رئاسة المؤتمر تصادم ولد الرشيد وبركة    المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات : المغرب مركز أعمال من الطراز العالمي    الصحراء تغري الشركات الفرنسية.. العلوي: قصة مشتركة تجمع الرباط وباريس    على هامش المعرض الدولي للفلاحة.. إطلاق هاكاثون الذكاء الاصطناعي للفلاحة القادرة على الصمود أمام التغير المناخي    فضّ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية: ماذا تقول قوانين البلاد؟    رئيس بركان يشيد بسلوك الجمهور المغربي    شبكة جديدة طاحت فالشمال كتبيراطي شبكات الاتصالات الوطنية وها المحجوزات    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    أكبر صيد أمني منذ عشر سنوات.. 25 طنا من الحشيش المغربي تدخل أوروبا    "طوطو" يشرب الخمر أمام الجمهور في سهرة غنائية    فيديو.. زياش يواصل تألقه ويقود غلطة سراي للفوز في الدوري التركي    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    ابتداء من الليلة.. أمطار ورياح قوية بهذه المناطق من المملكة    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. الشباب السالمي يتعادل مع ضيفه مولودية وجدة 0-0    بركة: مرتاحون داخل التحالف الحكومي ونعتز بحصيلة الوزراء الاستقلاليين    رئيس اتحاد العاصمة صدم الكابرانات: المغاربة استقبلونا مزيان وكنشكروهم وغانلعبو الماتش مع بركان    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    عاجل... توقف أشغال مؤتمر حزب الاستقلال بسبب خلاف حول رئيس المؤتمر    تفريغ 84 طنا من منتجات الصيد البحري بميناء مرتيل خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2024    في ظل الوضع المائي المقلق ببلادنا.. حملة تحسيسية واسعة للتوعية بضرورة الحفاظ على الماء    المغرب يعتزم بناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات بجهة الشمال    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    الملك محمد السادس يعود لأرض الوطن بعد زيارة خاصة لفرنسا    أنشيلوتي يدعم استمرار تشافي مع برشلونة    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    مكتب الوداد يعلن عن تعيينات جديدة    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    مصرع 10 أشخاص في حريق بفندق برازيلي    الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى        العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أَمَا آنَ الأوَان لِأَنْ يُطَالِبَ المَغرِبُ بمخطُوطَاتِه في الإِسْكُورْيال؟

قبل هذا العرض التاريخي حول هذه المخطوطات الغميسة التي شاءت الأقدار أن تُسلب،وتُهرّب، وتُنهب من موطنها الأصلي قسراً وقهراً،حيث سيتأكّد لنا بما لا يترك مجالاً للشكّ والرّيبة بعد قليل أنّ مجموعة هامّة منها تعود فى الأصل لملكية بلادنا ، لا ينبغي أن يعزب عن بالنا أنّ لهذه النفائس المغربية الفريدة، والذخائر الثمينة صلة وثقى بتاريخنا ، وتراثنا ، بل إنّها جزء لا يتجزّأ من هذا التاريخ، ومن هذا التراث الذي ما فتئ يقبع منذ بضعة قرون أسيراً فى الدّيار الإسبانية إلى يومنا هذا ، والسؤال الذي أمسىَ يُطرح ،ويَفرض نفسَه بإلحاح والحالة هذه فى الوقت الرّاهن هو: سبق للمغرب على امتداد التاريخ – كما سنرى – أنْ طالبَ بهذه المخطوطات بإلحاح، ولم يفلح فى استعادتها ،أمَا آنَ له الأوان اليوم المطالبة بهذه الكنوز والنفائس التي لا تُقدّر بثمن بطريقة حضارية معاصرة…؟؟ مثلما بادرت العديد من دول العالم الأخرى – فى المدّة الأخيرة – إلى حماية تراثها الثقافي، والمطالبة بإسترداد،وإسترجاع آثارها، ومنحوتاتها، وأوانيها، ومصوغاتها ،وكتبها ، ومخطوطاتها، وحليّها، وقطعها الأثريّة المنهوبة مع إختلاف الظروف، وتباين الملابسات التاريخية التي سُلبت فيها من بلدانها هذه الذخائر مثل : مصر وعمان وتركيا، نيجيريا، المكسيك، البيرو، اليونان، وغوتيمالا ، وسواها ،وهي كثير؟.
