مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    البكوري: مهرجان تطوان أصبح علامة فنية دولية وسنظل داعمين للفعل الثقافي رغم الإكراهات المادية    فرنسا باغة تستغل الدفء لي رجع شوية للعلاقات بين باريس والرباط باش تدي صفقة مشروع مد الخط السككي فائق السرعة لي غيربط القنيطرة بمراكش    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية بسبب فلسطين    الدورة 27 من البطولة الاحترافية الأولى :الحسنية تشعل الصراع على اللقب والجيش الملكي يحتج على التحكيم    نهضة بركان يضع آخر اللمسات قبل مواجهة اتحاد العاصمة الجزائري    نصف ماراطون جاكرتا للإناث.. المغرب يسيطر على منصة التتويج    بلوكاج اللجنة التنفيذية مقلق نزار بركة.. غياب المثقفين وضعف التكنوقراط و"صحاب الشكارة" حاكمين لازون ديال حزب الاستقلال    شتا وثلوج مرتقبة طيح غدا فعدد من مناطق المملكة    نقابة مخاريق تطالب أخنوش بالطي النهائي لملف الأساتذة الموقوفين    انطلاق فعاليات مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مطالب بإحداث خط جوي دائم بين مطار العروي وفرانكفورت    قادمة من بروكسيل.. إفشال محاولة لإدخال هواتف غير مصرح بها    "خائف ومتوتر".. نتنياهو يخشى احتمال صدور مذكرة اعتقال بحقه من الجنائية الدولية    الجيش الجزائري يستبيح مجدداً دماء الصحراويين المحتجزين بتندوف    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    هل يهدد حراك الجامعات الأمريكية علاقات إسرائيل مع واشنطن في المستقبل؟    انتخاب نزار بركة بالإجماع أمينا عاما لحزب علال الفاسي    البطولة الوطنية الاحترافية.. ترتيب الأندية    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    نهضة بركان يستعد لمواجهة ضيفه الجزائري وهؤلاء أبرز الغائبين    رغم ارتفاع الأسعار .. منتوجات شجرة أركان تجذب زاور المعرض الدولي للفلاحة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارطة الطريق لتحصين المكتسبات الدستورية في محاربة الرشوة
نشر في اليوم 24 يوم 03 - 02 - 2015

تطرح السبل الكفيلة فالتصدي للرشوة والفساد عدة تعقيدات في بلادنا. في هذه الورقة يبسط عبد السلام أبودرار، رئيس «الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة»، الخطوات التي من شأنها أن تجعل الهيئة الوطنية للنزاهة تكون آلية لتحصين المكتسبات الدستورية
عبد السلام أبودرار: رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة
يؤكد النقاش الجاد والهادف، الذي لا يزال يتناسل حول مشروع قانون الهيئة الوطنية للنزاهة، حقيقة راسخة مفادها أن مكافحة الفساد توجد في صلب انشغالات الرأي العام، وأن البعد الوطني لهذه القضية أمر لا يمكن إغفاله في أية استراتيجية وطنية لمكافحة هذه الآفة.
وإذا كان الاختلاف حول سقف الصلاحيات الممكن تخويلها للهيئة المذكورة يشكل جوهر النقاش الدائر حول هذا المشروع، فإننا نؤكد أن مناقشة هذا السقف لا يمكن أن تتم بمعزل عن القراءة العميقة للوثيقة الدستورية، واستشراف آفاق تنزيلها تبعا لذلك، وهي القراءة التي نطرحها على أنظار المعنيين كالآتي:
الدستور الجديد والاقتناع بمبدأ التأطير الأفقي
من منطلق الاعتراف بالدور المحوري للتخليق ومكافحة الفساد في إرساء أسس التدبير الرشيد، قدم الدستور منظورا متكاملا لمطلب الحكامة الجيدة بمعناها الواسع، الذي يستوعب ضمن مكوناته ترسيخ مقومات النزاهة والشفافية والمساءلة، مع التنصيص على إحداث هيئة وطنية للنزاهة تضطلع، جزئيا أو كليا، بهذه المهام.
