فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    السجن المحلي بتطوان يحتفل بالذكرى ال16 لتأسيس المندوبية    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    الزمالك المصري يتلقى ضربة قوية قبل مواجهة نهضة بركان    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري        اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكش، توأم بقلب واحد

ظلت مراكش على الدوام في أحلام الأوربيين، وكانت بالنسبة لهم تجسيدا لصورة إفريقيا الممزوجة بالشرق بكل ما يحمله ذلك من سحر وغرابة. وخلال فترة الاستعمار الفرنسي، كان الجنرال ليوطي حريصا على جعل المدينة الحمراء وجهة للسياحة الفاخرة، وعمل على توجيه أنظار باقي السياح بعيدا عنها. ورغم أن مراكش أصبحت اليوم في قلب السياحة العالمية من خلال استقطابها لزوار من مختلف الطبقات والأجناس، إلا أنها تمكنت من الحفاظ على طابع الفخامة وظلت ملاذا لاستقرار نجوم ومشاهير ينتمون إلى عوالم المال والأعمال، السياسة، كرة القدم، الفن....
على بعد حوالي خمسة عشر كيلومترا من مدينة مراكش، تمتد تمصلوحت في منطقة جافة. وكغيرها من البلدات والقرى المحيطة بعاصمة السياحة المغربية، عرفت تمصلوحت نموا متسارعا خلال العشرية الأخيرة، حتى أن ساكنتها تضاعفت حوالي ثلاث مرات. وأينما وليت وجهك، تجد منازل جديدة أو أخرى في طور البناء.، حيث لا تصادف العين إلا اللون الرمادي للإسمنت. يتذكر أحمد، وهو مؤطر زراعي يشتغل بالمنطقة: «في الماضي، لم يكن هنا غير معاصر الزيتون وورشات الحياكة. فتمصلوحت كانت مجرد قرية للمزارعين. أما اليوم، فنحن نتوفر على صيدلية، محلات بقالة، جزارات ومقاه.»
عديدون أولئك الذين اختاروا المجيء إلى تمصلوحت والعيش بها بعد أن أغرتهم فرص العمل في مدينة مراكش. بعضهم ينحدر من قرى الجنوب، والبعض الآخر قدم من مدن في الشمال كفاس ومكناس ويشتغلون في مجال الفندقة أو في البناء. ولقد ساهمت الهجرة القروية في إعمار هذه المنطقة، يقول مروان، الذي يشتغل في مقهى بمدخل تمصلوحت: «لقد أصبحت مراكش اليوم شبيهة بأوربا، فسومة الكراء ومصاريف الطعام ارتفعت بشكل كبير. كنت أعيش في المدينة، لكنني انتقلت للاستقرار هنا لأنني لم أعد قادرا على أداء واجب الكراء، الذي يقل في تمصلوحت بحوالي 30 بالمائة.» ولقد قامت شركة إسبانية بإعداد خط نقل بالحافلة يؤمن رحلات يومية بين مركز المدينة وهذه البلدة ، حيث يستقلها مجموعة من التلاميذ للالتحاق بمدارسهم الإعدادية والثانوية، كما يستقلها آباؤهم من أجل التوجه لمقرات عملهم مما ساعدهم على نمط الحياة هناك.
بين مراكش وتمصلوحت تمتد الأوراش على طول عشرات الكيلومترات. رافعات وجرافات تعمل على إعداد هذا الفضاء لاستقبال الأنشطة السياحية. وعلى الطريق، وفي مدخل قطعة أرضية شاسعة، تمت إقامة منزل نموذجي لدعوة المشترين المحتملين. هنا ،هناك، تجد صفوفا من أعمدة الإنارة التي ترسم ممرات سترى النور قريبا، وسلسلة من اللوحات الإعلانية التي تشير إلى مواقع مستقبلية لمشاريع سكنية.
