الخليج يثمن جهود الملك محمد السادس ولجنة القدس في دعم القضية الفلسطينية    الشيخي القيادي ب"العدالة والتنمية" يوجّه رسالة شديدة اللهجة لوهبي ويتهمه ب"الإساءة للبرلمان وانحدار الخطاب السياسي"    المديرية الإقليمية للعدل بالحسيمة تنظم حفلا لتوشيح موظفين بأوسمة ملكية شريفة    الجامعة الحرة للتعليم تطالب برادة بتسوية مستحقات مفتشي الشؤون المالية وتزويدهم بالحواسب المحمولة    تأجيل محاكمة الناشطة سعيدة العلمي إلى 10 دجنبر الجاري    الصحراء المغربية... عنوان توافق خليجي لا يتغير عبر السنين    التشريع على المقاس... حينما تتحول الأغلبية الحكومية إلى أداة طيعة في يد اللوبيات    المصانع المغربية ترفع إنتاجها وثلثها يواجه مشاكل في جلب المواد الأولية    الرباط ومدريد تتبادلان الإشادة بالدينامية التي تميز العلاقات الاقتصادية بين البلدين    خط مباشر بين البيضاء ولوس أنجلوس    مشاهير عالميون يطالبون إسرائيل بإطلاق سراح القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي    وقفة احتجاجية في المحمدية للتنديد بانتهاك إسرائيل لاتفاق وقف النار بغزة    إصابتان في معسكر "المنتخب الوطني" بقطر..    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    كيوسك الخميس | مشروع قانون المالية لسنة 2026.. التوجه نحو الدولة الاجتماعية    رصاصة تحذيرية توقف أربعيني أحدث فوضى قرب مؤسسة تعليمية باليوسفية        الصين: مدينة ايوو تسجل رقما قياسيا في حجم التجارة يتجاوز 99 مليار دولار    من مدريد.. أخنوش يطرح رؤية طموحة للربط بين إفريقيا وأوروبا عبر بوابة المغرب وإسبانيا    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    من الكروج إلى داحا.. أربعة عمال تعاقبوا ومحطة الطرقية الجديدة ما تزال مغلقة    طنجة تكبر في الصور... وتتراجع في الواقع: عمدة يطارد الأضواء ومدينة تبحث عمّن يدبّرها    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    لقجع يعرض مستجدات تحضيرات "كان 2025" أمام السفراء الأفارقة بالرباط    ريال مدريد يمطر شباك بلباو في الدوري الإسباني    فرنسا تطالب الجزائر بالإفراج عن صحافي    صراع الأندية والمنتخبات يعود.. بنعطية يوضح موقف مارسيليا من "كان 2025"        العراق يفتتح مشواره في كأس العرب بفوز مهم على البحرين    كأس العرب .. أسود الأطلس يستعرضون قوتهم بثلاثية في شباك جزر القمر    تعزيز التعاون السياحي محور مباحثات بين عمّور والسفيرة الصينية بالمغرب    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي        كأس العالم 2026… أبرز تفاصيل نظام القرعة    سجن العرجات: محمد زيان يشتري مواد غذائية بانتظام ولا يعاني أي تدهور صحي    مراكش : العرض العالمي الأول لفيلم الست لمروان حامد    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    انحراف قطار بضائع بين طنجة والدالية يتسبب في اضطراب مؤقت لحركة السير السككي    المدينة الحمراء : من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات .. ألف عام من الفرجة!    شكري في ذكرىَ رحيله.. وعزلة بُول بَاولز في طنجة وآخرين    "تبّان كقناع".. ظهور غريب لعمر لطفي في مراكش يثير جدلا واسعا    التعب أثناء السياقة يضاهي تأثير تناول الكحول        يسرا : فخري الأكبر هو الرصيد الفني الذي ستتناقله الأجيال القادمة    مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    أمريكا تعلّق جميع طلبات الهجرة لرعايا 19 دولة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الاتحاد الأوروبي يطوق الغاز الروسي    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    إسرائيل تتوصل برفات غير مطابق    سامسونغ تُفاجئ العالم بهاتف ثلاثي الطي .. والسعر يصدم الجميع!    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشريع على المقاس... حينما تتحول الأغلبية الحكومية إلى أداة طيعة في يد اللوبيات

لم يعد الحديث عن التشريع على المقاس مجرد اتهام تتبادله الأطراف السياسية، بل أصبح واقعا ملموسا يفرض نفسه مع كل مشروع قانون يخرج من الحكومة نحو البرلمان. فمع تكرار الفضائح السياسية في السنوات الأخيرة، يتضح أن السلطة التشريعية أصبحت أداة لخدمة مصالح مجموعات نافذة أكثر من كونها وسيلة لتحقيق الصالح العام وبناء دولة القانون.
في الديمقراطيات الحديثة، قد يكون لجماعات الضغط دور مشروع ضمن حدود معينة، لكن الفارق بين التأثير المشروع والتحكم الفجّ يختفي حين تتحول المصالح العامة إلى مجرد غطاء لتلبية رغبات فئات محددة. هذا الواقع أصبح ملموسًا في المغرب، حيث يمرّ كل نص قانوني تقريبًا وفق مصالح لوبيات اقتصادية وسياسية، بعيدًا عن انعكاسات تلك القوانين على المواطنين.
