جلالة الملك يهنئ رئيس هنغاريا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    صفعة جديدة للانفصاليين .. اليابان تتمسك بموقفها الرافض للاعتراف بالكيان الوهمي    ثورة الملك والشعب : ترابط دائم وعهد متجدد        للمرة الثالثة: الموقف الياباني من البوليساريو يصفع الجزائر وصنيعتها.. دلالات استراتيجية وانتصار دبلوماسي جديد للمغرب    وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على خطة السيطرة على غزة    المساعدات الإنسانية إلى غزة.. بفضل نفوذه الشخصي والمكانة الخاصة التي يشغلها، جلالة الملك هو الوحيد القادر على قيادة مثل هذه المبادرات (كريستوف بوتان)    تورّط زوجة رئيس الوزراء الإسباني في قضية فساد جديدة    وفاة بورمانوف نجم البث المباشر بفرنسا بعد تعرضه للإذلال والعنف أمام الكاميرا.. النيابة العامة تفتح تحقيقًا    مدرب تنزانيا: مواجهة المغرب في الشان مهمة معقدة أمام خصم يملك خبرة كبيرة    أكادير.. توقيف شخص هاجم جاره وزوجته بالسلاح الأبيض بعد انتشار فيديو للعنف    إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد    أمين عدلي ينتقل إلى الدوري الإنجليزي في صفقة ضخمة    إيزاك يخرج عن صمته: "فقدت الثقة بنيوكاسل ولا يمكن للعلاقة أن تستمر"    تخليق الحياة السياسية في المغرب: مطمح ملكي وحلم شعبي نحو مغرب جديد.    المغرب يسخر طائراته "كنادير" لمساندة إسبانيا في حرائق الغابات    عيد الشباب .. الاحتفاء بالالتزام الملكي الراسخ تجاه الشباب، المحرك الحقيقي لمغرب صاعد    إيران تهدد باستخدام صواريخ جديدة إذا عاودت إسرائيل مهاجمتها    تمهيدا لتشغيل الميناء.. إطلاق دراسة لاستشراف احتياجات السكن في الناظور والدريوش        ذكرى ثورة الملك والشعب .. جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 881 شخصا    المغرب يعزز مكانته كقوة إقليمية في قلب التنافس الدولي بالصحراء والساحل    المغرب يكرس ريادته الإنسانية والدبلوماسية عبر أكبر دعم إغاثي مباشر إلى غزة بقرار ملكي        إدارة سجن طنجة 2 تنفي مزاعم تصفية نزيل وتوضح أسباب وفاته    كيوسك الأربعاء | المغرب يحتفظ بالرتبة 22 عالميا في مؤشر أداء الاستثمار الأجنبي المباشر    مبابي يقود ريال مدريد لتحقيق أول انتصار في الموسم الجديد    هذه تفاصيل المسطرة الجديدة لمراقبة الدراجات بمحرك باستعمال أجهزة قياس السرعة القصوى    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    حجز 14 طنا من البطاطس بتطوان قبل توجيهها للبيع لانعدام شروط النظافة والسلامة    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    جمعية باقي الخير تستنكر منع شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة من دخول فضاء ألعاب بطنجة بدعوى أنها "قد تُخيف الأطفال"    حفل استقبال بهيج: مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي تستقبل أطفال القدس الشريف    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    تكريمات تسعد مقاومين في خريبكة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    كزينة ونجوم الراب يشعلون الليلة التاسعة من المهرجان بحضور جماهيري قياسي    تداولات بورصة البيضاء تتوشح بالأحمر    التصنيف الائتماني للمغرب.. تقرير يوصي بشفافية البيانات وتنويع مصادر التقييم    الرجاء الرياضي يطوي صفحة النزاعات    السودان يصل ربع نهائي "الشان"    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    أسعار الخضر والفواكه تسجل انخفاضا في أسواق المملكة    تخمينات الأطباء تقادمت.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بموعد ولادة الأطفال بدقة عالية    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهة نظر .. رسالة إلى الصديق «هيثم مناع»: وماذا بعد أن انكشف المستور؟!

