الأحزاب تثمن المقاربة الملكية التشاركية    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    الطالبي العلمي يجري مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية السنغالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    مئات المغاربة يجوبون شوارع باريس احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    أخنوش: "بفضل جلالة الملك قضية الصحراء خرجت من مرحلة الجمود إلى دينامية التدبير"    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في المجموعة القصصية «حب على طريقة الكبار» لعزالدين الماعزي

القراءة كتابة ثانية للنص المرغوب في تأويله وتحليله وممارسة فعل القراءة بصدده، والقراءة لن تكون كذلك إلا إذا أسست لمشروع إبداع ثان قد يرضي القارئ نفسه أو قد يدخل في علاقة تنافر وصراع مع المبدع نفسه ،ولن تكون القراءة كذلك أيضا إلا إذا عاشت لحظات الجذب والحيرة والقلق التي سكنت جوان المبدع لتعيش الانجذاب والقلق ذاته لبلوغ» القراءة» القلقة والمستفزة. ولن تكتمل هذه القراءة إلا باستحضار تجربة المبدع ولحظات عبور سابقة لا شك لها خصوصياتها التي تثير زخما من التساؤلات النوعية حول الكتابة في علاقتها بالذات والكينونة والمتخيل. نستحضر هذه العتبة القلقة ونحن نقبل على تلقي الإصدار الإبداعي الأخير للشاعر والقاص والكاتب والمتتبع للأعمال القصصية لمجايليه «حب على طريقة الكبارً يتنوع تلقينا لإبداعات الماعزي بين الكتابة الشعرية والمتابعة لأسئلة القصة المغربية من خلال مصاحبة نصوص مجايليه بقراءتها وتقديمها وبين الكتابة السردية القصصية؛ ويتدخل في تلقي هذا النمط الأخير ضمن محفله الأدبي ونحن نرغب في الدخول إلى عوالم الإصدار الأخير له «حب على طريقة الكبار «طبيعة تناول الحكي عنده في تجربته «يوميات معلم في الجبل « والتي قدم فيها لونا سرديا تحتمي فيه المادة الحكائية بالتجربة الخاصة للمبدع ذاته إذ تلتحم بشكل مباشر ذات السارد بضمير الأنا بشخصية المبدع نفسه وكأننا أمام تلقي سيرة ذاتية ولكن في قالب قصصي ممتع في بنائه ولغته الشعرية وفي انفتاحه على الكائنات والوجود إذ جعل من اليومي خلفية للكتابة ولاختراق اللغة بعنفوانها الشعري»فيوميات معلم في الجبل»أسست من خلال طريقة تناول تيماتها وتعاطيها مع الوقائع والأحداث وطرائق نسجها وبنائها آفاقا إبداعية تنم عن تنامي التجربة وتطورها في مستقبل السيرورة الإبداعية للماعزي خاصة على مستوى النفس القصصي إذ راهنا على تلقي نصوص قصصية أكثر غنى على مستوى الحجم الذي بدأت تئن قصتنا من تآكل جسدها وكأن «السرطان» دب في جسدها أو أضحت فعلا «سندويتش أدبي» في عصر السرعة على حد تعبير نجيب العوفي ، ولهذا الرهان على تجربة الماعزي مبرراته، فهو الشاعر والقاص والمتتبع لأسئلة القصة المغربية ولكل هذه الإشارات دلالاتها على مستوى التلقي وعلى مستوى فعل الكتابة ذاتها فالماعزي يبطل توقعاتنا وأفق انتظاراتنا بإصدار «حب على طريقة الكبار « الذي يحمل إشارة صريحة على أنه يكتب قصة قصيرة ولكنها قصيرة جدا.
