يبدو أن المجلس العلمي الأعلى أضحت تؤرقه قضية السلفية ومفهومها الخاطئ وضاق درعا بهذا المفهوم الخاطئ ، إذ أصبح شائعا لدى العديد من الناس في البلاد، وما نتج عن هذا الشيوع للمفهوم الخاطئ، ولجوء طائفة لذلك من أجل استغلال هذا المسمى "السلفية" من أجل إعطاء مشروعية لأفعالهم وأعمالهم، لذلك استدعت هذه المؤسسة الدينية عددا من العلماء والفضلاء والمفكرين، ذكورا وأناثا، للحضور إلى ندوة علمية حول "السلفية تحقيق المفهوم وبيان المضمون" يوم أمس بالرباط. دوافع البحث في هذه القضية بالنسبة للمجلس العلمي الأعلى تتمثل في أولا تجلية اللبس والاختلاف الحاصل في مفهوم السلفية وتقرير الحق والصواب في شأنه، هذا اللبس والاختلاف الذي أدى في كثير من مواقع الأمة إلى إثارة الفوضى والفتن تصورا وممارسة، ثانيا لدحض الشبهات التي علقت بأذهان الكثيرين عن هذا المفهوم الذي يرمز إلى مرحلة أجمعت الأمة على أنها مرحلة أفضل وأزهى مرحلة للمسلمين من حيث انضباط وصحة تدينهم. ودوافع أخرى تقف وراء تنظيم هذه الندوة تتجسد في رفع المعرة و النبز الذين التصقا بالراغبين في الاتصاف بالسلفية، وأسباب هذا الاتصاف منها ما يعود إلى المتصف نفسه جراء قصور في الفهم والعمل، ومنها ما يعود إلى التدافع الفكري والمذهبي، بالإضافة إلى رد الاعتبار للرصيد العلمي و القيمي المشترك والعام الذي يهم الأمة كلها وليس طوائف أو فرقا منها فحسب، فضلا عن تبديد الانحراف الفكري القائم أساس على اضطراب لموازين وفهم مقاصد الإسلام على غير وجهها الصحيح. فهذا ما أكده محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الذي افتتح هذه الندوة العلمية بكلمة، إذ قال فيها "عندما تتعرض الحقائق - أيا كان سبيلها - للانتهاك والتحريف، وسوء التوظيف، ولاسيما من جنس ما يتأذى بتحريفه وتزويره إيمان المؤمنين وورع المتقين، وينساق دهماء الناس وغوغائهم وراء كل ناعق به، فإن الخائفين على عقد الأمة من الانتثار ينتفضون غيرة، ويغضبون حمية وانتصارا للشرعية وتحقيق الحق وإزهاق الباطل ودرءا للمفاسد واستجلابا للمصالح، بالتربية والتهذيب والتقويم حينا، وبالحجة الدامغة والحكمة البالغة حينا آخر تذكيرا وتبصيرا وتنويرا وتوجيها وتفقيها". وأوضح يسف بنفس المناسبة أن موضوع "السلفية" الذي كان قبل يوم الناس هذا بردا وسلاما على القلوب المؤمنة، عاد اليوم غولا مفترسا، وكائنا غريبا له تشكلات وتمثلات لا يدرك كنهها ولا يحصى عددها، ولا يدري أحد عاقبة أمرها، ووقع الناس بسببها في حرج كبير، يتساءلون عن ماهيتها وحقيقة أمرها، وأين هو الحق منها حتى يمكن إتباعه؟ وأين هو الباطل حتى يتأتى اجتنابه؟ ومن جهته سجل أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن بتنظيم هذه الندوة، فالعلماء يقومون بواجبهم لتبيان الأمر فيما ينبغي تبيانه في هذه القضية التي لا يجوز أن يسود فيها الالتباس، مبرزا أن السلفية كما عرفتها الأمة، هم الجماعة والجماعة يعني لدى المسلمين هي الأغلبية التي تقابلها الأقلية. وذكر التوفيق أن هذه الندوة تتوخى أن تذكر المغاربة وتقرر أن المغاربة اليوم كأمس سلفيون، ومن جهة أخرى لتوجيه تحية الإكبار لكل جماعة مرشدة تتمسك بتوابث الدين ولا تظهر في أعمالها أي تشنج ولا إحراج ولا ضيق. وبالنسبة لمصطفى بنحمزة رئيس المجلس المحلي لوجدة ، يعتبر الانتساب إلى السلفية أمرا جامعا وانتماءا مشتركا بين جميع أهل السنة والجماعة، على قدر التساوي والتواطؤ لا على قدر التشكيك والتفاوت كما يقول المناطقة، مضيفا في هذا السياق على أن ليس هناك تفاضل بين أهل السنة في الانتساب إلى السلفية مثلما لا يتفاضلون في الانتساب إلى جامعة أهل السنة والجماعة. وأبرز بنحمزة في مداخلة له بعنوان "سلفية الأمة وسلفية الفئة والنموذج المغربي" في الجلسة الأولى من الندوة التي ترأسها أحمد الخمليشي، أنه خلال تاريخ طويل ضل الانتساب إلى أهل السنة والجماعة عامل توحيد لقوى الأمة، ومجالا واسعا يستوعب كل من يقفون ضد بدع الشيعة والخوارج والمعتزلة. وبخصوص النموذج المغربي للسلفية شدد بن حمزة أن هذا النموذج لم ينقطع منذ أن حسم المغرب الموقف مع كثير من المذاهب العقدية إلى أوجدت لها موطأ قدم في المغرب ومنها: مذهب الخوارج والشيعة والمعتزلة، فتم ذلك بعد جهد علمي قوي ليصبح مذهب المغاربة مذهبا سنيا أشعريا مالكيا، فلم يبق مدخلا للابتداع العقدي، موضحا في هذا الصدد أن خلال العصر الحديثة انبعثت السلفية في المغرب قاصدة إلى مواجهة كل مظاهر الابتداع و الشذوذ وعاملة على رد المجتمع إلى الكتاب والسنة في نصاعتهما، وعاملة على تحرير الإنسان والأرض من سلطة الاستعمار فكانت سلفية المغرب سلفية علمية وعملية ونضالية جامعة حريصة على التجميع والتأليف. وعرفت هذه الندوة جلستين علميتين تدخل فيهما عدد من العلماء حول مذهب السلف وسلفية بعض من خلف، ثم عرض حول المذهب الشعري: مذهب السلف تأسيسا وتفريعا، بالإضافة الى عرض حول السلفية والإمامة العظمى، وعرض السلفية والتصوف السني، والسلفية والمذهبية، ثم السلفية بين النصية والمقاصدية وعروض أخرى.