نشرة إنذارية: موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    لمواصلة التنافس مع طنجة المتوسط.. ميناء الجزيرة الخضراء يطلق مشروعًا لتوسيع طاقته الاستيعابية    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتفاعل مع فاجعة 'خزان أولاد يوسف'    انقلاب سيارة يودي بحياة ستيني بضواحي الحسيمة    عودة العيطة إلى مسرح محمد الخامس.. حجيب نجم النسخة الثالثة    لطيفة تطرح الدفعة الأولى من ألبوم "قلبي ارتاح".. أول ألبوم عربي بتقنية "Dolby Atmos"    الكوكب يراهن على خبرة الطاوسي في رحلة التحدي الكبير    تيزنيت: للسنة الثانية على التوالي..نسبة النجاح بالبكالوريا تُلامس 80%    إصابة أربعة أشخاص في سقوط أرجوحة بمرتيل    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مونتينيغرو بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني    إسبانيا على صفيح ساخن.. مواجهات عنيفة بسبب اعتداء نُسب لمهاجرين واليمين المتطرف يؤجج الشارع (فيديوهات)    « البسطيلة بالدجاج» تحصد المركز الثالث في مسابقة «تحدي طهاة السفارات» بواشنطن    متحدية الحصار الإسرائيلي.. سفينة "حنظلة" تنطلق من إيطاليا باتجاه غزة    "فيفا" يُنصف حكيمي: أفضل مدافع في مونديال الأندية بأرقام دفاعية وهجومية مذهلة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يأسف لتطورات اعتصام قصبة تادلة ويحذر من نشر مشاهد صادمة دون ضوابط    بملتقى فكري مفتوح حول «السؤال الثقافي: التحديات والرهانات»، بالمقر المركزي للحزب بالرباط .. الاتحاد الاشتراكي يفتح نقاشاً ثقافياً استعداداً لمؤتمره الثاني عشر    الشاعرة نبيلة بيادي تجمع بتطوان الأدباء بالقراء في برنامج "ضوء على القصيدة"    "نوستالجيا 2025": مسرح يحفر في الذاكرة... ويستشرف الغد    دلالات خفقان القلب بعد تناول المشروبات المثلجة    الرجاء الرياضي يتعاقد رسميا مع محمد المكعازي    مسيرة بالناظور تستنكر تدهور الأوضاع والتضييق على العمال وتطالب بالتنمية وسراح معتقلي حراك الريف        بينهم 10 يجلبون المياه.. إسرائيل تقتل 45 فلسطينيا بغزة الأحد    إنفانتينو: نسخة مونديال الأندية حققت نجاحا استثنائيا وغير مسبوق    تخليدا للذكرى ال26 لتربع جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين        الاتحاد الأوروبي يؤجل "رسوم أمريكا"    "عدالة" تنبه إلى التدهور المقلق للوضع الحقوقي بالمغرب وتدعو لإصلاح يضمن الحقوق والحريات    مونديال الأندية.. تشيلسي يطارد المجد الثاني وسان جيرمان يبحث عن أول تتويج عالمي    تحرير شاطئ الصفيحة من الاحتلال العشوائي للمظلات والكراسي    انتهاك صارخ لقدسية الأقصى.. مستوطنون يقتحمون قبة الصخرة ويؤدون طقوسًا تلمودية في ذكرى خراب الهيكل    مراكش تنادي إفريقيا: إصلاح التقاعد لضمان كرامة الأجيال المقبلة    مدرب المغرب يشيد بأداء الدفاع بعد الفوز على السنغال في كأس أمم إفريقيا للسيدات    جسم غامض خارجي يقترب من الشمس بسرعة خارقة يثير حيرة العلماء    الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    سوريا تسيطر على معظم حرائق الغابات    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    طنجة.. إغلاق مقهى شيشة بمحيط مالاباطا بعد شكايات من نزلاء فندق فاخر    من ضحية إلى مشتبه به .. قضية طعن والد لامين جمال تتخذ منحى جديدًا    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"        بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرقص على ضفاف المعنى : قراءة في مجموعة «يد في جيب الاستعارة» لعز الدين الماعزي

ينتقل عز الدين الماعزي بين النثر والشعر بخفة فراشة، فالحدود بينهما لينة وشفافة، يجعلك تقرأ العوالم بالنفس ذاته، يمنح الشعر سخونة السرد، ويمنح السرد تحليق الشعر ومجازاته. أنت حين تتفيأ ظلال نصوصه الشعرية ستحس أن السرد يحضر بقوة من خلال بروز الفعل كعنصر حكائي، لكنه لا يتطاول على البعد الشعري، بل يضخ في شريانه حركية تزيده توهجا.
