رئيس جمعية حماية المال العام ينتفض في وجه وهبي    مستندات ووثائق ترامب.. أسرار نووية ومخططات حربية في الحمام وغرفة النوم    كولومبيا.. العثور على 4 أطفال أحياء بعد 40 يوما من تحطم طائرة    لماذا قطع الدولي المغربي سفيان أمرابط بثا مباشرا؟    سائح عربي يستغل قاصرين جنسيا بالبيضاء    تنقيط الشرطة لمواطنة أجنبية يفجر مفاجأة    الشيخ بقلال: "ويأبى الله إلا أن يتم نوره".. مع كل محاولة لإطفاء نور الله يتجدد الإباء الإلهي    إسطنبول.. قرابة 16 ألف شرطي لتأمين نهائي دوري أبطال أوروبا    خبير فرنسي: البوليساريو منظمة "إجرامية" و"خطيرة" على الأمن الإقليمي فشمال إفريقيا    نهائي العصبة... الوداد باغي يكمل المهمة ويجيب اللقب الثاني على التوالي    تساقطات مطرية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ها شحال من واحد زار المعرض الدولي للنشر اللي شفراتو الرباط لكازا ف8 يام    جبران: نسينا ماتش الذهاب بالقاهرة وهدفنا أن الوداد تربح العصبة فكازا    قلة النوم تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    ديالو يترأس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم    منتخب المغرب يواصل الحصص التدريبية لملاقاة الرأس الأخضر وجنوب إفريقيا    تقرير يسجل ارتفاع الأثمان بمدينة تطوان    القوات الصومالية تحرر رهائن بمقديشو    السعودية تشيد بجهود المغرب في الملف الليبي    معرض الكتاب في المغرب.. في البحث عن المغزى    ضبط شخص بميناء الجزيرة الخضراء متوجها إلى طنجة بحواسيب مسروقة    صيادلة ينددون باعتقال زملائهم بسبب أدوية العلاج النفسي    عقار تجريبي " لعلاج السرطان يبطئ تطوّر تصلب الشرايين    سلطات طنجة تضبط آلاف قنينات "الخمر الفاسد" بمحل تجاري بالكورنيش    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تكرم ثلة من إعلامييها الرائدين في معرض الكتاب    الأسد الإفريقي .. فرقة موسيقية تابعة للحرس الوطني الأمريكي تمتع جمهور أكادير    تقرير رسمي : 10 أحزاب سياسة مولت مصاريف حملتها الانتخابية من الدعم العمومي    منع مرات بوعشرين من مغادرة المغرب.. الفرقة الوطنية خدات ليها الباسبور    شرطة بلقصيري تُسقط في مصيدتها مروج مخدرات    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تكرم عددا من رواد لجنة إحياء ذاكرتها الإعلامية    رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جونسون يستقيل من البرلمان على خلفية فضيحة "بارتي غيت"    تركيا..مقتل 5 عمال في انفجار بمصنع للصواريخ والمتفجرات بأنقرة    الفائز بجائزة نوبل الروائي النيجيري سوينكا من الرباط: الادب وسيلة من وسائل النضال    توقيف متسولة قرب مسجد بأكادير يفجر مفاجأة    التحقيق مع قاتلة زوجها قبل 11 عاما يكشف مجزرة بالتسلسل وشخصية ضحية جديد مفاجأة (صورة)    أشغال اجتماعات اللجان في البلمان العربي.. هذه تفاصيل المشاركة المغربية    دراسة طبية تكتشف أسباب وعلاج ضغط الدم    "ليكيمبي".. دواء جديد لعلاج "الزهايمر" يحصل على موافقة من لجنة أميركية    المغرب يحتضن ورشات للتدريب النووي    استعداداً لموسم الحج..