يعتبر الفنان التشكيلي المهدي النائر من أبرز الفنانين المعاصرين في المغرب، حيث استطاع ان يصنع بصمة فنية فريدة تجمع بين الأصالة والحداثة، وتعكس الهوية المغربية بعمق من خلال لوحاته وجدارياته المنتشرة في فضاءات مختلفة. تأثر المهدي بالحياة اليومية وبما يحيط به في مدينته مراكش، التي تشكل مصدر إلهامه الأول والأخير. بدأ مسيرته الفنية بالفطرة والموهبة، لكنه لم يكتف بذلك، بل اعتمد على الممارسة المستمرة، معتبرا الحياة مدرسة له ومصدر إلهام دائم، حيث يرصد الضوء، الناس، والزخارف، محاولا ترجمة هذه المشاهد الى لغة بصرية مغربية أصيلة. يرى في الفن إحساسا حيا يتنفس مع كل تجربة، وليس مجرد علم يدرس. تمتزج في أعماله عناصر مستمدة من المعمار المغربي وألوان الزليج، إضافة إلى الضوء الدافئ الذي يملأ شوارع مراكش صباحا، مما يمنح لوحاته روحا وحيوية تنبض بأصالة المكان. كما يحرص على مراعاة رغبات الزبائن الذين يعمل معهم، لخلق توازن بين رؤيته الفنية ومتطلباتهم الجمالية، ما يثمر أعمالا تحمل بصمته الخاصة وتعكس هوية المكان والشخص معا. وتعد الألوان عنصرا جوهريا في أعماله، إذ يعتبرها «موسيقى صامتة» تحمل طاقات ومشاعر متعددة. يفضل الألوان الترابية التي تذكره بجذوره، بينما يستخدم الألوان الزاهية مثل الذهبي والأحمر لتعكس الفرح والحياة. اختياراته اللونية دائما مدروسة ومتصلة بالمكان وبالرسالة التي يريد إيصالها، فهو يرى أحيانا أن الجدار صامت، فيستخدم الألوان ليمنحه صوتا وحياة. يركز المهدي النائر بشكل خاص على فن الجداريات، مؤمنا بأن الفن يجب أن يعيش بين الناس وليس حكرا على المعارض أو النخبة فقط. يسعى لأن يكون الفن جزءا من الحياة اليومية، بحيث يستطيع أي شخص المرور بجانب جدارية أو لوحة والتمتع بجمالها حتى دون أن يكون خبيرا بالفن. بالنسبة له، الفن ضرورة روحية تتيح رؤية العالم بشكل أعمق وتذكرنا بجمالنا وهويتنا المغربية. يعمل حاليا على سلسلة من الجداريات التي تمزج بين الواقعية والتجريد، مدمجا بين الأصالة والحداثة، ويطور أسلوبه ليتناغم مع روح الأماكن التي يحتضنها الفن. كل جدارية بالنسبة له هي توقيع فني يعكس بصمته الشخصية وهوية الفضاء الذي يزينه. يمتلك المهدي طموحا كبيرا في نشر الفن المغربي عالميا، حالما بأن يرى الناس في الخارج جمال المغرب الحقيقي بعيدا عن الصور النمطية. يخطط لإقامة معارض وجداريات في مدن مختلفة حول العالم تحمل روح مراكش وتقاليد المغرب بتصميم معاصر، كما يطمح لإنشاء مرسم فني يجمع الشباب المهتمين بفن الجداريات لمنحهم منصة للتعبير عن أنفسهم وتطوير مهاراتهم. بالنسبة للمهدي النائر، مراكش ليست مجرد مدينة عادية، بل مدرسة في الجمال والضوء والروح. كل ركن فيها، من الأسواق القديمة إلى جدران المدينة العتيقة، ومن ألوان الغروب الى دفء أهلها، يشكل مصدر إلهام متجدد له. تعلّم من مراكش أن الجمال الحقيقي بسيط وصادق، وأن كل تفصيل فيها يحمل قصة فريدة. وبالرغم من السفر والعمل في أماكن متعددة، تبقى مراكش المصدر الأول والأهم لكل أعماله. يعتبر المهدي النائر بذلك ليس فقط فنانا تشكيليا، بل أيضا رسولا لجمال وروح المغرب، يعبر عن هويته من خلال الجداريات التي تزين جدران المدينة، جاعلا من فنه جزءا من النسيج الحي للمجتمع، ومؤمنا بان الفن لغة تواصل وحياة لا يمكن ان تستغني عنها روح الإنسان.