هذه هي قصّتها المثيرة
تؤكّد مختلف المصادر،والمراجع التاريخية التي تتعرّض لموضوع المخطوطات الموجودة في مكتبة دير الإسكوريال (أنشئت مابين 1533- و 1584) أنّ جزءًا مهمّاً منها يعود في الواقع للسّلطان المغربي أحمد المنصور الذهبي السّعدي الذي اشتهر باقتناء الكتب، وجمع منها خزانة عظيمة، وسار خلفُه إبنُه مولاي زيدان على نهجه في الإهتمام بالكتب، فزاد في تنمية وتوسيع المكتبة التي كانت عند والده، وعني بها عناية فائقة حتى ناف عددُها على أربعة آلاف مخطوط يبحث في مختلف العلوم والمعارف ، إلاّ أنّ هذه المكتبة الفاخرة صادفها سوء الحظّ ، وخبّأ لها القدر مفاجآت مثيرة لم تكن فى الحُسبان .
المخطوطات تصل إلى الإسكوريال
يشير البحّاثة المغربي المرحوم محمد الفاسي في تحقيقه وتقديمه لمخطوط « الإكسير في فكاك الأسير» للسفير المغربي ابن عثمان المكناسي:»أنّ خزانة الإسكوريال المليئة بالمخطوطات الثمينة يظنّ الكثيرون أنّها من مخلّفات العرب في إسبانيا ، والحقيقة أنّ محاكم التفتيش الكاثوليكية كانت أحرقت كلّ الكتب العربية أينما وُجدت، ولم يبق بعد خروج المسلمين من شبه الجزيرة الإيبيرية كتب تستحقّ الذّكر ، وفي أيام السّعديين كان لمنصور الذهبي مولعاً بإقتناء الكتب ، وجمع منها خزانة عظيمة ، وسار خلفه إبنه زيدان على سنته في الإهتمام بالكتب فنمّى الخزانة التي كانت عند والده . ولمّا قام عليه أحدُ أقاربه وإضطرّ للفرار، كان أوّل ما فكّر فيه خزانة كتبه فوضعها في صناديق ووجّهها إلى مدينة آسفي لتُشحن في سفينة كانت هناك لأحد الفرنسييّن لينقلها إلى أحد مراسي سوس. فلمّا وصلت السفينة انتظر رئيسُها مدّة أن يدفع له أجرةَ عمله ، ولمَّا طال عليه الأمر هرب بمركبه وشحنته الثمينة ، فتعرّض له في عرض البحر قرصان إسباني وطارده للاستيلاء على الصّناديق ، ولا شكّ أنهم كانوا يظنّون أنّها مملوءة بالذهب ،واستولوا بالفعل على المركب الفرنسي وأخذوا الصّناديق، فلمّا فتحوها ولم يجدوا بها إلاّ الكتب ، فكّروا من حسن الحظ أن يقدّموها هديّة لملكهم . ولمّا وصلت هذه الكتب إلى الملك فيليبّي الثاني ، الذي كان منهمكاً في بناء الديّر الفخم للقدّيس « لورينثو « بالمحلّ المُسمّى الإسكوريال ،وكان قد نذر في حرب مع فرنسا ألجأته لهدم كنيسة تحمل إسم القدّيس المذكور ،أنّه إذا إنتصر فسيبني له كنيسة أفخم . فلمّا وصلته هذه الكتب أوقفها على هذا الدّير ، وهي التي لا تزال إلى اليوم موجودة به، ويقصدها العلماء من كلّ الأقطار للاستفادة من ذخائرها .»
الرحّالة المغاربة والإسكوريال
تشير المستشرقة الإسبانية «نييفيس باراديلا ألونسو»فى دراسة لها حول هذا الموضوع الى «أنّ معظم الرحّالة المغاربة الذين زاروا إسبانيا تعّرضوا في كتاباتهم إلى الأهميّة التي تنطوي عليها الكتب والمخطوطات العربية التي توجد في الإسكوريال، ذلك أنّ المتاحف والمكتبات كانت باستمرار أماكن تسترعي إهتمام مختلف هؤلاء الرحّالة الذين زاروا إسبانيا على إمتداد العصور ، وهذا ما حدث لدير الاسكوريال ، حيث كان محطّ اهتمام الأجانب الذين كانوا يتقاطرون على إسبانيا « . وتتعرّض الباحثة لثلاثة سفراء مغاربة زاروا إسبانيا في حقب تاريخيّة متفاوتة حيث زارها الأوّل في القرن السّابع عشر ، والإثنان الآخران في القرن الثامن عشر، وتشير الى «أنّ هؤلاء كانوا جميعاً بمثابة سفراء لبلدانهم في إسبانيا ، وقد قدِموا إليها للتفاوض مع العاهليْن الإسبانيْين كارلوس الثاني ثم كارلوس الثالث .» ومن المهام التي إضطلع بها هؤلاء السّفراء ، التفاوض من أجل إطلاق سراح أسرى المسلمين في اسبانيا، والتوقيع على إتفاقيات التعاون وحسن الجوار بين المغرب واسبانيا ، وقضية المطالبة بإسترجاع عدد هام من المخطوطات المغربية الموجودة في الإسكوريال».
