في الوهلة الأولى اعتقدت أن الأمر يتعلق بانفجار وقع في ورش بناء كان تحت مكتب جريدتي وسط أوسلو. لكن الأمر لم يكن كذلك، بل كان صوت النرويج وهي تفقد براءتها. ليس ثمة ما يميز النرويج أكثر من الشعور الدائم بالأمن والأمان. لكن هذا الشعور بالأمن تغير عشية يوم الجمعة بسبب انفجار قوي لسيارة مفخخة في قلب المباني الحكومية النرويجية ، مما خلف مجزرة في حق ما يقارب 100 شخص من الشباب المؤيد لحزب العمل. لقد أعطت هذه الأحداث النرويجيين شعورا أقوى للانتماء إلى بلدهم، حيث فقدنا الشعور بالأمن والأمان الذي تعود عليه النرويجيون. وكما أشار إلى ذلك رئيس الوزراء، جينس ستولتبيرغ، فإن الجزيرة، التي واظب على زيارتها كل صيف منذ سنة 1974 ليستضيف المخيمات الصيفية، تحولت من جنة إلى جحيم. ويتخوف الكثيرون منا أن تغير أحداث الجمعة إلى الأبد صورة النرويج، التي طالما اتسمت بالانفتاح والمساواة. من الأمور المعتادة أن تلتقي صدفة الوزراء في الشارع، أو أبرز مشاهيرنا في المحلات التجارية. هذه التلقائية المثيرة، إلى جانب انسجامنا الكبير، ظلا من مميزاتنا. بطبيعة الحال، ثمة أيضا توترات بالنرويج، ولعل أبرزها هو التحدي الذي يطرحه مشكل التأقلم مع مجتمع متعدد الثقافات. كنا عاجزين خلال عقود مضت على مواجهة بعض المشاكل الكبرى المرتبطة بالاندماج. وأعتقد اليوم أن إبراز نجاح هذا الاندماج هو التحدي الأكبر. كمسؤول عن القسم الثقافي وصفحة الآراء بأبرز صحيفة في النرويج، فإنني أطلع كل يوم على مساهمات لا تختلف من ناحية المفاهيم والمواقف السياسية عن تلك التي عبر عنها الشاب ذو الإثنين والثلاثين ربيعا في ما ينشره على مدونته، والذي يوجد حاليا رهن الاعتقال بتهمة تفجير القنبلة وارتكاب المجزرة. وغالبا ما تتضمن تلك المقالات اتهامات قوية ضد المؤسسات السياسية والإعلام على اعتبار أنها مزقت مجتمعنا ودمرت القيم والمجتمع النرويجيين. ثمة تيار خفي لمعاداة المسلمين في النرويج إلى جانب تخوف من الإرهاب الأصولي الإسلامي. كما أن تدخل النرويج في أفغانستان وقيام بعض وسائل الإعلام بنشر صور الرسول [عليه الصلاة والسلام] أدى إلى بروز تهديدات خطيرة للبلد من طرف شبكات إرهابية. وبطبيعة الحال، فإننا نعلم أن الإرهاب قد يحدث هنا، لكن عندما حدث، لم يكن بالطريقة التي توقعنا. لم يكن عمل عنف تم تدبيره في الشرق الأوسط، بل من طرف نرويجي يصف نفسه بالمسيحي الوطني هدفه محاولة تقويض التنوع الثقافي النرويجي. أنا أومن كثيرا بمجتمع عقلاني يحاول حل أصعب مشاكله من خلال خطاب حر ومنفتح وبمحرمات قليلة جدا، وباختلاف كبير بين الكلمة والفعل، وبالتالي الالتزام بالحفاظ على حرية التعبير والأفكار في أوسع حدودها. الأعمال الإرهابية لا تحترم ذلك الاختلاف، بل تسعى لمحوه. الإرهابي لوحده (إن كان يتصرف لوحده) أظهر للنرويج الثمن الباهظ لأن تكون مجتمعا منفتحا. ولقد قرر شباب حزب العمل العودة إلى الجزيرة من أجل استرجاع المستقبل الذي أراد إرهابي أن يجعله من الماضي. لكن مع ذلك، فأنا لا أستطيع التخلص من تلك الفكرة التي تقول إن صوت إطلاق النار الذي أودى بحياة حوالي مائة شاب وسياسي هو أيضا صوت الإعلان عن وقوع تغير جذري. (*) مسؤول عن القسم الثقافي وصفحة الآراء بصحيفة «أفتنبوستن» النرويجية