المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    ابتداء من اليوم.. طرح تذاكر المباراة الودية بين المغرب وأوغندا إلكترونيا    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    القضاء الفرنسي يواقف على طلب الإفراج عن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    الوداد ينفرد بصدارة البطولة بعد انتهاء الجولة الثامنة    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    احتقان في الكلية متعددة التخصصات بالعرائش بسبب اختلالات مالية وإدارية    مصرع أربعيني في حادثة سير ضواحي تطوان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    عمر هلال: نأمل في أن يقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة إلى الصحراء المغربية    المغرب يتطلع إلى توقيع 645 اتفاقية وبروتوكولا ومعاهدة خلال سنة 2026.. نحو 42% منها اقتصادية    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    حقوقيون بتيفلت يندّدون بجريمة اغتصاب واختطاف طفلة ويطالبون بتحقيق قضائي عاجل    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    زايو على درب التنمية: لقاء تشاوري يضع أسس نموذج مندمج يستجيب لتطلعات الساكنة    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الراحل عبد العزيز مريد: أخرجت الشيطان الذي يسكن البلاد بكاملها(!!)
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 04 - 2013

صباح الثلاثاء الماضي، وبعد مرض لم تنفع معه قوة المقاومة التي تميز بها في مواجهة الجلاد والمعتقل، رحل المبدع والمعتقل السياسي السابق عبد العزيز مريد. ويعتبر الراحل، الذي قضى في درب مولاي الشريف والسجن المركزي بالقنيطرة عشر سنوات (1974- 1984)بسبب أفكاره السياسية وانتمائه لمنظمة «23 مارس»، أحد مؤسسي جنس القصص المرسومة مغربيا.
وإذا كانت تجربة الرسم لديه قد انطلقت خلف القضبان، فإنها وصلت أوجها مع إصداره لقصته المصورة الأولى سنة 2001: « إنهم يجوعون الفئران تجويعا» (دار النشر طارق).
في هذا المؤلف الصادر باللغة الفرنسية وباللونين الأبيض والأسود، يسترجع مريد تجربة الاعتقال والتعذيب بكل أشكاله والمحاكمة غير العادلة التي اكتوى بنيرانها في مغرب سنوات الرصاص.
وبالإضافة إلى إبداعاته في مجال القصة المرسومة، مارس الراحل التشكيل والنقد، كما مارس العمل الصحفي.
في ما يلي نعيد نشر الحوار الذي أجريناه معه في صيف 2001.
} نهنئك على هذا الكتاب الجميل والرائع الذي يجسد محنة جيل كان يحلم بإشراقة شمس على وطنه، وخصوصاً جيل اليساريين الذين اعتقلوا وعذبوا وقتلوا في أقبية الظلام والظلم والعار، في ظل سلطات القمع التي كانت تنشر رعبها وقتامتها وكوابيسها في كل حلم، تحملوا ذلك من أجل أفكارهم وتوقهم إلى نظام سياسي قوامه الحرية والكرامة والديمقراطية..
نهنئك على هذا الكتاب الذي نعتبره دليلا على ذاكرة جماعية، نريد أن نتعرف معكم على الظروف المؤسسة لكتابة هذه الذاكرة؟ متى جاءت الفكرة؟ وما هي الصيرورة التي معها وأين أنجزتها؟
الكتاب يرجع تاريخه إلى 1980، بعد الإضراب عن الطعام الذي وصل الى 45 يوما، حين قمنا في السجن المركزي، نحن مجموعة مكونة من 139 معتقلا سياسيا وكان بيننا مناضلون من الاتحاد الاشتراكي بإضراب عن الطعام احتجاجا على ظروف الاعتقال.
بعد الإضراب، كنت في وضعية صحية خطيرة، وكان علاجي الأساسي هو الرسم والرياضة، هكذا قررت أن يكون العلاج، أن أدون عبر الرسم كل هذه البشاعة التي عبرت أجسادنا وعقولنا وزهرة أيامنا، قلت مع نفسي، لا يمكن أن نعيش كل هذه الفظاعات بدون أن يسجلها التاريخ. لقد لاحظت أن أجيالا من المعتقلين السياسيين الذين عانوا المحن، منذ الستينيات لم يسبق لها أن دونت تجربتها, نحن جميعا نعرف أن مناضلين وشهداء أفذاذ كلهم مروا من هناك، من هذا الظلام الذي كان يخنق المغرب، كلهم ضحوا في سبيل هذا الوطن، سواء في فترة الاستعمار أو أثناء مرحلة الاستقلال، لكنهم لم يتركوا للأجيال اللاحقة شيئاً، حيث أصبحنا نعيش أحداثاً بدون أن نؤرخها أو نودعها بين أيدي التاريخ كشهادة ,أصبحنا نقع خارج التاريخ، لأننا لا ندون ذاكرة المرحلة.
