قال لي أحد الأصدقاء «ألم تر كيف فعل الزمن السياسي المغربي بأصحاب الإتحاد الإشتراكي والعدالة والتنمية.؟ ألم يجعلهما يبكيان، اليوم، من عين واحدة.؟ » هذا القول، لايبتغي، طبعا، من الإستفهام غير الإقرار والتأكيد.. عدا عن المسحة الساخرة التي يصدر عنها.. سيما وهذا الصديق يخبر جيدا تعاطفي مع حزب الإتحاد الإشتراكي حد أنه يستخدم معي تلك المقولة الأثيرة محورة إلى «أنت اتحادي أكثر من الإتحاديين..» (وهي على كل حال تهمة أعتز بالتمادي في إقترافها..)، كما خبر ،أيضا، صدق وحماسة مساهماتي النقدية لخطاب العدالة والتنمية في كثير من غارات خصومة هذا التنظيم (حتى لا نقول عداءه) للإتحاد الإشتراكي خلال العشرية الأخيرة..لا يهم، الآن هنا، على الأقل من الناحية الأخلاقية، التذكير بالحروب السجالية المريرة التي دارت بين الطرفين..، كما لايهم التذكير بتصريحات بعض قياديي وأطر الإتحاد الإشتراكي، حتى وقت قريب، في شأن استحالة تحالف الحزب مع العدالة والتنمية. مبررات تلك الحروب وتلك الإستحالة كانت وما تزال تكمن، ببساطة، في تناقض المرجعية والأهداف السياسية للحزبين.. ومن بلاغة هذا التحول الى التحالف، اليوم، تمتح، إذن، سخرية الكلام المأثور (ومعه سخرية ذلك الصديق) :«فلان وعلان أمسيا يبكيان من عين واحدة..» و على كل حال، فبكاء الحزبين من عين واحدة، هذا الذي تراءى إلى صديقي اليوم، ليس عندي مرادفا للسكون والإستسلام أمام «كيمياء الأمر الواقع للمغرب السياسي». ها أنني أعترف بهذه الكيمياء المغربية الخاصة ..، من تكون ؟ وهل هي التي تكون قد أنزلت بزولة الرحمة والتوادد بين الحزبين..؟ لا أنكر أنني استجبت، وإن بحرارتي الدنيا، الى هذا التحول مستسيغا أو مبررا أو منفعلا بأثر وجدان التعاطف وليس بعقلي السياسي..على الرغم مما يبدو في هذا التعليل من نقيصة..، ليست لي وحدي على كل حال، إذ كان رأيي سيكون مغايرا بالتأكيد، لو استمر الحزبان في قطيعتهما المتبادلة..وإذ ذاك كان سيكون للسجال بينهما، مثلا، حول رواية «محاولة عيش» للمرحوم محمد زفزاف مذاقا آخرا..قبل العودة إلى «كيمياء الأمر الواقع..»، يهمني أن أشير بالأصبع الإيجابي إلى نقطتين: الأولى، هي عدم تبوؤ هذا التحالف صدارة الخصام الشخصاني والتنظيمي والسياسي داخل أجهزة الإتحاد الإشتراكي (التي لا ينقصها الخصام أو لنقل الصراع والإختلاف) أو هكذا أظن..وأتمنى اليوم وغدا.. الثانية، وقد سجلها كثيرون قبلي ، هي هذا التحول الملحوظ في تنظيم العدالة والتنمية من الطائفة الى الحزب..أي من السياسة القائمة على حدود ومطلقات الدعوة والشريعة..الى السياسة القائمة على الإحتمال البشري بما هو مصلحة وعقلانية ونسبية..هو تحول مايزال جزئيا وفي بدايته، ونأمل أن يترسخ أفقيا وعموديا في الحزب لما في ذلك من مصلحة على صيرورة التأهيل الديمقراطي ببلادنا .. وعلى الصيرورة الإيجابية الفاعلة للحزب نفسه..إذ أن معضلة الإسلام السياسي، في السياسة كما في الأخلاق، ليست في عدم قبول الآخرين بإختلافه ..ولكن في عدم قبوله بإختلاف الآخرين.. كيمياء الأمر الواقع، عندي، هو هذه المفارقة والإلتباس الحاكمان والمتحكمان في صيرورة المغرب السياسي منذ الإستقلال (وقبله طبعا) والكابحان، من ثمة، للإستواء والإشتغال السياسي الطبيعي لتمثيلية التعددية الحزبية السياسية في الحكومة كما في الجهات والجماعات المحلية. من هنا، قوة ودلالة وانعطافة مفاهيم ووقائع مثل«التناوب التوافقي» و«الإنتقال الديمقراطي» ..لما دخل الإتحاد الإشتراكي الى تدبير الشأن الحكومي بالوزير الأول، الكاتب الأول للحزب الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في مارس 1998 .ولما كانت السياسة هي علامة التحول القوية في هذا الدخول..فقد أمست (= السياسة)بالأسف، هي كعب إخيل ..، هل نقول الخروج ؟.غير صحيح لحد الآن.. هل نقول نهاية الإنتقال الديمقراطي ؟ غير صحيح أيضا..حتى وإن صار لهذا الإنتقال قبر مجهول بلغة ذ حسن طارق ذات مقالة جميلة.. هل هذه الأغلبية التي ماتزال تدب في الحكومة حتى وقد بلغت من الوهن عتيا كسيحا أحالها الى أقلية بالغرفة الثانية .. يتبع