وبما أن الوثيقة الدستورية تشكل بنيانا متكاملا في مبادئها وأهدافها، فإن القراءة المتأنية في شمولية مقتضياتها المتعلقة بالحكامة تؤكد اقتناع المشرع الدستوري بضرورة ضمان التأطير الأفقي لمهام النهوض بالحكامة والوقاية من الفساد، من خلال صلاحيات الإشراف والتنسيق وضمان تتبع التنفيذ والمبادرة التي أوكلها للهيئة الوطنية للنزاهة، الأمر الذي يدفعنا إلى مساءلة هذه الصلاحيات التي اختارها الدستور لكي تنهض هذه الهيئة بالتأطير الأفقي لمهمة ترسيخ الحكامة والوقاية من الفساد.
الصلاحيات الدستورية الأفقية للهيئة
1 موضوعية الإحداث ضمن مقتضيات الفصل 36:
من المهم التأكيد في البداية على أن تنصيص الدستور على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة ضمن مقتضيات الفصل 36، الذي يتضمن مجموعة متنوعة من الأفعال والممارسات والتجاوزات اختيار يجد سنده في التجاوب مع توجهات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، التي اعتمدت منظورا مندمجا للوقاية تنضوي تحت مقتضياته مختلف مظاهر الفساد، سواء منها تلك المجرمة جنائيا، أو الأفعال الأخرى ذات الصلة بممارسة الوظائف العمومية، والمهام السياسية، ونشاط القطاع الخاص.
وبما أن الاتفاقية المذكورة وضعت هيئات مكافحة الفساد في موقع مركزي يؤهلها للاضطلاع بالمحاصرة الوقائية لمختلف مظاهر الفساد من منظور شمولي ومندمج، فقد جاءت الوثيقة الدستورية هي الأخرى مؤكدة لهذا التوجه عندما نصت على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة، في سياق استعراض مجموعة من الممارسات والتجاوزات، مُفصحة بذلك عن منظور متقدم لا لبس فيه، مفاده أن الفساد هو كل لا يتجزأ، وأن تمظهراته إنما هي إفرازات متنوعة لاختلالات الحكامة التي يتعين معالجتها وفق رؤية مندمجة يسهر عليها إطار مؤسسي مؤهل للاضطلاع بهذا الدور.
ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يُفَسَّر هذا التوجه بأنه يكرس نوعا من التطاول على صلاحيات مؤسسات أخرى على رأسها مجلس المنافسة أو المجلس الأعلى للحسابات أو السلطة القضائية، لأن تدخل الهيئة الوطنية للنزاهة إنما ينصب على الجانب الوقائي الذي يتطلب الإحاطة بالظاهرة، ورصد مختلف تجلياتها، وتقييم مجهودات مكافحتها، والتقدم بتوصيات لمحاربتها، والوقاية منها، دون الانصراف نحو ضبطها ومراقبتها ومتابعتها التي تبقى صلاحيات محفوظة للمؤسسات المذكورة بمقتضى الدستور والنصوص القانونية ذات الصلة.
لكل هذه الاعتبارات، كان حريا بالنص القانوني للهيئة الوطنية للنزاهة أن يتفاعل إيجابيا مع هذا الاختيار الدستوري، من خلال التنصيص على أن مفهوم الفساد المشمول بتدخل الهيئة يتضمن جميع أشكال المخالفات والانحرافات والممارسات المنصوص عليها بمقتضى الفصل 36 من الدستور، وتدخل ضمنها على الخصوص الأفعال المجرمة بمقتضى القانون الجنائي، وقانون شركات المساهمة والشركات التجارية الأخرى، والقوانين المتعلقة بالحياة السياسية، ومختلف القوانين المتعلقة بالممارسات الاقتصادية والتجارية والمالية، وكذا الأفعال المنصوص عليها بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادقت عليها المملكة.
2 لتثبيت البعد الاستراتيجي لسياسات مكافحة الفساد:
بخصوص صلاحيتي الإشراف والتنسيق المخولة دستوريا للهيئة، انسجاما مع مقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، يتبين من خلال استقراء مضامين الدليل التقني المتعلق بهذه الاتفاقية أن هاتين الصلاحيتين مسندتان للهيئة من منطلق الدور المنتظر منها، في مسار إعداد وتنسيق وتتبع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد المتعين وضعها عملا بمقتضيات المادة الخامسة من الاتفاقية الأممية.
