سفير عمان يثمن تمسك المغرب بالسلم    مهرجان الذاكرة المشتركة بالناظور يتوج أفلاما من المغرب وبولندا وأوروبا الغربية    توقيف "مولينكس" ونقله إلى طنجة للتحقيق في ملف مرتبط بمحتوى رقمي مثير للجدل    القافلة الجهوية تقديم آليات جديدة متاحة لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع في الجهة    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    حوالي 756 ألف مستفيد من دعم مربي الماشية توصلوا بأزيد من 3 ملايير درهم    الحاجب يستقبل محطة جديدة لمعالجة المياه العادمة بجماعة أيت نعمان    إطلاق المنصة الوطنية لرصد وفيات الأمهات والمواليد الجدد لتعزيز الجودة والحكامة في المنظومة الصحية    متابعة الرابور "بوز فلو" في حالة اعتقال وإيداعه السجن المحلي لصفرو    بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بطنجة وتوقيف ستة من أفرادها    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي.. إشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية    بوريطة يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية تنزانيا المتحدة    "الأحرار" يضع مقترحات الحكم الذاتي    نبيل باها: "اللاعبون مستعدون لمواجهة البرازيل والفوز بالمباراة"    ملف إسكوبار الصحراء .. النيابة العامة تكشف اختلالات خطيرة في العقود الموثقة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    في مداخلة له خلال الدرس الافتتاحي للجامعة الشعبية بمكناس .. وسيط المملكة: الإنصاف أعلى من القانون حين يُظلم المواطن    المغرب يترأس المجلس الدولي للزيتون    تحقيق إسباني يكشف استعمال النفوذ للحصول على صفقات في المغرب وخلفيات ذكر اسمي اعمارة ورباح    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"    بايتاس: 756 ألف مربي ماشية استفادوا من دعم بقيمة 3,17 مليار درهم            المغرب يحل ثالثا وفق مؤشر الأداء في مجال التغير المناخي (CCPI)    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    الإنصاف أخيرا لأشرف حكيمي..    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    أمريكا تقدم "خطة السلام" في أوكرانيا    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    معمار النص... نص المعمار    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يقظة المجتمع المدني في المتوسط النساء والثورات العربية

لا أحد، اليوم، بإمكانه التشكيك في درجة وأهمية مشاركة النساء في مسلسل التغيير الذي عرفته، وتعرفه، إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، المسلسل الذي عُرف في البداية بالربيع العربي، وبعدها ب «اليقظة العربية». لقد تجرأت النساء على تحدي الطابوهات والعقليات المحافظة وهن تخرجن إلى الشوارع للتظاهر ومقاومة فساد واستبداد الأنظمة المتسلطة.
في تونس، في مصر، في البحرين وفي اليمن، كن حاضرات على طول الطريق، مثيرات للانتباه على جميع المستويات. لقد ملأن كل الفضاءات ولم يكن من السهل تجاهل حضورهن. وبالطريقة نفسها، تجرأت الشابات أيضا على تحدي الأخلاق العربية التي تمنع فتاة شابة من قضاء ليلة بعيدا عن أسرتها، وهن تقضين ليال بكاملها مُعَسْكِرات في الفضاءات التي احتضنت المظاهرات.
«حاول والداي حبسي في البيت حتى لا أشارك في المظاهرات، و لم يستطيعا. كان لا بد لي من المشاركة». نفس الجملة تتردد في تصريحات الفتيات المستجوبات، في تونس، في مصر، في البحرين وفي اليمن كما في أماكن أخرى. ياسمين جلال شابة في الرابعة والعشرين، شاركت في مظاهرات ساحة التحرير طيلة 18 يوما التي سبقت رحيل مبارك، تحكي باعتزاز أنها لم تفارق للحظة واحدة ساحة المواجهات مع قوات الأمن. في لحظات الاشتباكات العنيفة أيضا، كن حاضرات. «قضينا بالساحة نفس المدة التي قضاها بها المتظاهرون الذكور. صحيح أنهم كانوا يتقدموننا لحظات المواجهات. إلا أن عددا كبيرا من الشابات تجرأن على الالتحاق بهم وهم يقاومون قوات البوليس ».
