صدر ت حديثاً النسخة العربية من كتاب"التزام جيل وذاكرى النضال" (1964 1994) "من أجل سيادة أمة" لإبراهيم أوشْلح، وهو عمل سردي يجمع بين المذكرات والشهادة السياسية، يكشف فيه أحد أبرز وجوه اليسار الراديكالي المغربي مسار جيلٍ بأكمله خلال العقود الأكثر اضطراباً في تاريخ المغرب المعاصر. ويقدّم الكتاب، وهو من ترجمة وتعريب نور الدين السعودي وعبد القادر الشاوي، والصادر عن "دار تبقال للنشر "، شهادة مباشرة عن تحوّلات المغرب بعد الاستقلال، من تأسيس المؤسسات الأولى إلى الصراع بين الحركة الوطنية والسلطة الجديدة.
ويعود المؤلّف، المتحدّر من مدينة سلا، رغم أن أصوله من مدينة تزنيت، إلى السنوات التي سبقت الاستقلال وما تلاها، مستعيداً طفولته التي تزامنت مع نفي السلطان محمد بن يوسف ثم عودته عام 1955، قبل أن يتابع كيف تَشكّل وعيه السياسي بين نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات داخل مدارس وساحات أصبحت فضاءات أولى للنقاش والاحتجاج. ويروي أوشْلح كيف قادته سنوات الدراسة في جامعة محمد الخامس بالرباط إلى الانخراط في اتحاد الطلبة ثم في هياكل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في سياق اتّسم بتصاعد التوتر السياسي، وبتنامي العمل السري، وبالملاحقات التي استهدفت المعارضين. ويصف اللحظة المؤسسة التي دفعت جيلاً بأكمله إلى القطيعة مع النظام بعد أحداث 23 مارس 1965 وما رافقها من قمع، قبل أن يتطرّق إلى تجربة الدراسة بفرنسا التي شكّلت امتداداً لنشاطه السياسي، وفضاء لإعادة تنظيم صفوف المناضلين في الخارج. ويمتدّ السرد إلى مرحلة المواجهة المسلحة ومحاكمات قادة اليسار، مسلّطاً الضوء على شبكة العلاقات والخلفيات الإيديولوجية والخيارات التي دفعت جزءاً من الحركة الوطنية إلى تبنّي نهج ثوري. ويخصّص المؤلف حيزاً واسعاً للظروف التي عاشها في المنفى، ثم لعودته إلى المغرب في 20 غشت 1994 بعد إعلان العفو الملكي الذي طوى صفحة طويلة من الملاحقات، في لحظة يصفها بأنها ذات رمزية خاصة بالنسبة لجيلٍ «دفع ثمناً باهظاً بحثاً عن بديل سياسي». ويَعتبر أوشْلح أن كتابه محاولة لإيصال الذاكرة إلى الأجيال الجديدة التي «تعيش اليوم إرثاً ناقصاً لعملية تحديث طويلة ومؤلمة»، مؤكداً أن استعادة هذا المسار ضرورية لفهم التحولات التي عرفها المغرب، ولتقييم ما تحقق وما ظلّ معلقاً. ويقدّم العمل، عبر شهاداته وتفاصيله، صورة قريبة عن الحياة اليومية والسياسية والثقافية لجيل الستينيات والسبعينيات، كما يرسم ملامح تجربة شخصية لم تكن منفصلة عن السياق الوطني الأوسع. ويُعدّ الكتاب إضافة جديدة إلى أدبيات الشهادات المغربية حول سنوات الرصاص، حيث تتجاور الذاكرة الفردية مع التاريخ العام، في نصّ يوازن بين الاعتراف والتوثيق، ويقدّم للقارئ رواية شخصية لمسار سياسي جماعي ما زال يلقي بظلاله على الحاضر.