ومن المهم الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذا التوجه يعكس اقتناع المنتظم الدولي بضرورة إدراج مكافحة الفساد ضمن منظور استراتيجي يضمن إرساء سياسة منسقة ومندمجة ذات أهداف مرسومة، وقابلة للتتبع والتقييم تعتمد المواصفات الأساسية للتخطيط والبرمجة، وتنبثق عن مقاربة تشاركية تنخرط في تفعيلها جميع الإدارات والهيئات وفعاليات المجتمع.
وفق هذا المنظور، أوكلت الاتفاقية الأممية لهيئات مكافحة الفساد، في نطاق هذه الاستراتيجية، مهمة وضع وترويج الممارسات الرامية إلى الوقاية من الفساد، وإصدار توصيات لتشريعات في الموضوع، وإبداء الرأي وجوبا في التشريعات ذات الصلة قبل إصدارها، واتخاذ التدابير الملائمة لتنسيق العمل مع الهيئات الأخرى، وضمان التوصل إلى توافقات متوازنة في هذا الشأن.
وبما أن حدود ولايات الهيئات في هذا الشأن خيار تركته الاتفاقية للدول الأطراف اعترافا منها بضرورة استجابة هذه الهيئات للأنظمة المحدَّدة والظروف السائدة في كل بلد، فإن تثبيت الدستور لهاتين الصلاحيتين للهيئة الوطنية للنزاهة يكتسب وجاهته من الاقتناع بالبعد الاستراتيجي لسياسات مكافحة الفساد، ومن الموقع المؤثر الذي ينبغي أن تضطلع به هذه الهيئة في إذكاء الدينامية المطلوبة في هذه الاستراتيجية، مع ما يقتضيه الأمر من ضرورة مراعاة الخصوصيات المحلية لمنظومتنا المؤسسية.
على هذا الأساس، كان خليقا بمشروع قانون الهيئة أن يعمل على التصريف الملائم للاختيار الدستوري المتعلق بصلاحية الإشراف، من خلال التنصيص بشكل خاص على اضطلاع الهيئة باقتراح توجهات الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الفساد، ولزوم إبداء الرأي، بمبادرة أو بطلب، بشأن مشاريع القوانين والمراسيم ومقترحات القوانين ذات الصلة، وإصدار توصيات من أجل ملاءمة التشريع الوطني مع المعاهدات الدولية في الموضوع، ومن أجل تعزيز دور الرقابة والتفتيش والمساءلة، واقتراح التدابير لتحسين أساليب معالجة الشكايات، والنهوض بنجاعة آليات التبليغ عن الفساد.
وبالنسبة لصلاحية التنسيق، كان مهما جدا التنصيص على تنسيق الهيئة مع الجهات المعنية في جمع ونشر المعلومات المرتبطة بظاهرة الفساد، ووضع وتدبير قاعدة المعطيات المتعلقة بها، والمساهمة، بتنسيق مع السلطات المختصة، في التفاوض بشأن مشاريع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وفي تفعيل أحكامها، وفي إعداد التقارير والاستبيانات المتعلقة بها، وفي تنسيق العلاقات مع الآليات الخاصة المنبثقة عنها.
3 تموقع الهيئة ضمن هيئات الحكامة والتقنين:
بالنسبة لصلاحية ضمان تتبع تنفيذ سياسات مكافحة الفساد المخولة دستوريا للهيئة، من المهم الإشارة إلى أنها تمثل المنطلق المرجعي الذي جعل المشرع الدستوري يصنف الهيئة الوطنية للنزاهة ضمن هيئات الحكامة الجيدة والتقنين، التي تضم، بالإضافة إلى الهيئة، مجلس المنافسة والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.
ومن المناسب التذكير في هذا السياق بقرار المجلس الدستوري الذي أقر بأن الدستور أسند للمجالس والهيئات الثلاث المشار إليها فيما سبق النهوض بمهام مقررة دستوريا، تنطوي على صلاحيات الضبط أو التقنين أو الرقابة أو تتبع التنفيذ، وهو ما يميزها عن باقي الهيئات والمجالس ذات الصلاحيات الاستشارية الواردة بدورها في الدستور.
