السمارة تشجع على "تعاون الجنوب"    نقاش حاد في "لجنة المالية" حول التخفيضات الجمركية للأدوية المستوردة    "طائرة إسعاف" تتدخل في الرشيدية    قناة للمياه تستنفر الفرق التقنية بالبيضاء    لقجع يدافع عن "التمويلات المبتكرة" ويؤكد أن تنظيم كأس العالم سيعود بالنفع على المغرب    لقجع: المغرب بحث عن تنظيم كأس العالم لمدة 30 سنة وأول الالتزامات المقدمة ل "الفيفا" كانت في القطاع الصحي    البطولة: الفتح الرياضي يرتقي إلى المركز السابع بانتصاره على أولمبيك آسفي    خاص l مشروع قرار أممي يدعو إلى مفاوضات "بدون شروط مسبقة" استنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي (نص توصيات المشروع)    نادية فتاح: مشروع قانون مالية 2026 يجسد مسيرة "المغرب الصاعد"    ميناء الداخلة الأطلسي، مشروع ضخم يفتح عهدًا جديدًا للربط والتجارة البينية الإفريقية (وزيرة خارجية إسواتيني)    افتتاح أول خط جوي مباشر بين مونتريال وأكادير ابتداء من يونيو 2026    إيداع مالكة حضانة ومربية السجن على خلفية وفاة رضيعة بطنجة    الركراكي يكشف عن لائحة الأسود لمواجهة الموزمبيق وأوغندة في 6 نونبر القادم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بشأن المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي    حادثة حضانة طنجة.. صرخة لإصلاح قطاع التعليم الأولي وضمان سلامة الأطفال    تقرير حكومي يعلن اكتشافات "مشجعة" للذهب في الصحراء    "المطاحن" تبدي الاستعداد لكشف حقيقة "التلاعبات في الدقيق المدعم"    علي بوعبيد ينتقد استمرار تولي وزير داخلية تكنوقراطي بلا شرعية انتخابية اعداد القوانين الانتخابية    إيقاف أنشطة ميناء العرائش بسبب سوء الأحوال الجوية    الحكومة تُلقي ب"كرة التحقيق" حول "الدقيق والورق" في ملعب النيابة العامة    حصيلة متقدمة لبرامج دعم التعليم    سرقة متحف اللوفر.. توقيف خمسة مشتبه بهم جدد وفق المدعية العامة بباريس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    بلاوي يدعو إلى تفعيل العقوبات البديلة    وفاة نجم" ذا فويس" بهاء خليل عن 28 عاما    الرباط تستعد لاحتضان الدورة 30 للمهرجان الدولي لسينما المؤلف    مرسيليا يعلن أن لاعبه المغربي بلال نذير "في صحة جيدة" بعد حادث سقوطه    تصويت فرنسي ضد اتفاقية مع الجزائر    تقتيل واغتصاب وتهجير.. هيئة مغربية تدين ما يتعرض له السودانيون من مآس مروعة    الصين تحدّد 31 أكتوبر موعداً لإطلاق سفينة الفضاء المأهولة "شنتشو-21"    غيث نافع يعم عدة مدن مغربية وشفشاون في الصدارة    بعثة المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة تحل بالدوحة استعداداً للمشاركة في نهائيات كأس العالم    أكثر من 300 كاتب وأكاديمي يقاطعون "نيويورك تايمز" لانحيازها ضد فلسطين    مقتل شخص في توغل إسرائيلي بجنوب لبنان والرئيس عون يطلب من الجيش التصدي    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي بفارق كبير عن الآخرين    تيزنيت : التعاون الوطني ينظم نهائي البطولة الوطنية الرياضية 49 للمؤسسات والمراكز الاجتماعية بالإقليم    فادلو: الشهب الاصطناعية أفسدت إيقاع الديربي أمام الوداد    ترامب يعلن تخفيض "رسوم الصين"    فيلمان مغربيان ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان بروكسيل للفيلم    قطاعات ‬الماء ‬والطاقات ‬الخضراء ‬ضمن ‬أولويات ‬مشروع ‬القانون ‬المالي ‬الجديد    شي جينبينغ: يمكن للصين والولايات المتحدة تحمل المسؤولية بشكل مشترك كدولتين كبيرتين، والعمل معا على إنجاز مزيد من الأعمال الهامة والعملية والمفيدة    عرض فني بالدارالبيضاء بمناسبة المؤتمر العالمي للفلامنكو    "أكاديمية المملكة" تصدر موسوعة "مناظرة العلوم الإنسانية والاجتماعية" في 4 مجلدات    مهرجان الدوحة السينمائي يعلن عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    بنسعيد يترأس حفل تنصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة    شيخوخة اللسان!    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية الوحدة الترابية

