اعتبر الرئيس الأول لمحكمة الاستيناف بالرباط الأستاذ ادريس بلمحجوب أن تحقيق الإصلاح القضائي يتطلب تحيين التشريعات المختلفة، وخاصة ما يرتبط وينظم قوانين الإجراءات (المسطرة procedure) لتكون سهلة التطبيق، واضحة الدلالات، مفهومة الألفاظ وموحدة المعاني، بدل تركها على ما هي عليه اليوم مما يعطيها قراءات وتفسيرات متعددة وقد تكون متناقضة في بعض الحالات... وأنه آن الأوان للتخفيف من صلاحيات وزير العدل في اتجاه اللاتمركز، وتحصين السلطة القضائية لتوازي نظيرتيها التشريعية والتنفيذية«. وكان الأستاذ ادريس بلمحجوب، وهو مستشار من درجة رئيس غرفة بالمجلس الأعلى سابقا، محكمة النقض اليوم، المشهود له بالكفاءة و صاحب كتابات غزيرة في مواضيع مختلفة بالفكر النظري للقانون، وبتطبيقاته الفعلية من خلال ممارسته للقضاء لما يزيد عن ثلاثين سنة، كان يتحدث إلى نخبة من القضاة، والمحامين والأساتذة الجامعيين والطلبة المتتبعين والمشاركين في اليوم الدراسي المنعقد أخيرا بكلية الحقوق بالرباط حول إصلاح العدالة. وشدد الرئيس الأول على أن أهم مداخيل الإصلاح تتلخص في الاهتمام أكثر بقطاع التكوين الذي يجب أن تتداخله قاعدة التخصص، خاصة مع ما تعرفه اليوم المحاكم من تنوع في القضايا المدرجة أمامها، إلى جانب تطوير طرق التواصل ليس فقط مع المتقاضين، ولكن كذلك داخل الجسم القضائى نفسه من خلال تسهيل الإطلاع والتوصل بمختلف الاجتهادات الصادرة عن محكمة النقض ومحاكم الاستئناف. ولم يفت الأستاذ ادريس بلمحجوب أن يتوقف عند أهمية التدبير الإداري لمختلف المحاكم التي تستقبل يوميا عددا لايستهان به من المتقاضين وعشرات المحامين وكتابهم للقيام بإجراءات والحصول على معطيات تتعلق بشكاياتهم أو مصير ملفاتهم، من جهة، وبين ا لمسؤولين والموظفين من جهة أخرى، ما يجعل هذا التواصل والتدبير الأخير في خدمة المتقاضين وممثليهم أو من ينوب عنهم، من أجل التوصل إلى اجتهاد مقنع وتجارب أعمق وحل سريع ومنصف. وأكد الرئيس الأول لمحكمة الاستيناف بالرباط أن المغرب محطة حاسمة في مسلسل تأهيل العدالة لتحقيق التوازن المنشود في ظل دولة الحق والقانون والديمقراطية المبنية على مبدأ فصل السلط، موضحا أن الدستور الحالي لا يحول دون الشروع في برنامج استعجالي أولي لتأهيل العدالة، وبرنامج آخر يمكن تحقيقه على المدى القريب أو المتوسط،مضيفا أن استقلال القضاء كمبدأ دستوري يختلف في جوهره عن استقلال القاضي في إصداره أحكاما والاحتكام الى القانون وضميره، مؤكدا أن استغلال القاضي لا يعني »البتة أن يحكم القاضي وفق هواه أو نبرر مدى تأثره بمحيطه ونزواته، بل هو فضيلة ومبادئ سامية مرتبطة بشخصية القاضي الممارس وسلوكه ومناعته وتكوينه، من جهة، ومدى إرادة المشرع في تعميق هذه الاستقلال..« معتبرا أن هذه الإرادة يتعين أن تصب »في اتجاه تعديل القانون التنظيمي لاختصاصات وزارة العدل والحريات لتوفير الإطار القانوني والهياكل الإدارية المنسجمة مع السلطة القضائية في احترام وتعاون معها، من غير هيمنة سلطة على أخرى، واعداد قانون التنظيم القضائي للمملكة ومرسومه التطبيقي، والقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبعض مقتضيات قانوني المسطرة المدنية والجنائية حسب مسار يضمن سلطة قضائية مستقلة...«. وقد أجمع المشاركون في اليوم الدراسي الذي نظمه مركز الدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية / السويسي / الرباط، والمنتدى المغربي للقضاة الباحثين، مؤخرا حول موضوع »الإصلاح القضائى... مكامن الخلل وسبل العلاج«. على أن تأهيل القضاء يتوقف عند وضع عدد من الأولويات لاسيما الهادفة الى .. مجموعة من القوانين ذات الصلة، ودراسة انجع السبل لتوحيد العمل القضائي، وإصلاح المهن المتعلقة بالعدالة وتحصين ممارستها.