أسفت كثيرا، لأني لم أتمكن من لقائك مع باقي الوفد في زيارتكم للمغرب. ولربما كان هذا اللقاء سيغنيني عن هذه الرسالة، وإن كنت أرى لها فائدة في التعبير عن الغموض، الذي يشعر به بعض المغاربة من الذين يتعاطفون معكم ويناصرون خطكم الوطني والقومي.
وأنت تعلم، أيها الصديق، أني ومع بقية رفاق الأمس، نشعر بوجه خاص، وكأننا خريجو مدرسة فكرية وسياسية واحدة، جمعتنا سويا ولو من الوجهة التاريخية على الأقل. ولهذا، لا غرابة في أن نجد أنفسنا في نفس المنظور القومي والوطني والديمقراطي والذي ما فتئتم تعبرون عنه بصلابتكم ونزاهتكم وتجردكم المعهود فيكم.
ولكي لا يأخذني حديث الماضي بعيدا، أباشر بطرح السؤال الذي شغلني كثيرا وأقلقني أكثر، بعد كل الذي شهده الصراع في سوريا، وعليها من تطورات داخلية وعربية ودولية، وفي ضوء ما أعرفه عن مواقفكم وتصوراتكم.
وبالمناسبة، فقد أتيحت لي الفرصة مؤخرا لأشارك في الندوة التي أقامها بتونس »مركز دراسات الوحدة العربية« بتعاون مع »المعهد السويدي بالأسكندرية«، وأن ألتقي مباشرة، وأستمع من جديد لتحليلاتكم من قبل المناضلين الكبيرين »ميشيل كيلو« و»حسن عبد العظيم«. وفي نفس الشأن السوري، لفت نظري أيضا المداخلة الأخرى والتي تقدم بها الأخ »محمد جمال باروث«، لدقتها في التحليل الاجتماعي والوقائعي للحراك الشعبي ولتطورات الصراع وملابساته العامة.
وما شد اهتمامي حرص المتدخل على تقديم صورة متوازنة وموضوعية لتوزيع القوى الاجتماعية والشعبية بدون نفخ رومانسي وبلا تبخيس مضلل. وكان استخلاصه من وقائع الصراع واحتمالاته، أن لا مخرج آخر لصالح التقدم والوحدة الوطنية سوى باللجوء إلى »المصالحة« أو »التوافق الوطني«.
وبين يدي الآن، وأنا أكتب هذه الرسالة، الندوة المنشورة في إصدار ل »مركز دراسات الوحدة العربية« تحت عنوان »رياح التغيير في الوطن العربي«، وهي تعطينا من جانبها صورة اضافية وتقريبية عما يجري في سوريا. والأهم في ذلك، أنها تؤكد، كما في ندوة تونس، نفس التباينات الواقعة في مواقف الصف التقدمي القومي العربي حيال القضية ومصائرها. هذا فضلا عن العشرات من المقالات والمقابلات من هنا وهناك، وهي على نفس النحو وبنفس الاختلافات...
قصدي من الاستطراد السابق، التأكيد على ما أصبح حقيقة بارزة لا يمكن نكرانها، وهي أن التقدميين العرب، بمن فيهم السوريين، إن كانوا مجمعين على نفس المواقف تقريبا إزاء الثورات الأخرى، في تونس ومصر واليمن والبحرين... وليبيا، وإن كانوا مجمعين على ضرورة التحول الديمقراطي في سوريا، فإنهم يختلفون على طرق إجراء هذا التحول الذي لا ينازعون البثة في أحقيته وحتميته.
أمالماذا هذا التباين في سوريا بالذات؟ فذاك باب آخر، كما يقولون, أجمله توا، في أن سوريا كانت ولازالت وستظل »قلب العروبة النابض« كما أطلق عليها جمال عبد الناصر تلك القولة الجميلة والرائعة والشاهدة على فرادة أدوارها التاريخية العروبية.
