سعيد حجي .. اهتمامٌ متزايد يبعث فكر "رائد الصحافة الوطنية المغربية"    باحثون يوصون بمناقشة "الحق في الموت" والمساعدة الطبية على الإنجاب    أشنكلي: سوس ماسة "قلعة تجمّعية" .. والحزب يواجه "الأعداء" بالعمل    عمور تستعرض "إنجازات وزارة السياحة".. برادة ينتشي بنتائج مدارس "الريادة"    بلمعطي: أستمر في إدارة "أنابيك"    ترامب: قصفنا 3 منشآت نووية بإيران    الرجاء يواجه ناديين أوروبيين بالصيف    الوداد يختتم الاستعدادات ليوفنتوس    تكريم الركراكي في مؤتمر بمدريد    وحدة لتحلية مياه البحر في اشتوكة    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    حملة دولية تعارض قتل الكلاب الضالة بالمغرب.. و"محتج فيلادلفيا" في سراح    الإنسان قبل الحيوان .. بين ظاهرة الكلاب الضالة وحق المواطن في الأمان    توتر عالمي بعد قصف أميركي .. كيف سترد إيران؟    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية بعدد من المناطق حتى الأربعاء المقبل    الولايات الأمركية تدخل الحرب.. ترمب يعلن ضرب مواقع نووية في إيران ويصف الهجوم ب"الناجح جدا"    عاجل: ترامب يعلن عن ضربات جوية أمريكية "ناجحة جداً" ضد منشآت نووية إيرانية    تل أبيب تبارك القصف الأمريكي لإيران وتؤكد ان التنسيق كان على أعلى مستوى    نتنياهو بعد ضرب إيران: ترامب غيّر مجرى التاريخ    لحسن السعدي: الشباب يحتلون مكانة مهمة في حزب "التجمع" وأخنوش نموذج ملهم    ترامب يُعلن استهداف مواقع نووية إيرانية بينها فوردو.. ويؤكد: "الهجوم تم بنجاح.. والوقت الآن للسلام"    عملية "مرحبا 2025" تُسجل عبورا سلسا للجالية عبر طنجة وسبتة في انتظار أيام الذروة    الحكم على الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي !!    نشرة خاصة: زخات رعدية وطقس حار من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المغرب    زخات رعدية اليوم السبت وطقس حار من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    تأمين إمدادات مياه الشرب لتطوان وساحلها من سد الشريف الإدريسي    عارضة أزياء : لامين يامال أرسل لي 1000 رسالة يدعوني لزيارة منزله    انطلاق تشغيل مشروع مهم لنقل الماء الصالح للشرب بين مدينة تطوان ومنطقتها الساحلية    أولمبيك آسفي يبلغ نهائي كأس العرش بعد فوزه على اتحاد تواركة    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار        عرض أوبرا صينية يُبهر جمهور مكناس في أمسية ثقافية مميزة    المدير العام لنادي مالقة الإسباني لكرة القدم: أكاديمية محمد السادس حاضنة للتميز في خدمة الكرة المغربية    صحافية إسبانية استقصائية تفضح انتهاكات البوليساريو وسرقة المساعدات في تندوف    من العيون.. ولد الرشيد: الأقاليم الجنوبية، منذ المسيرة الخضراء، عرفت تحولات كبرى على كافة المستويات    مهرجان كناوة .. منصة مولاي الحسن على إيقاع حوار الكمبري والعود والأفروبيتس    روبي تشعل منصة موازين بالرباط بأغانيها الشبابية    إعلامي مكسيكي بارز : الأقاليم الجنوبية تتعرض لحملات تضليل ممنهجة.. والواقع بالداخلة يكشف زيفها    حفل "روبي" بموازين يثير الانتقادات    العاصمة الرباط تطلق مشروع مراحيض عمومية ذكية ب 20 مليون درهم    اتصالات المغرب تستثمر 370 مليار