في سردياته حضور الحكاية بنفس شعري؛ وفي مشاهده التصويرية جنوح إلى الحكي بفضل كثافة الفعل. وبين السرد والشعر انفجار الحس، فإذا نحن بين تسريد الشعر وشعرنة السّرد . السارد محلّق في عوالمه النائية يداعب الحلم البعيد وينشد أغنيته التي لم تولد بعد من سديم المعنى بين شهقة الحسّ ونزوع النفس . والمسرود كينونة لفظ وعمق شعور . *1
تطل علينا اليد من غلاف ديوانه «يد في جيب الاستعارة» كمارد يبغي التهام الكتابة، يد بيضاء بدال مفتوحة كفم يريد افتراسا، وكأننا أمام صراع عنيف بين بياض الصمت، وسواد الكلام، كأننا أمام معاناة الشاعر أمام البياض فادح الحضور، شديد التحدي، فالدال البيضاء تمتص الحروف، كما لو كانت ثقبا يلتهم العالم. تعاني النصوص من تسييج البياض لسواد الكتابة، يهددها بالموت مجازا وواقعيا؛ الكتابة تناضل من أجل تحقيق حضورها رغم صخب البياض وقوته. مرة نجد نصا قصيرا يكاد يضمحل في بياض الصفحة، ومرة نجد أسطرا مسننة، حادة الرأس، تسعى إلى اختراق البياض، والانتصار عليه؛ إنها جدلية الحياة والموت، وحيث تتقلص الكتابة إلى حد الضمور، وتتمطط إلى حد الطغيان؛ وفي كلتا الحالتين، تعبر عن انوجادها، وحضورها في الورق والعالم.
تستخدم اليد للّمس وتحسس الأشياء، ويوجد في كل يد بشرية على الأقل أربع نهايات عصبية التي تجعل من اليد شديدة الحساسية. تعتبر اليد من أهم وسائل الاتصال بين الناس كالسلام في ما بينهم والتعبير عنها عن طريق اليد، أو وسيلة اتصال وتواصل، وقد يستخدم أيضا اليد وسيلة للتعابير المختلفة والمتعارف عليها عند الناس، فمثلا رفع اليدين مثل رقم 7 تعبير على النصر، ورفع اليد عند رؤية شخص معيّن تعبيرا عن السلام وما إلى ذلك من تعبيرات كثيرة يعرفها جميع الناس. يوجد في اليد خمسة أصابع تساعد على عملية اللمس وأداء جميع الوظائف البشرية والتي تكون بشكل يومي. تستخدم اليد في الأعمال الفنية والكتابة مثل الرسم، وتستخدم اليد في حمل الأشياء ورفعها، فتركيبة اليد البشرية تركيبة تساعد على أداء جميع الوظائف البشرية مهما عظمت. فضلا عن أنها تعبر عن القوة ، فصاحب اليد القوية يفرض سلطانه، سواء أكانت اليد بمعناها الحقيقي أم المجازي، كما تعبر عن العطاء لتكون بذلك بيضاء، أو عالية، تمنح الخير للناس تفضلا وكرما. وقد جمع الشاعر كل هذه المعاني في بعض نصوصه، وبخاصة نص «اليد التي لا تسافر تختفي…» ص 27، والواضح أن من بين معاني السفر التحول، والتغير؛ ولا قيمة إلا للتجدد بفعل الانتقال بين الأمكنة والأزمنة.
فاليد في النص متعددة الأفعال، حبلى بالدلالات؛ فهي تشير، وتبسط، تمتد، وترتد، وتقبض، وتقول، وتتكلم، وتتأوه، وتنسى، وتعكر، وتحاصر، إلخ…علما بأن نصوصا أخرى أفسحت مكانا لليد ابتداء من العنوان، ك «يد في جيب الاستعارة» ص36، و»يدي التي …»39…
وبناء عليه، نستنتج أن من بين خصائص اليد التعدد والتنوع في الوظائف والاستعمال.
قراءة النصوص كنص واحد ممكنة، ومحتملة؛ بحجة كونها جميعها قد ضمت بين دفتي كتاب واحد، ثم إن اليد سابحة بين النصوص كاملة تضمها في عقد واحد، ومن هذا المرتكز نراها متناغمة، تسير بخطى واحدة تدفعنا إلى التهامها دفعة واحدة، ومن خلال شفافيتها، نجد الكثير من تقنيات السرد والشعر متناغمة لتمنحنا جمالية متفردة؛ من ذلك الفعل، كعنصر يضفي الحركة، ويحقق التنامي والتطور، وكمثال على ذلك ، قصيدة «احتمال» « ص13، يقول فيها:
الأرض التي كانت بين يدي
نامت
اقترنت بالكلمات
باللحظة تلك التي…هوت
رأيتني…في ما يرى الرائي
والصور الاستعارية المكثفة التي تحتاج إلى تفكيك لبلوغ تأويل ينسجم وقصدية الشاعر.