وعلي خلفية هذا التباين داخل الصف التقدمي العربي، أطرح السؤال الذي شغلني في الماضي، واستأثربي في الحاضر: إذ ماذا سيكون عليه موقفكم، بعدما انكشف المستور، وبات حجم »المؤامرة« أكبر بكثير، وأضخم فاعلية من قوة وفاعلية الحراك الشعبي الداخلي؟
بعض الإخوة عندنا، وعندكم أيضا، لا يحبون في وصف بعض ما يجري في سوريا »بالمؤامرة«، لأن هذه المصطلح في نظرهم من رواسب العقلية المتأخرة والتي غالبا ما أعاقت وحرفت جهودنا في التصدي لعوامل التخلف الحقيقية والمتجذرة في مجتمعاتنا. والعجب في حال هؤلاء أن عقلهم الرياضي لا يستوعب إلا المعادلة ذات المجهود الواحد: »إما المؤامرة وإما الثورة«!! والمعادلة ذات المجهول الواحد، كما هو معروف في الرياضيات معادلة ابتدائية لتلاميذ الصف الأول. أما ما بعده، فهناك أنواع وأصناف من المعادلات والمجاهيل والاحتمالات. وكما أجبت أحدهم في إحدى الندوات مؤخرا، إذا لم تعجبك كلمة »المؤامرة«، فلا أقل، وأنت الثوري، أن يعجبك مصطلح »الثورة المضادة«، فغير تلك »المؤامرة« بهاته »الثورة المضادة«.. لأن لا ثورة في التاريخ، قديما وحديثا، لم تزاوج في آن واحد بين »الثورة« و»الثورة المضادة«. وهذه الأخيرة في أغلب الثورات، جمعت بين قوى خارجية وداخلية في آن معا. فلنتحدث إذن عن قوى »الثورة المضادة« في سوريا الحبيبة.
في مقالة لك عن »الثورة السورية على مفترق الطرق« تعرضت للعديد من الملابسات التي اكتنفت مسار الحراك الشعبي، و انتفاضته، ومن بينها الدور التخريبي الذي قام به الإعلام والمال السياسي في تحريف مسار الانتفاضة الشعبية. ولضيق المجال، إعذرني على هذه المقاطع المجترءة من المقال، والذي لكثافته، كان بحاجة إلى وقفة تأملية عند كل جملة فيه. وسأضع بين قوسين بعض التعليقات السريعة من عندي، ثم سأعود لجوهر الموضوع:
- وقد بدأت وسائل التواصل الحديثة في أخذ مكان متصاعد على حساب الوقائع الميدانية، حيث لم تلبث أن نجحت في استبدال الصورة الداخلية الواقعية بالصورة الفضائية الانتقائية في العالم الافتراضي (كلام جميل، لكنه في غاية التكلف اللغوي والغموض في القصد، عوض أن يكون بسيطا وواضحا: الإعلام (ووسائل التواصل الحديثة) ضخم الوقائع وشوهها بالكذب، ولعب أدورا مقيتة في توجيه الحراك الشعبي غير وجهته الصحيحة.
. وكان للتهميش (في وسائل الاتصال) المتصاعد لقيادات الداخل الميدانية والسياسية التاريخية، التي لم تنسجم مع الخطاب المطلوب بشكل واضح، أن دعم ألوانا ايديولوجية ومذهبية لم يكن لها أي دور أو أثر في انطلاقة الثورة.
.لاتزال دمشق وحلب خارج سياق الاحتجاجات [دمشق وحلب، فقط؟!]. وأعتقد أن الأمر صار معقداً اليوم، وأكثر صعوبة. فبالإضافة إلى الترتيبات والكثافة الأمنية الهائلة، تعتبر حلب والعاصمة غير مندمجة في الثورة. الأزمة الاقتصادية فيهما ضعيفة نسبة الى المناطق النائية. والتكوين السكاني متعدد الطوائف والمذاهب [ينبغي الوقوف جيداً عند هذه الخاصية في تدقيق طبيعة النظام السياسي، لكنني لا أفهم لماذا تضعها في سياق معيقات الاندماج في الثورة؟!] كما أن لسكان كلتا المدينتين مكاسب محددة، وقطاعات اجتماعية هامة منها، تخاف من غياب الاستقرار حتى ولو كان هذا الاستقرار أشبه، بمستنقع مياه راكدة.
