قامت مصالح التحقيق والبحث لدى مجلس المنافسة مؤخرا بعمليات زيارة فجائية وحجز متزامنة لدى خمسة فاعلين في السوق الوطنية للأعلاف المركبة الموجهة لقطاع الدواجن والأسواق المرتبطة بها، لا سيما سوق الكتاكيت، وذلك بناء على شبهات ممارسات منافية للمنافسة في هذه الأسواق. ووفق البلاغ الرسمي للمجلس، فإن هذه العمليات نفذت بترخيص من وكيل الملك وبمؤازرة ضباط من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، طبقا للمادة 72 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. وأكد المجلس أن القيام بهذه الزيارات لا يعني بالضرورة ثبوت الممارسات موضوع الشبهات، إذ يبقى الحسم فيها من صلاحية هيئاته التداولية بعد استكمال التحقيق وفق المسطرة المواجهاتية وبما يضمن حقوق الدفاع.. وتأتي هذه الخطوة في سياق مطبوع بتوتر متزايد داخل المنظومة الفلاحية، حيث برزت في الشهور الأخيرة شكاوى متكررة من مربي الماشية بشأن مسار الأعلاف المدعمة، خصوصا بعد التحولات الكبيرة التي شهدتها آليات الدعم خلال 2024 و2025. فبينما كانت الحكومة تخصص، في السنوات الماضية، ما يقارب مليار درهم سنويا لدعم الأعلاف وفق نظام يعتمد أساسا على توزيع مواد علفية مباشرة، انتقلت في 2025 إلى إطلاق برنامج غير مسبوق بلغت كلفته 12.8 مليار درهم موجه لإعادة تكوين القطيع الوطني، ويشمل دعما ماليا مباشرا للأعلاف بناء على عدد الرؤوس المرقمة لدى كل مربي. هذا التحول المالي الضخم، مقارنة بما كان يُرصَد سابقا، أتاح مرونة أكبر في إيصال الدعم لكنه فتح في الوقت ذاته نقاشا واسعا حول العدالة في التوزيع ونجاعة الآليات المعتمدة. وفي قلب هذا النقاش، حذر الاتحاد الاشتراكي داخل قبة البرلمان من أن دعم الأعلاف، بصيغته الجديدة، قد يتحول إلى ريع جديد يستفيد منه وسطاء السوق بدل المربين المستهدفين. فقد سجلت النقاشات البرلمانية وجود فجوات واضحة بين الكميات المعلنة رسميا وبين ما يصل فعليا إلى الفلاحين، إلى جانب غياب انعكاس مباشر للدعم على الأسعار النهائية. ووفق شهادات ميدانية أدلى بها مربون عبر قنوات مختلفة، فإن الأعلاف المدعمة لا تصل دائما بالكميات أو الأثمنة المعلن عنها، فيما تستمر المضاربة في السوق بما يجعل الدعم العمومي يدخل الدورة التجارية نفسها وبالسعر نفسه، وهو ما يُفقده أثره الاجتماعي والاقتصادي المطلوب. وتعزز هذه الملاحظات ما كشفت عنه تدخلات سياسية سابقة، ومنها التنبيه الذي وجهه الفريق الاشتراكي خلال مناقشة مشروع الميزانية الفلاحية، حين جرى التأكيد على أن الدعم الموجّه للمدخلات الحيوية لم يَحُل دون استمرار ارتفاع الأسعار في السوق، ولا ضمن وصوله إلى المربين الذين يشكلون قاعدة الإنتاج. فمع ارتفاع أسعار المدخلات إلى مستويات غير مسبوقة، من بذور القمح والشعير إلى الأعلاف الخشنة والتبن، ظل الفلاح الصغير الحلقة الأكثر هشاشة، خصوصا مع استمرار الجفاف وشُح الأمطار وتراجع ملء السدود إلى نحو 30.8% منتصف نونبر 2025. وتكتسب عمليات الزيارة الفجائية والحجز التي باشرها مجلس المنافسة أهميتها في هذا السياق، باعتبارها أداة قانونية لجمع الأدلة والمعلومات الضرورية حول الممارسات التي قد تخل بقواعد المنافسة أو تمنع وصول الدعم إلى مستحقيه. فطبقا للمادة 16 من القانون رقم 20.13، تتوفر مصالح المجلس على صلاحيات القيام بالتحريات والتأكد من مدى مطابقة سلوك الفاعلين للقانون، سواء تعلق الأمر بالممارسات المنافية للمنافسة أو بعمليات التركيز الاقتصادي غير المصرح بها. ومن شأن هذه الآلية أن تسهم في إعادة ترتيب السوق وضبط الوسطاء وضمان شفافية أكبر في تدفق السلع المدعمة، خاصة في مادة استراتيجية كالأعلاف التي تشكل أساس توازن سلاسل الإنتاج الحيواني. وفي انتظار نتائج التحقيقات التي سيعلن عنها المجلس في مرحلة لاحقة، يواصل الفاعلون في القطاع متابعة التطورات بكثير من الحذر، بالنظر إلى تأثير هذه السوق على تكاليف الإنتاج وعلى استقرار أسعار اللحوم والدواجن. فبين دعم حكومي بحجم غير مسبوق، وشبهات ممارسات احتكارية تثير قلق المستهلكين والمهنيين، تبدو الحاجة ملحة إلى تدقيق أكبر في حلقات توزيع الأعلاف، وإلى ضمان أن الغلاف المالي الضخم المرصود في 2025، والذي يفوق بأضعاف ما كان ينفق في 2024 وما قبلها، يحقق فعليا الغاية التي رصد من أجلها: حماية المربين، واستعادة التوازن في سلسلة الإنتاج، وتقليص تقلبات الأسعار، وتحصين الأمن الغذائي الوطني.