مشروع «روايال بالم» سيسلم مشاريعه السكنية مع متم السنة، حيث تمت إقامته بمحيط ميدان للغولف، كما يتضمن فندقا فخما ويحيط به سور وسياج حديدي يمتدان على مساحة 230 هكتارا كلها مراقبة برجال حراسة وكاميرا المراقبة. وجاء في مطوية خاصة بهذا المشروع: «لقد تم وضع تصور لهذا المشروع بناء على أمرين أساسيين: الوعي البيئي والرقي الكبير بفن العيش». أما بالنسبة للذين لا تتوفر لديهم الوسائل الكفيلة بالعيش في هذا المكان، فثمة منازل تظهر إعلاناتها في الصحف المغربية وعلى لوحات الميترو الباريسي، لأن تهيئة هذه الضاحية تعلن ميلاد موقع سياحي مكون من شريط من الإقامات السكنية وأماكن الاستجمام، الخاصة بالراغبين في قضاء العطلة أو الباحثين عن مساكن ثانوية. زوار أوربيون يقيمون في مركز المدينة، وعمال مغاربة يعيشون في الضواحي: إنها صناعة الترفيه التي جعلت من التمييز عاملا مهيكلا لتنظيم الفضاء.
ولقد نتجت هذه الحركية في التمييز في مراكش عن تزايد اللامساواة في البلد وبعض العوامل الخارجية. فالشخصيات البارزة من النجوم ورجال الأعمال الذين يقضون أوقاتهم بالمدينة، جعلوا منها أحد أبرز الأماكن التي تستقطب النخبة الفرنسية. في يونيو 1997، اشترى برنار هنري ليفي وأرييل دومباسل من آلان دولون وميريي دارك قصر الزاهية. وفي أكتوبر 2001، وعلى بعد بضعة أمتار من هذا المكان، وفي موقع بين القصر الملكي وفندق المامونية الفخم، اقتنت السيدة آن سان كلير والسيد دومينيك ستراوس كان رياضا كبيرا. هذان النموذجان دليلان على روح التعاون والتقليد التي ساهمت في الجمع بين أفراد الطبقة العليا من المجتمع في نفس الفضاءات الحضرية.
وخلال عطل أعياد الميلاد، تتحول المدينة إلى مسرح للهجرة العالمية، فكما جاء في صحيفة الإكسبريس: «كان بريس أورتوفوه وإيرفي موران في نفس الفندق. [...] وفي الضواحي كان هناك وزراء سابقون (تييري دو بوسي، آلان كارينيون، دومينيك بويسرو)، منتخبون عن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (أوليفيي داسو)، اشتراكيون (جيروم كاوزاك وجون كريستوف كامباديلي)، ومنتمون لتيار الوسط (فرانسوا سوفادي) ومنتمون لأحزاب الدفاع عن البيئة (جون فانسون بلاسي). [...] أما برنار هنري ليفي، بيير بيرجي، ليليان بيتينكور وألبير فرير فكانوا يتوفرون على ملكيات. وفي المدينة، نصادف جون ساركوزي، يانيك نواه، ألكسندر بومبار، جون ريني فورتو، دومينيك ديسين، جون بيير إلكباش، كيوم دوران.»
وفي هذه المدينة الحمراء، التي حملت هذا اللقب بسبب ألوان أسوارها، اتخذ هذا «التكتل الفعلي» للطبقة المهيمنة طابعا خاصا. ويصف الكاتب والناشر جون بول إنتوفن إحدى فترات الإقامة التي قضاها في مسكن صديقه برنار هنري ليفي: «سرعان ما تملكني شعور بأنني لست غريبا في هذا القصر الذي تتسلل فيه خيوط الشمس عبر أعمدة الجدران والنباتات المتعرشة. شعرت أنني محمي بزليج الجدران، وبأبواب الخشب السوري وبالأسقف التي اتخذت شكل القباب. [...] مدلكون ومغنون يعرفون جيدا كيف يجعلوننا نشعر بالراحة طيلة الوقت. كتب، حفلات، حلويات «كعب الغزال»، مشروبات لذيذة تتدفق في الوقت المناسب الذي يروق لك الاستمتاع بها. وفي كل مكان تجد الثريات، المشاعل، ستائر مطرزة، أوان زجاجية تركية وإيرانية...»
