من المحقق أن الفنان الكبير عبد القادر مطاع أو « بلفرياط» أو "الطويهر"، كما يناديه محبوه، سيشكل خلال مروره ببرنامج "رشيد شو" بالقناة الثانية إضافة نوعية إلى هذا البرنامج، ويمسح عنه الصفة والنعوت التي لاحقته طويلا. هذه الحلقة، بحق كانت استثنائية، إذ استقبلت فنانا من طراز رفيع تميز بعطاءاته الغزيرة الفذة، أثرت الساحة الفنية في المغرب بوجه عام وريبيرتواره الفني بوجه أخص. الأسئلة التي ارتجلها العلالي كانت وجيهة، حيث سلطت الضوء على مسار هذا الرجل وإن بعجالة اقتضتها مدة البرنامج. والواقع أن هرما على شاكلة الفنان عبد القادر مطاع بحاجة إلى حلقات وحلقات، بسط بلفرياط وجهة نظره في الفن وأهله، كما تعرض لمساره الحياتي والفني. رغم أن الرجل كان قيصرا في مجال الإشهار بشكل لا يجرؤ أحد أن يقف موقف الند إزاءه، وأذكر له من تلك الوصلات الشهيرة، والتي تجاوزت 30 ألف وصلة، وصلة "أنا العاود البيض يا بابا" التي كانت تطربنا ومازالت عالقة بأذهاننا كلما رأيناه أو ذُكر، إلا أنه يظهر عند كل إبداء تقدير واحترام كبير بأنه متواضع وأنه إنما يسعى لأن يكون عند حسن جمهوره الذي به وله يعيش. وما لا يعرفه الكثيرون، أن الله حبا هذا الفنان الهرم صوتا مميزا، أهله لأن يختار كأول صوت أذيع ب " ميدي 1." ويأبى المسؤولون إلا أن يمسي هذا الفنان المتألق، في الظل آخر أيامه الفنية. ويأبى بلفرياط إلا أن يتحدى الجحود ونكران الجميل بالكفاف والعفاف. فالذي وهبه الموهبة في الأداء والصوت حتى حظي بحب كثير من الناس، قادر على أن يضيف إلى ذلك قوة الصبر والتحمل، بل والإسهام في النهوض بالفن الراقي الذي يعرفه المغاربة. ولعل ما يلفت الانتباه، بل ما يجعل كثيرا من المغاربة حانقين غاضبين، أن لا يُلتفَت إلى هذه الشمعة التي أضاءت كثيرا واليوم تذوب ببطء أمام ناظري المسؤولين. ففقدان البصر ليس بشيئ هين، فمن شأنه أن يكبل انطلاقة وتحركات هذا الهرم. ولذلك فمن اللازم أن يؤخذ وضع الرجل بالاعتبار، فهو ليس ككل الرجال إن على مستوى عطاءاته الغزيرة أو بالنسبة لتاريخه وتاريخ أسرته المناضلة والمقاومة الني دفعت من وقتها وجهدها ونفيسها من أجل استقلال هذا الوطن الذي نحبه جميعا. لم تغن عبد القادر التراكمات التي راكمها في المجال الفني عن أن يرفل في الفاقة والعوزوالحاجة، إلى درجة أن القضاء المغربي حكم عليه بالإفراغ من المنزل الذي كان يعيش فيه لسنوات، وتفتقت فيه موهبته، مما دعا جلالة الملك محمد السادس إلى منحه شقة يعيش فيها الآن. لكن ولأنه فنان حقيقي له رؤية خاصة بالحياة وبمفهوم الثروة، يقول الفنان الكبير عبد القادر مطاع "أنا أكبر مزلوط" لكن غني بحب الناس. وعشت الحياة، وسافرت كثيرا، وهذا يساوي كل شيء. هذه النظرة لا تصدر إلا عن فنان حقيقي، لكن رغم ذلك لا يعفي الدولة من التفاتة كريمة للرجل، الذي يستحقها عن جدارة واستحقاق، خاصة في ظل تنامي ظاهرة ما يشبه الفنانين الذين ينشرون الميوعة ويتم احتضانهم بشكل لافت من طرف مؤسسات الدولة أو من طرف الشركات المقربة من صنع القرار من خلال تمكينهم من الإشهار بعشرات الملايين في الوصلة الإشهارية الواحدة. وفي برنامج "رشيد شو"، تأسف مطاع عن عدم استكمال مشواره الفني رغم العطاءات الكبيرة التي منحها للمغرب والمغاربة، وهذا يترجم فعلا مكانة وتواضع الكبار، ولم يستثن انتقاد ما أسماها بالصحافة المضللة التي تدافع وتحتضن الرداءة، بل وصلت الوقاحة إلى نشر خبر وفاته وهو مازال على قيد الحياة. وانتقد بشدة عدم الاستفادة من الفنان و المبدع العربي اليعقوبي في تأطير وتكوين أجيال في مجال «الكوستيم»، واعتبرها كارثة وسذاجة من المسؤولين. كما اعتبر السينما بمثابة رموز وإشارات وليست بذلك الشكل السطحي كما يتوهم البعض. هناك خطوط حمراء يقول مطاع يتعين ألا يتم تجاوزها،معرجا على السياسة الحكومية التي قال بشأنها إنه لم يحس بأي تغيير في حياته تجاهها كمواطن. هذه الحلقة فعلا حالفت النجاح، وتوفقت في اختيار الضيف المنشود على عكس بعض الحلقات التي استضافت فنانين بين مزدوجتين نكدوا على المشاهد فرجته بغرورهم ووقاحتهم وخلو ريبيرتوارهم من أعمال ناجحة وقيمة. لابد من الإشارة إلى أن حلقة مع هذا الضيف الهرم أنستنا حلقات استضافت ضيوفا وسموا البرنامج بالضحالة والميوعة وكلام الكيلو ولعْبار. نقولها إذن وبصدق ووضوح، لقد نجح "رشيد شو" في هذه الحلقة، لأنه عاد إلى جادة الصواب التي لطالما رجونا أن يسلكها. لقد استمتعنا بحلقة رشيد شو مع الفنان المقتدر عبد القادر مطاع بارك الله في عمره. فشكرا رشيد ولتستمر في اختيار النجوم الحقيقيين الذين يتلهف المغاربة على رؤيتهم والإنصات إليهم حبا وطواعية لا كرها وعلى مضض. كفى من الغثاثة، وليبدأ البرنامج طريق البحث عن الجودة والرقي بفكرنا وذائقتنا ..نحن بانتظار استضافة فنانين ترددوا في المشاركة أو اتخذوا موقفا سلبيا بسبب استضافة فنانين معطوبين، همهم الكسب وتصفية حسابات مع غيرهم وتمرير رسائل لا تهم المشاهد في شيء. وإنا لسنا ضد "النجاح" كما تُردِّد "أسّي رشيد"!