. لقد نجح المال السياسي [لمن هذا المال السياسي؟! ولماذا الصمت عن أصحابه؟] والإعلام في خلق فجوة حقيقية بين مكونات المعارضة السورية (...) واليوم، ونحن أمام تحدي الوحدة البرنامجية و »المؤتمر السوري العام« لكل قوى التغيير الديمقراطي، نبصر التباين المتزايد في وجهات نظر القوى السياسية المعارضة في قضايا مركزية: كالتمثيل المجتمعي والتدخل العسكري الخارجي والعلاقة بين الوطنية والمواطنة والتحالفات الاقليمية والدولية والعلاقة باسرائيل والمقاومة. [ألا تجعلها كل هذه الخلافات في صفوف الثورة المضادة المتخفية بشعار الديمقراطية؟«
مضى على هذه المقالة قرابة ثلاثة أشهر، كانت بمثابة الذروة في الأزمة السورية، فهل مازلنا على المفترق، أم أننا توغلنا بعيداً في الطريق المسدود منه(؟) وبما يسمح لنا، بالتالي، باستخلاص نتائج واضحة غير ملتبسة ولا مترددة.
ما عدنا بحاجة الى التتبث من وجود مؤامرة أو عدم وجودها، ولا من اختلاط الأوراق في الأزمة السورية وفي داخل الحراك الشعبي أيضاً، فالحصيلة العامة التي باتت مكشوفة لدينا جميعاً، أن ما كنتم تخشونه، ونخشاه معكم، من عسكرة »الثورة« على حساب الحراك الشعبي السلمي، قد صار واقعاً درامياً دموياً ملموساً وعلانياً ومحققا؟، بل صار اتجاها عاماً لكافة القوى الخارجية العربية والدولية الراغبة في استدامة »حرب استنزاف طويلة الأمد« للدولة والكيان معاً.
وعلى أساس هذا الواقع الفاقع، أتمنى منك سعة الصدر، وتسامح الرفاق، في ما سأقوله عن بعض الأخطاء التكتيكية في ممارستكم السياسية، والتي ما عاد مآل الصراع وطبيعته يتحملان استمرارها.
أعربتم في الأشواط الأولى للحراك الشعبي عن لاءاتكم الثلاثة: لا للتدخل الخارجي، لا للتسليح والعسكرة، لا للتطييف والتمذهب. وهي مواقف مبدئية في غاية الأهمية الاستراتيجية. ولكن من أين أتى الغموض والالتباس في ممارستكم السياسية؟ أعتقد أنه جاء من تصوركم السياسي العام. ويبدو لي ذلك واضحاً في استعمالكم وتوظيفكم لثلاثة أهداف أدغمتم بعضها في بعض، مع أن كلا منها كان يستوجب تكتيكاً معيناً موصولا به.
تحدثتم عن »التغيير وإقامة النظام الديمقراطي«، وهذا الهدف يمكن أن يتحقق بالإصلاح التدريجي ومع الضغط الشعبي أو بالثورة وإسقاط النظام. وانتقلتم في لحظة ما من المطالبة بإسقاط المنظومة الأمنية الى المطالبة بإسقاط النظام برمته. والإسقاط ليس له من طريق آخر سوى بالحشد الشعبي الثوري الى النهاية. وهذا يتنافى كلية مع ما تدعون إليه من توافق تاريخي بين كافة القوى الديمقراطية الوطنية من داخل السلطة ومن خارجها. مع أن هذا الهدف بدوره يحتوي على غموض إضافي، إذ في أي موقع تضعون رأس النظام وأي دور تحسبونه له في هذا التوافق التاريخي الممكن. وقد لا أجانب الصواب أنكم أخطأتم هنا أيضاً في التقدير. ولربما كان الأرجح لديكم، أن نمو الثورة الشعبية هو وحده الكفيل بهذا الفرز من داخل النظام مستقبلا.
