أماط وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، اللثام عن جزء من تفاصيل المسار الذي تستعد الرباط لاتباعه لتنزيل مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، استنادا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025، حيث أكد بوضوح أن المغرب يرفض بشكل قاطع إقرار «آلية مراقبة دولية» لتطبيق المقترح، مشددا في الوقت نفسه على أن الرباط لا تعترف بوجود ما يُسمى ب»الشعب الصحراوي». ولفت ناصر بويطة، في حوار مع وكالة الأنباء الإسبانية «إيفي»، يوم الخميس 4 دجنبر 2025، إلى الدور المحوري للولايات المتحدة في العملية التفاوضية، مبرزا أن واشنطن، بموجب القرار الأممي، ستكون الدولة المضيفة والمديرة لمسار المفاوضات، وأن المغرب «ينتظر انطلاق العملية من الجهة المكلفة بقيادتها». ودعا بوريطة الاتحاد الأوروبي إلى توضيح موقفه من قضية الصحراء، قائلا إن على بروكسيل «الحسم النهائي» في دعمها للحل الواقعي، بعدما قام المغرب، حسب وصفه، بكل الخطوات الكفيلة بخلق دينامية جديدة عبر مبادرة الحكم الذاتي، بما يسمح بتطوير الشراكة الإستراتيجية مع الاتحاد. وأوضح وزير الخارجية، الذي كان في مدريد ضمن الوفد المشارك في الاجتماع الثالث عشر رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا، أن المرحلة المقبلة بعد صدور القرار الأممي تتمثل في تنفيذ مقتضياته، باعتباره يدعو جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات مبنية على المقترح المغربي للحكم الذاتي من أجل التوصل إلى حل «عادل ودائم ومقبول من الجميع». وأضاف أن المبادرة المغربية التي عُرضت سنة 2007 «كانت خطوة دبلوماسية»، لكن بعد اعتمادها من طرف مجلس الأمن كأساس وحيد للحل، بات مطلوبا تحويلها إلى «خطة مفصلة ومحدثة». وأشار إلى أن المملكة أنهت مشاوراتها مع الأحزاب الوطنية، باعتبار أن الملف يهم جميع المغاربة، وأن النسخة المحدثة ستُعرض لاحقا على طاولة التفاوض. وبخصوص المشاركة المحتملة لجبهة «البوليساريو» في الموائد المستديرة، قال بوريطة إن القرار الأممي حدد بوضوح الأطراف الأربع المعنية بالمفاوضات، مضيفا أن المغرب «سيتقيد بذلك دون الحاجة إلى إبداء رأيه» حول حضور الجبهة من عدمه، مؤكدا أن المشاورات بين الأطراف لم تُطلق بعد. وقال إن «القرار حدد الأطراف الأربعة التي يجب أن تكون موجودة على طاولة المفاوضات»، وزاد: «سيتعاطى المغرب بوضوح مع الأطراف الثلاثة الأخرى المحددة في القرار، لذلك ليس عليه أن يقرر حضور البوليساريو من عدمه، إذ سيتماشى ويحترم ما هو منصوص عليه في القرار». أما بخصوص الضمانات المقدمة للسكان، فأكد بوريطة أن الحكم الذاتي يمثل «إطارا قانونيا قويا» منسجما مع ميثاق الأممالمتحدة والقانون الدولي، مذكرا بأن دولا وازنة مثل إسبانيا وفرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة وألمانيا وهولندا تدعم هذا الخيار، وهو ما يؤكد شرعيته. وفي ما يتعلق بمفهوم «تقرير المصير»، شدد بوريطة على أنه لا يعني بالضرورة الاستفتاء، مفيدا بأن هذا المبدأ يقوم على تعبير الأطراف عن إرادتها الحرة عبر التفاوض والتوقيع على اتفاق نهائي، مشيرا إلى أن العديد من القضايا الدولية، مثل الملف الفلسطيني، تُعالج وفق هذا المنطق دون اللجوء للاستفتاء. وقال بوريطة «لم يقل أحد أبدًا إن تقرير المصير مرادف للاستفتاء»، موضحا أنه «لا مكان يُذكر فيه أن حق تقرير المصير يعني استفتاء، ما يُذكر هو أن حق تقرير المصير يتيح للأطراف التعبير عن إرادتها»، وتابع: «ليست لدينا أي مشكلة مع تقرير المصير، لكننا ضد التفسيرات الضيقة والقديمة لأغراض سياسية». ورفض بوريطة خلال الحوار استخدام وصف «الشعب الصحراوي»، مؤكدا أن المغرب يعترف بوجود «سكان الصحراء» المنحدرين من قبائل متعددة، وهو ما يعكس، بحسبه، طبيعة المنطقة وتركيبتها السكانية. إلى ذلك، استبعد الوزير بشكل قاطع قبول الرباط بأي «آلية دولية» لمراقبة تنفيذ الحكم الذاتي، موضحا أن الاتفاق، بمجرد توقيعه، سيُنفّذ مباشرة، مضيفا: «لا حاجة لآلية دولية، فالمجتمع الدولي منح ثقته للمبادرة المغربية». وقال بوريطة ذلك: «أعتقد أنه عندما يتم توقيع الحكم الذاتي سيتم تنفيذه، ولماذا آلية دولية؟ وعلى أي حال هذه مسائل ستناقش في إطار المفاوضات، لكن المغرب يرى أن المجتمع الدولي منحه ثقته من خلال الالتزام بخطة الحكم الذاتي». وحول وجود مفاوضات مسبقة أوضح الوزير أن «ذلك غير صحيح، إذ تنتظر الرباط بدء العملية من قبل من سيتولون إدارة المفاوضات»، وأردف قائلا: «لا يوجد موعد محدد بعد، فيما ينتظر المغرب دعوة للتفاوض في الوقت المناسب، لكن هذا يجب أن يكون محل تنسيق. ويشير القرار بوضوح إلى الولاياتالمتحدة كدولة يجب أن تحتضن المفاوضات، وبالتالي لها أيضًا دور». وأضاف بوريطة أن الرباط ترغب الآن في العمل على «خطة حل» تمس جميع المغاربة، وقد ناقشها بالفعل مع الأحزاب السياسية، رغم أنه لم يتم تحديد أي موعد بعد للمفاوضات مع الأطراف الثلاثة الأخرى، وهي جبهة البوليساريو، الجزائر، وموريتانيا. وفي ما يهم المجال الجوي للصحراء كشف المسؤول الحكومي ذاته أن مجموعة عمل ستجتمع قريبًا لدفع هذه المسألة قدما، مبينا أنه «إذا أرادت طائرة الذهاب إلى الصحراء تمر عبر مراكش، ومن الواضح أي برج مراقبة يوجهها؛ وإذا حدثت مشكلة معها من يديرها؟ من المسؤول عن أمنها؟ إنه المغرب»، وأطد بوريطة لإيفي: «في إطار الاحترام الثنائي يمكننا إيجاد حلول تحافظ على مصالح إسبانيا وتأخذ بعين الاعتبار واقع وحقوق المغرب». وأكد الوزير ذاته على مستوى العلاقات الثنائية بين الرباطومدريد، «الذي لم يسبق له مثيل في تاريخنا»، في مجالات مثل مكافحة الإرهاب، ومراقبة الهجرة غير الشرعية، والتبادلات الاقتصادية أو الاستثمارات، مع "أرقام مثيرة للإعجاب»، وقال: «إسبانيا هي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب. التعاون في مجال الأمن مثالي، والتعاون في مجال الهجرة فعال».