لتطوير الأنترنت في مالي وتشاد    هزة أرضية جديدة ببحر البوران قبالة سواحل الريف        اعتقال 10 متورطين في شبكة مخدرات بالناظور    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    الترجي يسجل أول فوز عربي وتشيلسي ينحني أمام فلامينغو وبايرن يعبر بشق الأنفس    الوداد يعلن تعاقده رسميا مع السوري عمر السومة    البنك الأوروبي يقرض 25 مليون دولار لتطوير منجم بومدين جنوب المغرب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    تراجع أسعار الفائدة قصيرة المدى في سوق السندات الأولية وفق مركز أبحاث    حرب الماء آتية    توظيف مالي لمبلغ 1,72 مليار درهم من فائض الخزينة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسفة و التغيير: الحاضر علة التغير

إذا ما افترضنا بأن الحاضر وحده يوجد، فهل معنى ذلك أنه بمثابة جوهر كانط الدائم الذي لا تزيد كميته ولا تنقص في الوجود؟ وهل معنى ذلك أن الحاضر هو الزمان ذاته وليس مجرد بعد لهذا الزمان؟ وإذا ما اعتبرناه جوهرا ثابتا دائما على طريقة كانط، فكيف يمكننا أن نفسر التغير الذي يستلزم طبيعة العلاقات الناشئة في الزمان باعتبارها ممكنات مشروطة بهذا الحاضر؟ وهل معنى ذلك أن الحاضر بما هو حاضر هو علة التغير؟
ربما أسعفنا تحليل كانط بهذا الخصوص في حل مسألة الحاضر باعتباره أسا للزمان وليس مجرد بعد له فقط، ودرءا لأي التباس، فكانط لا يشير إلا إلى الدائم الذي يضمن وحده الزمان ودوامه أي أنه لا يسمي الحاضر، وإنما يسمي الجوهر أي واقعي الظاهرات الذي يظل دائما هو أسا لكل تحول، وهذا الجوهر هو ما يطابق الزمان الذي يدوم ولا يتحول و الذي لا يمكن أن نتصور فيه التتالي (التعاقب) و المعية (التزامن) إلا باعتبارها تعينات للظاهرات في الزمان. 1 وباعتمادنا لهذا المنظور فيمكننا انطلاقا من تحليل كانط أن نؤول هذا الجوهر بالحاضر، ومن ثمة فإن الحاضر هو الأجدر بأن يغدو مطابقا للزمان.
أي لهذا الدائم الذي فيه وحده تكون العلاقات الزمنية ممكنة (لأن المعية و التتالي هما العلاقتان الوحيدتان في الزمان)، ومعناه حسب كانط أن الدائم « هو أس التصور الأمبيري Empirique للزمان نفسه، وهو وحده ما يجعل كل تعين زماني ممكنا، ويعبر الدوام بعامة عن الزمان بوصفه اللازمة الثابتة لكل وجود الظاهرات، ولكل تحول ولكل معية. ذلك لأن التحول لا يتعلق بالزمان في ذاته، بل فقط بالظاهرات في الزمان. (وكذلك فالمعية ليست حالا للزمان نفسه لأنه ليس في الزمان البتة أجزاء متزامنة، بل كلها متتالية).
و إذا كنا نريد أن ننسب إلى الزمان نفسه تتاليا، فإنه يجب أن نتصور أيضا زمانا آخر يكون فيه هذا التتالي ممكنا. وفي الدائم وحده إنما يحظى الوجود في مختلف أجزاء التسلسل الزماني بكم نسميه المدة. ذلك أن الوجود في مجرد التتالي لا يفعل سوى أن يندثر ويظهر على الدوام دون أن يكون له أدنى كم».2
من خلال برهان كانط نستنتج العناصر التالية:
1. فالدائم هو أس للتصور الأمبيري للزمان نفسه، بدون الدائم يتعذر تعين الزمان كما تتعذر كل تجربة.
2. الدائم هو الثابت الجوهري الملازم لوجود الظاهرات وللتغير و المعية.
3. الدائم هو شرط كل علاقة زمنية ممكنة.
4. الدائم في كل الظاهرات هو الموضوع نفسه أي الجوهر ذاته.
5. التغير هو نمط وجود الدائم أو الجوهر.