بدأت مكتبة الإسكوريال بالذات تنمو وتتكاثر بفضل العناية التى كان يوليها للكتب ملك إسبانيا فيليبي الثاني ،الذي عمل على تأسيس مكتبات عمومية كبرى على غرار المكتبات الإيطالية ،حيث طلب من سفرائه جمع وإقتناء الكتب والمخطوطات العربية ، وهكذا أمكن له إثراء خزانة الإسكوريال بهذه التحف، والذخائر التاريخية النفيسة.
وتؤكّد المستشرقة الإسبانية بدورها الواقعة التاريخية المشهورة التي تعرّضت لها مختلف الكتب التي تبحث في تاريخ العلاقات الاسبانية المغربية، وهي قضية سطو القراصنة الإسبان عام 1612 بالقرب من مدينة سلا على مركب فرنسي كان يحمل المكتبة الخاصّة للسّلطان المغربي مولاي زيدان، والتي كانت تتألف من حوالي أربعة آلاف مخطوط ، وقد تم تحويل هذه الكتب والمخططوطات جميعها إلى مكتبة دير الإسكوريال بأمر من الملك الاسباني فيليبي الثاني».كما تتعرّض المُستعربة الإسبانية إلى حدث خطير وقع عام 1671 عندما شبّ حريق في الجناح العربيّ من الدّير حيث إلتهمت النيران حوالي 2500 مخطوط .
الغسّاني والغزال والمكناسي
وبعد عشرين سنة من هذا الحادث المؤسف وصل إلى إسبانيا الوزير عبد الوهاب الغسّاني سفير السّلطان مولاي إسماعيل خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1690-1691) وفى كتابه» رحلة الوزير في إفتكاك الأسير» وصف هذا السّفير الجناح الذي توجد فيه كتب ومخطوطات إبن زيدان بدير الإسكوريال ، كما فاوض العاهل الاسباني بشأن إطلاق سراح الأسرى المسلمين، وكذا إرجاع بعض المخطوطات العربية الى المغرب ، واستجاب العاهل الاسباني للمطلب الأول ، وماطل في الاستجابة للمطلب الثاني.
والسّفير المغربي الثاني هو أحمد بن المهدي الغزال سفير سيدي محمد بن عبد الله لدى بلاط كارلوس الثالث(1766) صاحب كتاب :»نتيجة الإجتهاد في المهادنة والجهاد» وتحتل قضيّة المخطوطات المغربيّة كذلك مكاناً مهماً في رحلة الغزال الذي قام هو الآخر بزيارة الإسكوريال ، وسلّم له العاهل الاسباني كارلوس الثالث بعضَ هذه المخطوطات (300 مخطوط حسب رواية الغزال نفسه).
أمّا السفير المغربي الثالث فهو ابن عثمان المكناسي سفير المولى محمد بن عبد الله لدى بلاط كارلوس الثالث الذي زار إسبانيا في الفترة المتراوحة بين (1779-1780) وهو صاحب كتاب:» الإكسير في فكاك الأسير». فقد تمثلت مهمّته كذلك في إفتكاك أسرى المسلمين كما يتضح من عنوان كتابه، كما أنّه لم ينس كسابقيْه زيارة دير الإسكوريال حيث توقف بالخصوص طويلاً عند المخطوطات العربية بهذا الدّير. وقد وصف الإسكوريال وصفاً دقيقاً وكلّ ما به من مقابر الملوك الإسبان، وعن ذلك يقول:» فاذا به من عجائب الدنيا في ارتفاع صواريه وضخامة بنيانه ، يقف الوصف دونه «. وعن المخطوطات العربيّة (بما فيها المغربيّة) يقول:» إنّها في غاية الحفظ ، ولا يمكن لأحد أن يدخل إلى تلك الخزانة كائناً من كان، ومكتوب عليها بخطّ أعجمي :»أمر البابا أن لا يُخرج أحد من هذه الخزانة شيئا».
