قدم الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب مقترح قانون جوهري يهدف إلى إحداث هيئة قضايا الدولة، استنادًا إلى الفصل 159 من الدستور المغربي، الذي يؤسس لإمكانية إنشاء مؤسسات وهيئات تُعزز الضبط والحكامة الجيدة داخل المرافق العمومية. وقد وقّع على هذا المقترح النواب عبد الرحيم شهيد، عويشة زلفي، مليكة الزخنيني، نور الدين آيت الحاج، عبد الغني مخداد، عبد القادر البوصيري، عبد القادر الطاهر، عبد النور الحسناوي، عتيقة جبرو، وعمر اعنان. يأتي هذا المقترح استجابة لضرورة ملحة تفرضها تداعيات الفساد والمخاطر القانونية التي تهدد المال العام والمرافق العمومية، ويهدف إلى إحداث هيئة مستقلة ذات صلاحيات موسعة لترسيخ الحكامة القانونية الجيدة، عبر تقديم الاستشارات القانونية ومواكبة القرارات والعقود، والدفاع عن مصالح الدولة أمام المحاكم الوطنية والدولية وهيئات التحكيم، بما يساهم في حماية المال العام من التبديد وتجنب النزاعات القانونية المكلفة. ينظم هذا المقترح القانوني ثلاثة محاور رئيسية؛ أولها يحدد المبادئ العامة والهدف من إحداث الهيئة، وثانيها يكرس الاختصاصات والتنظيم الداخلي المتكامل للهيئة، حيث تشمل التمثيل، الدفاع، تنفيذ الأحكام القضائية، الوقاية القانونية، إبرام المصالحات، والتحكيم، فيما يخصص المحور الثالث للنظام الأساسي لمستشاري الهيئة، متضمناً شروط التعيين، الحقوق والواجبات، والهيكلة المؤسساتية للمجلس الإداري. ويأتي هذا المقترح في سياق إدراك الفريق الاشتراكي العميق لخطورة الفساد السياسي والإداري والمالي الذي يُهدد أساسات الدولة ويقوض ثقة المواطنين في المؤسسات وفي المشروع الديمقراطي برمته. لقد كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على الدوام في طليعة المدافعين عن تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، سواء في المعارضة أو خلال مساهمته في حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمن اليوسفي، حيث وضع أسساً متينة لمبدأ المشروعية وتعزيز آليات الرقابة والمحاسبة. ويرى الفريق أن الالتزام الصارم بمبدأ المشروعية من طرف جميع المرافق العمومية يشكل الركيزة الأساسية للحكامة الرشيدة والدولة الديمقراطية الحديثة، وأن غياب آليات فعالة للوقاية والمساءلة القانونية يؤدي إلى نزاعات قضائية متكررة تُكبّد المال العام خسائر فادحة، وتُضعف ثقة المواطن في الدولة، مما يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ويشير المقترح إلى التجارب الدولية الناجحة التي منحت هيئات قضايا الدولة استقلالية تامة في أداء مهامها، وهو ما ينقص المغرب حالياً، حيث تظل الوكالة القضائية للمملكة – بوضعيتها الحالية كجهاز إداري تابع لوزارة المالية – عاجزة عن القيام بدور فعال في توجيه وضبط السلوك القانوني للمرافق العمومية، ما يستدعي تحويلها إلى هيئة مستقلة ذات صلاحيات معمقة تواكب التحديات المتجددة. إن هذا المقترح يمثل دعوة صريحة للتحول الجذري من معالجة الأضرار بعد وقوعها إلى تبني استراتيجية استباقية متكاملة للوقاية القانونية، بما يحمي المال العام، ويكرس احترام القانون، ويعيد بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، ويؤسس لمسار ديمقراطي حقيقي يرتكز على ربط المسؤولية بالمحاسبة. فهل تتوفر الإرادة السياسية والمجتمعية اللازمة لدعم هذا الإصلاح الحيوي، وتحويله إلى واقع ملموس يعزز دولة القانون ويصون المال العام؟