عن بيت الشعر في المغرب صدر حديثا للكاتب المغربي مبارك أباعزي دراسة نقدية بعنوان "الشعرية الأمازيغية الحديثة؛ علي صدقي أزايكو أنموذجا، وهي دراسة سعى الباحث من خلالها إلى "بناء تصور للشعرية الأمازيغية تسهم به في بناء تصور للشعرية في كل اللغات. فاللغة الأمازيغية، مثل غيرها من لغات العالم، كُتب بها كمّ هائل من النصوص الشعرية يصعب حصره بسبب طابع الشفوية الذي هيمن عليها لزمن طويل جدا، ولذلك فالشعر الأمازيغي يستحق، كغيره، أن يلفت اهتمام الباحثين ونقاد الأدب لدراسته من جوانبه المختلفة". وقد ركز الباحث مبارك أباعزي لبناء تصور شامل لشعرية الشعر الأمازيغي على مظاهر ثلاثة يراها أساسية في الشعر، أي شعر، وهي التناص، والانزياح، ثم الانسجام. اتخذ الكاتب مبارك أباعزي الشعر المغربي المكتوب بالأمازيغية موضوعا لدراسته النقدية؛ مصنفا هذا الشعر إلى شعر الكتابة، وشعر الحداثة الصوتية- الدلالية، وشعر الحداثة الدلالية، ومركزا على تحليل هذا الصنف الأخير الذي اختار تجربة علي صدقي أزايكو الشعرية نموذجا له، واعتمد في تحليله على منهج "الشعرية"، الذي تتبع مختلف تصوراته عند النقاد العرب والغربيين على حد سواء. تتوزع الدراسة إلى ثلاثة فصول، تناول الباحث في كل فصل مظهرا من مظاهر الشعرية الثلاثة السابقة، حيث خصص الفصل الأول لما سماه ب"شعرية التناص"، والتي تتمثل في تفاعل الشعر مع شبكة نصوص ذات مصادر ثقافية مختلفة، واعتبار خلوّ النص الشعري من هذه النصوص يفقده جزءا من شعريته، وتتأسس شعرية التناص في نظر الكاتب على مستويات ثلاثة؛ مستوى الدلالة، ومستوى الشكل، ومستوى الوظيفة، وتوصل الباحث إلى "أن التناص إحدى ركائز شعرية الشعر الرئيسية؛ ذلك أن قرض الشعر يقتضي تمكن الشاعر من أدواته الفنية التي لا يمكن امتلاكها إلا باطلاعه على ما كتب قبله من شعر. وإذا كان ذلك مما يساعد الشاعر على تطوير وسائله الفنية وإنماء قدراته الشعرية، ويؤدي في آخر المطاف إلى تجويد منجزه الشعري، فإنه يخلق متعة مضاعفة لدى المتلقي، إذ يبدو أن عثور المتلقي على النصوص التي استبطنها من قراءاته المختلفة في النصوص الشعرية التي يطلع عليها يخلق في نفسه متعة خاصة أحدُ مظاهرها اكتشافه لتقاسمه مع الشاعر للمرجعية الثقافية ذاتها". وأفرد الفصل الثاني لما أطلق عليه "شعرية الانزياح"، التي تتجلى في تفاعل لغة الشعر مع اللغة العادية، فالأولى تتجه دوما في الاتجاه المعاكس للغة النثر، فحيثما توافرت عناصر النظام في لغة النثر تحوله لغة الشعر إلى عناصر الفوضى، وحيثما كانت هناك فوضى تحوله لغة الشعر إلى نظام؛ وتقوم شعرية الانزياح على جوانب ثلاثة حددها الباحث في الجانب الصوتي، والجانب الدلالي، ثم والجانب التركيبي، وخلص الباحث إلى أن الشاعر علي صدقي أزايكو "نال قصب السبق إلى شق طريق جديدة في التعبير الشعري، فقد صاغ قوالب فنية جديدة لم يُسبق إليها، خصوصا حين ثار على خصائص الشعر الشفوي الفنية، بما كانت تستضمره من بساطة في اللغة والمعاني والتراكيب وتكرير الرموز والأساليب الفنية. كما أن الرجل حافظ، ما أمكن، على الخصائص الإيقاعية، الوزن منها على وجه الخصوص، التي كان يعتبرها معلما مهما من معالم الشعرية التي لا ينبغي إهمالها دون مبررات معقولة. أما الفصل الثالث فتناول في الباحث ما سماه ب"شعرية الانسجام"، والتي تكمن في إشاعة الشعر لمظاهر الانقطاع في بنيته السطحية، لكنه، في بنيته العميقة، يتضمن كافة العناصر الكفيلة بتحقيق انسجامه، وشعرية الانسجام هذه هي الأخرى تنهض على مستويات ثلاثة؛ مستوى الانقطاع الدلالي، ومستوى الانسجام الدلالي، ومستوى الانسجام التداولي. وانتهى الباحث إلى "أن الشعر يُظهر الانقطاع في بنيته السطحية، فيما يخفي الانسجام في بنيته العميقة، ومن ثمة يختلف الشعر عن النثر في كيفية انسجامه؛ فالنثر منسجم في ظاهره وباطنه معا، فيما ينقطع الشعر في ظاهره وينسجم في باطنه". إن هذه الدراسة تشكل عملا نقديا رصينا في مجال النقد الأدبي الأمازيغي، يؤسس للشعرية الأمازيغية، وينضاف إلى ما كان متوافرا من دراسات في مجالات الأدب المغربي عموما، كما أنها تكشف عن أهمية المواكبة النقدية التي يستحقها المنجز الشعر الأمازيغي، خاصة وأن هذا الأخير يعرف تراكما إبداعيا جديرا باهتمام الباحثين ونقاد الأدب لدراسته من جوانبه المختلفة.