وهذه التصورات هي بمثابة برهان للتدليل على مبدأ دوام الجوهر الذي يصوغه كانط في العبارة التالية:
« الجوهر يدوم مع كل تغيرات الظاهرة، وكميته في الطبيعة لا تزيد ولا تنقص».3
من الممكن أن نمضي بعيدا إلى حد اعتبار دوام الجوهر تغيرا في الآن ذاته، فالدائم يدوم لأنه يتغير مادام أن نمط وجوده إنما يكمن في قدرته على توليد التغير، فبدون التغير ليس هناك دوام، و بالتالي ليس هناك من دائم وليس ثمة جوهر. إذن فما يدوم يتغير، وما يتغير يدوم، وهي المفارقة التي ينبهنا إليها كانط في العبارة التالية:
« وحده الدائم (الجوهر) متغير، و المتنوع le variable لا يحتمل التغير، وإنما يحتمل فقط التحول transformation ، مادام أن بعض التعيينات تنتهي وبعضها الآخر يبدأ».4
في هذه المفارقة يمكن فهم إشكالية الدائم / الجوهر باعتبارها هي ذاتها إشكالية التغير الذي يعبر عن نمط وجود الحاضر، أو نمط الكينونة التي لا ينكشف وجودها إلا من خلال الصيرورة.
هناك وجهان لهذه المفارقة:
الوجه الأول: وحده الدائم متغير. فالدائم ليس ساكنا ولا ثابتا استاتيكيا، وإنما هو وجود تتحدد هويته بالتغير الملازم له دوما.
الوجه الثاني: المتنوع لا يحتمل التغير بل التحول باعتباره حالة من حالات الدائم.
التغير نمط وجود الجوهر الدائم بينما التحول حالة من حالاته، في التغير يتلو نمط وجود نمط وجود آخر للموضوع ذاته، و بالتالي فكل ما يتغير يدوم، أما التحول فهو ليس تغيرا لنمط الوجود وإنما لحالة تنوع الوجود، وهذا التحول يتعلق بالتحديدات التي يمكن أن تبدأ وتنتهي، و الدائم هو شرط إمكان تصور الانتقال من حالة إلى أخرى من اللاكون إلى الكون. فهذه الحالات يمكن معرفتها أمبيريا بوصفها تحديدات متحولة لما يدوم.
إذن فالدوام هو شرط ضروري يسمح للظاهرات بأن تغدو قابلة للتحديد بوصفها أشياء أو موضوعات في تجربة ممكنة. و الدائم / هو أساس كل هذه التحديدات التي تحدد وتعين الظواهر.
إذن فالجوهر هو أساس كل التحديدات الزمنية التي ليست مع ذلك متزامنة بل هي متوالية، لأنه ليس هناك زمنان يوجدان معا في ذات الوقت، وإنما هناك فقط زمن واحد.
لعل السؤال الذي يبدوا لنا هنا مشروعا هو كالتالي:
إذا لم يكن من الممكن أن يوجد زمنان متزامنان معا، فما هو هذا الزمن الواحد؟
إذا قررنا مع كانط أن في الزمان لا توجد أجزاء متزامنة بل هناك تتال أحدها يتلو الآخر، وكل انتقال من حالة إلى أخرى في التوالي إنما يحصل في زمن قائم بين لحظتين الأولى تعين الحالة التي يصدر عنها الشيء و الثانية الحالة التي يحصل عليها، فإن ماهية الزمن التي تولد التوالي وتسمح بالانتقال من حالة إلى أخرى يمكننا أن نسميها بالحاضر الذي ينتمي إليه التغير، فمادام التزامن متعذرا فماهية الزمن ليست سوى الحاضر وحده، فهو الدائم المتغير. فلا الماضي ولا المستقبل يحددان جوهر الزمان، وإنما هما مجرد تعيينات له، وهما يعبران عن متنوع ظاهرة الزمان، أما الحاضر وحده فهو جوهر الزمان الذي يدوم، وحده الذي يوجد.
ولا يعني مضي الحاضر وانصرامه، زوال الحاضر ذاته، وإنما يعني تعديته لحالة من حالات وجوده، فعندما نقول الحاضر يمضي، فإن معنى هذه العبارة ليس سوى: الحاضر يدوم: ينصرم الحاضر، ويأتي المستقبل، و الحاضر مع ذلك يدوم وليس دوامه إلا شرطا للتغير، ومادام الحاضر يدوم فهو علة التغير. وسيسعفنا لاحقا تحليل هوسرل لمفهوم الحاضر وعلاقته بالتغير.
