في خطوة فنية واعترافية غير مسبوقة، كشفت الفنانة والشاعرة الأمازيغية فاطمة شاهو تبعمرانت عن عمل غنائي جديد بعنوان «اتّبير لجنت» أو «حمامة الجنة»، عمل يتجاوز حدود الأغنية التقليدية ليقترب من سيرة ذاتية مغناة بصوت صاحبتها ومشاعرها الدفينة التي ظلت حبيسة الذاكرة لسنوات طويلة. العمل الذي تتجاوز مدته 15 دقيقة يرتقب أن يشكّل محطة فارقة في مسار تبعمرانت، لما يحمله من جرأة أدبية وصدق إنساني نادرا ما باحت به الفنانة في أعمالها السابقة. منذ اللحظة الأولى، تختار تبعمرانت أن تدخل جمهورها مباشرة إلى قلب الحكاية. تفتتح الأغنية باستحضار أكثر محطات حياتها ألما، فقدان والدتها وهي لم تتجاوز الثالثة من عمرها. تصف الحدث بصوت يفيض رهافة، وكأن الجرح ما يزال غضا رغم مرور الزمن. هذا الفقدان المبكر كان، كما تروي كلمات الأغنية، حجر الأساس في تكوين شخصيتها، ومصدرا لقوتها وحساسيتها وتشبثها بالحياة والهوية والفن. ولا يكتفي العمل باستعادة الجراح الأولى، بل يمضي إلى كشف تفاصيل شخصية لم تعلن من قبل، خصوصا ما يتعلق بطفولتها وسياقات تربيتها داخل الأسرة. تتناول الأغنية علاقة والدها بزوجته الثانية ومحاولة هذه الأخيرة التأثير في قراراته، إلى حد دفعه — وهو الجندي السابق في حرب الرمال — إلى التفكير في حذف اسمها من سجلات الحالة المدنية. واقعة تكشف هشاشة وضع طفلة كانت تبحث عن الاعتراف والانتماء داخل بيت مضطرب. وتتوقف الأغنية عند محطة مؤلمة أخرى، قصة حبها الأول. تجربة حملت الكثير من الأمل قبل أن تنتهي بفقدان الحبيب الذي رحل قبل أن يجمعهما الزواج. تحكي تبعمرانت هذه القصة بصدق جارح، وتصف أثرها الممتد في حياتها، ليس فقط عاطفيا، بل فنيا أيضا، إذ كانت تلك الصدمة لحظة فاصلة صقلت شخصيتها وعمقت إحساسها بالفقد والحنين. وفي مقابل كل هذه الانكسارات، يبرز حضور دافئ ومتجذر لشخصية محورية في حياتها، جدّتها. فقد كانت هي السند الأول بعد وفاة الأم، واحتضنتها بحنان غير مشروط. تخص تبعمرانت ذكرى جدّتها بجزء مهم من الأغنية، مستعيدة لحظات مفعمة بالأمان والحكمة والمحبة، ومعبرة عن امتنان عميق لتلك المرأة التي كانت الأم والمعلم والملجأ. كما تعود الفنانة إلى استحضار صورة والدتها الراحلة في مقطع شعري بديع، تشبه فيه حبها لأمها ب حب الأرض للمطر. استعارة تعكس الروابط الخفية التي لم تنقطع رغم الفراق، وتجسد علاقة روحية تواصل العيش في الوجدان مهما طال الزمن. «اتّبير لجنت» ، نص فني يعيد رسم مسار فاطمة شاهو من الطفولة إلى النضج، ومن الجرح إلى القوة، ومن الفقد إلى الإبداع. عمل يؤكد أن تبعمرانت ليست فقط صوتا فنيا متميزا، بل ذاكرة حية تعيد من خلال الفن كتابة تاريخها الشخصي وتاريخ جزء من المجتمع الأمازيغي الذي تنتمي إليه. وفي تصريح للجريدة خلال لحظة إطلاق الأغنية على القنوات الرسمية للفنانة عبر مواقع التواصل والمنصات العالمية، قالت ا عائشة ادعلاو إن هذا العمل بطابعه الاعترافي وجرأته الفنية سيشكل منعطفا مهما في مسار تبعمرانت، لأنه يكشف جانبا إنسانيا لم تعلن عنه بهذا الوضوح من قبل. وأضافت أن الأغنية تمنح المستمع فرصة نادرة للإنصات إلى قصة تتكلم كما لو أنها تروى للمرة الأولى من روح صاحبتها.