رفع كسوة الكعبة بالديار المقدسة    المغرب يدين بشدة الاعتداءات الجبانة على بوركينا فاسو    تقرير رسمي: 77 في المائة من نفقات الحملات الانتخابات الجماعية كانت للطبع ودعم المرشحين والدعاية    "كاف" يكشف عن الشعار الرسمي لكأس أمم إفريقيا "كوت ديفوار 2023"    حضور السيدة مرسيدس ليون المديرة العامة لمجلس غرف الأندلس في مراسيم تحيين اتفاقية التعاون والشراكة بين غرفة التجارة والصناعة والخدمات للشرق    الناظور...تنظيم ورشتين تكوينيتين حول: "التسويق الرقمي وتقنيات البيع عبر الأنترنيت"    الرياض تحتضن غدا الأحد الدورة العاشرة لمؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين    الكاتب المغربي عبد الصمد المنصوري يوثق للحركة الوطنية بالعرائش    المنتخب المغربي يتأهل إلى ربع نهائي بطولة كأس العرب لكرة القدم داخل القاعة بجدة رياضة    عيد الأضحى .. ترقب وصول 15 ألف رأس من رومانيا    اتفاق وقف موقت لإطلاق النار بين الحكومة الكولومبية ومتمردي "جيش التحرير الوطني"    عندو طقوس خاصة للبيع.. سوريز كيوصل ملايين الدولارات وكيتباع غير فالمزاد العلني    فرقة عسكرية أمريكية تُشنف أسماع "الأسد الإفريقي" بأنغام موسيقى الجاز    المغرب يسجل 102 إصابة بكورونا في أسبوع    مستجدات أزمة تذاكر الحجاج.. وزارة السياحة تدخل على الخط    قراءة في رواية سحابة وبحيرة لمحمد أنفلوس    تقديم الوثائقي "من أجل خديجة" لمغني الراب المغربي فرانش مونتانا قريبا في نيويورك    المرحوم الداعية العياشي أفيلال... شهادة محب في حق الشيخ المحبوب (الحلقة 43)    الحسيمة .. حفل لتوديع الحجاج المتوجهين إلى الديار المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية الأنا للآخر في الخطاب السفاري المغربي خلال القرن 19 م : «تحفة الملك العزيز بمملكة باريز» نموذجا (الحاج إدريس بن الوزير سيدي محمد ابن إدريس العمراوي)
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 14 - 09 - 2010

يعتبر مغرب القرن 19 م نتاج تطور تاريخي داخلي من جهة ، و ضغوط خارجية عليه بلغت أوجها نهاية القرن 19 و أفضت الى استعماره من طرف فرنسا و اسبانيا من جهة أخرى . لم يكن لتلك الضغوط الأوربية على المغرب أن تتوج باستعماره من طرف القوى الأجنبية لو لم تكن بنياته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية متأخرة و متخلفة تعاني منذ زمن طويل من تناقضات مستعصية لم تجد لها حلا في اتجاه التطور الرأسمالي العالمي آنئذ . لذا فإن الإجماع الأساسي حول مغرب القرن 19 يكمن في كونه مغرب الصدمة مع الحداثة الأوربية ، و مغرب الصدمة مع الأجنبي من خلال هزيمتين عسكريتين لا تفصل بينهما سوى ست عشرة سنة : هزيمة ايسلي أمام فرنسا سنة 1844 ، و هزيمة حرب تطوان أمام اسبانيا سنة 1860 . هاتان الهزيمتان العسكريتان المتواليتان جعلتا المخزن المغربي ، و النخبة المغربية يطرحان تساؤلات حول أسباب توالي هذه الهزات العسكرية على المغرب التي أثبتت مدى تجذر أزمة الدولة و المجتمع في مغرب القرن 19 .