لم تُستثن النساء الحاضرات من عنف رجال الشرطة ، كما هي الحال بالنسبة لمونا برانس، كاتبة التخييل والأستاذة الجامعية. تروي أن شرطيا ألقى بها أرضا وأنها تلقت ركلاته على البطن. «
لم يَكْفِهِ أنه أُغمي عليّ تقريبا، وضع حداءه فوق وجهي، ثم ضغط رأسي على الأرض، ثم انطلق قاموس الشتائم». بما أنها حركية حتى النخاع، كانت مونا واحدة من النساء، أمثال بوثينة كامل، اللواتي عبّرن عن رغبتهن في أن تصبحن مرشحات لرئاسة مصر. « أعرف جيدا أنه ليست لي حظوظ كبيرة لأصبح رئيسة. إلا أنني أفكر، وأنا أُقدم على ذلك، في إيقاظ الوعي بطبيعة مجتمعنا الأبوية والإقصائية، وبالمشاكل التي تواجهها المرأة ». للأسف، لم تتمكن لا مونا ولا بثينة من جمع 30.000 توقيع من الناخبين والناخبات الضرورية لتقديم ترشيحهما.
في إفريقيا الشمالية وفي الشرق الأوسط، في اليمن وفي غيرها، أثبتن للعالم وللمواطنين الذكور أنهن لن تكن غائبات عن هذه الصفحة من تاريخ المنطقة، وأنهن عازمات على أن تكن جزءا فاعلا في بناء المسلسل الديمقراطي. خلال هذه الفترة الأولى، ومن خلال تواجدهن في الشوارع، كن توجهن إلى العالم رسالة تقول بأن الدفاع عن حقوقهن مندمج، هو أيضا، في هذا المسلسل. «لا وجود للديمقراطية من غير أن تكون للنساء تمثيلية تُناسب عددهن»، تقول مونا برانس.«نحن نصف عدد السكان». لا يمكن التغاضي عن تمثيليتهن في الأجهزة الاستشارية. سجلن حضورهن أمام الجميع، شابات أو مسنات، أمهات أو زوجات، من المدن ومن المناطق القروية. جئن من كل الأوساط، من الشرائح الأكثر فقرا، وهن أميات في الغالب، ومن الطبقات المتوسطة، أي متعلمات. لقد أبدين مظهرا أكثر حداثة، ب «الدجين» ومن غير حجاب، كما في تونس أو مصر، أو محجبات من الرأس إلى أخمص القدمين في المجتمعات المحافظة أكثر، كما في البحرين أو اليمن. كن حاضرات. كن توضحن وجهات نظرهن أو مواقفهن أمام الكاميرات ووسائل الإعلام الدولية، تحكين أيضا مأساة حيوات الاستبداد والظلم التي فرضتها عليهن أنظمة بلدانهن.
إضافة إلى ذلك، فبتأكيدهن انخراطهن واستعدادهن للإسهام في مسلسل التغيير، أثبتن إمكانية أن تنبثق من بينهن زعيمات وقائدات. وربما يكون المثال الأكثر شهرة هو مثال توكل كرمان، ذات الاثنين وثلاثين ربيعا والناشطة في مجال حقوق الإنسان، التي سيرت في السابق حركات طلابية في اليمن، ما يعني أن خلفها مسار للشجاعة ومواجهة الفساد والاستبداد في بلادها. وكانت مكافأة توكل حصولها، صحبة إفريقيتين أخريتين، على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، ما يؤكد اعتراف العالم بدور المرأة في الربيع العربي.
لا ديمقراطية بدون حقوق النساء
لكن، من سخرية القدر أن التغييرات الناجمة عن الربيع العربي، بجعلها حكومات بلدان كتونس، ليبيا أو مصر، أكثر ديمقراطية، إلى حد ما، بتمثيلية أكبر للتيارات الموجودة في مجتمعاتها، لم تساهم في تحسين وضعية النساء. كما نعلم جيدا، فهذه المجتمعات ظلت لعشرات السنين تحت هيمنة تيارات إسلامية قوية ومنتشرة إلى حد ما، تُمولها أموال الخليج أو مؤسسات لها ميول قوي للتيار الوهابي. و نحن نعرف موقف هذه الجماعات من حقوق النساء أو الدور الذي ينبغي أن تطلعن به في المجتمع. لذلك، ورغم تواجد النساء في الشوارع وكل المجهودات اللواتي بذلناها للتمكن من إدخال تغييرات إيجابية على بلدانهن وعلى وضعيتهن، فإنهن لم تجدن أنفسهن، بعد الثورات، سوى في وضعية مجحفة أكثر.