يتوشح النص الشعري داخل الديوان بنسيج استعاري شفيف تتوارى وراءه استعارات متنوعة تخلق توثرا غريبا لا تستطيع من خلاله القبض على معالم القصيدة التي يبني الشاعر من خلالها حوار خصبا مع المنسي في اللاوعي الفردي والجماعي، وكأنه يمارس هيرمونطيقا تأويلية خاصة تسائل الكينونة وتغوص في قعر البحث عن هويته كمبدع يؤرقه سؤال الذات والكتابة الذي يفصح عنه منذ البداية في الموازي النصي الذي افتتح به ديوانه "الكتابة هي أعلى درجات التورط" وهو إفصاح يقبع في دائرة نصفها تعتيم والنصف الآخر إيضاح بالنظر إلى صاحب القولة : "نزار" إذ عدم إيراد الاسم كاملا خلق شبقا فضوليا جميلا في الاستهلال، فهل يتعلق الاسم بنزار قباني يا ترى ؟
يربط الشاعر علاقة عشق مع القصيدة من بداية الديوان إلى آخر قصيدة رصت في صفحاته، علاقة لا تكفيه نقطة مداد للإعلان عن بداية خلقها.
عاشقان نحن
إن امتد اتساع العالم وصغر رقصا
ذابت الفراغات
ثقل الكلام
قال لي معناك أكبر من نقطة
* الديوان (ص7)
القصيدة رفيقة الشاعرة في صمت الوحدة، نافذة يطل منها الشاعر على جراحات ورعشات الكآبة، عنقود مشع حين تحضر القصيدة تغسل العالم من أدرانه دون حاجة إلى ماء، فهي "تيمم"
هواء مطرز، لا تموت إلا في الورق، تنسج من خيالات الأرق، أنثى عصية تفتح شباكات الغيب، انقلاب في كف المعنى، يتجرع الشاعر من كؤوسها آهات وصلاة وسطور، قائد جيشه الحروف، تتربص بالشاعر وتدخله معسكرها بإغراء نادر وفي خضم كل هذا تظهر الصور الاستعارية المتشاكلة والمختلفة كالآتي:
استعارة قصيدة / الوطن
لأنك مدينتي
بدري المشتهي
وطني الثاني
* الديوان (ص 59)*2
يصنع الشاعر عوالم من الدهشة منفلتة من براثن الإسفاف ورطانة الإطالة، بكثافة شعورية قادرة على التغلغل إلى أعماق المتلقي محركة مياهه باتجاه السباحة الممتعة في بحر الاستعارات المنزاحة عن المألوف، خالقة غرابتها المدهشة، ودهشتها الغريبة، وفاتحة بنقاط حذفها نوافذ لنطل على شساعة العالم المترامي المعاني.
يقيم الشاعر من خلال نصه الموحد مهرجان حواس، فالاحتفاء بالحواس الخمسة بين، ومن خلالها يطل على العالم بغاية منحه معنى، أو السعي إلى القبض على معناه الهارب باستمرار.
نصوص المجموعة مرصوفة بعناية، وبذكاء وجمال كورد في أصص تطل من الشرفة على رحابة المعنى، تمارس غوايتها على المتلقي، تستدعيه لبناء المعنى، وخلق التأويل المغذي للنصوص، حتى تنبض بمزيد قوة. لا يمكن للقارئ سوى الرقص حتى ينبلج فجر الفكرة يولدها من رحم الكلمات توليدا في غير قيصرية.
وهي أيضا تهفو للسمو، حروفها غيث تسقط مطرا لتنظف وجه الأرض من القبح الذي استشرى فيها، تعيد إنباتها بساطا أخضر لمتعة الإنسان، أي إنسان، دون حيف أو إقصاء، فدين الشاعر كما دين ابن عربي، الحب.
أبيات الشاعر هي كما قال عنها كوستاسكاريوتاكيس: أبياتي، بنات دمي
هي تحكي، لكني أمنح
الكلمات
كشظايا من قلبي،
وأقدمها كدموع من
عينيّ.
والبين أن اليد حظيت باهتمام الشعراء، فتناولوها في قصائدهم أو جعلوها محور تلك القصائد، فهذا فرناندو بيسوا، يكتب قصيدة بعنوان: إلى يد، وهذا عبد الدين حمروش يكتب عنها هو الآخر قصيدة في ديوانه» فقط»، على اعتبار أنها جريحة متعددة الوظائف، متباينة الاستعمال.
بيد أن كل واحد تناولها من جانب معين، باعتماد رؤيته الخاصة المؤطرة بأبعاد فنية وجمالية محددة ومغايرة.
هامش:
يد في جيب الاستعارة هو الديوان الثاني في مسيرة عز الدين الماعزي الشعرية
بعد الأول «ارتعاشة ماء» منشورات وزارة الثقافة 2010
-1، كريم عبد الله: ابستيمولوجية النص بين التشكل والتجاوز، نموذج من السرد التعبيري، الحوار المتمدن.
*2_ ميلودةالعكرودي، سيمياء اليد واستعارات القصيدة في ديوان «يد في جيب الاستعارة» لعز الدين الماعزي، جريدة الاتحاد الاشتراكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.