وفي كافة الحالات، ربما تعمدتم أن تتركوا تلك »البياضات التكتيكية« فارغة أو معلقة لحساب الاحتمال الأكبر لديكم، أن تنمو الثورة وتنجح في إسقاط النظام برمته، ومع إمكانية استعمال أياً من الأساليب الأخرى، فقط، في حال الاضطرار إليها.
هذا التشوش في التصور العام أضر كثيراً بتموقعكم وبالمجرى الذي اتخذه الحراك الشعبي، وصب عملياً في طواحين منافسيكم في المجلس الانتقالي وغيره من القوى الخارجية. ولعله كان نابعاً بالضرورة من خلل ما في تشخيصكم لكافة القوى الداخلية والخارجية الفاعلة في الوضع السوري. وسأعطي عن ذلك بعض العناوين المختزلة:
أولا: لم تعيروا الاهتمام المستحق والواجب عليكم لموقع سوريا ودورها في الصراع العربي الاسرائيلي والاقليمي عامة، وما سيترتب عن ذلك من مضاعفات كبرى على موازين الصراع في المنطقة كلها. مع أن هذا الجانب الوطني والقومني والاقليمي كان بإمكانه أن يؤسس لأرضية مشتركة بأفق ديمقراطي، لاشك لدي في أنها ستكون أمتن وأقوى وأوضح من مواقف القوى الممثلة في معارضات المجلس الانتقالي، والتي أصبح العديد من رموزها وقاداتها يعلنون صراحة »صداقتهم« لإسرائيل وعداوتهم للقوى المقاومة لها.
وأنا أعرف جيداً، أنكم لستم من أولئك الذين يستخفون بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وتدركون جيداً قيمة الدور الاقليمي المساند لها طوال ذاك الزمن العربي والدولي الرديئي، وأمام قوى معادية ومتآمرة، سخرت كل طاقاتها العسكرية والتكنولوجية والمالية والمخابراتية والديبلوماسية في حرب ضروس لم تتوقف يوماً، إما علنية (حرب 2006 و 2008) أو خفية ودائمة.
أنتم لوحدكم، في الوضع السوري الراهن والمنظور، لستم الضمانة الكافية لاستمرار هذا النهج الداعم والمقاوم. ولا أرى في »مصر« بديلا عربياً جاهزاً لتحمل هذا العبء لأسباب عديدة، ومنها السياسة العامة التي اختارتها الحركات الاسلامية في هذا الشأن لسنوات قادمة.
لقد أشرتم في إحدى الفقرات السابقة التي أوردتها من مقالتكم الى اتساع التناقضات بينكم و بين مجلس إسطمبول في قضايا »الوطنية والمواطنة، والعلاقة مع اسرائيل والتحالفات الاقليمية«، وهي قضايا استراتيجية حاسمة وكافية لوحدها، أن تضع حداً لأية إمكانية للتحالف معه. وقد بينت ذلك التجربة الملموسة بعد إفشاله لورقة التفاهم التي عقدتموها معه. لكن تلك القضايا قابلة لأن تجد حلولها الصائبة مع القوى الأخرى التي تدعونها إلى »التسوية التاريخية« الجامعة لشمل الوطن في أفق ديمقراطي.