إن المعضلة الأساسية التي طفت على السطح، مع التحولات الناجمة عن الربيع العربي، ترتبط بنتائج بناء نظام أكثر ديمقراطية. ونجد تلخيصا لذلك في السؤال الذي طرحه شادي حميد، مدير البحث في مركز بروكينغ الدوحة، حين كتب: «وماذا لو كان معظم العرب لا يرغبون أن يكونوا ليبراليين؟». إننا نسجل أن ذلك بالضبط هو ما حدث خلال الانتخابات التشريعية الأولى في كل من مصر وتونس. رأينا ، في البلدين، استحواذ التيارات الإسلامية على الأغلبية الساحقة في البرلمانين. في مصر، مثلا، احتل السلفيون والإخوان المسلمون معا 70 % من المقاعد. أما النساء، فلم يحصلن سوى على 2 % من مقاعد البرلمان. والحال، كما لاحظ ذلك شادي حميد، أن هؤلاء النساء ساهمن بأنفسهن، وبشكل كبير، في هذا الوضع وهن تصوتن على الإسلاميين، بما أنهن تمثلن نصف الناخبين. كما يسجل الباحث نفسه، بالنسبة للحالة التونسية، حيث تم تسطير كوتا تُلزم الأحزاب بالجمع بين النساء والرجال في لوائحها الانتخابية، أن النساء حصلن على نسبة أكبر من المقاعد في البرلمان. ورغم ذلك، فأغلبية المرشحات اللواتي تم التصويت عليهن، تنتمين لحزب النهضة الإسلامي. ويضيف أنه لو تم إتباع نظام الكوتا في مصر، لكانت أغلبية ال 90 % من النساء المصوت عليهن للبرلمان تنتمين لحزب النور المحافظ المتشدد. [... ].
ياسمين جلال، التي عملت عدة سنوات في منظمة غير حكومية لدعم النساء المصريات في المناطق القروية، تفسر الظاهرة بقولها: «حين نتحدث إلى النساء في وضعية هشة ونقول لهن بأنهن مضطهدات وأن عليهن المطالبة بحقوقهن، فإنهن تنظرن إلينا كما لو كن قادمات من كوكب آخر. من المستحيل إطلاقا أن نتحدث إليهن إذا كنا نحمل هذه اللغة. معظمهن تفضلن، مثلا، الاستمرار في زواج تتعرضن فيه للتعنيف يوميا من قبل الأزواج، على أن تكن مطلقات». الحقيقة أن النزعة المحافظة والقيم البطريركية متجذرة في النساء كما هي في الرجال. مثلا، عزة غارف، واحدة من النائبات الثمانية المنتخبات في البرلمان المصري، ممثلة لحزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين، قدمت تصريحات كثيرة ضد تمتيع النساء بحريات أكثر. لقد أعلنت بكل وضوح أنها ضد الخُلع، قانون سنة 2000، الذي يسمح للمرأة بوضع حد للزواج شريطة تخليها عن كافة حقوقها، معتبرة أن ذلك القانون يشجع على الطلاق ويقف بالتالي ضد وحدة الأسرة. [... ].
المد البطريركي
بغض النظر عن الإيديولوجيات الداعية إلى الإسلام السياسي، ففكرة أنه سيكون لنا فضاء أرحب للتعبير عن المواقف وتحقيق ميولات سياسية، أبرز على السطح الفكر البطريريكي، المترسخ جدا في تلك المجتمعات منذ غابر الأزمنة. الحقيقة هي أن اضطهاد النساء في العالم العربي الإسلامي له جذور عميقة جدا، توجد في العديد من البنيات كالبطريركية، الديانة، العلاقات بين الأعراق، التفاوتات الطبقية الاجتماعية، وغيرها. ويستحيل أن ننظر إلى وضعية النساء في البلدان العربية والإسلامية، من غير أن نلاحظ أن البنيات العسكرية التي بُنيت عليها تلك المجتمعات تُقوي البطريركية. وتعمل الأخيرة، بالطبع، على إعادة إنتاج، نشر، بل تألية تبعية النساء.