يقول إيلي مويال، مهندس أملاك السيد ستراوس كان والملياردير البلجيكي فرير في مراكش: «لقد ظلت مراكش على الدوام في أحلام الأوربيين. لقد كانت بالنسبة لهم إفريقيا، اللغز، الشرق». وعلى بعد ثلاث ساعات فقط من باريس على متن الطائرة، تستمر هذه المدينة في تقديم سحرها الاستشراقي - كما كان عليه الامر في الجانب الحسي والشبقي لرسامي وكتاب القرنين التاسع عشر والعشرين. [...].
ولقد عرفت فضاءات النخيل التي زرعت إبان الدولة المرابطية خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، بعيدا عن المركز التاريخي للمدينة، تطورا كبيرا. فهذا الفضاء يحتضن في الوقت الراهن الإقامات الأميرية للعائلات الخليجية، لاعبي كرة القدم كزين الدين زيدان ودافيد بيكهام، أو حتى عارضات الأزياء كناعومي كامبل.
وعلى طول الطريق، نجد قصورا وفللا فخمة. قصور من الرمال، ضخمة وشامخة، شبيهة بتلك الخاصة بالقياد، وهي تطل على المرتفعات المحيطة بالمدينة. وأمام شرفاتها الكبيرة وأسوارها التي تخترقها العديد من الفتحات، تجد أشخاصا يمارسون العدو أو يلعبون الغولف أو بعض الجمال، مما يعطيك مشهدا تأمليا شبيها بما تراه في كاليفورنيا.
وتعود التقاليد الارستقراطية بمراكش إلى السنوات الأولى للحماية الفرنسية. حيث جاء تشييد المامونية سنة 1921 ليدشن بداية تخصص المدينة في السياحة الفاخرة. ورغم أن السلطات الاستعمارية كانت تعمل على توجيه تدفق السياح نحو المدن الساحلية (الدار البيضاء، الرباط، أكادير) وتركيز الجزء الأكبر من التجهيزات السياحية فيها، إلا أن الضابط الفرنسي وأول مقيم عام بالمغرب، إيبير ليوطي، اختار الاحتفاظ بمراكش للنخبة الاستعمارية.
ولقد تمكن المجتمع البورجوازي، الذي كان بمقدوره الانتقال من مكان إلى آخر على امتداد فصول السنة، من جعل المدينة الحمراء إحدى أفضل مناطق استقرارها. كما أن حي «إيفيرناج»، الذي يتميز بأزقته المتعامدة، تمت هندسته على شاكلة مناطق الاستجمام المعروفة إبان «الإمبراطورية الثانية». وكما هو الشأن بالنسبة ل «كان» و»دوفيل»، فإن مركزية حي «إيفيرناج» تنقسم بين الكازينو، المسرح، الفنادق الفخمة والحدائق الغنية بالأشجار والأزهار.
وحتى بعد حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، اعتمدت الدول المغربية، وحتى المستثمرون الخواص، على نفس سياسة ليوطي؛ إذ ظلت الفنادق الفخمة حاضرة بقوة في المدينة، حيث تتركز نصف الطاقة الاستيعابية لفنادق المدينة في يد فنادق أربع وخمس نجوم. كما أن افتتاح أول فندق - مطعم لمجموعة «لوسيان باريير» خارج الأراضي الفرنسية بالمدينة شاهد على هذه الخاصية المتميزة لمراكش. [...].
