الأمير مولاي الحسن يترأس مأدبة غداء أقامها الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    بنسعيد:الإصلاحات التي عرفها المجال الإعلامي ساهمت في توفير مرتكزات متكاملة لتطوير مختلف مكوناته    لقاء تواصلي بطنجة بين الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتعزيز الشراكة وخدمة المهنيين    أكبر طلبية طائرات في تاريخ "بوينغ".. قطر تشتري 160 طائرة ب200 مليار دولار    أخبار الساحة    الناخب الوطني لأقل من 20 سنة: "عازمون على المشاركة في المونديال ونحن أبطال إفريقيا"    نهضة بركان يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة سيمبا    إطلاق حملة توعوية لتفادي الغرق في سدود جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    حادثة سيرمميتة بالطريق الرابطة بين الصويرة وأكادير تخلف ثمانية قتلى و20 مصابا    اعتقال أستاذ جامعي يدرّس بأكَادير من أجل التلاعب في التسجيل بسلك الماستر ومنح دبلومات مقابل المال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مهرجان «يالطا» بروسيا ينحني لصوت مغربي… والدارجة تسرق الأضواء    عامل العرائش يدشن افتتاح معرض العرائش للكتاب    "ربيع المسرح" في تارودانت يكرّم الفنانين الحسين بنياز وسعاد صابر    معهد صروح للإبداع والثقافة يسلط الضوء غلى المنجز الشعري للشاعر عبد الولي الشميري    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    الملك محمد السادس يوجه هذه الرسالة إلى الحجاج المغاربة    15 % من المغاربة يعانون من متلازمة القولون العصبي والنساء أكثر عرضة للإصابة بها من الرجال    رسميا.. حكيمي يمتلك نادي "سيوداد دي خيتافي" ويشارك في انتداب اللاعبين    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    المغرب وتنزانيا يعززان التعاون الطاقي    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال ال 24 ساعة الماضية    المغرب يقترب من فرض رقابة قانونية على منصات التواصل الاجتماعي لحماية المجتمع    صرخة فنانة ريفية.. اعتزال "مازيليا" بسبب الوسخ والاستغلال في كواليس الفن    استنفار الدرك الملكي بعد العثور على 20 كيلو من الكوكايين على شاطئ    مركز يجود صيانة مواقع الفوسفاط    "النباوي" يجري مباحثات مع النائب العام رئيس المجلس الأعلى للنيابة العامة بجمهورية الرأس الأخضر    ترامب: سوريا "أبدت استعداداً" للتطبيع    لجنة العدل والتشريع بالنواب تصادق على مشروع قانون المسطرة الجنائية    الذهب ينخفض مع انحسار المخاوف بشأن الأزمة التجارية    وداعا فخامة الرئيس    وزارة التربية الوطنية تفرض عقودا مكتوبة لتنظيم العلاقة بين التعليم الخصوصي والأسر    مجلس فاس يقر عقدا مؤقتا للنقل الحضري ويستعد لاستلام 261 حافلة جديدة    تقرير رسمي: الفلاحة الصغيرة استفادت من 14 مليار درهم كدعم مقابل 100 مليار درهم للفلاحين الكبار    "ترانسافيا" تطلق 14 خطا جويا جديدا بين المغرب وفرنسا لتوفير 130 ألف مقعد إضافي سنويا    جامعيون وخبراء مغاربة وأجانب يلتقون في المحمدية لاستجلاء الفكر الإصلاحي عند العلامة علال الفاسي وإبراز مختلف أبعاده التنويرية    المخرج روبرت بينتون يفارق الحياة عن 92 عاما    توتر أمني في طرابلس يجمد مباريات الدوري الليبي.. والهلع والارتباك يُخيمان على اللاعبين المغاربة    دياز في قلب مشروع المدرب الجديد لريال مدريد    باناثينايكوس يتردد