واضح إذن مما سبق أن الدستور بتخويله الهيئة صلاحية ضمان تتبع التنفيذ يتطلع إلى تمكينها من آلية قانونية لممارسة نوع من الرقابة المعنوية على الإنجاز الفعلي لسياسات مكافحة الفساد، خاصة عبر وظيفة تقييم المجهودات المبذولة، وتتبع تفعيل التوصيات الصادرة، وامتلاك الحق في معرفة المآلات.
والأمر الأكيد هو عدم تنافي اضطلاع الهيئة بهذه الوظائف مع صلاحية السلط المعنية في تقييم منجزاتها وأعمالها؛ بل إن المطلب المتعارف عليه في هذا المجال، وفي عدة مجالات أخرى، يقتضي اللجوء إلى جهة خارجية يكتسب التقييمُ والتتبع من خلالها وجاهتَه ومشروعيتَه.
والوثيقة الدستورية بتبنيها لهذا الاختيار تتجاوب بشكل كبير مع مقاصد الاتفاقية الأممية التي جاءت مؤكدة على تولي هيئات مكافحة الفساد لمهام استعراض التنفيذ، والتقييم الدوري للتدابير ذات الصلة، والقيام بعمليات تقييم أو تفتيش للمؤسسات، وتلقي تقارير المراجعة والتحقيقات، مع ما يقتضيه كل ذلك من تخويلها حق الحصول على المعلومات والوثائق والإفادات.
من منطلق الاقتناع بوجاهة هذا الطرح، كان جديرا بمشروع القانون أن يتضمن مقتضيات تكرس حق الهيئة في تقييم وتتبع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتقييم نجاعة الآليات المؤسسية، والإجراءات والمساطر، وفعالية نظم وآليات التبليغ، وتقييم التقارير ذات الصلة الصادرة عن الهيئات الوطنية أو الدولية.
كما كان أمرا مجديا تثبيت حق الهيئة في تتبع مفعول توصياتها واستشاراتها، بالتنصيص على موافاتها من طرف مختلف الإدارات بمآل توصياتها ومقترحاتها وآرائها، وتعليل عدم الأخذ بها عند الاقتضاء.
4 وجاهة تكامل الوقاية والمكافحة:
من منطلق الاقتناع بتكامل آليتي الوقاية والمكافحة في أية سياسة للنهوض بالحكامة ومحاربة الفساد، اعترفت المقتضيات الدستورية للهيئة الوطنية للنزاهة بصلاحية المكافحة، من خلال التسمية التي أضيف إليها منطوقا ومقصودا مصطلحُ «المحاربة»، ومن خلال تخويلها صلاحية «المبادرة» التي تجد تجلياتها في عدة ممارسات على رأسها المبادرة بمواجهة أفعال الفساد.
وجدير بالتذكير أن هذا الاختيار تُسنده، بالإضافة إلى مقتضيات المادتين 6 و36 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، التعليماتُ الواردة ببيان الديوان الملكي بتاريخ فاتح أبريل 2011 التي حسمت في الاختيار الأمثل لصيغة المكافحة التي يتعين تخويلها للهيئة المرتقبة، بالتأكيد على منحها صلاحية التصدي المباشر لجميع أشكال الفساد.
إن ترجمة هذا التصدي إلى ممارسة عملية يقتضي توفر الهيئة على أهلية القيام، بشأن ما يصل إلى علمها من وقائع قد تشكل أفعال فساد، بعمليات محددة بشكل حصري في الاطلاع على كافة الوثائق أو المستندات، ومعاينة المواقع، والاستماع إلى الأشخاص، وإثبات ما يُنجَز من أعمال في محاضر موقعة، مع أداء اليمين القانونية، والالتزام بواجب كتمان السر المهني، تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها؛ علما بأن عمل الهيئة في هذا الصدد يتوقف عند حدود الإحالة على الجهات المعنية لممارسة الاختصاصات المخولة لها.
