لعل أهم سؤال يطرح في مجال السينما وعلاقتها بالأدب هو: هل هناك فعلا علاقة بين السينما والأدب بالمغرب؟ لماذا هناك قطيعة بين الأدب والفن في المجال السينمائي المغربي؟ ما هو سبب عزوف المغاربة العاملين في مجال السينما عن التعاون مع الأدب؟ أسئلة وإرهاصات غالبا ما تزعج هذه العلاقة، مع العلم أن لكل واحدة خصوصياتها واستقلالها في عالم وفضاء قائم بذاته، ولكن هناك إمكانية الزواج والتعاون بينهما، ليتم ميلاد عنصر يسمى «الفيلم السينمائي». هذا الوضع لا يخص فقط السينما الوطنية، بل هناك حالات مماثلة في الساحة العربية، والحديث هنا فقط عن السينما، خصوصا في المغرب، باعتباره من الدول العربية التي حققت قفزة نوعية في مجال الفن السابع. للسينما الوطنية بعض التجارب في الجانب الخاص بالعلاقة الثنائية الأدب/السينما، ولكنها تبقى تجارب قليلة ومحدودة. هذه العلاقة تحدد مدى امتزاج الصوت والصورة بالكلمة لتمنح النتيجة نكهة خاصة ومنتوجا آخر له كيان خاص به، علما أن هناك أسلوبا له صبغة خاصة تتسم بتأثير الأدب على السينما، من زاوية القيمة الفنية، خصوصا إذا تعامل معها المخرج بحرفية واحترام قواعد العمل. وللتذكير فإن سجل السينما العربية يزخر بالأعمال المستوحاة من الأدب العالمي، الذي يحمل بصمة البعض من عمالقة الأدب العربي، كأعمال المخرج المصري يوسف شاهين الذي ذاع صيته خارج حدود بلده، بل المنطقة العربية التي ينتمي إليها، من بينها اللص والكلاب ومعظم روايات نجيب محفوظ، باعتبار كتاباته تجعل القارئ قبل المشاهد يتخيل سطور الرواية المكتوبة، التي تستعرض حركاتها أمام عينه، أو تسمع مثلا رنين خلخال الممثلة برلنتي عبد الحميد في فيلم رنة الخلخال، وهي تمشي في أزقة القاهرة المظلمة. الفيلم أُنتج سنة 1955، وقام بالإخراج محمود ذو الفقار. تُعتبر هذه العلاقة الثنائية عملا متكاملا. هذا الوضع ينطبق أيضا على السينما المغربية بالرغم من أنها تفتقر إلى التفاعل والمزج بين العنصرين، لتوحي لنا بأن هناك وجود مشكل يحول دون استكمال فترة الحمل والميلاد. هذا الموضوع طرحه الباحث والناقد السينمائي المغربي حمادي كيروم في كتابه الاقتباس من المحكي الروائي إلى المحكي الفيلمي. تناول أيضا هذه العلاقة السيناريست والناقد السينمائي خالد الخضري في كتابه موقع الأدب المغربي من السينما المغربية. فيما أعطى الباحث والناقد محمد كلاوي «كابوس» لعلاقة التاريخ والسينما في إحدى مداخلاته بندوة في كلية الآداب بنمسيك بالدارالبيضاء. هناك أعمال أُنجزت في هذا المجال، مثلا شريط «حلاق درب الفقراء» للمخرج الراحل محمد الركاب، ويُعتبر علامة مميزة في سجل السينما المغربية، وهو دراما مقتبسة من مسرحية للكاتب والسيناريست يوسف فاضل، أُنتج سنة 1982. عند عرضه في الدورة الأولى للمهرجان الوطني للسينما بالرباط، وعرضه بطنجة في الدورة العاشرة سنة 2008، لقي صدى إيجابيا في الوسط السينمائي الوطني. شارك في المهرجانات السينمائية الدولية، من بينها مهرجان (القارات الثلاث 1983، ومهرجان برلين سنة 1982)، ويحتل هذا الفيلم مرتبة مشرفة وضعته في المركز 41، رفعت راية المغرب عاليا في سماء الفن السابع العربي. هناك أيضا فيلم «صلاة الغائب» (أُنتج سنة 1995)، وهو من إخراج حميد بناني، عمل مأخوذ عن رواية للكاتب المعروف