في صفقة أوناحي    المغرب يستضيف مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الفرنكوفونية    ردا على طرد موظفين فرنسين من الجزائر.. باريس تستدعي القائم بالأعمال الجزائري وتتوعد بالرد بالمثل    رُهاب الجزائر من التاريخ    الاتحاد الأوروبي يفرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا    الإمارات تُجدد حضورها في موسم طانطان الثقافي بالمغرب: تظاهرة تراثية تجسّد عمق الروابط الأخوية    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    المغرب يحقق المعادلة الصعبة: تكلفة إنتاج السيارات الأقل عالميًا ب106 دولارات فقط للعامل الواحد    المغرب في تصنيف التنمية البشرية لعام 2023: نقطة جيدة وانتظارات قوية    الأمم المتحدة تدعو مجلس الأمن إلى التحرك "لمنع وقوع إبادة" في غزة    كسوة الكعبة المشرفة ترفع 3 أمتار    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    السكوري: الحكومة تتطلع إلى مواصلة تحسين مؤشرات التشغيل لخفض البطالة إلى مستويات معقولة خلال السنة الجارية    مَأْزِقُ الإِسْلاَمِ السِّيَاسِي    المجلس الوزاري: حول الأسماء والأشياء!    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يفكر المتفائلون

ساد الاعتقاد لمدة طويلة بأنّ القدرة على رؤية الحياة من جانبها الإيجابي هي مسألة ميول ذاتية خاضعة للصدفة. غير أن المقال التالي يبيّن أن هذه البديهية ليست دائما صائبة وصحيحة. ذلك أنه وخلافا لما نظنّ، ثمّة علاقة نفسية وبيولوجية بين ما يعتمل ذهنيا من انفعالات تفاؤلية وتشاؤمية وبين المعطيات الجسمانية.
في محيطنا الكئيب والبائس (فبلد مثل فرنسا، على سبيل المثال، أحرز مؤخّرا على السعفة الذهبية كواحد من البلدان الأكثر تشاؤما في العالم، متقدما بذلك على العراقيين والنيجريين)، ينبغي الاهتمام كثيرا بمعرفة سرّ هذه العيّنة النادرة التي نطلق عليها اسم «المتفائلون». ومع ذلك، فإن أولئك الذين يعبّرون عن شعورهم بالسعادة والتفاؤل غالبا ما يكونون عرضة للاستهزاء. وفي الكثير من الأحيان يأخذونهم من الجانب الساذج باعتبارهم خارجين عن المألوف وبعيدين عن الحقيقة الواقعية، فضْلا عن اعتبار ما يشعرون به لا يرتبط بهم بقدر ما يبدو أمْرا نازلا من السماء.
فمنذ حوالي عشرين سنة، انبرتْ السيكولوجيا «الإيجابية» إلى البحث التفصيلي في الكيْفية التي تشتغل بها «الشخْصيات الناجحة في حياتها»، بحيث أصبح بالإمكان أن يفهْم المرء فهما دقيقا كيف يعيش وكيف يفكّر أصحاب «الكأس النصف المملوءة». بالنسبة لفيليب غابيليي، الباحث في علم الاجتماع النفسي، وصاحب كتاب «مديح التفاؤل» الصادر ضمن منشورات سان سيمون، والذي يعتبر نفسه هو كذلك تائها في العالم المسحور الذي هو «عالم المقاولات الذي يهيمن فيه أصحاب الفكر التدبيري والتسييري والواقعي»، فإن
الأشخاص المتفائلين همْ، في المقام الأول، أولئك الذين يتحرّكون ويبحثون عن الأسباب الملائمة التي تجعلهم يكافحون ويتصارعون داخل محيط لنْ يتحسّن ولن يتغيّر. وفي هذا الصدد يقول:» إنّ ما يميز هذه الشخصيات حقّا هو: أنها تعمل أساسا انطلاقا من مبدأ الاحتمال والإمكان. ومن ثمّ ففي أيّة وضعية كانت، فإنهم ينظرون أوّلا وقبل كلّ شيء إلى ما يمكن فعله، هذا في الوقت الذي يكتفي فيه المتشائم، حتى الأكثر ذكاء، بالملاحظة، وبالتحليل في أحسن الحالات. غير أنه يظلّ في وضعية سكونية وجامدة، بل يشعر بكونه ضحيّة».