يطرح كانط السؤال التالي:
كيف يمكن إذن لشيء ما أن يتغير، كيف يمكن لحالة في وقت ما أن تتلو حالة مضادة في وقت آخر؟
أو بعبارة أدق كيف يمكن للتغير أن يحدث، أي ما هي الشروط التي تجعل كل تغير ممكنا؟ 5
جواب هذه التساؤلات يعبر عنه مبدأ التوالي الزمني وفقا لقانون السببية، وصيغته كالتالي:
« كل التغيرات تحصل وفقا لقانون اقتران السبب و المسبب»6
ليست التجربة بما هي معرفة أمبيرية للظاهرات ممكنة إلا بشرط إدراج توالي الظاهرات ومن ثمة كل تغير تحت قانون السببية. وعندما تفيد التجربة بأن شيئا ما يحدث فإننا نفترض دائما أن هناك شيئا يتقدمه، فيليه ما يحدث بموجب قاعدة. إذ بدون ذلك لن أقول عن الشيء إنه يتوالى. وعليه فإن شيئا يحصل هو إدراك ينتمي إلى تجربة ممكنة، ويكون متحققا عندما أنظر إلى الظاهرة بوصفها متعينة من حيث موقعها في الزمان، ومن ثمة بوصفها موضوعا يمكن العثور عليه بموجب قاعدة في تسلسل الإدراكات، لكن القاعدة التي تصلح لتعيين شيء من حيث التوالي الزمني هي: إننا نعثر في المتقدم على الشرط الذي يجعل الحادثة تتلو دائما بالضرورة. أي أن ما يحصل فيكون تاليا يجب بالضرورة أن يتلو وفقا لقاعدة عامة، ما هو متضمن في الحالة المتقدمة. إذن فالتوالي الزمني هو المعيار الأمبيري الوحيد للمسبب بالنسبة إلى سببية السبب المتقدمة، وتؤدى هذه السببية إلى مفهوم الفعل، وهذا إلى مفهوم القوة، ومن ثمة إلى مفهوم الجوهر، فحيث يكون الفعل، ومن ثم الفاعلية و القوة يكون الجوهر، وفيه وحده يجب أن نبحث عن منبع الظاهرات، ولا صعوبة إذن في أن نستنتج من الفعل دوام الفاعل بوصفه علامة الجوهر الماهوية. فالفعل يعني سلفا علاقة حامل السببية بالمسبب. لكن بما أن كل مسبب يقوم في ما يحصل، و بالتالي في متحول يسمه الزمان بسمة التوالي، فإن الحامل الأخير له هو الدائم بوصفه أس كل متحول، أي هو الجوهر، فالفعل يعد أساسا لكل تحول في الظاهرات وفق مبدأ السببية، وهو لا يمكن أن يقوم في حامل يتحول بدوره، لأنه سيلزمنا عندئذ فعل آخر وحامل آخر يعين هذا التحول.7
وبالتالي لا يجب الخلط مابين الحامل الأول لسببية للتغير أي لما ينشأ ويفنى، وما بين التغير ذاته أي النشوء و الفناء. فالنشوء و الفناء لا يتعلقان بالجوهر فهو لا ينشأ ولا يفنى، وإنما يتعلقان بحالته، فهما يعبران عن التحول لا عن الصدور من العدم. فلا شيء يتولد من العدم.
ولا شيء يعود إلى العدم، فالدوام هو مبدأ الوجود المستمر لحامل الظاهرات الذي يفترض وجود جوهر في كل زمن. أما في حال انتقال الجوهر من حالة سالفة أ- إلى حالة أخرى تالية ب-، فإن وقت الحالة التالية-ب- يفترق عن وقت الحالة الأولى أ- ويتلوه. كما أن الحالة التالية-ب- بوصفها واقعة في الظاهرة تفترق عن الحالة الأولى أ- حيث لم تحصل هذه الواقعة.