« حب على طريقة الكبار »
مجموعة قصصية اختار أن يؤشر لها الماعزي على بطاقة العبور إلى محفلنا القصصي بعنوان تجنيسي « قصص قصيرة جدا» هذا التأثيث لواجهة المؤلف ينم عن وعي صريح ومتعة خاصة يشعرها المبدع وهو يعلن عن هذا الميلاد الاستثنائي، بل ومغامرة أدبية (بل وجرأة أيضا) لاشك لها مرجعيتها في قراءات الماعزي وهنا نستحضر كونه الذات المثخنة بجراحات الشعر و المتجولة في دروبه،أفلم يكن قد قرأ لأدونيس مثلا والذي قد لا تتجاوز القصيدة عنده أربعة أبيات، أم أن هذه المغامرة ما هي إلا نتيجة طبيعية للتطور المنحدر للقصة القصيرة المغربية التي تسير في اتجاه القصر وتكثيف الحجم كما تقلصت أحلام جيله وتبخرت وهنا نستحضر تنبؤ العالم بأسرار القصة المغربية «أحمد بوزفور» بملاحظته لأحجام القصة «التي تتناقص سنة بعد أخرى إلى الحد الذي لا أستبعد معه أن نقرأ غدا قصة من سطر واحد أو قصة بيضاء»؟ إذن فهل هذا النمط في الكتابة دال عند الماعزي على السير على حافة التطور أم اختيار مبني على وعي وأسس ومرجعية واضحة في قراراته الأدبية؟ لهذه الأسئلة وغيرها ما برر استحضار تجربة الماعزي في الكتابة رغم عدم كثرتها والتي لا تتجاوز حسب علمي جزأي «يوميات معلم في الجبل « وقصص منشورة هنا وهناك على جرائدنا المهتمة بالشأن الإبداعي فضلا عن قصائد شعر لم تعرف بعد طريقها إلى جمعها في كتاب قابل للإصدار و النشر.
عتبة تقديم المجموعة
صدرت المجموعة القصصية «حب على طريقة الكبار «لعز الدين الماعزي عن دار وليلي للطباعة والنشر في نسخة مزيدة ومنقحة. تضم بين دفتيها ستة وثلاثين نصا قصصيا قصيرا جدا شغلت ثمانية وسبعين صفحة زاد بهاء واجهتها اللوحة التشكيلية التي حملت توقيع وإبداع «حلمي التوني» .
ويمكن إثارة ملاحظة شكلية تهم مدى كبر أو صغر أحجام نصوص المجموعة ،فالأكبر حجما لا يتعدى الصفحة الواحدة والأصغر حجما لا يتجاوز الثلاثة أسطر مما يبرز الاقتناع الواضح للماعزي برغبته في التأسيس لتجربة خاصة ومتميزة بل مغامرة قد تؤسس لتلقي استثنائي للمتن القصصي المغربي ،أقول تجربة خاصة إذ جرت العادة أن نتلقى مجموعات قصصية تتباين أحجام قصصها بين الطويلة والقصيرة في ذات المجموعة الواحدة لكن أن نتلقى مجموعة من مثل»حب على طريقة الكبار « فهذا في نظري استثناء يفرض التساؤل و القراءة والتأويل . أأصبحنا أمام ظاهرة قصصية فعلا كانت تمارس لعبة الخفاء والتجلي ولم تتعد الآن تتحرج في الإعلان الصريح عن» قصة قصيرة جدا» إذا ما آمنا بأن المعنى لا تكتمل قراءته إلا بالمبنى. وهل ثمة دواعي إبستيمية وسوسيوثقافية تلح بشكل أو بآخر على إنتاج هذا النوع ا لقصصي؟ ( مع الإشارة أن نصوصنا القصيرة جدا تتجاوز الصفحة والنصف وبرسم رقيق للحرف) فلنشغل الطريق السيار المؤدي إلى ثنايا المجموعة لنتعلم الحب على طريقة الماعزي .
عتبة العنوان:
تعبر جملة «حب على طريقة الكبار» عن لاشعور الكاتب، فالحب تيمة إنسانية يضعها تحت مشرحة السؤال لكي نبحث عن هوية الحب المرغوب فيه وكأننا أمام نوعين من ممارسة هذا الشعور إذ «على طريقة « دالة على فعل وسلوك يمارسان لأجل أو ضد الحب. فإما أن يكون الحب على طريقة الصغار أو على طريقة الكبار وكأن الكاتب يضمر شعورا بافتقاد الحب على الطريقة التي يراها أكثر دلالة على الماهية الطبيعة والمفترضة للإنسان ، ثمة جرح إنساني مختبئ بين ثنايا العنوان يجعل الكاتب يعيش رحلة بحث عن الحب على طريقة تمنح له أبعاده الإنسانية التي تحقق له الطهر والنقاء. ويفصح العنوان عن تقابل دلالي بين «الصغار والكبار « ألا يعني أن المغيب في الواقع هو الحب على طريقة الصغار» فالحقيقة» كما يقال ننتزعها من أفواه الصغار للدلالة على الصدق، إذن ثمة علاقة تضاد بين العلو والتدني، بين الإعلاء والإسقاط وذلك بالقلب أي أن لفظة «الكبار» تحيل على التدني والدنس وعلى ممارسة ما يترك الوشم والوجع والبكاء. أما لفظة «الصغار» فتدل على السمو والعلو من شأن الإنسان ومعه تيمة الحب. لا شك إذن أ ن العنوان يطمح إلى إشاعة قيمة الحب النقي وأن يكون حبنا على طريقة الصغار. وما قد يعزز هذا التأويل في قراءة العنوان أن الكاتب قد أهدى أضمومته إلى «كل أطفال العالم في كل مكان لكي ينتفي الشر، نحلم ،نكتب ونظل قصصا بحجم الحب للكل(صفحة الإهداء) كما أن أول نص قصصي تطالعنا به المجموعة «يد على القلب» يحتفي بالطفولة ومشاعرها التي قد تكبر معنا كما كبرت مع طفلة الماعزي في النص. وتجدر الإشارة أن هذا العنوان عتبة لنص من بين نصوص المجموعة وقد نجد لعنوان المجموعة ودلالات تيمته امتدادات في محتويات باقي النصوص.