هكذا بدأت أكتب وأرسم قصة معاناتنا من أولها إلى آخرها، كيف اعتقلنا؟ ماذا جرى لنا في المعتقلات؟ أنواع التعذيب التي كابدنا في »غرف العمليات« الخاصة؟
وبطبيعة الحال، كانت حملات التفتيش في مرحلة الاعتقال مكثفة ويومية، فرغم نجاح الإضراب وتحقيقنا للقليل من الحرية والمكتسبات، كانت المداهمات يومية.. غير أنني كنت أرسم وأرسم في أوراق صغيرة، وأبعثها إلى الخارج عبر العائلة الأصدقاء الذين كانوا يزورونني, حتى تمكنت من الانتهاء من الكتاب.. وبالفعل، رحل الكتاب الى بلجيكا، هذا ما علمته وأنا رهن برودة الاعتقال، ومنذ ذلك الحين، انقطعت كل المعلومات المرتبطة بمصير الكتاب عني، لكنني عرفت فيما بعد أن كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق قرأ الكتاب، وعرفت أن الجميع في »أمنستي« الدولية قرأ الكتاب، ومجموعة من الحقوقيين في العالم تمكنوا من قراءة الكتاب وتأثروا به، وساهموا في الدفع لإطلاق سراحنا.
في ذلك الوقت، لم أكن أعرف كل ما صنعه هذا الكتاب.. على سبيل المثال، نشرت »ليبراسيون« الفرنسية رسومات منه على صدر صفحتها الأولى، كذلك »لوموند« وجرائد أخرى كانت تصلني عنها الأصداء فقط.
لم أر الكتاب إلا بعد خروجي، وجدت أن الرسوم لم تكن في المستوى، لأنني كنت مريضاً ويداي ترتجفان، لذلك قررت أن أعيد رسوم الكتاب كلها.
كانت لدي نسخة من الرسوم داخل السجن، لكنني أضعتها لما خرجت، ولم أحصل على نسخة جديدة إلا في سنة 1999 حين حملتها إلى صديقة أمريكية، لم تكن كتاباً، بل نسخة كاربونية من الكتاب، حينها قررت أن أعيده من جديد، بمنطق سردي جديد، وأن أعمل على تحيينه بما يتلاءم مع هذا المنطق.
مباشرة شرعت في العمل، أربعة أشهر قضيتها ملازما البيت، أرسم وأرسم، حتى اكتمل العمل الذي بين يديك الآن.
} اسمح لي أن أسألك: لماذا اخترت الرسوم وليس الكتابة؟
رغم أنني صحافي قضيت 15 سنة وأنا أكتب، فإنني لم أستطع لحد الآن أن أصوغ كلمات لوصف البشاعة، إنني أحيي جميع الأصدقاء والرفاق الذين استطاعوا أن يكتبوا ولو أنكم لاحظتم من خلال هذه الكتابات أن كل من عبد القادر الشاوي وصلاح الوديع وأبو يوسف، وعبد اللطيف لم يكتبوا التجربة بشكل مباشر..
} تقصد أنهم صبوا هذه التجربة في قالب روائي، يمتزج فيه الخيال بالتجربة والواقع بالأدب؟
نعم، كتبوا عن التجربة كموضوع أدبي غير مرتبط بالذات والمعاناة الشخصية، كانوا يلفون حول الموضوع، دون أن يترجموا حقيقته وهي تقوم بجلد أجسادهم وذاكرتهم..
} هل كنت تعتقد وأنت ترسم التجربة بكل هذه الفظاعة والبشاعة التي تطل من الرسومات أن الصورة المرئية أكثر تعبيراً من الكلمات؟ هل هناك قصدية معينة؟
لا أستطيع أن أكتب، هذا شيء فوق قدرتي، حاولت لكنني عجزت..
} لكننا نلاحظ، نحن قراء هذا الكتاب أنه مليء ليس بالحوار بين الشخصيات، بل بالتعاليق التي تمنح الموضوع قوة في الشكل والمعنى.