والسؤال إذن كما يطرحه كانط هو: كيف ينتقل شيء من حالة أ- إلى حالة أخرى ب-8
هناك زمن دائما بين لحظتين، وهناك ثمة فرق ذو كم بين هاتين اللحظتين. و كل انتقال من حالة إلى أخرى يحدث في زمن قائم بين لحظتين تعين الأولى الحالة التي يصدر عنها الشيء، وتعين الثانية الحالة التي يحصل عليها. وتشكل اللحظتان حدود زمن التغير ومن ثمة الحالة المتوسطة بين حالتين وتنتميان بما هما كذلك إلى التغير ككل. و الحال أن لكل تغير سببا يدل على سببيته طيلة زمن حصول التغير، فيكون التغير ممكنا من خلال الفعل المتصل للسببية الذي يسمى آنا من حيث هو فعل مماثل، ولا تشكل الآنات التغير بل تولده كمسبب لها.وهذا هو قانون اتصال كل تغير ومبدأه هو: لا الزمان ولا حتى الظاهرة في الزمان تتألف من أجزاء هي أصغر الأجزاء الممكنة، ومع ذلك عندما تتغير حالة الشيء فإنه لا يصل إلى الحالة الثانية إلا مرورا بكل تلك الأجزاء كما لو كانت عناصر له... فالحالة الجديدة تبدأ من الأولى حيث لم تكن الواقعة، وتتزايد مرورا بكل ما لهذه الواقعة من درجات لا متناهية. كل الفروق بينها هي أصغر مما بين (صفر) و (أ).9
وفق هذا القانون فالتغير اتصال يدوم يمكننا تأويله بصيرورة devenir مشروطة بالسيرورة processus، فالصيرورة بما هي تغيرات وتحولات تحد من مطابقة الأشياء لحالاتها الأصلية، تنتظم في سيرورة لا متناهية منتجة للتوالي. وهذا القانون يعبر عن الحاضر ذاته بما هو اختلاف دائم. فالحاضر لا يدوم إلا على نمط المختلف المتوالي.
فالحاضر إذن هو الجوهر الدائم المنتج و المولد للتغيرات التي تسمح بالاختلاف الذي يعين الحاضر ذاته بوصفه بذاته هو الزمان.
لا يتأسس الزمان إلا في الدائم، ولا يغدو الدائم زمانا متزامنا إلا إذا كان حاضرا، ونمط هذا التزامن هو التغير. و بالتالي فإن الحاضر هو علة التغير. يؤكد كانط أن التغيرات ليست ممكنة إلا في الزمان بوصفه زمانا متحققا لا كموضوع بل كنمط تصور لذاتي بوصفها موضوعا، أي أنه صورة متحققة للحدس الباطن. فواقعية الزمان ذاتية بالنسبة إلى التجربة الباطنية، أ ي أن الذات تمتلك حقا تصور الزمان وتصور تعيناتها فيه.
في تأويلنا الخاص تحقق الزمان عبر الذات هو الحاضر، ما يتحدث عنه كانط ليس الزمان المطلق الموضوعية، ولكنه زمان مشروط بالتجربة الباطنية فواقعيته ليست سوى ذاتية تسمح بتعينات الذات في الزمان، وليس الزمان شيئا في ذاته إن لم يغد حاضرا، أي مقترنا بصورة الحدس الباطن الذي يقتضي الوعي بالتوالي الزمني. الزمان إذن لا يوجد بذاته، بل يوجد في الذات فحسب، فالزمان إذن يوجد بصيغة الحاضر، فالحاضر يغدو مركب الزمان- الذات، و الحاضر هو الدائم الذي يتحقق باعتباره مبدأ لكل إنتاج و إعادة الإنتاج، لكل تغيير، و لكل تحول لحالات الظواهر. ليس الزمان نفسه هو الذي يتغير بل شيء ما في الزمان، و مفهوم التغير ليس ممكنا إلا بتصور الزمان وفيه، و إمكان التغير مشروط بتصور الزمن المتحقق أو الزمن المثبت ذو البعد الواحد، أعني بعد الحاضر. و كانط ما يفتأ يؤكد على أن الزمان ليس له سوى بعد واحد: أما الأزمنة المختلفة فليست متزامنة معا بل متوالية، و لا تناهي الزمان لا يعني أكثر من أن كل كمية متعينة من الزمان ليست ممكنة إلا باقتصارات في الزمان الواحد الذي يشكل أساسا لها، كما يؤكد على أن مفهوم التغير ليس ممكنا إلا بتصور الزمان وفيه.