القصة… التي لا تكبر
نستعيد «يوميات معلم في الجبل» ونحن نتلقى العوالم القصصية ل»حب على طريقة الكبار» للتجسير الواضح بين لحظتي الكتابة ،فثمة امتداد لحضور الذات الكاتبة في مجال بمعنى المجال القرية والعبء الجميل لمهنة المتاعب التعليم .لا شك أن سيرة «المعلم» لا تزال تشكل بؤرة الوعي الفردي في الكتابة عند الماعزي . حين أعلن عن ميلاد «حب على طريقة الكبار» قلت في نفسي أن ثمة انشقاق وانفصال عن اليوميات التي كانت خلفية للكتابة والمتخيل وأن الماعزي حين أضاف إلى باكورته الجزء الثاني قلنا أن في نفسه شيء يحكى برؤية جديدة وعوالم تستحق عناء الكتابة وانجذاباتها وبالفعل كان للحكي عشقه الخاص وكان للكتابة فتنتها وبهاؤها وهاهي السيرة الخاصة تعرف طريقها إلى متن جديد بخلفية إبداعية مغايرة ومستفزة من حيث شكلها ومبناها . فإذا كانت اليوميات تحكي عن متاهات الذات وأحلامها الضائعة فهي تستعير من سيرته ما تحكي به عن المرئي وعن وجدان الآخرين وأي الآخر هذا الذي ظلت سيرته موشومة في وعي وذاكرة الكاتب؟
القصة التي لا تكبر، ليست تسمية من التسميات التي يغدق علينا بها النقاد وهم يحاورون فتنة القصة القصيرة وليست تعبيرا يقدح في نصوص المجموعة وإنما وصف مجازي للهيمنة الواضحة لتيمة الطفولة في نصوص المجموعة فهي تحكي عن أبطال هويتهم كائنات صغيرة حية بأحلامها وتلقائية مواقفها ، التقطها الكاتب في ذروة عنفوان عشقه الممتد في المكان والزمان لأطفال عايشهم في يومياته التي هي الأخرى عرفت احتفاء خاصا بأبناء قد نعتبرهم منتمين إلى هذا الوطن.
تنجلي تيمة الطفل في المجموعة بشكل واضح وكأن المحكي عند الماعزي لا يسع إلا المجال الذي يتحرك فيه اليومي الخاص به، فمن بين ستة وثلاثين نصا نجد عشرين نصا قصصيا يتفرد بالحكي عن الأطفال وعن جراحاتهم وحرمانهم وخيبات أملهم وقساوة واقعهم كما في «البائع الذي يسقط الخبز في الطريق»و لأنه جائع» والطفل والحلوى»و»حذاء شطايبة» إلى جانب قصص أخرى تحكي بلغة إيحائية عن تصورات الأطفال لعوالمهم وأحلامهم التي تضيع منهم كما في «دمع الآلة» و»موت سامورائي و»مطر الحديقة» و» ليلى» و»حليم الستين «و»براد الشاي» و»لوحة اسماعين» وقصص أخرى ترصد تلقائية مواقف الأطفال وعيهم البسيط الذي يختزن تراكمات الجرح والعنف والمفتقد كما في قصص «جسد من حجارة» و»قنبولة» و»قاتل محترف» و»الحجلة» و»عطلة» و»متتالية وراثية» وعلى العموم فهذا مجرد تصنيف تيماتيكي يقربنا من الحالات الوجدانية والمواقف التي عبر عنها الأطفال. وتبقى السمة الغالبة على مجمل هذه النصوص أنها تلتحم بعالم الأطفال والتي من خلالها نطل على عالم الكبار كما في «يد على القلب» و»مدرسة نيت كوم «و»قصص طويلة جدا» و»درجة الصفر في الكتابة .