وبالمقابل، فإن الشخص المتفائل يبحث عن الحركة والتنقّل والحرية، بل يصل به الأمر إلى حدّ « التظاهر ب»، التظاهر بأنه سيُشفى من هذا المرض العُضال، أو التظاهر بأنه سيجد عملا في القريب العاجل الخ، وذلك حتى لا يتوقّف ساكنا وقابعا في النزعة القَدَرية. من هنا يضيف فيليب غابيليي قائلا:» إن للمتفائلين ثقة كبيرة غير قابلة للمساومة في سلطة وقدرة إرادتهم». وهنا يتجلى نمط آخر من طريقة اشتغالهم: يتجلى في «النزعة التفاؤلية»، والتي تقوم أساسا على القيام بكل ما يمكن القيام به رغم ما يمكن أن يحصل لهم. في الصدد يقدّم إيف مونترونْ، المشرف على الموقع الإلكتروني لعصبة المتفائلين، ومؤسس «التدبير الإيجابي» الذي أنشأ له موقعا بعنوان manager-positif.com مثال أب لأسرة التقى به في ميناء الأنتيلْ والذي كان قد دعا أفراد عائلته إلى القيام بجولة عبر العالم على متن باخرة شراعية لكونه طُرد من العمل بطريقة وحشية. وأضاف قائلا :»إنّ ربّ المعمل الذي كرهته كثيرا قبل سنة، سأعانقه اليوم. فبفضل هذا الأب تمكّنت من تحقيق واحد من أحلام حياتي».
من جهة أخرى يقول مارتينْ سيليغْمانْ، الأستاذ بجامعة بينسيلفانيا و»بابا « علم النفس الإيجابي، مدقّقا أنّ أولئك الذين يتبنّون هذا «السلوك المتفائل» يروْن البعد الانتقالي والعابر للأحداث، بينما يرى المتشائمون الطابع الدّائم. المتفائلون يقولون :»إنّ نظام لا يمكن أنْ ينجح على الوجه الأحسن حين نتناول وجبة الغذاء دائما في المطعمّ»، في حين يردّد المتشائمون:» لا فائدة من اتباع نظام حمية». وهناك طريقة أخرى وصيغة ثانية للتعامل مع الواقع واليوميّ الذي يجثم على المتشائمين، وهي التي تتجلى في :التعميم. فهم لا يوقّفون على القول :» إن القراءة لا فائدة منها وعبثية»، هذا في الوقت الذي يقول فيه المتفائلون :»هذا الكتاب ليس سيئا إلى هذا الحدّ».
وحين تحصل بعض الأحداث والأمور الصعبة أو الخطيرة، فإنّ الأشخاص المتفائلين لا يكونون بمنأى عنها، غير أنهم ينجحون في عدم جعل وجودهم متأثّرا بهذه المشاكل التي يعتبرونها مشاكل عابرة. ثمّ إنهم في حالة ما إذا حصلت لهم مشاكل عائلية، بين الزوج وزوجته، فإنهم لا يجعلون هذا المشاكل تؤثر على حياتهم المهنية اليومية، ولا حتى على أطفالهم. ذلك أنهم يعرفون كيف يقسّمون ويميّزون بين الأمور. من ثمّ يشدّد فيليب غابيليي على أهمية اعتبار المشاكل عابرة في رأي الشخص المتفائل، وصبغة العبور هذه هي التي تمنحه إرادة إضافية واستعدادا آخر للانتقال إلى شيء آخر، وعدم كهربة الوضع الحياتي والعائلي، ولا حتى المحيط الشخصي والمهني. إنّ هذا الوعي بانعدام ديمومة المشاكل من أيّ نوع كانتْ، هي كذلك مصدر ومورد تأسيسيّ بالنسبة ل»المتفائلين المتناقضين»، من أمثال إيف مونبرون، الذي يعترف من جهته بكونه لم يكن ينظر بصفة تلقائية إلى الجانب الورديّ للأحداث. يقول في هذا الصدد:» حين ينزل مستوى المزاج قليلا، أعيد الاتصال بشبكة أصدقائي، وحين أعود إلى البيت، في نهاية اليوم، أدوّن الأمور الثلاثة أو الأربعة التي أدخلت السرور إلى قلبي». وهذه كلها استراتيجيات ومؤشرات تحمل على القول بأنّ الاشخاص المتفائلين ليسوا بُلهاء إلى هذا الحدّ، بقدر ما هم واعون وعيا جيّدا بالطابع العابر والثمين للحياة. أما مهمّتهم اللاواعية، والمتمثلة في الدور الذي يلعبونه وهو العمل على نشر هذا الاكتشاف حولهم. لذلك يخلص فيليب غابيليي إلى القول:»إنّ وضعية التفاؤل هي الطاقة الأولى من أجل المحافظة على التماسك والانسجام داخل الفريق المهني وبين أفراد العائلة أو داخل الجمعية».