كما نعرف جيدا، فظاهرة الديمقراطية وممارسة الحريات الجوهرية، كحرية التعبير، ممارسات لم يستوعبها العالم العربي بشكل كلي. فالمنطقة لم تعرف سوى الاستبداد والتسلط منذ قرون. لذلك، فمن البديهي أن كون تلك الشعوب تعيش باستمرار وهي خاضعة للاستبداد، سينعكس بالضرورة على العلاقات بين النساء والرجال، ليخلق تراتبية تبعية داخل الأسر نفسها ويكون على الأطفال بالتالي الخضوع للبطريرك. ينضاف إلى ذلك تمييز واضح بين الأولاد والبنات منذ الصغر. ونعلم على نحو تقليدي أن الأمر يتعلق بعالم لا يتم فيه تشجيع المرأة على أن يكون لها دور البطل. في وقت مبكرة، نُعلم الفنيات كيفية امتلاك سلوك اللامبالاة والخضوع تجاه رجال العائلة. بل إننا نشجعهن، أحيانا، على أن لا تُبدين كثيرا ذكاءهن خلال مناقشاتهن مع محاوريهن الذكور، وبوجه خاص أن لا يكون لهن سلوك نقدي تجاههم. «إنهم يُعلموننا منذ الصغر أن لنا أدوارا مختلفة جدا في المجتمع. دور المرأة هو أن تصبح زوجة وأما، في حين أن دور الرجل هو أن يتعلم ليتمكن من العمل و، في أحد الأيام، تلبية حاجيات أسرته »، تُصرح ياسمين قبل أن تواصل «إن مجتمعاتنا تعيد إنتاج الدينامية التي نعيشها داخل أسرنا. بصيغة أخرى، إن مجتمعاتنا بطريركية وأبوية إلى حد كبير». وحسب ياسمين، فهذه الأبوية تأكدت خلال المظاهرات السياسية التي عرفها الربيع العربي، حيث رأينا أن الرجال والنساء ظلوا معزولين عن بعضهما خلال المواجهات، لا سيما خلال المواجهات الأكثر عنفا، مع شرطة الديكتاتوريين. «بالفعل، رغم روح التضامن بين الرجال والنساء التي سادت ساحة التحرير، لم نشعر في أية لحظة أن الرجال والنساء يُعتبران سواسية»، تؤكد ياسمين جلال وهي توضح أنه «صحيح أن الفتيات والنساء، في ساحة التحرير، كن تشعرن بالأمان ولم تعرفن التحرش، ولم تقعن ضحايا له. إلا أن ذلك لا يرجع لكونهم كانوا يعتبروننا متساويات معهم. بالعكس، كان ذلك يرجع لكون المتظاهرين الذكور كانوا يعتقدون أن عليهم حماية النساء من هجمات قوات الأمن. إنها طريقة للتعبير عن أبويتهم».
بغض النظر عن هذه «الأبوية الودية» التي تتحدث عنها ياسمين، فالبطريركية المتحكمة في العالم العربي تنقلب باستمرار ضد النساء، بمعاقبتهن بأكثر الطرق صرامة ودناءة، كلما تجرأن على تحدي أو مساءلة القواعد والتراتبيات مطالبات بتغيير الوضع القائم. فخلال الانتفاضات العربية، عشنا الكثير من الأمثلة المخجلة. في مصر مثلا، يوم 8 مارس 2011، حين خرجت مناضلات الجماعات النسائية إلى ساحة التحرير بأعلامهن ولافتاتهن، تَمّ تطويقهن، شتمهن وضربهن من طرف حشودِ رجال، رفضوا فكرة تظاهرن ومطالبتهن بحقوقهن. خلال اليوم نفسه، بالساحة نفسها، كانت هناك عشرات المظاهرات الصغيرة التي تمثل مختلف جماعات المجتمع وشرائحه، من عمال ونقابات، لكن مظاهرة النساء هي الوحيدة التي تمت مهاجمتها، والاعتداء فيزيقيا على المشاركات فيها والصراخ في وجههن بترديد شعارات من قبيل: «عدن إلى مطابخكن، ذلك هو مكانكن!».