الطاهر بنجلون، الذي سبق وأن صرح للإعلامي بلال مرميد في برنامجه الإذاعي «كاتب وكتاب»، أنه لم يستسغ كيفية تحويل القصة من الكتابة كما حررها إلى صوت وصورة كما يتخيلها، أي إلى فيلم، ربما لأن المخرج أخطأ فهم ما يريد الكاتب قوله. ومن خلال تجربة الطاهر بنجلون وتعامله مع السينما الوطنية، يبدو أنه قرر مقاطعة هذه العلاقة نهائيا، لعدم اقتناعه بالنسخة المصورة لروايته التي تحكي قصة سيد يفقد الذاكرة ويحاول استعادتها من خلال علاقات شخصية نسجها في الماضي مع أصدقاء آخرين. هناك أيضا شريط الغرفة السوداء، إنتاج (2003) للمخرج حسن بنجلون، فيلم مستوحى من رواية للكاتب جواد مديدش، وهو معتقل سياسي سابق يحكي عن تجربته في السجن إبان سنوات الرصاص، ويتناول فيها قضية حقوق الإنسان بالمغرب خلال السبعينات، خصوصا في بعض الأحياء الشعبية التي تعاني من الأزمات الصعبة الناتجة عن الفقر والمرض والجهل. في الفيلم ركز المخرج حسن بنجلون، المعروف بتبنيه للقضايا الاجتماعية والإنسانية، على أحد الأحياء السكنية بمدينة الدارالبيضاء حيث يوجد معتقل درب مولاي الشريف المعروف بمرور أشهر المغاربة المعتقلين السياسيين، ويحكي قصة شاب يساري يمضي فترة العقوبة السجنية لمدة طويلة دامت عشرين سنة، وهي قصة حقيقية للكاتب نفسه، الذي قرر بعد خروجه من السجن أن يحكي تجربته هو وزملاؤه عن فترة الاعتقال والتعذيب الذي تعرضوا إليه. وحتى يكون السرد أكثر مصداقية، تمحورت قصة الفيلم حول الكاتب-البطل، وهو نفسه صاحب السيناريو والحوار، فيما قام حسن بنجلون بالإخراج. وقد تعامل أيضا المخرج إدريس المريني مع الأدب المغربي من خلال فيلمه «بامو» المأخوذ عن رواية للكاتب أحمد زيادي، شريط يُعتبر نموذجا للفيلم ذو العلاقة بالتاريخ الاجتماعي والسياسي الوطني في فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب. تناول المخرج إدريس المريني أحداث الفيلم، وهو إنتاج 1983، قصة المناضل أحمد الحنصالي ومقاومته للمستعمر في منطقة تادلة، ومزج بين الوضع الاجتماعي الذي يعيش فيه أبطال الفيلم والحياة الشخصية لبعض الأفراد من علية المجتمع، وبالتالي قام بمزج الرومانسية والمقاومة في سرد أحداث الفيلم. في سنة 2003 ألهَمت قصة «جارات أبي موسى» للكاتب والمؤرخ المغربي أحمد التوفيق، المخرج محمد عبد الرحمن التازي، ليوظفها في عمله الذي يحمل نفس العنوان. وللأمانة فإن القصة من أجمل ما قرأت وأروع ما تحتويه المكتبة الأدبية. أحداث القصة تعود إلى القرن الرابع عشر، أي فترة الحكم المريني، حيث نسج الكاتب خيوط قصة الخادمة شامة، التي تعمل في إحدى البيوت العريقة، وأبي موسى، وهو شخصية تنتمي إلى أعيان المدينة. وصف الكاتب العلاقة بين الطرفين كعلاقة غير متوازنة من الصعب أن يتبناها المجتمع. وقد جاءت نتيجة ترجمة القصة إلى عمل سينمائي غير مرضية، لا ترقى إلى مستوى عملية السرد الذي جاء في الرواية، ليبقى الفيلم عملا عاديا، بل وخاليا من التشويق والإثارة، وبعيدا عن الأسلوب الجذاب الذي صيغت به أحداث القصة، اعتبارا أن السينما تضيف الكثير من العوامل التي تزرع الحياة في الصورة وتعطيها القوة لجذب المشاهد وشده إليها. من السينمائيين الأوائل الذين تعاملوا مع الأدب، المخرج والسيناريست والمنتج المغربي سهيل بنبركة، الذي ينتمي إلى