وهذا ما يجعل الأمور مناسبة للشخص المتفائل الذي يكون دائما في حاجة إلى العلاقات ووشائج الصداقة والعائلة. لذلك فإنّ هناك خاصية أخرى تميّز المتفائلين وهي «أنّ ما يميّزهم أكثر عن الأشخاص المتشائمين ليس هو ذكاؤهم على الأرجح، بلْ كرمهم».
المتشائمون لهم شخصيات متحجّرة
تعتبر المحللة النفسانية آن ماري فيليوزاتْ، التي صدر لها كتاب مشترك مع الدكتور جيرار غواشْ بعنوان «هذه الأمور التافهة التي تغيّر الحياة» (منشورات البان ميشال)، أنّ الوصول إلى حالة الاطمئنان والمزاج الإيجابي ممكنة لكل الناس، لكن شريطة القيام بمجهود بسيط من أجل الاشتغال على الذات والتعلّم. إنّ الأمر، في نهاية المطاف، يتطلّب العودة إلى الذّات وإلى الاستعداد الذهني بغية الحصول على «شخصية إيجابية»، ومن ثمّ تغيير المزاج. لذلك فإنها مقتنعة بالنظرة النفسية الجسدية للكائن البشري. ومن أجل الحصول على نتيجة إيجابية ينبغي الابتعاد عن الاجترارات الذهنية التي تطبع سلوك وعقلية المتشائم، ومن ثمّ تحرير الجسم من التشنّجات الناتجة عن هذه الاجترارات. تقول فيليوزات في هذا السياق:» كلّما بعثتم برسالة سلبية من قبيل «لنْ أنجح في تحقيق هذا الهدف»، أو «أنا إنسان فاشل» الخ، فإنّ ذلك يُترجم بتصلّب عضلي وبتوتّر. وبالمقابل، فعندما يكون الشخص مريضا فإن ذلك يؤثر على نفسيته وبالتالي ينزل مستوى مزاجه وذهنيته بدرجات. لذلك تستخلص بأن هذه العلاقة بين الجسد والذهن مُبرْهن عليها من الناحية العلمية.
إن للأشخاص المتشائمين شخصية متحجرة ومتكلّسة وجامدة، بحيث يظلّون من الناحية الذهنية «أسرى» فكر قاتم ومظلم واجتراريّ، ومن الناحية الجسمانية يظلون منطوين على أنفسهم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما يظهر على الفرد من ردود أفعال بيولوجية وفيزيولوجية مثل ضيق التنفس وجفاف الحلق وبرودة الأطراف وارتفاع ضغط الدم والإغماء والتوتر العضلي وعسرالهضم . فمشكلتهم هي أنهم لا يسمحون لأجسادهم بأنْ تعيش تتابعا وتتاليا للعواطف والانفعالات التي تجعلنا مفعمين بالحياة. إن المفتاح السحري الذي يجعلنا في وضعية إيجابية هي سلاسة العلاقة بين الذهن والجسد. إنّ التفاؤل هو عملية نفسية إرادية تولد أفكاراً ومشاعر للرضا والتحمل والثقة العالية بالنفس ، وفي الوقت نفسه تبعد عن الفرد حالات اليأس والعجز. فالشخص المتفائل يفسّر مشاكله وأزماته تفسيراً بسيطا يبعث في النفس نوعا من الطمأنينة والأمان، وهذا بدوره ينشّط عند الفرد أجهزة المناعة النفسية والجسمية، لذلك يعتبر التفاؤل هو الطريق الأمثل للسعادة والصحة . غير أن هذا ليس سهلا ويتطلب اشتغالا على الذهن والذات حتى يبتعد المرء عن التفسير التشاؤمي الذي يستنزف طاقة الفرْد ليشعره بضعف نشاطه ودوافعه، وإصابته بأمراض نفسية وجسمية متنوعة .