تماما، أولا، أنا رسام، ولدي إمكانية للتعبير بالصورة والرسومات، وهذا كما تعلمون عصر الصورة، والصورة القوية يمكنها أن تلخص مقالا بكامله، بل يمكنها أن تكون أكثر تعبيرية وأكثر نجاحاً في توصيل المعنى.. حين عجزت عن الكتابة لذات الرسم..
} إذن، المسألة ليست اختياراً مفكراً فيه..
لا، إنه العجز، نعم العجز.. أنا عاجز عن الكتابة، ويمكنني أن أقول إنني أعاني من حالة انحصار قوي يمنع كل الأشياء التي أخبئها في أعماقي في الخروج، لا يمكن لأية كلمة أن تترجم بدقة وصدق هذه الأشياء.. لذلك، صادفتني الصورة أو صادفتها، وجدت فيها الإبداع الفني الذي يمكنه أن يربط تجربتي بما يمكن أن نسميه التعبير.
هذا ما أردت أن أصل إليه من قبل: هل الصورة أكثر تعبيرية وفنية وصدق من الكلمة...
شخصيا، حين اطلعت على الكتاب وجدته أكثر تعبيرية عن كل الفظاعات التي تحدث في أقبية الاعتقال السرية من الكلمات.. فالعبارة في مثل تجربتكم أضيق من التجربة.. الواقع أكبر من الكملة والصورة في مثل هذه الحالة، تعبر عن امتداد التجربة في لحظة معينة وهو ما لا تستطيع الكلمات فعله نظرا لخطيتها وارتباطها بالوصف اللغوي الامتدادي في الزمن زمن الكتابة والقراءة معا.
الرسم تعبير ولغة له منطلقه ومعاييره الخاصة. وقد حاولت في رسوماتي أن أوفق بين الفكرة التي أروم إيصالها والتعبير الفني.
} اثارني في هذا الكتاب شيء أساسي جعلني ارجع إلى مرحلة الطفولة أو الشباب الأول حين كنت ومجموعة من الأصدقاء من جيلي المتمدرسين وغير المتمدرسين, نلتهم قصص وحكايات الرسوم المصورة من قبيل سلسلات »روديو« وليس »ألبمراكس« و»كابيت سوينغ« و»زامبلا» و»كيوي وبليك« و»اكيم« الخ.
هل كنت أيضا في طفولتك من هواة قراءة هذه السلسلات؟ وإذا كنت كذلك ما حجم التأثير الذي أحدثته فيك كرسام وكاتب؟
بطبيعة الحال هناك تأثير للعديد من الرسامين العالميين الذين كانوا يبدعون هذه السلسلات، أنا قارئ قديم للرسوم المصورة واعتبرها دائما شكلا من أشكال التعبير البطل وهذه مسألة ليست سهلة.
وإذا لاحظت فإن النصوص أو التعاليق المقترنة بالرسوم ذات شحنة تعبيرية وفنية مهمة ليس فيها أي ابتذال.
} حين شرعت في قراءة الكتاب لمست حضورا مستترا للجانب السير ذاتي.. هل هناك فعلا سيرة ذاتية تنكتب عبر صفحات الكتاب بشكل محتشم وغير واثق, كأنك لا تريد أن تعكس هذا الجانب الذاتي.
.. نعم، هناك حضور للجانب السير ذاتي ولكنه حضور غير مباشر، لأنني نسبته إلى شخص آخر, ثم أنني أميل إلى الحديث عن عملي كشهادة، وليس كسيرة ذاتية. الشخص الذي يكتب مذكراته في آخر الكتاب هو أنا، أنا الذي أصابني العمى، وذهبت إلى المستشفى وعانيت من مضاعفات الاضراب.. لكنني وجدت أنه من الأفضل أن أنسب كل هذه الوقائع والفظاعات إلى شخص آخر, هناك أشياء تخصني في هذا الكتاب، لكنني رفضت أن أقدم شهادة شخصية لأنني اعتبرت أنه ليس من المعقول أن أنسب إلى نفسي تجربة جماعية. ربما تكون قد لاحظت أن الأنوية (أنا.. أنا.. أنا) منعدمة هناك (نحن) ومجموعة من المشاهد لم تقع لي وحدي، بل تشمل تجربة جيل بكامله.
