني الذي نعرف نحن اليوم، هو حليف هيتلر في الحرب العالمية الثانية، والحال أن فرويد لم يعش هذه الحرب ولم يعرف أطوارها، لأنه سيموت قبل اندلاعها، وبالتالي فمحاكمة مواقف فرويد من موسوليني في تلك الفترة، بمعاييرنا نحن اليوم، هو خطأ لا يغتفر لشخص يقدّم نفسه كفيلسوف، بل هو نوع من التحريض المجاني على الرجل، فالشرط في الفلسفة هو تحصيل «الوعي التاريخي»، وهذا غير متحقق مع أونفري. والغريب في الأمر أن أونفري، الذي يعتبر نفسه «نيتشويا» حيويا مدافعا عن تصور «شمسي» عن العالم، يقدم هذه الحجة نفسها في دفاعه- وعن حق تماما- عن نيتشه ضدّ كلّ من يتّهمه بكونه مهّد للنازية ، ولكنه عندما يأتي لفرويد يصيبه العمى؛ نفس الشيء يفعله حين يتهم فرويد بكونه كارها للمثلية الجنسية وأبويا متسلطا، فهو يجهد نفسه الجهد لكي يثبت حكايا وإشاعات أطلقت حينها حول فرويد من طرف خصومه في هذا الاتجاه، ولا ينتبه إلى أن بإمكان أي واحد منا أن يقول له : ماذا عن نيتشه الذي يمثل بالنسبة إليه بحسب زعمه المرجع الفلسفي الأهم ؟ أَوَلا توجد نصوص صريحة في معاداة السامية والمرأة عند نيتشه ؟ لا أعتقد أن هناك نصوصا أوضح- إذا ما أردنا أن نجمد على ظاهر النصوص كما يفعل هو ? من نصوص نيتشه بهذا المعنى، ولهذا فإني أتساءل كيف يسوّغ السيد أونفري لنفسه أن يتهم فرويد وقبله كانط بكل ذلك، ويتمحّل التمحّل في رفع التهمة عن نيتشه رغم صريح النصوص؟
لا مسوغ إلا لانتقائية، والحال أنّ الفيلسوف لا ينتقي، ولا يغفل شرط التاريخ، الفيلسوف يميز ويؤطر ويأخذ الأمور في سياقها حتى لا يخطئ، هذا إن كانت أصلا المرويات التي يحكي عن فرويد صحيحة، وإلا فجلها خاطئ كما يثبت المحققون.
التحريض الغوغائي
أثارني فيما سمعت وشاهدت عند أونفري من هذه القضية أمر آخر، هو نزعته الأخلاقوية التحريضية، بل والغوغائية في نقد فرويد، فيقول مثلا بأنّ فرويد كان على علاقة بأخت زوجته، وأنّه كان ينام في حصص العلاج، وأنه كان يطالب مرضاه بأسعار باهظة، وأن الرجل كان عاشقا للنساء، ويطالب المحللين بأن يكون المقابل غاليا ويُؤدّى عينا، ثم يستدرك بلغة غوغائية فيقول «وماذا عن الفقراء» ؟
لن أناقش مدى صحة هذه المعلومات، بل سأناقش منطق أونفري في أقواله، هبْ أنّ فرويد كان يعشق النساء، وأنه كان على علاقة بواحدة من أصهاره، وأنه كان ماجنا، ثم ماذا بعد؟ ما دخل هذه السيرة الأخلاقية السيئة في المعرفة ؟ هايدغر أيضا كان على علاقة بحنّا أريندت طالبته، ونيتشه عشق زوجة صديقه كوزيما فاغنر، وسارتر عاشر دوبوفوار دون أي رابط، وقبل هؤلاء جميعا كان سقراط يفتخر بالفتيان الذين يحبّ، فهل يغير هذا من الأمر شيئا؟
قد أقبل هذا النقد من شخص أخلاقوي يحب محاكمة الحياة الخاصة للناس، أو من رجل دين يحب أن يفرض على الناس تصورا خاصا عن العلاقة بالجنس و الجسد ، وأما من شخص يدعي تجاوز الأساس الأخلاقي للدين، ويعتبر نفسه سليلا للتيارات الوثنية païennes القديمة، وأنه داعية حرية، وأنه سليل برودون وغويو، ثم يعمد إلى تحريض غرائز الناس الأخلاقوية على فرويد بهذا الجهد، فهذا مدعاة للعجب. وكأن السيد أونفري لا يعرف بأن الحياة الخاصة للأشخاص لا دخل فيها لأحد، وأن كل ما يحصل في العالم الحديث بين شخصين بالغين عاقلين برضاهما هو مقبول؛ وشيئان لا يناقشان عند العقلاء: حرية العقيدة، وحرية الاختيارات الجنسية، وكل ضرب أو تشكيك في هذه الحرية هو مزايدة أخلاقوية تمتح من الأساس الديكتاتوري للدين، وإلا فليكفّ السيد أونفري عن تمجيد الماركيز «دو ساد» و»ساشر مازوش» ونيتشه كما يفعل في نصوصه، وليعلن نفسه كما هو، أخلاقويا دينيا.