يشير سيلِغْمان إلى أنه قد حان الوقت لإعادة إحياء الطَّبع كمبدأ أساسي للدراسة العلمية حول السلوك البشري. من أجل ذلك، عمل مع كريستوفر بيترسون، بمساعدة فريق من الباحثين، على وضع تصنيف للعناصر الإيجابية في القوى الفكرية والفضائل، والتركيز عليها أكثر من الاضطرابات النفسية. وهكذا وُضِعَتْ لائحةٌ بأربعة وعشرين عنصرًا، موزَّعة على ستِّ فئات عامة هي: الحكمة والشجاعة والحب والإنصاف والاعتدال والروحانية. وقد عمَّق الفريق أبحاثه العيادية بقراءة أعمال حول الحكمة الآتية من مختلف بقاع العالم، بدءًا بأفلاطون وأرسطو ولاو تسُه، وصولاً إلى التلمود وتوما الأكويني والقرآن، مرورًا بكانط والفلسفة الألمانية، مشددًا على أن علم النفس الإيجابي لا يأمر بل يوصي؛ وهو لا يفرض الصفات التي يجب تبنِّيها، بل يصوِّر لنا نتائج خياراتنا. فالإحصاءات تشير، مثلاً، إلى أن التفاؤل يحضُّ الفرد على تخطِّي الفشل وتحمُّل تحديات جديدة؛ كما أن التسامح والامتنان يحرِّرانه من المرارة والضغينة حيال الماضي.
وتدلُّ دراسات أخرى قام بها سيلِغْمان على أن بعض الأحداث السلبية في مرحلة الطفولة لا تؤثر تأثيرًا خطيرًا على حياة الراشد، باستثناء بعض الصدمات الأساسية، كالعنف البدني؛ مما يعني أن جهد عدد كبير من علماء النفس لتحرير الغضب المكبوت إزاء الوالدين يوفِّر حجة أكبر لتحفيز المرارة.
يمدح سيلِغْمان فضائل أخرى في كتاب السعادة الحقيقية، ناصحًا للقارئ بالتماثُل مع تلك الفضائل التي يشعر في نفسه أنه مستعد لها، وبالتنمية الإيجابية لهذه القوى التي تشكِّل توقيعه الخاص، كالطاقة على الحبِّ أو تربية الأولاد أو العمل.
وعلى الرغم من أن أعمال سيلِغْمان لاقتْ ترحيبًا واسعًا ? ولاسيما أنها تشدِّد على أهمية الصحة النفسية البعيدة عن جوِّ الانتحاب والشعور المزمن بالذنب ? إلا أنّ البعض انتقد علم النفس الإيجابي بأنه لا يقدم جديدًا مختلفًا عن الحكمة القديمة؛ مع أنه مَنَحَ انطلاقة جديدة لمبدأ قديم كان يسمي السعادة «الحياة الجيدة»، التي اعتبرها أرسطو ثمرة فضيلة وهي: أن نعرف كيف نحيا.
وعلى غرار سيلِغْمان، سمع القديس أغسطينوس في إحدى الحدائق صوت طفل تسبَّبَ له في رؤية مباغتة، جعلتْه يكتب مقالة حول السعادة عنوانها الحياة السعيدة، وذلك بعد حياة كامدة. والسر يكمن بنظره في اقتناع الإنسان بأنه لن يدرك السعادة في هذه الحياة، بل في الحياة المقبلة. وحده الله هو السعادة، ومن دونه سنظل دائمي الحزن وغير كاملين.