ولتبديد ما قد يبدو من تداخل للاختصاص مع مهام الشرطة القضائية في هذا الشأن، لا بد من التوضيح بأن الصلاحيات المذكورة ليست حصرية على هذا الجهاز، بل سمح المشرع بإسنادها كليا أو جزئيا لهيئات أخرى، وفق ما نصت عليه مقتضيات المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية، وكرسته المادة 27 التي نصت على أن بعض مهام الشرطة القضائية المسندة لموظفي وأعوان الإدارات والمرافق العمومية بمقتضى نصوص خاصة تُمارَس وفق الشروط وضمن الحدود المبينة بهذه النصوص.
وفي هذا الصدد، يكفي الاطلاع على المقتضيات القانونية الخاصة ببعض الهيئات للتأكد من أن وجود ضباط للشرطة القضائية يضطلعون بالقيام بالمهام المخولة لهم لم يقف حائلا دون إحداث مأمورين تابعين لهذه الهيئات يمارسون هم أيضا نفس هذه المهام.
إن النهوض بقدرات الهيئة المرتقبة للاضطلاع بفعالية بالمهام المذكورة يقتضي تثبيت حقها في الولوج والإطلاع على كافة الوثائق والمعلومات والمستندات دون أدنى قيد من شأنه أن يجعلها رهينة الحصول على ترخيص من طرف مختلف الإدارات والهيئات، أو الاعتراض على أعمالها والاحتجاج بالسر المهني في مواجهتها.
آليات إلزامية
كما يستدعي مواجهة الحالات المحتملة لعدم التجاوب مع صلاحياتها من طرف الإدارات أو الأشخاص المعنيين بتحرياتها، وذلك بإعمال آليات إلزامية تستنهض مسؤولية رئيس الحكومة لاتخاذ ما يلزم لمنع كل سلوك قد يعرقل اضطلاعها بمهامها، وتفتح الإمكانية للهيئة لرفع تقارير للنيابات العامة في دائرة اختصاصها قصد اتخاذ الإجراءات الملائمة لضمان استجابة الأشخاص المعنيين بتحرياتها.
ويستوجب تعزيز قدرات الهيئة أيضا في هذا المجال تمكينها من صلاحية القيام، بالتعاون مع الضابطة القضائية والهيئات الرقابية، بتحريات مشتركة أو انفرادية، بما يسمح بتكثيف التعاون وضمان تناسق الأدوار بين مختلف الأجهزة والهيئات العاملة في مجال مكافحة الفساد.
ولتثبيت حق الهيئة في معرفة مآل تحرياتها، من المهم التنصيص على مبدأ إخبارها من طرف النيابات العامة بالإجراءات المتخذة بشأنها، وتعليل قرارات الحفظ المخول لها، بما يتجاوب مع حقها الدستوري في «تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد».
ولا ينطوي هذا المطلب على أي تدخل في صلاحيات السلطة القضائية، لأن الهيئة تصبح بمقتضى الإحالة طرفا معنيا ينتظر معرفة المآل لإبلاغ المعنيين الأصليين به. ومن العبث أن تقوم مؤسسة دستورية بإحالة قضايا دون أن يكون لها الحق في معرفة مآلها، على خلفية اعتقاد خاطئ بحصول تدخل في عمل السلطة القضائية، علما أن الهيئة مقيدة بواجب التحفظ وكتمان السر المهني.
والشيء نفسه ينطبق على مطلب تعليل قرارات الحفظ المخول للنيابات العامة، لأنها تعتبر قرارات إدارية بمقتضى قرار المجلس الأعلى في الموضوع، ما يجعلها خاضعة للقاعدة العامة المتعلقة بالتعليل، علما أن تعليل قرارات الحفظ مبدأ كرسته مدونة المحاكم المالية بالنسبة للقضايا المحالة عليها من طرف السلطات التي تمتلك صلاحية الإحالة عليها، كما أنه أصبح واقعا ملموسا في الكثير من التشريعات الدولية التي تضمن الحق في معرفة المآل، وتلزم النيابات العامة بذكر الأسباب القانونية أو الملائمة لهذا القرار، إضافة إلى ضمان حق المعنيين في الطعن في قرار النيابة العامة، وذلك باللجوء إلى النائب العام في حالة عدم الرضا عن قرار الحفظ المتخذ.