درجة الصفر في الكتابة عند الماعزي إذن تستمد إيقاعاتها وشداها من عالم الأطفال وأحلامهم ، القصة التي تكبر بشساعة مساحة قلب الكاتب الذي يسع شغب الأطفال بعنفوان يصغي لرغباتهم وأحلامهم المخبئة في عنف الكبار لذلك كانت «حب على على طريقة الكبار».
وتجدر الإشارة أن استحضار تيمة الطفل في المحكي القصصي لا يعني هنا تصنيفا للعمل ضمن ما يمكن تسميته تجاوزا ب(كتابات الأطفال )وإنما تنكتب القصة بما رأته من قبل وما تراكم في ذاكرة الماعزي وما الإصغاء لنبضات الأطفال إلا تعبير عن شرخ ذاتنا الجماعية فهو يطل على جراحاتنا من خلال شغبهم وآلامهم وأحلامهم فلندع أطفالنا يستمتعون بشغبهم وانفلاتهم الجميل.
القصة القصيرة جدا:
أتذكر وأنا أقرأ «حب على طريقة الكبار» قولة لوليام أوفلاهرتي ما معناها أن الكاتب الحق هو من يستطيع وصف دجاجة تعبر الطريق ولأقول أن القاص «الماعزي» لا يقوى فقط على وصفة دجاجة في حركتها وسكونها بل يستطيع أن يعبر إلى الضفة الأخرى من وجداننا الجماعي وأن يعبر بدقة متناهية إلى وصف المواقف الإنسانية في حيز زمني ومكاني لا يشغل كل بياض الصفحة، وذلك بوعي يلخص كل تمثلاته الإبداعية وتراكماتها حول جنس القصة القصيرة الذي يخلق في مشهدنا القصصي نصوصا هاربة زئبقية حين يستوي عودها في منحى و يتقوض في آخر حتى نكاد نفتقد النص الكامل أو النص الظاهرة وذلك ما يبرر تعدد أنماط كتابة القصة عندنا وما يفسر أيضا غناها وقوتها و استمرار سؤال كينونتها وهويتها ضمن منظومة الأشكال الأدبية، لذلك يختار الماعزي في نظري عن جرأة ومغامرة و عن وعي الخوض في تجريب كتابة القصة القصيرة جدا وبامتياز معتمدا في ذلك على سمات أضفت على المحكي روح السرد الذي يخدم هوية القص القصير جدا .
تتميز كل نصوص المجموعة بتمتعها بشكل فني يمنح القصة التكامل والترابط فهي ذات وحدة دلالية تنسجم فيها العناصر إذ لا تستعير عناصر من خارج القصة لإتمام الحدث أو الحكاية لذلك تميزت الجمل السردية بالتكثيف دون السقوط في التفسير أو الشرح مما جعل النصوص تحافظ على سمة الحجم الجد القصير . بل إن القاص عمد في هذا التكثيف على بتر الجمل ومن ثم تغلب ميزة استعمال علامات الوقف كثيرا إن صح التعبير وهنا يمكن استحضار تجربة الكتابة الشعرية عند الماعزي. ونضيف سمة أساسية أخرى أضفت الجمالية والأدبية على القصص سمة الاحتفاء بالحياة والإنسان.
ويمكن تلخيص أهم السمات الجمالية التي ميزت لغة السرد في «حب على طريقة الكبار»في: جمالية اختيار عناوين النصوص وهي بمثابة متتالية سردية لها معنى مرتبط بالمتتالية السردية الموالية التي هي القصة في اختزالها وتكثيفها كما في (على سبيل المثال لا الحصر) قصة «الماء الصالح للحمل».
الاختزال والتكثيف الذي يبتر الجملة السردية إذ يلغي السارد وصف الشخوص أو المكان وبالتالي يقفز على بعض اللحظات التي قد تقوض رؤية الكاتب لفعلي الحكي والسرد في إطار القصة القصيرة جدا .
تحافظ القصة رغم بنائها القصير على النمط التقليدي إذ يحتفي بالحكاية وبسردها بشكل خطي من البداية إلى النهاية .
السارد يحكي بضمير الغائب ويقود شخوصه إلى المواقف التي تعبر عن الوعي الفردي للكاتب .
ابتداء مجموعة من النصوص بأفعال دالة على مبدأ التهيؤ لإنجاز فعل معين والذي تنتج عنه مساحات ضيقة للحكي وبالمقابل تنتهي القصة بفعل دال على الهدم والإحباط (رسم الطفل………(هذه النقط من عندي ) سحابة سوداء …فمحت الرسم) لتبلغ القصة ذروتها مع آخر فعل سردي يعلن عن توقف السرد. (قصة موت سامورائي) وفي قصص «قاتل محترف» و»لأنه جائع» و»حليم الستين» و»سهو» و»عناق».
