علاوة على تأطير التدخل بالقانون، كان في التوضيح الصادر عن المصدر الأمني الكثير من الحقائق التي دافعت عن الأمن كما دافعت عن المتجمهرين في الوقت نفسه، من خلال تبرئتهم من إصابة رجال الأمن أو من إلحاق خسائر بالممتلكات الخاصة أو العمومية. منذ اللحظة الأولى قلنا إن الحكومة ستختار الهروب. كل ما هو جميل تنسبه لنفسها، وما هو "خايب" يُترك للملك والأمن. وهي حقيقة قالها الملك نفسه في خطاب 2017، وأصبحت عتبة لفهم مجريات المسؤولية وحقيقتها في المغرب السياسي الراهن، واستوجبت في مرحلة سابقة "زلزالا سياسيا"، حتى إن المغاربة أصبحوا يطالبون بأن يظل الزلزال هو أسلوب الحكم في مرحلة الانطلاقة نحو مغرب السرعة الواحدة. على كل، ما نريده هو فهم مواقف ومواقع الأمن في المغرب الجديد، ومغرب التظاهرات. لقد صدق ما قلناه بأن الأمن خرج أولا ليُوضح، بالقانون ومبدأ المسؤولية، مهمته في تدبير الاحتجاجات، وأيضا ليقيم قواعد التعامل مع شباب خرج من كهوف الإنترنت وعوالم الافتراضي إلى الواقعي. وضع الأمن عناوين دالة في ثنايا التوضيح: "مقاربة متوازنة بدون تفريط ولا إفراط"، "البروتوكولات الأمنية الاعتيادية"، "الوحدات التي لم تكن مجهزة بأي من الأسلحة الوظيفية أو وسائل التدخل الاعتيادية"، "ضمان سلامة عناصر القوة العمومية والمتجمهرين"، "استجابات دون أي عنف أو مقاومة، وأحيانا بالابتسامات و"السيلفي"، "رفض قلة من المتجمهرين"، "لم يتم تسجيل أي إصابات جسدية أو عنف في حق المتجمهرين أو عناصر القوات العمومية"، "لم تُسجل أية خسائر مادية بالأملاك الخاصة بالمواطنين أو بالممتلكات العامة". ومن الأشياء التي لها دلالات قوية هو التوضيح بأن المبدأ الصارم يتمثل في أن "القوات العمومية لا يمكنها أن تتسامح مع دعوات تحريضية مجهولة لا تعرف مصدرها ولا الجهة التي تدعو إليها ولا الخلفيات الحقيقية التي تتحكم فيها". في الواقع، لا يمكن أن نلوم الأمن على محددات قراره، فليس مطلوبا منه حسن النية في الدعوات التي تصدر، ولا مطلوبا منه أن يترك الحبل على الغارب في احتجاج فاجأنا جميعا. ويمكن أن نخلص بعجالة إلى القول إن الذين يدافعون عن تحرك بلا أي تدخل أمني مشروع، عليهم أن يعملوا من أجل جيل جديد من القوانين، التي تُجيز الخروج بدون جهة معلنة تتبناه. غير ذلك لا يمكن الاكتفاء بالمبدأ في مطلقه. أين يمكن أن نضع شبكة لقراءة سلوك الأمن بدون وضعها في سياقها المغربي؟ أي على ضوء حقيقة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها وليس غير ذلك. المحتجون يتحركون بما يعتبرون أن بلاغة الدستور تسمح به، وهو حرية التظاهر والاحتجاج. فهم لا يؤسسون لتمرد (émeute) ولا يؤسسون لثورة. هناك ديناميات متعددة ومعقدة، بعض الأحيان تبدو متناقضة، لاسيما من خلال من يدافع عنها: دينامية فيها شباب يحمل مطالب اجتماعية ليست بسيطة، ما دامت تُخرج الناس إلى الشارع، وليست بسيطة ما دامت تُبين عجز السياسات العمومية، لكنها مطالب شرعية. في المقابل، لا حوار ولا تفاعل حكومي. الظاهر أن الأمن يواجه بقناعة قانونية وبوسائل الردع الواضحة، بعيدا عن القمع كما نعرفه نحن جيل ما قبل "زيد" (جيل "عمرو"). كل المعتقلين، أو أغلب المعتقلين في الحركات السابقة، شباب غير معروف ولا زعامة لهم. وعند قراءة توضيحات الناطق باسم المؤسسة الأمنية، والذي ننشره في العدد الحالي، نجد أن الجهة المتكلمة اختارت قاموسا تفسيريا، وقاموسا يستند إلى تعليل القانون ولا غير. وقاعدته هي أن "الدعوة صدرت عن جهة مجهولة". وهو أمر حقيقي، بالرغم من أن الشباب مغربي ولم يعد مجهولا عندما خرج، وقضاياه مغربية ولم تكن مجهولة قبل أن يخرج. كما أن غضبه ليس مجهولا ولم يكن في حاجة إلى جهات مجهولة ليخرج إلى السطح. نفهم أن الأمن الذي وجد نفسه في الشارع العام أمام نشاط احتجاجي شبابي صادر عن جهة مجهولة، كما سماها، كان عليه أن يتصرف من هذا المنطق. والحقيقة أنه ما كان له غير ذلك، لأنه لا يمكن أن تصدر نداءات بالخروج إلى الشارع ويظل هو غائبا عن مبرر مهمته أصلا. تصرف بما يليق في قاعدة القانون. وعلى قاعدة القانون يجب النظر إلى تدخله، في غياب ما لم يصبح بعد تقنينات وتشريعات. الشباب مطالبهم مشروعة، ولكنها تبحث عن حلول سحرية سريعة للخلاص الترابي والاجتماعي المهول، والذي برز بشكل أكبر مع سوء الاختيار في المسؤوليات. والحقيقة التي لا بد منها، بالرغم من محاولات التحريف، هي أن الشباب لم يخرج من أجل مواجهة دولة "القمع"، كما يقول الكثير من المتعهدين لخطاب من هذا القبيل، ولا من أجل مواجهة الدولة البوليسية، كما قد يروج لها المغرضون الذين يختبئون خوفا من المسؤولية. الذين خرجوا فعلوا ذلك من أجل الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، والأمن لا يمكن أن يقدم أجوبة، وليست مهمته أن يقدم أجوبة عن هذه القطاعات. الذي كان يجب أن يخرج هم المسؤولون عنها، ولم يفعلوا، ولا يبدو أنهم سيفعلون ذلك قبل أن يطمئنهم الأمن. لحد الساعة ما زالت الحكومة مختبئة في جلابيب صمتها. فجاءت القرارات التي تلوتها كلها: البرلمان، الجهات والمجالس تعطلت لصالحها، مقابل أنها ربطت علاقات توترية مع الوساطات الأخرى: المجلس الوطني، الوسيط، المجالس والمندوبيات.