وقد مثّل التعديل الذي قدمته الأغلبية على مشروع قانون التأمين نموذجًا صارخًا لهذا النهج، إذ بدا صيغًا لإرضاء شركات التأمين على حساب المصلحة العامة، وهو ما دفع الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية إلى اعتباره تشريعًا على المقاس. تصدت المعارضة الاتحادية لهذا التعديل دفاعًا عن مصالح المواطنين، وليس لتصفية حسابات سياسية كما حاول الناطق الرسمي باسم الأغلبية تصويره خلال الجلسة العامة. فهذا الدور الرقابي هو جوهر وظيفة أي فريق معارض، إذ يقتضي مواجهة السياسات التي لا تخدم الصالح العام، بينما الطرف المدافع عن التشريع على المقاس مطالب بإثبات العكس أمام الرأي العام، لإظهار أن ممارساته لا تكرس مصالح فئات محدودة على حساب المواطنين.
لكن ردّ الأغلبية لم يكن أقل جدلاً، حين اختار ناطقها الرسمي نعت المنتقدين ب"الفراشية السياسية"، مصطحبًا تشبيهًا بين ما أسماه «فراقشية اللحوم» و»فراقشية السياسة» في إشارة إلى المعارضة. هذا التطرق لمصطلح الفراقشية وقيام الناطق بهذا التشبيه لم يكن مجرد هجاء لفظي، بل يمثل اعترافًا ضمنيًا بوجود الواقعة التي طالبت المعارضة بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وهو الاقتراح الذي رفض حزبه الانخراط فيه. وهنا يكمن التناقض الصارخ: فهو ينفي فعليًا أي وجود للواقعة أو مسؤولية حزبه، لكنه بنفس الخطاب يقرّ ضمنيًا بوقوعها، مسقطًا نفسه في تناقض واضح لم يدركه حين حاول تبرير الموقف.
لقد بات من المؤكد أن الأغلبية الحكومية، التي تدعي الانسجام رغم أن الواقع يكذّب ذلك، تظهر توافقا كاملا فقط حين يتعلق الأمر بالدفاع عن مصالح اللوبيات. أي خلافات أو تناقضات داخلها تختفي تمامًا عندما تكون مصالح هذه الفئات الضيقة على المحك، ما يعكس بوضوح أن أولوياتها ليست في خدمة المواطنين، بل في حماية مصالح داعميها الاقتصاديين والسياسيين.
خطورة الموقف تكمن في أن أغلبية حكومية تسيطر على البرلمان تتكفل بالدفاع عن تعديل يخدم مصالح شركات بعينها. هذا السلوك لا يمثل مجرد تحيّز سياسي، بل يشير بوضوح إلى تضارب مصالح، لا يقل خطورة عن الاستفادة المباشرة لبعض الشركات المرتبطة برئيس الحكومة من صفقات حكومية، مثل مشروع تحلية ماء البحر بالدار البيضاء. فالمسألة تتجاوز تعديل قانوني محدد لتصل إلى جوهر العلاقة بين السلطة العامة والمصالح الخاصة، ما يجعل التمييز بين الصالح العام والمصلحة الضيقة شبه معدوم.
ومع تصاعد هذه المؤشرات، تتسع قناعة الرأي العام بأن الحكومة الحالية تشرّع لنفسها وللفئات التي تدعمها أكثر من كونها تشرّع للشعب والدولة. أصبح هذا السلوك قاعدة، حيث يمرّ كل مشروع قانون وفق مصالح ضيقة، بعيدًا عن انتظارات المواطنين. ويمكن اعتبار هذه الممارسة شكلًا من أشكال الفساد الذي يجب محاربته، خصوصًا وأنه تسلل إلى عمق المؤسسة التشريعية، وصار يحدد مسار القوانين وفق مصالحه الخاصة وليس وفق المصلحة العامة. هذا الانزلاق يجعل التشريع أداة لتصفية مصالح ضيقة بدل أن يكون وسيلة لحماية حقوق المواطنين وبناء دولة القانون.
ودون أي اعتبار للناخبين الذين منحوها أصواتهم، أصبح من شأن الحكومة في نهاية ولايتها تمرير مشاريع القوانين بما يخدم مصالح أعضائها. فالأولوية لم تعد للمواطن أو للصالح العام، بل لفئات ضيقة تتحكم في صناعة التشريعات.
وفي خضم هذه الصورة، برز مصطلح "الفراشية" ليصبح جزءًا من القاموس السياسي المغربي، رمزًا لعلاقة متشابكة بين المصالح الاقتصادية والسلطة، بما يعكس واقعًا مقلقًا على مستوى التوازن بين الحكومة وبعض المجموعات النافذة.
إن استمرار هذا النهج يطرح سؤالًا جوهريًا يتجاوز الجدل الظاهر: من يشرع فعليًا؟
الإجابة عن هذا السؤال تمثل التحدي الأكبر للمرحلة المقبلة، والاختبار الحقيقي لقدرة الفاعلين السياسيين على إعادة الاعتبار لدور المؤسسة التشريعية ومفهوم المصلحة العامة، قبل أن تتفاقم أزمة الثقة بين المواطن والدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.