تتجاوز مجموعة كبيرة من نصوص المجموعة خاصية اللقطة أو المشهد التي تميز عادة القصة القصير جدا أو حتى القصص (العادية) التي تخترق جملها السردية وذلك باعتماد لغة سردية تستعير الخارج لرسم جوان الشخصية وبلغة تستحضر الدفتر الشعري للكاتب كما في قصة «عبور».
ونشير هنا إلى لعب سردي يذكرنا بما ألمحنا إليه سلفا أن القصة في نظر أحمد بوزفور قد تصبح نصا عبارة عن صفحة بيضاء ويذكرنا أيضا بدروب الشعر التي سارها الماعزي ونقصد بهذه الإشارة عنواني قصتي « خيبة 2»وخيبة 3» كان بإمكان الكاتب تقديم صفحة بيضاء عنوانها «خيبة 1» حتى تنفتح أسئلة القراءة على أسئلة القصة القصيرة جدا. هذا القفز على» خيبة 1» يجعل المتلقي يكتب خيبات محتملة وعديدة.
وفي جملة واحدة ، إن اللغة السردية عند الماعزي حافظت على رصانتها وجماليتها التي تسم باقي أعماله بل وتميل أحيانا إلى شعرنة اللغة لكن وعي الكاتب بطبيعة التجربة التي يخوض غمارها جعلته يكبح جماح اللغة الشعرية حتى لا يتخلل السرد الاستيهام الذي لا يناسب المقام وحتى لا ينتج فضائح سردية تفقد الحكي متعته ويضيع معها البناء المحكم لنسيج القص القصير جدا .
«حب على طريقة الكبار» إدانة مع سبق الإصرار والترصد لاغتصاب أحلام طفولة نتمنى أن تنتمي إلى أنشودة وطن وإدانة برؤية واقعية ساخرة للانتهازيين والوصوليين منا كما في»عناق» و»نقطة على نطاق»؛ وهي أيضا مغامرة بعنوان جديد للتجريب والهدم وإعادة تشكيل أفق انتظاراتنا حول الثابت والمتحول في القصة المغربية .
أعتبر هذه الجرأة والمغامرة صادرة عن رغبة الماعزي في الإنخراط في معركة القصة المغربية القصيرة مع ذاتها ومع عشاقها الذين يصيبهم هوس وفتنة الحكي الجميل والشاق والعصي، ستظل أيها الماعزي مفتونا وعاشقا للقصة وللإنسان من خلالها؛ ستجذبك إلى «جب عميق لا قرار له، وإن كان هذا القرار عند بعض القصاصين المتميزين جبا دافئا «جبا من الزغب»على حد تعبير إيلوار» على حد قول أحمد بوزفور .
« حب على طريقة الكبار « كتابة على طريقة الكبار، ثمة «عبور»(النص العاشر)أيها الماعزي إلى عالم الذات وخرائطها السرية التي يملك شفرتها الحلم والشعر ،في دفاترك بياضات تنتظر أحرفا وأحلاما وخرائطا بحجم جسد الطفل الحجري المستعد….؟ (يد على الحجر والحجر في اليد) يد على الكلمة والكلمة في اليد لتستعد…….العبور إلى الضفة الأخرى من هوية الكتابة القصصية ، العبور إلى عناق ملحمة تجريب جديدة ، دمت عاشقا للأطفال وللناس، ودمت حالما مبدعا تسمي حكاياتنا لغة جديدة إسمها «القصرة القصيرة»
ملاحظة : شخصيا لا أحصل على مجموعة قصصية ضمت نصوصا قصصية قصيرة جدا كما هو الحال هنا مع تجربة عز الدين الماعزي وإنما أقرأ لمتون متفرقة ولكنها ليست بالحجم الوارد علينا في هذه التجربة . قرأت مقالا عن تجربة مشابهة لمصطفى لغتيري نشرت في العدد 123بتاريخ 11نونبر للمنعطف الثقافي «مظلة في قبر» ولكني لم أطلع على نصوص المجموعة . قد تضيع منا إمكانية بناء قراءات متكاملة للحكم على تجارب من هذا النوع بسبب ظروف النشر والتوزيع والتي تجعلنا نكتوي بضياع فرصة قراءة مجموعة من الأعمال القصصية تفيد في بناء أحكامنا حول تطور التجربة القصصية .
هامش :
«حب على طريقة الكبار» لعزالدين الماعزي ، دار وليلي، مراكش. الطبعة الأولى 2006 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.