تعد دورة أبريل 2013 لمجلس الأمن حول الصحراء منعطفا نوعيا في تعامل الأمم المتحدة مع هذا الملف، ويمكن أن نختصر إعداد مسودة مشروع المقرر الذي لوحت به الممثلة السابقة للولايات المتحدة بمجلس الأمن بعمل اللوبيات التي تدعم البوليساريو والقريبة من الحزب الديمقراطي الحاكم. لكن رد فعل الشعب المغربي القوي الذي عبر في وحدة وطنية متراصة لمواجهة أي مس بالوحدة الترابية هو الذي ثنى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم مقترح مندوبتها ، كما كان لهذا الموقف أكبر الأثر على أعضاء مجلس الأمن لإبعاد مشروع توسيع مسؤولية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. لكني لا أتفاءل كثيرا بالنسبة للمستقبل خصوصا وأن مقرر مجلس الأمن ترك سيف ديموكليس على رقبة المغرب في ميدان احترام حقوق الإنسان.
لقد عمل المغرب على بذل كل الجهود من أجل الوصول إلى تسوية سلمية عادلة في صحرائه المسترجعة. وقبل التعامل الإيجابي مع مخطط دي كويلار الأمين العام السابق للأمم المتحدة الذي أدى إلى وقف إطلاق النار سنة 1991 ،وقيام بعثة الأمم المتحدة بالصحراء لمراقبة ذلك والإعداد عن طريق لجن تحديد الهوية لقائمة الناخبين الصحراويين الذين سيشاركون في استفتاء تقرير المصير.
البعثة الأممية لم تكن عند الانطلاق آلية حقوقية أممية، وبالتالي فإن توسيع مهمتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالساقية الحمراء ووادي الذهب يعطيها دورا لا يمكن إلا أن ينسف البحث عن حل سياسي متوافق عليه. فمهمتها أصلا تنحصر في مراقبة وقف إطلاق النار وترتيب تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء. لكن الأمم المتحدة تخلت عن اللجوء إلى صناديق الاقتراع بعد فشلها في تحديد هوية كل الصحراويين الذين لهم حق المشاركة في الاستفتاء. ومسؤولية قيادة البوليساريو قائمة في هذا المضمار بسبب رفضها تسجيل عشرات الآلاف من أبناء الصحراء في اللوائح الانتخابية، وهو ما جعل المغرب يرفض تنظيم استفتاء غير ديمقراطي.
قبل المغرب مقرر مجلس الأمن الداعي إلى إيجاد حل سياسي متوافق عليه. وعمل مع الممثل الشخصي للأمين العام بدءا من جيمس بكر، الذي قبل مقترحه الأول الذي رفضته الحكومة الجزائرية وقيادة البوليساريو، وبعده ولتسوم الذي أعلن أن حل استقلال الصحراء غير واقعي، ونهاية بكريستوفر روس. وبإعلانه سنة 2007 عن مشروع الحكم الذاتي لحل النزاع، اختار المغرب الطريق الصحيح والموقف الايجابي حقا من اقتراح مجلس الأمن. فالحكم الذاتي كأرضية للمفاوضات يوفر لأبناء الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهم أغلبية الصحراويين، انتخاب برلمان جهوي كما يوفر ذلك للأقلية القائمة بمخيمات تندوف لحمادة. انتخاب برلمان جهوي أي سلطة تشريعية جهوية تنبثق عنها حكومة يقترحها رئيس يضع عليه الملك رداء ممثل الدولة في الجهة. اقتراح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، يحفظ ماء الوجه للحكومة الجزائرية ويفسح المجال للبوليساريو للرجوع إلى أرض الوطن وتحمل المسؤولية بإرادة الناخبين، ويرسخ في نفس الوقت الوحدة الترابية للمغرب.