توفر المقومات المذكورة، إذن، سقفا يضمن للهيئة المرتقبة ممارسة صلاحية المكافحة بشكل يتجاوب بفعالية مع التبليغات والشكايات والتفاعلات المعلنة للفساد في إطار الاحترام التام لصلاحيات السلطات الأخرى، وبعيدا عن التأسي ببعض الهيئات الدولية المماثلة التي خولتها قوانينُها صلاحيات الملاحقة والتحقيق في الثروات، ومنع تحويل الأموال والممتلكات موضوع الجريمة أو التصرف فيها والالتزام بحماية المشتكين والمبلغين.
لقد كان موقفنا واضحا في عدم مجاراة هذا الاختيار الذي نهجته بعض الدول، وذلك من منطلق الاقتناع بأن هذه الصلاحيات تشكل جزءا لا يتجزأ من اختصاصات السلطة القضائية التي تمارسها من منظور مبادئ وحدة العدالة وقرينة البراءة، وضمانات المحاكمة العادلة التي تميز، داخل الممارسة القضائية، بين سلطة المتابعة وسلطة التحقيق وسلطة الحكم، الأمر الذي لا يمكن توفره لدى الهيئة الوطنية للنزاهة.
وإذا كان تفاعلنا الموضوعي مع السقف الحقوقي الخاص بقواعد المحاكمة العادلة، خاصة ما يتعلق منها بتحصين قرينة البراءة هو الذي يلزمنا بعدم تجاوز عمليات الرصد والتحري ما قبل القضائي، فإن إيماننا بضرورة مكافحة الإفلات من المتابعة والعقاب، خاصة في جرائم الأموال، هو الذي يجعلنا نطالب بتمكين الهيئة المرتقبة من مقومات الاشتغال التي تضمن لها انخراطا إيجابيا في الجهود المبذولة لمواجهة هذه المعضلة.
إن ما يقوض الثقة في العدالة هو عدم قدرتها على اقتياد المفسدين نحو ساحات الإدانة والزجر؛ وهذا ما دفع المنتظم الدولي، عبر الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، إلى إقرار مقتضيات تروم بشكل خاص تمديد أو إلغاء التقادم ورفع الامتيازات والحصانات وتجريم التطور غير المبرر للثروة.
ونحسب أن الوثيقة الدستورية سارت في الاتجاه نفسه عندما جاءت لتشدد على آليات زجر العديد من الانحرافات، وتُثَبِّت مبدأ إلغاء الامتيازات، وتعزز سلطة القضاء وصلاحيات المحاكم المالية، وتحدث هيئات للحكامة، مؤكدة بذلك حقيقة واقعية مفادها أن تدبير الشأن العام لا يمكن أن يوفر فرصا للاغتناء غير المشروع وتحقيق المصالح الذاتية، وأن التعاطي للفساد من شأنه أن يشكل مجازفة محفوفة بالمخاطر وذات تكلفة باهظة للمفسدين على شتى المستويات.
نخلص إلى القول إن المقومات المطلوبة لنهوض الهيئة الوطنية للنزاهة بصلاحياتها الدستورية لن تجعل منها استثناء داخل ممارسة تدبير الشأن العام، ولا إطارا يعلو على هياكل البنيان المؤسسي الوطني، بل هي مقومات أخذت مكانتها المناسبة داخل هذا الصرح كهيئة تتمتع بالحد الأدنى من قدرات تصريف الصلاحيات الأفقية المخولة لها بمقتضى الدستور.
وحيث إن هذه المقومات لا تنطوي على أي تطاول على صلاحيات السلطات الأخرى، أو أي انتهاك لمجال سيادتها كما سبق بيانه، فإن الإقرار بمشروعيتها ووجاهتها يصبح مطلبا حتميا، ويدفع بالتالي إلى التأكيد على أن التجاوب الموضوعي معها سيشكل نبراسا مضيئا نهتدي به كي لا نَضِلَّ السبيل في فهم وتنزيل المقتضيات الدستورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.