ولقد عملت السلطات المغربية على جعل استقرار المشاهير في المدينة وسيلة لفرض مكانتها على مستوى الأسواق السياحية العالمية، حيث تمكنت من جعل مراكش وجهة منافسة لباقي الفضاءات المطلة على الحوض المتوسطي. كما أن بعض المبادرات الملكية، كخلق المهرجان الدولي للسينما بمراكش سنة 2001 والذي يضم كل سنة في لجنة التحكيم، العديد من الشخصيات البارزة، لعبت دورا كبيرا في جعل المدينة وجهة متميزة.
والنتيجة: تزايد عدد المترددين على المدينة بالضعف تقريبا في ظرف عشر سنوات، حيث انتقل عددهم من حوالي مليون زائر سنة 2001 إلى ما يقارب مليون وثمانمائة ألف خلال سنة 2010. وكانت المدينة تتوفر على 25 فندقا سنة 1937، وانتقل العدد إلى 152 فندقا في الوقت الراهن. ويرى عبد الحميد بنطاهر، رئيس المجلس الجهوي للاستثمار، أن المدينة تستقطب 30 بالمائة من الطاقة الإيوائية على مستوى المملكة ككل. ولقد مكن انتقال اقتصاد البلد إلى التبادل الحر، الذي يشهد عليه ارتفاع وتيرة التدفق السياحي، من تحقيق النجاح على المستوى العالمي. وبفضل ذلك، تمكن النظام المغربي من احتضان المؤتمر الوزاري بمراكش والذي تمخض عنه تأسيس المنظمة العالمية لتجارة (الغات) سنة 1995.
في نفس الآن الذي تم فيه تعزيز تنافسيته السياحية، فإن تثبيت «شخصيات مميزة» بالمدينة، قد حل مشكلة التناقض الداخلي للسلعة الثقافية. فكما أكد على ذلك الجغرافي البريطاني دافيد هارفي، فإن قيمة السلعة الثقافية تكمن في وحدتها وتميزها. فالسياحة لا معنى لها إذا لم تكن تتوفر خصوصيات محلية تغري السائح باكتشافها. والحال أن وضع الجهات ضمن مشروع للسياحة ينحو صوب تذويب كل خصوصية من خلال إنتاج سلسلة محددة من الأشكال الجغرافية (سلسلة فنادق - مطاعم - متاجر ألبسة جاهزة) مما يقلل من قيمة الأماكن والعادات.
تجاوز هذا التناقض، يقتضي إبداع «فن للفائدة» من خلال خلق تجاوب بين الطلب والماركوتينغ المحلي. في حالة مراكش، فإن المقاولين بالمدينة قد أبرزوا الأماكن الطبيعية (وضعية خاصة للقرب من الصحراء ومن جبال الأطلس)، وكذا التراث التاريخي لها ( المدينة القديمة وساحة جامع الفنا، المصنفة من قبل اليونيسكو تراثا ثقافيا حيا للإنسانية). لكن ثمة أيضا بين كل ذلك مجال للفضاءات الراقية. والعديد من الكتاب الصحفيين قد رأوا فيها «سان تروبي جديدة مغربية».
«فن الفائدة الأليغارشي» هذا، الذي نجده أيضا في غستاد السويسرية أو كرشوفيل الفرنسية، ساهم في جر البورجوازية المحلية بتلك المدن إلى أثر التاريخ الذي يسعى حاليا للتماهي مع الشخصيات التي عاشت هناك. «لقد زارها وينستون تشرشل خلال الأربعينات والسبعينات. فيما إيف سان لوران والرولين ستون قد أطلقوا فيها الموضة» يؤكد م. مويال. هذا التاريخ المديني عبر تقنية «الشخصيات المميزة» يهب للأرستقراطية الحديثة أن تتماهى معها وأن تقدم نفسها كما لو أنها امتداد لتلك الشخصيات. فامتلاك موقع قدم في مراكش هو انخراط في مسار باذخ ومحاولة امتلاك جزء من ذلك الإرث.