مضى حتى الآن ما يقرب من ست سنوات على الاقتراح المغربي. هذه المبادرة يجب أن تبقى مطروحة أمام الأمم المتحدة وقابلة للتحيين والملاءمة طبقا للاجتهادات القانونية التي يعرفها المجتمع الدولي. لكن المغرب، وهو متشبث باقتراحه، لا يمكن أن يبقى ينتظر إلى ما لانهاية أن تقبله قيادة البوليساريو كأرضية للحوار وتنخرط حقا في مسلسل إيجاد الحل السياسي المنشود، زد على ذلك أن الممثل الشخصي للأمين العام كريستوفر روس، الذي قبل المغرب أن يتعامل معه مجددا بعد سحب الثقة منه، على ضوء ما قدمه بان كي مون للملك من الضمانات، أن روس لا يتصرف إيجابيا مع ما أكده مجلس الأمن من أن المقترح المغربي للحكم الذاتي يتصف بالجدية والواقعية، وله مصداقية.
لقد باتت الرؤية واضحة الآن وعلى المغرب أن يتحرك على ثلاثة مستويات، الداخلي والجهوي والدولي.
الأول على المستوى الداخلي : مجلس الأمن دعا إلى إيجاد آلية مستقلة وذات مصداقية للقيام بمراقبة حقوق الإنسان، فعلى الحكومة أن تتعامل بكيفية حازمة مع كل قضايا حقوق الإنسان، وتفتح تحقيقا حول كل الخروقات والانتهاكات لحقوق الإنسان التي تطرح، حتى وإن أتت من منظمات متحيزة. البلد يتوفر على الآلية المستقلة وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمطلوب من الحكومة والإدارات العمومية والسلطات الترابية أن تحترم توصيات هذا المجلس خصوصا فروعه في العيون والداخلة.
إن تمتيع الساقية الحمراء ووادي الذهب بنظام خاص يفرض نفسه اليوم بكل استعجال. وحيث أنه لا يمكن للمغرب أن يطبق بشكل أحادي مشروع الحكم الذاتي الذي يحتاج إلى اتفاق الأطراف وتزكية مجلس الأمن، فيجب عليه أن يتجاوز التماطل بإقرار الجهوية الموسعة. فذلك من متطلبات الاختيار الديمقراطي الذي أقره دستور2011. الجهوية الموسعة يجب أن تنطلق رسميا وبسرعة بالأقاليم الجنوبية على مستوى التشريع والتنظيم. ولاشك أن النموذج التنموي الذي يطرحه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سيعطي فحوى ومدلولا لهذا الاختيار. لكن تبقى مسؤولية الأحزاب الوطنية الديمقراطية قائمة إذ عليها أن تعمل على تعبئة الشعب المغربي للانخراط الجدي في الجهوية الموسعة. ومن هنا ضرورة فتح حوار حقيقي وشفاف مع أبناء الصحراء حول المستقبل وكسب قلوب الشباب، وإبعادهم عن الوهم المضلل الذي تغديه دعاية البوليساريو.
الثاني على المستوى الجهوي : واقع الجوار الجغرافي والإنساني و التاريخي مع الجزائر يدفع المغرب لإعادة ترتيب أوراقه مع حكومة البلد الشقيق. وأعتقد أنه من الضروري الاستمرار في ما اقترحته الجزائر من تعاون بين عدد من القطاعات الوزارية في البلدين، وتوسيع هذا التعاون إلى قطاعات حكومية أخرى.