ثانيا: ترددتم كثيراً في الانضمام الى الحوار الوطني الذي ما انفك النظام يطالب به. وبررتم هذا التردد، إن أخذناه من حيث مضامين التصور السياسي، والامتناع إن أخذناه كموقف عملي، إما بسبب انعدام الثقة في نوايا النظام، وإما لعدم استجابته لشروط الحوار، ومن أهمها، إطلاق سراح كل المعتقلين والكف عن القمع الدموي للمتظاهرين، لا أريد هنا ان ادخل في تفاصيل الحيثية الثانية بما سيخفف على الأقل من اطلاقيتها. كما لا اعتبر مسألة الثقة حجة مقنعة، لأن الثقة في تجارب الصراع السياسي ليست شرطا قبليا، بل تبنى بعديا من خلال دينامية الحوار والاصلاح معا، وليس هناك من وسيلة أخرى غيرها
لكنني أظن أن دوافع أخرى كانت وراء ترددكم في الانضمام الى دعوة الحوار الوطني، ومن بينها، من جهة، خشيتكم من ان تشوه المعارضة الاخرى، بوسائلها الاعلامية ومواردها الضخمة صورتكم لدى الحراك الشعبي الذي بات مشوشا ومقطوع الرأس كما جاء في مقالتك.
ومن جهة ثانية، لا تريدون ان تتركوا مقعد المعارضة خاليا للمجلس الوطني ليستفيد منه لوحده. غير ان للمجلس قوة خارجية كبرى تدعمه، وله استراتيجية بديلة قائمة على عسكرة الانتفاضة وجلب التدخل الخارجي، وقد نجح الى حد كبير في فرض اختياراته الاستراتيجية على الحراك الشعبي الذي اضمحل دوره وبات في حكم الموت البطئ، فماذا بقي اذن للمعارضة الوطنية لتعول عليه؟!
ومن جهة ثالثة، ربما بقي رهانكم على أن، كلما زاد الضغط الخارجي على النظام, ضعف، وبات من الممكن فرض اكبر التنازلات السياسية عليه. الخطورة في هذا الرهان المتبقي، انكم كلما اطلتم التردد، وكلما تراجع الحراك الشعبي لصالح التسلح، تزدادون انتم تعلقا وانتظارا لما ستسفر عنه الضغوطات الخارجية، مع انكم ضد التدخل الخارجي في الاصل ومن حيث المبدأ!!
بهذه الهواجس والتقديرات الخاطئة ما كان متوقعا، بالتالي، سوى رفضكم المتوالي لكل الاصلاحات التي اقدم عليها النظام وآخرها الاستفتاء على الدستور الجديد (لأنه اكثر من دستور معدل) مع انه كان بامكانكم تحسين وتسريع منتوجات تلك الاصلاحات، لو اتخذتم موقفا ايجابيا ونقديا في سيرورة الحوار كما نبه الى ذلك المناضل جميل قدري ممثل جبهة التغيير والتحرير (وهي بالمناسبة جبهة معارضة)
بكل تواضع، وبكل محبة واحترام، اقول، انكم اخطأتم الحساب في تقديراتكم لتماسك النظام ولشعبيته ولقدرته على الصمود أمام هجمة عربية ودولية لم يسبق لها مثيل. ومن بين علامات سوء التقدير هذا، ان الانتفاضة بقيت محصورة في المناطق النائية الاكثر فقرا، وانها لم تشمل معظم المدن، والادهى من ذلك، انكم بخستم دلالات جماهير الضفة الاخرى، فسكان دمشق وحلب مثلا، الذين لم يندمجوا في حراك الانتفاضة (لا تخاف، كما قلتم، من غياب الاستقرار حتى ولو كان هذا الاستقرا اشبه بمستنقع مياه راكدة)، بل هي تتظاهر في المدينتين وفي غيرهما، من اجل الاستقرار ولكن مع الاصلاح ايضا. وهي تشارك بنسبة هامة ومعقولة بالنظر للظروف الأمنية في الاستفتاء على الدستورو تصوت بأغلبية كبيرة لصالحه. هذه الوقائع في الصراع المادي لها دلالاتها وأهميتها. ولا يمكن لاي مناضل ثوري ان يتغافل عنها، ودلالتها في انها لصالح التقدم الديمقراطي وليس العكس. لم يبق امام سورية إلا أحد الاحتمالين لا غير، اما المصالحة والتسوية السياسية الديمقراطية التاريخية. واما الفوضى العارمة، اذا ما نجح مخطط الضغوط الاقتصادية والعمليات المسلحة في مداهما الاستنزافي الاقصى. وبالتالي، لا مكانة بعد للتردد، وانتظار الفواجع، والتملص من المسؤولية الاخلاقية والسياسية وتحميلها للنظام فقط.