وقد سلّم ملك اسبانيا كارلوس الثالث عدداً من المخطوطات العربية للسّفير المغربي ، إلاّ أنّها لم تكن من مجموعة الإسكوريال ،ولم يتعرض السّفراء الثلاثة لحادث السّطو على خزانة إبن زيدان حتى لا يؤثّر ذلك على مهمّاتهم الدبلوماسية الأخرى التي قدِموا إلى إسبانيا من أجلها كذلك .
في البحث عن المجد الضّائع
وفى دراسة للباحث التونسي عليّ العريبي تحت عنوان «الرّحلة الأندلسية للورداني والبحث عن المجد الضائع». يشير أنّ الورداني شاعر ورحّالة تونسي عاش في أواخر القرن التاسع عشر وفي أوائل القرن العشرين. ولد سنة 1861 ببلدة الوردانيين جهة السّاحل وتوفّي سنة 1914 ، قام هو الآخر بزيارة لمدينة الإسكوريال حيث أقبل على آثار القصور الموجودة بالمدينة، فوصف ما بها من نقوش ورسوم ، وقد استرعى إنتباهه في قصر فيليبّي الثاني رسوم جدرانه التي تصوّر حروبَ دولة إسبانيا سواء مع العرب أو مع الدولة العليّة».
ويضيف :» وقد عثرت البعثة المرافقة للورداني على أكثر من ألفي كتاب عربي . «ويعتقد الناس خطأ -.حسب الورداني- «أنّ الكتب العربية الموجودة في هذه المكتبة هي من مخلفات الأندلس ، وليس الأمر كذلك فقد أظهر لي التحرّي والتحقيق وكثرة المحاورة والمذاكرة مع أرباب الوقوف والاطّلاع أنّ الإسبان لمّا ملكوا الأندلس أشارعليهم رؤساء الأديان بحرق الكتب الإسلامية لا سيما الدينية، فكانوا كلما تمكنوا من بلاد أحرقوا كتبَها ، إلاّ ما بقي عند بعض الأفراد ، وأنّ هذه المخطوطات هي من كتب زيدان أمير المغرب كان قد إشتراها من المشرق وبينما مأموروه قد قدموا بها إذ فاجأتهم سفن إسبانيا الحربية قريباً من بوغاز سبتة (جبل طارق) فغلبتهم وغصبت الكتب ،فهى في التحقيق من حكومة مرّاكش لا الأندلس ، والذي يدلّ على صحّة ما ذهبت إليه ما شاهدته مكتوباً على أغلب الكتب من أنّها ملك الأمير زيدان المذكور».
ويلاحظ أنّ الورداني لم يكن يعرف قصّة هذه الكتب الحقيقية كما سبقت الإشارة إليها من قبل ،وكما سنرى عند مؤرخ فرنسي تعرّض لنفس الموضوع وهو «جان كايّي»، إذ يذكر الورداني أنّ الكتب إشتراها مولاي زيدان من المشرق، وسطا عليها الاسبان في مضيق جبل طارق بالقرب من مدينة سبتة وهي في طريقها إليه حيث كان يقيم بمراكش ، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف وُضع خاتم زيدان على هذه المخطوطات كما يؤكّد الورداني نفسُه ذلك..؟ ممّا يرجّح صحّة الرّواية الشّهيرة التي سبق أن أكّدها المرحوم محمد الفاسي والباحثة الإسبانية نييفيس ألونسو ،وكذا المؤرخ الفرنسي جان كاييّ وسواهم من الباحثين.