ويمكن للحكومة المغربية أن تطلب اجتماع لجن ثنائية لدراسة ملفات التهريب والمخدرات والارهاب، والوصول إلى اتفاقيات ملزمة للطرفين في هذه الميادين. واقتراح لجنة ثنائية خاصة لدراسة بعض الملفات العالقة، من جملتها قضية أراضي الاستعمار التي استرجعها المغرب من جزائريين كانوا يقيمون فيها بصفتهم رعايا فرنسيين، وقضية تعويض وإنصاف المغاربة المطرودين من الجزائر سنة 1976، وأخيرا الواحات التي حرم سكان فكيك من استغلالها منذ عقود.
إننا نحتاج اليوم أن نقرأ بإمعان ما حدث ويحدث من تغييرات في منطقتنا. فانهيار نظام زين العابدين بتونس وانهيار نظام القذافي في ليبيا وخطر قيام قواعد الإرهاب في الساحل والصحراء يفرض على المغرب والجزائر تحمل مسؤوليات تاريخية نحو المستقبل، وذلك بإيجاد صيغ جديدة لبناء اتحاد المغرب العربي كما اقترح ذلك ملك المغرب، وتمكين شمال إفريقيا من ضمان توازنه مع الاتحاد الأوروبي، وإعطائها مكانتها المتميزة في الاتحاد من أجل المتوسط، مع مسؤولية تمكين المغرب العربي من دعم دول الساحل والصحراء في مشوارها نحو بناء ديمقراطية حقيقية تضمن الحرية والكرامة لشعوبها وتحمي وحدتها الترابية.
الثالث على المستوى الدولي :
إن الدولة المغربية لها الحق اليوم أن تطلب انسحاب بعثة الأمم المتحدة من الساقية الحمراء ووادي الذهب. أما الأسباب فتتجلى في النقط التالية : استمرار احتلال البوليساريو للمنطقة العازلة بين جدار الدفاع والحدود الدولية مع الجزائر مع الادعاء أنها أراضي محررة. فرغم تنبيه المغرب المتكرر، لم يقم مجلس الأمن بأي إجراء لإرجاع الأمور إلى نصابها.
ولعل ما هو أخطر، عزم قيادة البوليساريو شن حرب ضد المغرب تحت يافطة حقوق الإنسان، ومحاولتها الجارية بجعل بعثة الأمم المتحدة أداة وآلية هذه الحرب. كما أن رفض إحصاء اللاجئين بمخيمات تندوف ولحمادة يحرم هؤلاء من الحماية التي ينظمها لهم القانون الدولي بما فيها حرية اختيار الرجوع الطوعي لوطنهم. كما أن غياب هذا الإحصاء يزيل عن البوليساريو أي تمثيلية ويفقده الصفة كطرف متفاوض.
هناك حقيقة قائمة اليوم وهي أن قيادة البوليساريو شجعت عددا من اللاجئين بالمخيمات على الانخراط في شبكات التهريب بالساحل والصحراء، تهريب المخدرات وتهريب البشر وتهريب الأسلحة، بل الالتحاق ببؤر الإرهاب وهو ما هدد ويهدد الاستقرار والسلام في أقطار المغرب العربي وأقطار الساحل والصحراء.
علينا أن نعي بأن قيام المغرب بطلب انسحاب البعثة الأممية من الساقية الحمراء ووادي الذهب يندرج في إطار الشرعية الدولية. فالمغرب قبل عن طواعية في إطار رسائل متبادلة، أن تقوم الأمم المتحدة بتشكيل بعثة أممية في الصحراء في إطار الفصل 6 من الميثاق الذي يركز على دور الوساطة لحل النزعات. وليس في إطار الفصل السابع الذي يعطي لمجلس الأمن الحق في إقرار تدخل مباشر في منطقة النزاع حتى دون موافقة الأطراف. وقد حان الوقت أن يستعد المغرب لإفشال كل الخطط التي تهدف إلى زعزعة الوضع والاستقرار، وبالتالي الابتعاد عن المنهجية التي تسعى إلى تسوية سلمية يدعو لها مجلس الأمن.