وهذا التصور ذاته هو نفس التصور الذي يأخذ به هوسرل في جوابه عن سؤال ما هو أصل الزمن؟ إذ أن الزمن المثبت حق الإثبات بالنسبة لفيلسوف القصدية الظاهراتية- هو سلسلة لا متناهية ذات بعد واحد، أو أن زمنيين مختلفين من الممتنع إطلاقا أن يوجدا معا. وبأن علاقة أحدهما بالآخر، لا تنعكس أبدا، أو بأن الزمن فيه علاقة متعدية، وبأنه لكل زمن، زمن متقدم عليه، و زمن متأخر عنه، و هلم جرا. فهذا الذي قلناه كاف لمقدمة مجملة.10
بالنسبة لكانط دوام الجوهر هو الشرط الوحيد لوحدة الزمان الأمبيرية، وهو أساس التعيينات الزمنية، ولو اعتبرنا الجوهر غير دائم ينشأ ويفنى لكانت الظواهر متعلقة بنوعين من الزمان يوجدان معا، وهذا خلف. لأنه ثمة زمان واحد فحسب. وكل الأزمنة يجب أن تطرح لا كمتزامنة بل كمتتالية.11
الزمان بالنسبة لكانط و هوسرل يطرح كتسلسل لا كتزامن، هناك بالنسبة لكانط زمان واحد مشروط بدوام الجوهر وهذا الدوام هو ما يمنح الدائم أو الجوهر معنى الحاضر في تأويلنا، فالدائم هو القائم في وحدة الزمان باعتباره هذا الحاضر الذي ما ينفك يمضي حاضرا، وما ينفك يأتي حاضرا، وما ينفك يحضر وهو يمضي، وما ينفك يحضر مستقبلا. فهو الدائم المتغير، و المتغير الدائم، أما الظواهر في مجرى هذا الوجود، فهي تعينات للدائم، التي تخضع للتحول، فتنشأ لا عن عدم و تفنى لا في العدم، تنشأ لتتعين كظواهر ينتجها الحاضر فتغدو بذلك ظواهر معيشة في تجربة الحاضر بما هي تجربة عيش محدودة في الزمان، كتجربة من أجل الموت، و نشأة و موت المعيشة هي تحولات تعبر عن الحاضر بوصفه علة كل تغير لكن هذا الحاضر ذاته الذي ينبثق عنه التغير الدائم آلا يمكن عده هو أس الحياة اليقظة التي تجري دوما في الصورة الأعم لوعي العالم المعيش بما هي تيار متواصل للعيش . أليس تيار العيش المتواصل هو الذي يحمل الحاضر لأن يغدو تجربة عيش في العالم المعيش.
1 : عمانويل كانط : نقد العقل المحض. ترجمة موسى وهبة. مركز الإنماء القومي. طبعة أولى . بيروت (بدون تاريخ). ص 137
2 : المرجع نفسه: ص 137
3 : المرجع نفسه: تمثيلات التجربة. التمثيل الأول ص
4 : Kant : critique de la raison pur . Gallimard / 1980 . P :229
ارتأينا هنا للعودة إلى الترجمة الفرنسية لنقد العقل المحض، توخيا للدقة، لذا ترجمنا هنا le variable بالمتنوع عوض المتحول في الترجمة العربية واعتمدنا صيغة التحول transformation عوض تبدل في الترجمة العربية.
5 : كانط: الترجمة العربية ص 147.
6 : المرجع ذاته ص 140.
7 : المرجع نفسه ص 146
8 : المرجع نفسه ص .147
9 : المرجع السابق ص 148.
10 : ادموند هوسرل: دروس في فينومونولوجيا الوعي الباطني بالزمن لطفي خير الله -منشورات الجمل- بغداد بيروت 2009 ص 16.
11: كانط: نقد العقل المحض - عربية ص 140


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.