كسر جدار الصمت
أسوأ من ذلك، يوم 9 مارس 2011، كانت ساحة التحرير من جديد مسرحا لاعتداءات جديدة على النساء، إلى درجة فرض فحص البكارة الشنيع. يومها، تم اعتقال 18 مناضلة من طرف الجيش المصري واقتيادهن إلى متحف القاهرة. ظللن بمكانهن في اليوم التالي لثامن مارس، تطالبن بالمساواة بين الجنسين. من بين الناشطات المعتقلات، كانت أول واحدة تمتلك الشجاعة وتروي ما تعرضن له من تعذيب، سلوى الحسيني، حلاقة في ربيعها العشرين: «وضعوا الأغلال في أيادينا، ضربونا بالعصي والأنابيب، أفرغوا كهرباءهم في صدورنا وسيقاننا، نعتونا بالعاهرات». ألزموها بعد ذلك بخلع ملابسها كلها والوقوف عارية أمام الضباط الحاضرين. أخضعوها لفحص البكارة من طرف رجل، تبين فيما بعد أنه ضابط.
كانت من بين المعتقلات كذلك، سميرة إبراهيم، شابة في الخامسة والعشرين، أهانوها كما أهانوا سلوى والأخريات. الفرق أنه كانت لها شجاعة رفع شكاية ضد جلاديها بدعم من والدها، وهو معارض سابق لنظام مبارك، عضو في الجماعة الإسلامية، الحركة الإسلامية المتطرفة. بما أن الأحزاب لم تدعمها، وكذلك وسائل الإعلام، فقد حاول البعض تخويفها، بل إن مكالمات هاتفية مجهولة هددتها بالقتل. حاولت شخصيات عمومية، منها من دعم الثورة، إقناع سميرة بسحب الشكاية. رفضت، ولم يثنها التهديد لشدة عزمها.
إلا أن سميرة، التي لم تحظ في البداية سوى بدعم عدد قليل من الناشطين، ستتمكن تدريجيا من تعبئة الرأي العام الدولي لصالح قضيتها. فرغم إنكار الجيش المصري الذي لم يعترف رسميا بممارسة فحص البكارة، من إحراز حكم من المحكمة الإدارية العليا، يوم 27 دجنبر 2011، يقضي بمنع إجراء ذلك الفحص. إنه ظفر أول لسميرة أمام العدالة، إلا أن هزيمة ستتلوه للأسف. برأت المحكمة العسكرية الضابط الذي اعتدى عليها.
لم تحصل سميرة على أي تعويض قضائي أو مالي في مصر، إلا أن عزيمتها جعلتها ترفع قضيتها إلى محكمة دولية. إلا أنها تبقى منتصرة مع ذلك على المستوى المعنوي والعمومي. فيوم 17 أبريل 2012، أدرجت «تايمز ماغازين» اسمها ضمن لائحة مائة شخصية الأكثر تأثيرا خلال السنة، وكتبت حولها شارليز ثيرون: «لقد أثبتت سميرة أن بإمكان الإنسان تجاوز خوفه، فقد تخطى صوتها الحدود المصرية. يكفي أن تُقرر امرأة واحدة كسر جدار الصمت، لكي تمتلك الآلاف من النساء الأخريات شجاعة القيام بما قامت به».
في ليبيا أيضا، نجد إيمان العبيدي، كانت ضحية اعتداء جنسي من طرف النظام الديكتاتوري للكولونيل القدافي، وامتلكت، هي أيضا، شجاعة كسر جدار الصمت بنشر ما تعرضت له من تعذيب وانتهاك. هذه السيدة، ذات الاثنين وثلاثين سنة والمنحدرة من طبرق، أوقفوها في حاجز على الطريق بسبب لَكْنَتِها، التي كانت تُبين أنها تنحدر من المنطقة التي يأتي منها المتمردون. ظلت رهن الاعتقال مدة ستة أيام، اغتصبها 15 رجلا وأشبعوها ضربا. تبولوا و تغوطوا فوق جسدها.