مضى حتى الآن ما يقرب من ست سنوات على الاقتراح المغربي. هذه المبادرة يجب أن تبقى مطروحة أمام الأمم المتحدة وقابلة للتحيين والملاءمة طبقا للاجتهادات القانونية التي يعرفها المجتمع الدولي. لكن المغرب، وهو متشبث باقتراحه، لا يمكن أن يبقى ينتظر إلى ما لانهاية أن تقبله قيادة البوليساريو كأرضية للحوار وتنخرط حقا في مسلسل إيجاد الحل السياسي المنشود، زد على ذلك أن الممثل الشخصي للأمين العام كريستوفر روس، الذي قبل المغرب أن يتعامل معه مجددا بعد سحب الثقة منه، على ضوء ما قدمه بان كي مون للملك من الضمانات، أن روس لا يتصرف إيجابيا مع ما أكده مجلس الأمن من أن المقترح المغربي للحكم الذاتي يتصف بالجدية والواقعية، وله مصداقية.
لقد باتت الرؤية واضحة الآن وعلى المغرب أن يتحرك على ثلاثة مستويات، الداخلي والجهوي والدولي.
الأول على المستوى الداخلي : مجلس الأمن دعا إلى إيجاد آلية مستقلة وذات مصداقية للقيام بمراقبة حقوق الإنسان، فعلى الحكومة أن تتعامل بكيفية حازمة مع كل قضايا حقوق الإنسان، وتفتح تحقيقا حول كل الخروقات والانتهاكات لحقوق الإنسان التي تطرح، حتى وإن أتت من منظمات متحيزة. البلد يتوفر على الآلية المستقلة وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمطلوب من الحكومة والإدارات العمومية والسلطات الترابية أن تحترم توصيات هذا المجلس خصوصا فروعه في العيون والداخلة.
إن تمتيع الساقية الحمراء ووادي الذهب بنظام خاص يفرض نفسه اليوم بكل استعجال. وحيث أنه لا يمكن للمغرب أن يطبق بشكل أحادي مشروع الحكم الذاتي الذي يحتاج إلى اتفاق الأطراف وتزكية مجلس الأمن، فيجب عليه أن يتجاوز التماطل بإقرار الجهوية الموسعة. فذلك من متطلبات الاختيار الديمقراطي الذي أقره دستور2011. الجهوية الموسعة يجب أن تنطلق رسميا وبسرعة بالأقاليم الجنوبية على مستوى التشريع والتنظيم. ولاشك أن النموذج التنموي الذي يطرحه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سيعطي فحوى ومدلولا لهذا الاختيار. لكن تبقى مسؤولية الأحزاب الوطنية الديمقراطية قائمة إذ عليها أن تعمل على تعبئة الشعب المغربي للانخراط الجدي في الجهوية الموسعة. ومن هنا ضرورة فتح حوار حقيقي وشفاف مع أبناء الصحراء حول المستقبل وكسب قلوب الشباب، وإبعادهم عن الوهم المضلل الذي تغديه دعاية البوليساريو.
الثاني على المستوى الجهوي : واقع الجوار الجغرافي والإنساني و التاريخي مع الجزائر يدفع المغرب لإعادة ترتيب أوراقه مع حكومة البلد الشقيق. وأعتقد أنه من الضروري الاستمرار في ما اقترحته الجزائر من تعاون بين عدد من القطاعات الوزارية في البلدين، وتوسيع هذا التعاون إلى قطاعات حكومية أخرى.
