شكل الإعلان عن تأسيس نقابة تابعة لحزب العدالة والتنمية، في التعليم العالي، صدمة لأساتذة هذا القطاع وللحركة النقابية، لأنه يمثل سابقة خطيرة على كل المستويات. المستوى الأول هو أن أية حكومة مغربية، سابقة، وفي عز سنوات القمع والرصاص، لم تقدم على أية خطوة من هذا القبيل، بل ظل الجميع يحترم وحدة هذه النقابة، ويتعامل معها كمخاطب في هذا القطاع، رغم أن توجهاتها كانت باستمرار مناقضة للتوجهات الرسمية، الأمر الذي لم يكن يهضم بسهولة في سنوات خلت. المستوى الثاني ويتجلى في أن هذه النقابة، تمكنت بفعل النضج الكبير لمكوناتها من نساء ورجال التعليم العالي، من التعايش رغم الاختلافات في المواقف والمشارب والانتماءات. وقدمت بذلك نموذجا في الوحدة والديمقراطية والقدرة على تجميع كل القوى، خدمة لأهدافها النبيلة والمتمثلة في الدفاع عن مطالب العاملين في التعليم العالي وتطوير البحث العلمي، والارتقاء بهذا القطاع إلى مصاف البلدان المتقدمة في العلم والثقافة والمعرفة. المستوى الثالث، ويتمثل في النموذج السيء والمنحى التراجعي الذي ترمز إليه الخطوة، التي أقدم عليها هذا الحزب، حيث أن التوجه العام الذي تسعى إليه كل قطاعات الشغيلة، هو الحفاظ على الوحدة النقابية أو على الأقل، تعزيز التنسيق في ما بينها، ومحاربة كل أنواع الانقسامات. لقد كان المرحوم الزعيم الوطني، علال الفاسي، يحضر اجتماعات هذه النقابة في مقر الاتحاد المغربي للشغل، كدلالة على احترام وحدة هذا الإطار العالي. ضد هذا التيار يسبح حزب العدالة والتنمية، بل أكثر من ذلك إنه يفتح الباب أمام ممارسة خطيرة وغير مسبوقة ولا يمكن قبولها في دولة تصبو نحو الديمقراطية، وهي أن يعمل الوزير المشرف على قطاع معين، بالدفع نحو تأسيس نقابة تابعة لحزبه. إن تكريس هذه الممارسة يعني التدخل السافر من طرف الحكومة في تقسيم العمل النقابي، والتشجيع على الانشقاقات وضرب الوحدة النقابية، أي الدفع نحو التشرذم، مما يشكل خطرا حقيقيا على دولة المؤسسات. هل سيصبح كل من خسر انتخابات في نقابة أو حزب أو جمعية، منشقا؟ إلى أين ستسير بلادنا لو أصبحت هذه هي القاعدة؟ ثم ماهي الأسس الفكرية والمشاريع التي تبرر تأسيس نقابة جديدة في التعليم العالي؟ حتما إن لدى العدالة والتنمية مبررات، على رأسها التوجه الإيديولوجي، الذي يسعى إلى محاولة خلق تقاطب في المجتمع، بين الرجعية والحداثة وهذه المرة اختار الساحة التي سيخسر فيها بامتياز لأن الجامعة والتعليم العالي، فضاء للحداثة والعقلانية وحرية الفكر.