لحيويتها وقوة عزيمتها، أبانت إيمان عن شجاعة كبيرة و وعي خارق حين نجحت في عبور الحواجز الأمنية والدخول إلى الفندق حين كان يجتمع ممثلو الصحافة الدولية، بطرابلس. بذلك تمكنت كاميرات كل وسائل الإعلام الحاضرة من التقاط إيمان وهي تحكي عذاباتها. كما التقطت الكاميرات مشاهد مرعبة تُظهر كيف تعامل معها عمال الفندق، الذين كان يبدو عليهم أنهم يخدمون الأمن الليبي. شلّوا حركتها وغطوا رأسها بمعطف أسود كي لا تواصل الحديث عن محنتها. تروي تلك المشاهد الكثير حول العراقيل والعوائق التي تنتصب أمام اللواتي تقررن كسر الطابوهات والدفاع عن شرفهن أمام الملأ. لكن، ورغم حجم التحديات التي واجهتها الشابات النشطات المصريات وإيمان العبيدي، فإن صرخاتهن ونداءاتهن سُمعت ودوّت في العالم ككل. أثبت ذلك لسلطات بلدانهن، أن كل الفظاعات التي تُرتكب بموافقة الحاكمين تتم إدانتها.
والبدائل؟
على ضوء السيناريو المعقد المترتب عن التغييرات التي طرأت في العالم العربي، فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه بقوة وإلحاح هو التالي: كيف ستتواصل تلك التغييرات لتشمل وضعية المرأة؟ إذا كانت البطريركية وتبعية النساء نتيجة للتراتبيات الناجمة عن الاستبداد المفروض على مواطني المنطقة منذ قرون، فإنه يظل بإمكاننا أن نأمل أنه بحلول نظام حيث يحكم احترام الحريات الأساسية، سيلحق التغيير التدريجي دينامية العلاقات بين النساء والرجال. فالديمقراطية، بخلاف الاستبداد، تفتح فضاءات المساءلة ومقاومة كل مظاهر الظلم وأشكاله. لا شك في أن عوائق تغييرات من هذا القبيل لا تزال كثيرة. لا تزال العقليات والأخلاق العتيقة أو نزعة المحافظة قوية وبإمكانها، في أية لحظة، عرقلة مسلسل التغيير وفرض منطق التراتبيات القديمة من جديد.
كيفما كان الأمر، فإن المسيرة باتجاه نظام جديد تتوقف على النساء وحدهن. إليهن وحدهن يرجع الاختيار، اليوم، بين قبول الوضعية الراهنة للأمور أو مواصلة النضال لفرض احترام حقوقهن وكرامتهن. ونرى، هنا، بشكل واضح أن نساء مثيلات سلوى، سميرة أو إيمان اخترن فضخ ما عانينه من احتقار - في حين أن أخريات عشن الوضعية نفسها، فضلن الصمت -، مصرات على مشاركة الجميع في مناقشة الموضوع، وأن يُدينه المجتمع بكامله. إنهن تحاربن الصمت، الجحود ورفض الحديث عن قلق حقيقي للمجتمع بغرض الاعتراف العمومي بوجوده، لأنها الطريقة الوحيدة لتغيير الوضع. إن ما يلزمنا إذن، في الوقت الراهن، هو وكيلات أخريات للتغيير من طينة الفتيات الثلاث. مؤخرا، وصف صحافي مصري شاب، بلال فضل، رد فعله على التحرش والعنف ضد النساء، الظاهرتين اللتين يبدو أنهما تزايدتا بعد الربيع العربي، موجها دعوة إلى النساء لرفع أصواتهن والتكلم دفاعا عن كرامتهن وعن مكانتهن في المجتمع: «إذا لم تقمن بذلك بأنفسكم، فلا أحد سيفعله بدلكن».
صحفية مصرية بلندن، والمقال مترجم عن «ميد 2012 » .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.