والقضية التي أريد أن ألح عليها هي أن هناك ثلاث مراحل في الكتاب: مرحلة التعذيب, ثم مرحلة المحاكمة, ثم مرحلة النضال من أجل تحسين الأوضاع في المعتقل.
مرحلة المكافحة اعتبرها جانبا مركزيا في الكتاب، لأننا كنا بالفعل بصدد بناء دولة الحق والقانون، فلا يمكن أن نصل إلى هذا المطمح بدون إصلاح القضاء. فمستوى القضاء عندما هزيل جدا وما صورته في الكتاب شهادة بسيطة عن هذا الابتذال والسقوط الذي يعيشه قضاؤنا.
} هل هذه الشهادة بمثابة تخلص من ثقل الذاكرة؟ هل شعرت، وأنت ترى كتابك يولد بين الناس في مغرب الان بنوع من الراحة والاطمئنان.
»شوف يا منتسب» تجربة الاعتقال التي مررنا بها كجيل ليست موضوعا للسخرية والمزاح عندي. لا أطيق أن يتحدث معي أي شخص عن هذه التجربة. وكأنه يتحدث عن شيء بسيط وعاد وقع ذات يوم و انتهى. أنا حين أنجزت هذا الكتاب أردت أن أتخلص من ثقل جسيم فوق ذاكرتي، وأن أساهم في تخليص ذاكرة جيلي من كل البشاعة التي عبرتها.
} هل أحسست فعلا وصدقا، أنك تخلصت من جرح داخلي؟
بطبيعة الحال. بطبيعة الحال..
} هل يمكن لعمل تعبيري وفني ان يساهم في تحقيق ما يمكن ان نسميه بالتطهير بالمعنى الارسطي، أي الاغتسال من التوتر.؟
هذا يقع في كل مكان، في الشيلي وكواتيمالا.. الخ.. الناس يتكلمون في التلفزيون والصحف، ليخرجوا ذلك السواد والحقد، ذلك الشيطان الذي يسكن حواسهم والذي سكن البلاد بكاملها.
لا يمكن أن نتقدم خطوة نحو الديمقراطية وحقوق الانسان ونحو احترام أنفسنا، ما لم نتعرض للتطهير.
} ألا تعتقد معي أن ذاكرة الاعتقال السياسي هي ذاكرة جسد أساسا ومن الصعب على أي عمل إبداعي أو تعبير فني بشكل عام أن يمحو ذاكرة القمع والارهاب بسهولة. بل إنه يساهم فقط في تلطيفها و التخفيف من حدتها.
ذاكرتنا لايمكنها أن تمحي. لكن من الضروري أن نضع هذه الذاكرة أمامنا بشجاعة. نحن لا نخطو نحو النسيان، وليست هذه رغبتنا. مهمتنا ان نؤرخ هذه الذاكرة لأنها جزء من تاريخنا. من منا عرف شيئا عن المرحلة الاستعمارية؟ شخصيا أؤاخذ المغاربة لأنهم لم يتحدثوا عن الاستعمار الذي تحول بفعل الصمت الى مجموعة من النكت والمستملحات، لماذا وقع الاستعمار؟ ماهي التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية التي سهلت دخول الاستعمار؟ هذا مهم.
} سؤال آخر أريد أن أطرحه عليك، هل تعتقد ان ذاكرة الاعتقال السياسي لن يكتبها الا المعتقلون السياسيون. ام أنها لن تنكتب بصورة دقيقة وكاملة إلا إذا ساهم فيها الجلادون وعائلات الضحايا؟
أتمنى أن يساهم في كتابة هذه الذاكرة علماء الاجتماع، وعلماء النفس والمؤرخون والاطباء ورجالات مختلف العلوم الانسانية بشكل عام وبطبيعة الحال، لا يمكن لهؤلاء ان يساهموا في كتابتها اذا لم تكن بحوزتهم معطيات كافية.
أما إذا رغب الجلادون في المساهمة، فأنا سأكون سعيدا جدا، لأنهم بدون شك، سيغنون التجربة من زاوية أخرى وبنظرة أخرى مغايرة تماما.
مساهمة هؤلاء ستعبر عن تلك العقلية التي نكلت بنا، ستعبر أيضا عن منطق الصراع.سيفهم الجميع أن القمع لا يبني مجتمعا، بل يهدمه. أتمنى أن يكون هناك حوار حول الذاكرة، بدون حقد أو كراهية أو رغبة في الانتقام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.