الجيل الأول من المخرجين المغاربة القلائل ممن بصموا تاريخ بداية السينما الوطنية. من إنجازاته شريط «عرس الدم» المقتبس عن مسرحية بنفس العنوان للشاعر والمسرحي الإسباني فيديريكو غارسيا لوركا سنة 1977، أي في بداية الحياة السينمائية المحلية الخجولة، حيث كان الوضع يتسم بالشح في عمليات الإنتاج. الشريط دراما يحكي عن جريمة قتل تتورط فيها إحدى الأسر لرفضها تزويج بنتها لشاب من العصابات المعروفة. في هذا العمل هناك تعاون بين عنصرين هامين، لكل واحد منهما مكانة خاصة في المجال الذي يشتغل فيه: المسرحي الإسباني فيديريكو غارسيا لوركا، والسينمائي المغربي سهيل بنبركة، المعروف على الصعيد الوطني بحضوره المتميز في هذا المجال. من أعماله فيلم درامي آخر مأخوذ عن رواية» ابك يا بلدي الحبيب»، وتُعتبر من أشهر الروايات الإفريقية التي نُشرت عام 1948 للكاتب الجنوب إفريقي ألان باتون. الشريط يحمل عنوان «أموك»، الذي فاز سنة (1982) بالجائزة الذهبية في مهرجان موسكو السينمائي الدولي الثالث عشر، ويطرح قضية العنصرية والظلم الاجتماعي الذي تمارسه سلطات الأقلية على السكان السود بسياسة فصل النظام العنصري بجوهانسبورغ، حيث كانت تدير شؤون البلاد وتتعامل مع الأفارقة الأصليين بعنجهية واحتقار. يُعتبر المخرج سهيل بنبركة من أهم العاملين في مجال السينما في المغرب وإفريقيا، إذ عمل بجانب عمالقة الإخراج السينمائي الإفريقي كالسنغالي عثمان سمبين والمالي سليمان سيسي. الإيجابي في هذا الموضوع هو تواجد مخرجين آخرين التحقوا بصفوف صانعي الأفلام وقرروا التعامل مع الأدب المغربي، بما فيه من قصص ومسرحيات وشعر، بعدما وجدوا فيه طبقا دسما وإضافة جيدة، في إمكانها أن تلعب دورا هاما في جعل الصورة عنصرا متكاملا أقرب إلى المتلقي. وفي سنة 2012 عرفت الشاشات الكبرى عملا يدخل في هذه الخانة، وهو شريط «خيل الله» للمخرج نبيل عيوش، اقتبسه من رواية «نجوم سيدي مومن» للأديب ماحي بنبين، التي تناول فيها تحركات وسلوكيات سكان هذا الحي الشعبي الفقير، الذي يضم في فضائه العديد ممن يعانون من التهميش والبؤس، وبه اللجوء إلى العنف الذي يقود أصحابه إلى ممارسة أعمال الإرهاب والتطرف الذي يتسبب في عدم الاستقرار في المجتمعات. المواصفات التي نسجها الكاتب والفنان التشكيلي ماحي بنبين في روايته تبناها المخرج نبيل عيوش، صاحب الأفلام المثيرة للجدل، في عمل يحمل عنوان «يا خيل الله»، الذي تناول موضوع التطرف الديني في المجتمع المغربي. هذه مجموعة من الأفلام التي تعامل فيها المخرجون المغاربة مع الأدب، أفلام تبقى قليلة جدا بالنسبة للإنتاج السينمائي الوطني الذي بلغ أكثر من 40 شريطا طويلا، ارتفع عددها بعد إحداث صندوق الدعم لإنتاج المشاريع السينمائية سنة 1980، بالإضافة إلى إنتاج الأفلام القصيرة التي أصبح عددها يرتفع بتزايد عدد الشباب ممن اختاروا خوض تجربة الإخراج السينمائي. ويبقى هذا الوضع موضوع نقاش والبحث عن أسباب عدم إقبال المخرجين والمنتجين على ترجمة الروايات أو الأعمال الأدبية بصفة عامة إلى إنتاجات سينمائية، كما يبقى السؤال المطروح هو: أين المشكل أو السبب في عدم تقارب هذين العنصرين اللذين ما زالت تفصلهما هوة عميقة، بالرغم من أن سجل تاريخ السينما يتوفر على نماذج جميلة لهذا الزواج الفني-الثقافي.