لقد عملت الصحافة الاقتصادية على إغراء الطبقات المتوسطة العليا من أجل حياة أرستقراطية ممكنة للكل. ففي سنة 1998، خصص برنامج «كابيتال» التلفزي بالقناة السادسة حلقة للرياض بمراكش، حيث أبرز إيجابيات شراء أوربيين لعدد منها بأثمان زهيدة. نجاح البرنامج جعل عددا من المستثمرين يعملون على تغيير شامل للمدينة القديمة.
في سنوات الستينات، تم تفقير المكان، بسبب مغادرة العائلات المراكشية الغنية إلى حي كليز من أجل احتلال الشقق التي غادرها المعمرون، فأصبحت المدينة مجال سكن الشيوخ والبورجوازية الصغيرة والحرفيين والفلاحين الذين جاؤوا للاستقرار بها من أجل البحث عن عمل. شيئا فشيئا فقد وسط المدينة التاريخي بريقه. لقد غادرت التجارة شوارعها الضيقة.
في نهاية التسعينات، عادت المدينة القديمة لتحتل مكانتها في حسابات الأوربيين الاستثمارية. ودفع ارتفاع أثمنة العقار بها عددا من المغاربة لمغادرتها. «لقد تضرر المكترون الصغار بسبب قرار بيع الملاك مستغلين ارتفاع ثمنا لعقار» تقول إنغريد إرنست، متخصصة في تاريخ المدن والأستاذة بجامعة باريس العاشرة والمسؤولة السابقة عن إعادة هيكلة المدينة القديمة. لقد تضاعفت أثمنة الدور بسبب الإشهار. «منزل مشترى ومعاد ب 80 ألف يورو في سنوات 2003 و 2004 أعيد بيعه ب 200 ألف يورو سنة 2006» تؤكد فاليري برادة في مكتبها العقاري بمراكش حيث تقيم منذ 10 سنوات.
لقد تغيرت الجغرافية السكانية للمدينة القديمة. فبمحيط وسط المدينة، الذي به أكثر من 50 بالمائة من الأوربيين، فإن طبقة الأغنياء منهم قد اتسعت بفضل عمليات إعادة الهيكلة. بل ثمة تفاوت بين الأماكن المتبرجزة وباقي الدور التي بقيت غارقة في فقرها. فحي الملاح اليهودي القديم يضم منذ السبعينات شعب الفقراء من الفلاحين النازحين. فالأزقة متربة والمساكن متهالكة، وفي هذا الحي الكثيف سكانيا، والذي به نسبة عالية من الدعارة، تسجل أعلى نسب الفقر بالمدينة. فالكثافة السكانية هناك مرتفعة ثلاث مرات أكثر من باقي أحياء المدينة، وأكثر من ثلاث أرباع العائلات تعيش بألف درهم في الشهر.مثلما أن أدوار المدينة القديمة قد بدأت تتلاشى. فوراء باب الخميس تضم أحياء سيدي غالم وحارة السور معامل النجارة والحدادة. وفي سوق الخميس لا مجال للبلغة أو الأحصنة، هناك فقط البناؤون القادمون من أجل الخشب والإسمنت. إن الأماكن المحيطة بجامع الفنا، غير المدرجة في دورة السياحة، تجعلها في تفاوت مع الأماكن المنتجة للمدينة.
«الناس اليوم يريدون الولوج إلى منازلهم بسياراتهم في أزقة نظيفة» تضيف برادة. ولقد أطلقت عمليات تبليط وإعادة هيكلة بالمدينة. وفي ذلك الحي، فإن اختفاء الفرن البلدي والحمامات ودكاكين التجارة، التي عوضت بمحلات لبيع التذكارات، يهدد التوازن الاجتماعي، مثلما أن تطويق عدد من الدروب يقلق السكان خاصة وأن عددا من المستثمرين قد استحوذوا على عدد من الدور. وأخيرا، فإن إصلاح تلك الدور يطرح إشكالا. «الأروبيون يريدون مسابح في الأسطح بدون مراعاة بنية الدور وهندستها وشروط الجيرة التي لا تقبل التلصص من الجوار، مما يزعج الحميمية العائلية» تشرح لنا مويال. فهنا نسقط جدارا من أجل توسعة قاعة الأكل وهناك نضع حماما على السطح.