أما بخصوص القول بأن فرويد كان يدعو لأداء مقابل باهظ مقابل حصصه، ونقدا، فذلك لاعتبارات تتعلق بالتحليل النفسي ذاته، وتلك من التقنيات التي تعتمد حتى لا يحصل «التحويل» transfert، إذ إن العلاج يفشل حين يحس المعالج بأن بينه وبين المحلل علاقة إنسانية؛ و التذكير بموضوعية العلاقة يحصل في لحظة الأداء، وأن لا يفهم شخص في حجم أونفري هذه الحقيقة فهذا أمر مؤسف، وأن تكون حجته في ذلك كله هي أن يقول أمام المشاهدين في برنامج تلفزي «وماذا عن الفقراء ؟» فهذا مؤسف أكثر، لأن هذا مجرد تحريض غوغائي، وإلا فإن الفقر والغنى نسبيّان جدّا، ومقدار الحصة يتحدد قياسا لمدخول المريض نفسه.
وبما أن أنفري من القائلين بأن حياة الأشخاص هي فكرهم، وبما أنه يحب أن يحاكم الفكر بالحياة، وأنا أوافق على جزء كبير من هذه الفكرة؛ فقد كان عليه أن ينظر في نهاية فرويد مثلا، كان عليه أن يعود لنص إدمونسون ويحكي تجربة موت سيغموند فرويد، فشخصيا لا أكاد أجد فيلسوفا قبِل بتلك الرفعة فكرة الموت كما فعل فرويد، إذ بعد أن اضطر للنزوح من بلده إلى المنفى، وإصابته بسرطان الفك، بدأ فكه يتآكل، وكان في الفترة الأخيرة من حياته منعزلا لا أحد يقربه حتى كلابه، بسبب الرائحة المقززة التي كانت تصدر من فكه، فاختار وبروح رواقية عالية، أن يضع حدا لحياته بحقنة، وبرضىً تام، وما أظنّ من يختار مصيرا كهذا ويقبل به إنسانا مريضا أو استغلاليا أو صغير النفس كما يزعم أونفري.
قبل أن أختم واستباقا لما سيأتي في نص تفصيلي قادم، أودّ أن أطرح سؤالا أخيرا. في ماذا يصب هذا الهجوم الشرس على التحليل النفسي؟ إلى ماذا يؤدي كل هذا الهجوم المدجج بكل وسائل الدعاية والإعلام والذي ليس هجوم أونفري إلا حلقة واحدة فيه؟
يصب في نظري في شيء واحد هو تقوية دعوى العلاج السلوكي التقني المباشر، وتحويل العلاج إلى قضية كيميائية ترعاها شركات الأدوية العابرة للقارات (عدد كبير من نصوص الكتاب الأسود للتحليل النفسي كان دعاية مباشرة للعلاج السلوكي ومدحا لنتائجه)؛ وتقوية الرأسمال ومجتمع التدبير التقني للحشود، وهو المجتمع الذي ما فتئ السيد أونفري، وللمفارقة، يعلن أنه يشتغل ضده، ويسعى لتقويضه؛ والرهان ليس بسيطا إذا علمنا أن في فرنسا وحدها هناك أكثر من ثمانية مليون شخص تحت رعاية التحليل النفسي أو أشكال العلاج المشتقة منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.