ولا يشاطر سيلِغْمان القديس أغسطينوس الرأي بالطبع، بل يشير في كتابه إلى أن بإمكان علم النفس الإيجابي أن يضعنا على طريق إله ليس الإله فوق الطبيعي. فكأنه يبشِّر بإله السعادة الذي من واجبنا نحن البشر البحث عنه؛ وبمجرد إيماننا به يفي بوعوده لنا. وُعود جميلة يقدِّمها علم النفس الإيجابي لِمَن لا يحمل أمراضًا نفسية خطيرة أو آثار صدمات تحتاج إلى معالجة طبية جذرية وطويلة الأمد. وعود تُطبَّق في الحياة اليومية على أفراد يبحثون عن تطورهم الدائم من خلال نقد ذاتي بنَّاء ومستمر، بغية إرساء حياة أفضل. فبين حاملي الطبع الهادئ وأصحاب المزاج السيئ، تتفاوت النظرة إلى السعادة، ويختلف السبيل إلى قطفها. ويبقى الإيمان بها هو الجامع المشترك الذي يؤدي إليها.
لوموند، الاثنين 11 فبراير 2013
«علم النفس الايجابي بدأ كتيار سيكولوجي تطور من التفكير الايجابي إلى علم نفس إيجابي على يد مارتين سيلغمان، رئيس جمعية اطباء النفس الأمريكيين، 1998 ، حيث يعتبر أنّ علم النفس لا يهتم بدراسه المرض والضعف والتلف فقط، بل يفترض أن يهتم أيْضا بدراسة مكامن القوة والفضائل الإنسانية. يتضح من كلام سيلغمانْ هذا نرى إن علم النفس لم يعد ينتظر وقوع الفرد في الحالة المرضية من أجل مساعدته في التغلب عليها، بل تعدى ذلك الى دراسة كيف يمكن لنا أن نجعل الفرد يعيش سعيداً في حياته من خلال ما يمتلكه هو من قدرات وقابليات عقلية وبدنية من بغية تحقيق السعادة لديه. إن الإحساس بالسعادة والمرح هو عنصر أساسي وضروري لحياة صحية وحاجة المرء لهذا الإحساس تماماً كحاجته للماء والغذاء والصداقة والنوم والشمس وغيرها. فالدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا الموضوع أشارت إلى الأشخاص السعداء أقلّ عرضة للمشكلات العائلية والأسرية أو المعاناة من الأمراض, وبالتالي فهم أكثر قابلية ليعيشوا حياة فعالة أطول من غيرهم. من ثمّ فإنّ الإنسان يجب إن لا يفكر فيما حدث له ويستسلم للأمر, بل المهم أن تفهم وتدرك موقفك تجاه ما حدث ويحدث وطريقة تعاملك معه ومدى سماحك له بالتأثير عليك وهذه هي تماماً نظرية (علم النفس الإيجابي) التي تعلمك كيف تحقق لنفسك حياة صحية مقنعة ويقول سيلغمان: لكيْ تكون سعيداً بكل معنى الكلمة أنت في حاجة لتشعر بالرضا عن ماضيك، حاضرك ومستقبلك المغزى والهدف الرئيسي من التفكير الايجابي ورؤية الأمور من منطلق متفائل هو ألا تمعن التفكير في سلبيات ماضيك، عش لحظتك عندما تطلب منك الحياة ذلك وخطط لخطوات واضحة جداً لتُحسن من خلالها مستقبلك. ويركز الباحثون في مجال عالم النفس الإيجابي على دراسة وتحليل مكامن القوة والسمات والفضائل الإنسانية الإيجابية مثل التفاؤل، الرضا والامتنان، والإبداع لتعظيم وتعزيز السعادة الشخصية للإنسان في ممارساته وأنشطته وشؤون حياته اليومية، لتحسين صحة الفرد النفسية والجسمية مما يجعله فرداً منتجاً فعالاً في مجتمعه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.