لقد حول عدد من الملاك الجدد دورهم إلى دور ضيافة تكترى على مدار الأسبوع للسياح. ويصل عددها الى حوالي 500. السيد موريس دولاربر، القادم من موناكو، اشترى «رياضه الأول» منذ ست سنوات ثم اشترى عددا من الدور الصغيرة من أجل تحويلها إلى دور ضيافة رفيعة. لقد اشترى بالتتابع زقاقا كاملا. وكل شئ مفكر فيه يقول ذلك المستثمر من الفناءات إلى النوافير إلى قاعات الرياضة الحديثة إلى أشجار البرتقال. ونجاح مشروعه يعود إلى حسن تفاهمه مع المغاربة يؤكد السيد دولاربر وهو جالس منتشيا في سطح رياضه.
السيد حسن كورابي، أمين مال فرع نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وهي إحدى أهم المركزيات النقابية بالبلد يقدم أسباب أخرى. «90 بالمئة من الأجراء بقطاع السياحة لا تتعدى أجورهم الحد الأدنى للأجر. أي 2200 درهم في الشهر. مثلما أنه لا يمكن تصور ظروف العمل وساعات الاشتغال بالنسبة للعاملين في منازل الضيافة». بل إنه حتى في الفنادق الفخمة، فإن الوضعية ليست أحسن. فأصحاب الفنادق لا يطبقون دوما قانون الشغل ويحاربون كل تواجد نقابي. «لقد أنشأنا مكتبا نقابيا في سنة 2007 بكلوب ميد بمراكش. وفي الشهور التي تلت ذلك كل مناضلينا النقابيين قد تم بعثهم وإلحاقهم بالسنغال، مصر أو في أحسن الأحوال تطوان، على مسافة 600 كلمتر من هنا». يقول حسن، مضيفا: «من الصعب تنظيم مظاهرات في المدينة لأن مراكش هي واجهة المغرب». فالصناعة السياحية تقتضي تأمين الفضاء. فتراجع السياحة بعد الثورتين التونسية والمصرية يقدم المثال الواضح. فبالنسبة للجميع فإن ضمان الأمن المدني يظهر أنه قناعة الكل. ففي مدينة، ثلث الساكنة تعتاش من السياحة، فإن الكثيرين يخافون على مصادر رزقهم. ولقد استغلت الدولة عددا من الأجراء في القطاع لتوظيفهم ضد حركة 20 فبراير. وباعتراف من مصطفى الصبان المسؤول المحلي للحزب الإشتراكي الموحد وأحد مسؤولي الحركة، فإن ذلك التجييش قد أتى أكله.
في ساحة جامع الفنا، فإن رقصة التجارة تلعب من الفجر إلى غروب الشمس. وكل باعة البرتقال هم عاملون مياومون في معامل بالقطعة. وكثيرا ما تجد لباس العمل مختلطا بألبسة الفلكلور بها. إن الإرهاق هنا عال، وهو يطال حتى الثعابين التي يموت الكثير منها بسبب إخراجها على مدار اليوم للترنح مع كل عزف ناي (أمام الجمهور). رغم ذلك، ففي هذه المدينة المثقلة بالرساميل والأحلام الباذخة، يحاول السكان تطوير آلية للتظاهر الاحتجاجي. إن تقويض سير الأمور الطبيعية للحياة وريح الديمقراطية قد جعلت الناس تتنفس وتتحرك، هناك حيث تحاول السياحة تحنيطهم في مشهد فلكلوري. فبفضل حركة 20 فبراير لم تعد المدينة كفضاء سياحي بل كفضاء حاسم للفعل السياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.