ثالثا: لم تأخذوا المسافة والحذر الضروريين في تعويلكم على »الحل العربي«. فما من عاقل ثوري ينتظر من جامعة عربية أعطت اكثر من دليل على عجزها وفشلها وتآمرها في مرات عديدة, ان تكون عادلة وصادقة حيال الازمة السورية. ولا أظن ان من الحق، كمعارضة ثورية، الصمت، عندما تخرق الجامعة ميثاقها واعرافها، حتى ولو كان ذلك يخدم سياسيا، وبوجه ما، مصالح المعارضة.. لأن موقفا من هذا القبيل يشجعها على التمادي في التلاعب بمصالح الشعوب الحقيقية والجوهرية. من يصدق اذن هذه الحمية الثورية التي ظهرت فجأة، وفي غفلة من الزمن، على جامعتنا الموقرة، وكأننا لم نعد امام مجلس للدول والانظمة العربية، بل غدونا امام مجلس لقيادة الثورة العربية وان شئت، امام مجلس ثوري أعلى للسوفياتيات العربية المتحدة!! هكذا، بقدرة قادر، وباستعجال غير مسبوق، وحماس ثوري منقطع النظير، توالت اجراءات الجامعة، من تجميد للعضوية خرقا للميثاق, الى العقوبات الاقتصادية الجائرة، والى التدويل في مجلس الامن لمرتين والجمعية العمومية ومجلس حقوق الانسان، وصولا الى ابداع ملتقى اصدقاء سورية من اجل تسويق الشرعية لمجلس اسطنبول، ومرورا بالغاء تقرير بعثة المراقبين العرب الذي لم يجدوا فيه مصلحة تبرر مخططاتهم، ثم اخيرا، الاعلان صراحة وجهارا عن خيار دعم العصابات المسلحة بكل الوسائل والدخول في حرب استنزاف مكشوفة بعد ان كانت مستورة.
لاشك اذن في ان هذا السلوك من قبل النافذين في الجامعة العربية، الهادف الى اقتناص الفرصة قبل فوات الاوان، ينم عن صراع عربي ودولي يدور حول من سيكون له اليد الطولى في التحكم بمخاض الربيع العربي في المدى القادم، من سيستطيع تغيير موازين القوى وخرائط المنطقة لصالحه. ولا أظن، ان تنافضا بهذا الحجم المصيري، يمكن التعامل معه بعقلية عروبية ضيقة وبحسابات سياسوية اضيق.
وأريد في ختم هذه الرسالة، ان اشدد على أن الازمة في سورية ما عاد بالإمكان عزلها عن التناقضات الدولية الناشئة. ان الموقف الاستثنائي والحازم للدولتين، روسيا والصين، يشير الى بوادر تحول في موازين القوى العالمية في افق الخروج من عصر القطب الواحد نحو توازنات عالمية اخرى.
والازمة السورية اليوم هي المحك الفاصل في هذا التحول، ايجابا أو سلبا، لما سيكون لنتائجها من مضاعفات على التوازنات الاستراتيجية ليس في المجال العربي والاقليمي وحسب، بل وعلى المجال الحيوي لكل من روسيا والصين لاحقا. ولذلك، من واجبنا نحن المناضلين التقدميين العرب أن نأخذ في حساباتنا ومواقفنا هذه الابعاد الدولية الناشئة التي هي في مصلحة قضايانا العربية بالدرجة الاولى.
تلك كانت بعض قضايا الغموض والالتباس، والتي آثرت أن أبوح بها من موقع الاخوة والاحترام و التقدير الكبير لما تبذلونه من تضحيات جسيمة ولما لكم من مواقف جليلة ومبدئية، ولكم مني كل المحبة والمؤازرة الصادقة.
ملاحظة: كتبت هذه الرسالة قبل تعيين كوفي عنان وزيارته لسورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.