كان الاصطدام بالأجنبي محطة تاريخية استوقفت الرحالة المغاربة كثيرا خلال هذه الفترة، خاصة على مستوى نظرة الأنا المغربية للآخر الأجنبي ، و التي كرست ضعف الأنا ، و انهزاميته في مقابل تفوق الآخر على جميع المستويات ، و استيعابه لمعطيات المرحلة ، و مواكبته للتطور العالمي اقتصاديا . و إذا كنا قد قدمنا في المقال السابق ( خطاب الرحلات السفارية المغربية خلال القرن 19 م : «الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية» نموذجا ، جريدة الاتحاد الاشتراكي العدد 9557 ) ، رؤية الأنا للآخر من خلال نموذج أبي الجمال محمد الطاهر الفاسي ، و التي كانت أكثر انغلاقا ، و محافظة و معاداة للانفتاح على أوربا ؛ فإننا في هذا المقال سنقف على وجهة نظر أخرى بمنظار أكثر استيعابا للحظة الهزيمة ، و أكثر انفتاحا على الأخذ بمقومات الحداثة الأوربية ، و الاستفادة منها كأساس لتحديث المجتمع المغربي أو على الأقل كأساس لتحديث الدولة المخزنية . هذا النموذج الذي سنتناوله هو رحلة « تحفة الملك العزيز بمملكة باريز « للكاتب الوزير : الحاج ادريس بن الوزير سيدي محمد ابن ادريس العمراوي ، حيث سنحاول من خلالها تتبع نظرة الجناح المتنور داخل المخزن المغربي لمظاهر الحداثة الأوربية في فرنسا ، و مواقفه منها و تصوراته للأسس الحداثية الأوربية التي كان من الممكن للمخزن المغربي الاستفادة منها في أفق توظيفها لتطوير بنيات الدولة المغربية خلال القرن 19 م .
تتناول «رحلة الملك العزيز بمملكة باريز» لادريس بن الوزير سيدي محمد ابن ادريس العمراوي موضوع البعثة السفارية المغربية التي أرسلها سيدي محمد بن عبد الرحمان مباشرة بعد حرب تطوان سنة 1860 إلى فرنسا في عهد نابليون الثالث . قام ادريس العمراوي في الرحلة بمحاولة نقل أحوال المجتمع الفرنسي إبان عهد نابليون الثالث ، لذلك اهتم بوصف أوضاع المجتمع الفرنسي ، و بعض مقومات الحداثة الفرنسية على النحو الذي تجلت له في عدد من المظاهر الاجتماعية و العمرانية و السياسية و التيكنولوجية . لهذا فإننا سنقسم الرحلة إلى ثلاثة أقسام :
* القسم الأول : الجانب السياسي و العسكري : أورد العمراوي معلومات مفصلة عن واقع فرنسا السياسي سواء تعلق الأمر برجالات الدولة أم بمؤسساتها . و قد انبهر السفير بشخصية نابليون و فصل الكلام عنه و خصه بأوصاف مثيرة ، كما أعجب العمراوي بالنظام البرلماني الذي كانت تتبعه فرنسا و ركز على الطريقة التي تسير بها الشؤون العامة فيها . أما الجانب العسكري فقد خصص له العمراوي ثمانية صفحات من رحلته حيث ركز على الجيش الفرنسي و تنظيماته ، و قوانينه و تقنياته و قد كان هذا الاهتمام الكبير من طرف العمراوي بهذا الجانب مسألة طبيعية بحكم أنه عاش هزيمة الجيش المغربي في حرب تطوان ؛ مما خلف أثرا سيئا في نفسية النخبة المغربية آنذاك . لقد كان الوصف الحي الذي قدمه العمراوي للمؤسسة العسكرية الفرنسية يوحي بنقد مبطن و غير مباشر لأوضاع الجيش المغربي في تلك الفترة .
* القسم الثاني : الجانب الاقتصادي و المالي : اهتم خلاله العمراوي بالميدان الفلاحي خاصة الفلاحة الصناعية حيث أعطى تفاصيل عن البعد الصناعي للقطاع الفلاحي ، و فصل الكلام في العلاقة مابين الدولة الرأسمالية الليبرالية ، و البرجوازية التي ساهمت في تطوير النشاط الاقتصادي بسبب استفادة الدولة من خبرتها . هكذا يلاحظ أن العمراوي ركز بشكل كبير على فئة التجار أو البرجوازية باعتبارها عصب النشاط الاقتصادي و المالي بفرنسا .