كَاسْطلِاَن وخزانة زيدان

وتحت عنوان»كاسطلان وخزانة زيدان « يشير المؤرّخ الفرنسي» جان كايّي» في كتابه «موجز تاريخ المغرب» إلى: « أنّ جانْ فيليبْ كاسطلان» وهو من مدينة مرسيليا كان قنصل فرنسا في المغرب معتمداً لدى السّلطان المغربي مولاي زيدان عام 1610»الذي قال عنه المؤلف:» كان من أعظم ملوك السّعديين بفضل حنكته وصرامته وحبّه للعلم وعطفه على أهله ،حيث كان شغوفاً بالأدب، ومولعاً بالكتب، فضلاً عن أنه كان يملك خزانة عظيمة ورث معظمَ كتبها عن والده مولاي أحمد المنصور وقد بلغ عدد كتب هذه الخزانة حوالى أربعة آلاف مخطوط». ويضيف المؤلف الفرنسي أنّ كثيرا من هذه التّحف النادرة كانت مغطّاة بماء الذّهب ، ومنمّقة بالجواهر النفيسة، وبعضها كان مكتوباً بخطوط جميلة جدّاً وذات فنيّة عالية، ويحكي المؤلف هو الآخر قصّة وصول هذه المخطوطات إلي الإسكوريال فيقول:» في ربيع 1612وصل مولاي زيدان إلي مدينة آسفي مع عائلته وقد حمل معه ممتلكاته النفيسة ومنها مكتبته وهو ينوي الإلتحاق بمدينة أكادير، وكان بالميناء مركبان الأوّل هولندي ، والثاني فرنسي وهو مركب كاسطلان .وإكترى مولاي زيدان المركبين فسافرت عائلته في المركب الهولاندي ،وسلّم خزانته وبعض ممتلكاته لمركب كاسطلان الذي قبل نقل هذه الحمولة إلى أكادير مقابل 3000دوقية. ويصف المؤلف وصفاً دقيقاً كلّ ما حمله هذا المركب من أمتعة السّلطان السّعدي .وكانت الصّناديق التي تحتوي على حاجياته وكتبه قد وضع عليها خاتمه السّلطاني. ويشير الى أنّ المركب كان يسمّى « نوتردام دو لاغارد «.الّا انّ صاحبه كاسطلان رفض إنزال حاجيات ومتاع وكتب مولاي زيدان قبل استلام المبلغ المتّفق عليه.وأمام قرب نفاد الزّاد في المركب الفرنسي قرّر كاسطلان وطاقمُه في ليلة 22 يونيو العودة إلى فرنسا.
تجري الريّاحُ بما لا تشتهي السّفنُ

ويشير المؤلّف إلى أنّ الرّياح جاءت بما لا تشتهيه السّفن ،إذ عندما كان المركب الفرنسي قبالة مدينة سلا هوجم على حين غرّة من طرف أسطول إسباني كان تحت إمرة الأميرال فاخاردو ، وأرغم على الإتّجاه إلى مدينة قادس الإسبانية حيث تمّت محاكمة كاسطلان وسجنه ثم مات عام 1619. وألحقت خزانة زيدان بدير الإسكوريال ، كما أرسلت بقيّة متاعه وحاجيّاته النفيسة الأخرى إلى مدريد .ويشير المؤلف الفرنسي إلى أنّ مولاي زيدان استشاط غضباً عندما علم بالخبر، واحتجّ بشدّة لدى ملك فرنسا لويس الثالث عشر ، وتحمّلت الجالية الفرنسية المقيمة في المغرب في ذلك الوقت عواقبَ ومغبّة هذا الحدث ، فزجّ ببعضهم في السّجون ، وأرغم آخرون على مغادرة البلاد ،وأصبحت العلاقات السياسية والتجارية بين المغرب وفرنسا شبه منعدمة . وقام لويس الثالث عشر بعدّةِ مساعٍ لدى البلاط الإسباني حتىّ يسترجع ملك المغرب ممتلكاته وخزانته بدون جدوى. ويختم « جاك كايّي « بحثه الشيّق قائلاً:» وما زالت مكتبة مولاي زيدان توجد إلى يومنا هذا في إسبانيا ،في نفس المكان الذي كانت توجد فيه من هذا الدّير، وقد عاينها وشاهدها وتصفّحها في عدّة مناسبات العديد من السّفراء والرحّالة ، والمؤرخين، والباحثين، والمتخصّصين ، والطلبة ، وجميع هذه الكتب والمخطوطات يوجد عليها خاتم مولاي زيدان «.