ويمكن للحكومة المغربية أن تطلب اجتماع لجن ثنائية لدراسة ملفات التهريب والمخدرات والارهاب، والوصول إلى اتفاقيات ملزمة للطرفين في هذه الميادين. واقتراح لجنة ثنائية خاصة لدراسة بعض الملفات العالقة، من جملتها قضية أراضي الاستعمار التي استرجعها المغرب من جزائريين كانوا يقيمون فيها بصفتهم رعايا فرنسيين، وقضية تعويض وإنصاف المغاربة المطرودين من الجزائر سنة 1976، وأخيرا الواحات التي حرم سكان فكيك من استغلالها منذ عقود.
إننا نحتاج اليوم أن نقرأ بإمعان ما حدث ويحدث من تغييرات في منطقتنا. فانهيار نظام زين العابدين بتونس وانهيار نظام القذافي في ليبيا وخطر قيام قواعد الإرهاب في الساحل والصحراء يفرض على المغرب والجزائر تحمل مسؤوليات تاريخية نحو المستقبل، وذلك بإيجاد صيغ جديدة لبناء اتحاد المغرب العربي كما اقترح ذلك ملك المغرب، وتمكين شمال إفريقيا من ضمان توازنه مع الاتحاد الأوروبي، وإعطائها مكانتها المتميزة في الاتحاد من أجل المتوسط، مع مسؤولية تمكين المغرب العربي من دعم دول الساحل والصحراء في مشوارها نحو بناء ديمقراطية حقيقية تضمن الحرية والكرامة لشعوبها وتحمي وحدتها الترابية.
الثالث على المستوى الدولي :
إن الدولة المغربية لها الحق اليوم أن تطلب انسحاب بعثة الأمم المتحدة من الساقية الحمراء ووادي الذهب. أما الأسباب فتتجلى في النقط التالية : استمرار احتلال البوليساريو للمنطقة العازلة بين جدار الدفاع والحدود الدولية مع الجزائر مع الادعاء أنها أراضي محررة. فرغم تنبيه المغرب المتكرر، لم يقم مجلس الأمن بأي إجراء لإرجاع الأمور إلى نصابها.
ولعل ما هو أخطر، عزم قيادة البوليساريو شن حرب ضد المغرب تحت يافطة حقوق الإنسان، ومحاولتها الجارية بجعل بعثة الأمم المتحدة أداة وآلية هذه الحرب. كما أن رفض إحصاء اللاجئين بمخيمات تندوف ولحمادة يحرم هؤلاء من الحماية التي ينظمها لهم القانون الدولي بما فيها حرية اختيار الرجوع الطوعي لوطنهم. كما أن غياب هذا الإحصاء يزيل عن البوليساريو أي تمثيلية ويفقده الصفة كطرف متفاوض.
هناك حقيقة قائمة اليوم وهي أن قيادة البوليساريو شجعت عددا من اللاجئين بالمخيمات على الانخراط في شبكات التهريب بالساحل والصحراء، تهريب المخدرات وتهريب البشر وتهريب الأسلحة، بل الالتحاق ببؤر الإرهاب وهو ما هدد ويهدد الاستقرار والسلام في أقطار المغرب العربي وأقطار الساحل والصحراء.
علينا أن نعي بأن قيام المغرب بطلب انسحاب البعثة الأممية من الساقية الحمراء ووادي الذهب يندرج في إطار الشرعية الدولية. فالمغرب قبل عن طواعية في إطار رسائل متبادلة، أن تقوم الأمم المتحدة بتشكيل بعثة أممية في الصحراء في إطار الفصل 6 من الميثاق الذي يركز على دور الوساطة لحل النزعات. وليس في إطار الفصل السابع الذي يعطي لمجلس الأمن الحق في إقرار تدخل مباشر في منطقة النزاع حتى دون موافقة الأطراف. وقد حان الوقت أن يستعد المغرب لإفشال كل الخطط التي تهدف إلى زعزعة الوضع والاستقرار، وبالتالي الابتعاد عن المنهجية التي تسعى إلى تسوية سلمية يدعو لها مجلس الأمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.