* القسم الثالث : الجانب التكنولوجي و الاختراعات : في هذا الجانب وصف العمراوي أبرز المستحدثات التكنولوجية الموجودة بفرنسا، حيث خصص أربع صفحات من رحلته لبابور البر، فدقق في أوصاف القاطرة البخارية ، و اهتم العمراوي أيضا بوصف دار الطباعة . إن أهم ما استرعى اهتمام العمراوي و اعتبره أداة لمعرفة ما يجري في العالم و بسرعة مذهلة اختراعهم للتليغراف الذي قام بتفصيل الحديث عنه و وصفه .
يظهر من خلال دراستنا لهذا الرحلة أن ادريس العمراوي من رجال المخزن المتفتحين على الحداثة الأوربية ، و الذين كانوا يودون اقتباس بعض جوانبها كسبيل لابد منه لتقوية الدولة ، و صيانة الاستقلال الوطني . الثابت من خلال قراءة متن الرحلة أن ادريس العمراوي كان مطلعا على رحلة رفاعة الطهطاوي : «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» بدليل أن رؤية الطهطاوي الليبرالية قد ساهمت بقدر ما في صياغة موقف العمراوي من الحداثة الأوربية ، و خطابه الداعي إلى الأخذ بمقومات الحداثة في فرنسا . و رغم هذا الخطاب الحداثي الذي يظهر في رحلة العمراوي، فإن خلفيته الدينية ظلت حاضرة ، فالعديد من الأحكام التي أصدرها من خلال مشاهداته كانت نابعة من خلفيته الفكرية المؤسسة على النزعة الفقهية السنية الأشعرية و لعل أبرز مثال على ذلك ما جاء في الصفحة 94 من الرحلة عند وصفه للمرأة الفرنسية قائلا : «وقد ذكر لنا أن لباريز ثلاثين ألف عاهر كلهن بأيديهن ورقات من المخزن بالإذن في ذلك و لهن ترتيب في تعاطيه و هذا العدد دون المشتهرات به ... « . بالإضافة إلى ذلك فإن العمراوي لم يمكث في فرنسا إلا أسابيع قليلة و لم يكن يعرف الفرنسية لغة أو أدبا و مذاهب فكرية و فلسفية و فنية و كل ما أدركه العمراوي من معارف عن الآخر إنما أدركه من خلال مشاهداته و تأويلاته و من خلال أقاويل المترجم الذي كان يرافقه أثناء الرحلة ؛ و أيضا من خلال ما استقر في وعيه من انطباعات بعد قراءته لتلخيص الإبريز للطهطاوي .
إن المتتبع لمسار الخطاب السفاري في مغرب القرن 19 م يلاحظ مدى التأرجح الذي عرفه هذا الخطاب بين تيار نازع نحو التجديد ، متفتح على أوربا ، و مقتنع بملحاحية استلهام حداثتها التكنولوجية ، و حسن تنظيماتها العسكرية و الإدارية بحيث لا يرى غضاضة في الاستعانة بالأوربيين و التعلم منهم و الدراسة في مدارسهم . و تيار محافظ ، تقليدي ، مناهض للانفتاح على أوربا ، رافض لاستلهام حداثتها في سبيل تحديث المغرب ، و تجديد كيانه و لم يكن هذا التيار يرى في إدخال التحديث على النمط الأوربي إلا علامة على تفكيك مدمر للبنيات المجتمعية التقليدية السائدة التي يستفيد منها . مما يدفعنا إلى الاستنتاج بأن رد فعل النخبة المغربية على صدمة الحداثة الأوربية لم يكن ملائما بحيث يجعلها قادرة على فهم مطابق لمقومات تلك الحداثة ، و امتلاك وعي عقلاني كوني قادر على استيعاب طبيعة العصر ، و رسم استراتيجية تحديثية هادفة إلى تحقيق نهضة المجتمع المغربي و المحافظة على استقلاله الوطني ، و هو الذي يعتبر سببا أساسيا في تردد المخزن المغربي في تبني برنامج إصلاح واضح كان بإمكانه لو تحقق على أرض الواقع أن يساهم في إعادة بناء البنيات السوسيو اقتصادية و الثقافية لمجتمع مغرب القرن 19 .
* طالب باحث
كلية الآداب عين الشق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.