محتويات خزانة الإسكوريال
يؤكّد القائمون على هذه المكتبة الفريدة من نوعها أنّ المخطوطات العربية والإغريقية الموجودة بها تعتبر من أحسن وأجمل المخطوطات في أوربا ، وتضمّ هذه الخزانة الآن حوالي 45000 كتا باً مطبوعاً تعود للقرنين الخامس عشر والسادس عشر ، وما يزيد على 5000 مخطوط تتوزع حسب أهمّيتها من حيث مضامينها وعددها على اللغات التالية : تأتى في المرتبة الأولى العربية (1700)مخطوط، واللاّتينية(1400)، والقشتالية (800) والإغريقية(600)، والإيطالية(80)، والعبرية (حوالى 70)، والكطلانية والبلنسية (50)، والفرنسية (30) ، والصّينية (بضع مخطوطات) ،والفارسية (20)، والبرتغالية(15) ، والتركية(12) ، والأرمينية (2) ، والألمانية (بضع مخطوطات)، ولغة نوالط المكسيكية القديمة (مخطوط واحد).
وتبلغ مساحة خزانة الإسكوريال 54 متراً طولاً مقابل 9 أمتار عرضاً، و10 أمتار علوّاً، ويعلوها قبو عليه رسومات عديدة مزدانة ومزركشة بألوان متنوّعة بديعة ، تنقسم إلى سبعة أقسام تمثل سبع صور ترمز إلى الفنون أو العلوم السبعة التى كانت تُدرّس بالجامعات في ذلك الابّان وهي: النّحو، والبلاغة، والجدل، أو المنطق والحساب، والفلك ، وخصّصت الواجهتان الشمالية والجنوبية لعلميْ الفلسفة واللاّهوت. وهناك 14 رسماً لبارطولومى كاردوشّو تصوّر قصصاً لها صلة بالفنون والعلوم المذكورة وبعض العلماء الذين نبغوا في هذه العلوم .ويشير الأب تيودورو – أحد الذين عملوا في هذه الخزانة – الى أنّ أجمل وأحبّ المخطوطات إلى نفسه هي المخطوطات العربية، حيث يعجز عن وصف جمالها وروعتها ، ويؤكد أنه من أغرب ما لوحظ أنّها مكتوبة بحبر أو مداد يحتوى على مادة قويّة مضادّة للحشرات بحيث لا تقترب من هذه النفائس، ولا تلحق بها ضرراً ولا تلفاً. وقد اعترف الأب تيودورو أنّ محاكم التفتيش كانت قد أحرقت بالفعل العديد من المخطوطات العربية، وعليه فإنّ بعضها قد تمّ إيداعها في الخزانة وهي مخيطة ومصونة مخافة إحراقها أو تدميرها من طرف المتعصّبين.
المخطوطات بين المغرب ومصر
كان المسؤولون المغاربة عن الشّأن الثقافي قد أعلنوا في 19 يناير2010 أنّه سيتمّ تصوير المخطوطات المغربية الموجودة في مكتبة الإسكوريال بمدريد، وإعداد نسخ منها على الميكروفيلم (وليست الأصليّة) لتصبح متوفّرة للإستعمال في المكتبة الوطنية بالرباط. تحقيق هذه الغاية ،أيّ الحصول علي بعض النسخ من هذه الميكروفيلمات لم يتم إلاّ في 7 فبراير 2011. علماً بأنه قبل هذا التاريخ بكثير في عام 1997 أيّ منذ ما ينيف على 14 سنة قبل هذا التّاريخ كانت الملكة الاسبانية السّابقة صوفيا خلال زيارة لها لمصر فى هذا الإبّان قد أهدت مجموعة كاملة من ميكروفيلمات المخطوطات العربية بدير الإسكوريال إلى مكتبة الإسكندرية بما فيها المخطوطات المغربية على وجه الخصوص ، لاجَرَمَ أنّ المسؤولين فى هذه المكتبة الذين تسلّموا هذه المخطوطات كان لسان حالهم يقول فى خيلاء مثلما قال أبو القاسم الصّاحب بن عبّاد عندما وقع بين يديه كتاب «العقد الفريد» لإبن عبد ربّه الأندلسي: هذه بضاعتنا رُدّت إلينا ..!
والحالة هذه، أمَا آنَ الأوَان بأن يطالبَ المغرب إسبانيا إسترجاع مخطوطاته، ونفائسه بشكلً أو بآخر..؟ هذا السّؤال نوجّهه بإلحاح ، ونرفعه جهاراً من هذا المنبر الى القطاع الوصي على الثقافة والاتصال .!
*- كاتب ودبلوماسيّ من المغرب ، عضو الأكاديميّة الإسبانيّة- الأمريكيّة للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.