ارتفاع الدرهم أمام الدولار والأورو    عقار : ارتفاع مؤشر الأسعار في الفصل الثالث من سنة 2025    الأمم المتحدة: الإمدادات الغذائية لغزة تتحسن منذ وقف إطلاق النار    أرسنال يفقد مدافعه غابرييل لأسابيع    مونديال أقل من 17 سنة..نبيل باها: "أداء اللاعبين في المنافسة كان استثنائيا"    طقس مستقر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    وفاة ثلاثيني وإصابة شاب آخر في حادثَيْ دراجة نارية متتاليَيْن داخل نفق "مركز الحليب" بطنجة    بوعرعار "كبير المترجمين".. سفير لغوي متجول بارع ودبلوماسي "فوق العادة"    الداخلية تلزم الجماعات بتحديد تسعيرة الضريبة على الأراضي غير المبنية لتشمل الدواوير... تغازوت نموذجا (فيديو)    فاتح شهر جمادى الآخرة لعام 1447 هجرية يوم غد السبت    انعقاد الجمعية العامة للإنتربول بمراكش.. اعتراف دولي بمساهمة المغرب في الأمن العالمي (رئيس المنظمة)    النقابة الوطنية للصحافة المغربية تدين تجاوزات لجنة أخلاقيات المهنة وتطالب بتحقيق عاجل    الدريوش تترأس حفل تخرّج بأكادير    ماركا الإسبانية: لمسة خادعة من لاعب البرازيل أقصت المغرب في الدقيقة 95 وحرمت المغرب من نصف نهائي المونديال    العيون.. انتخاب عبد الإله حفظي رئيسا لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية    انتخاب الأستاذ كريم الشمانتي رئيسا للمكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدائرة الاستئنافية بالحسيمة    نفاذ تذاكر حفل «بودشارت» بتطوان بعد طرحها بنصف ساعة فقط    أكادير.. الدريوش تزور عددا من الوحدات الصناعية البحرية وورشين لبناء السفن بجهة سوس–ماسة    انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان خلال شهر أكتوبر    الجيش الملكي يتوج بلقب دوري أبطال إفريقيا للسيدات    بيلد: "يويفا" يوقف دياز 3 مباريات    "المعدن الأصفر" يلهب الأسواق.. المغرب يتبوأ المركز 63 في احتياطيات الذهب    لفتيت يحذر المشبوهين بالابتعاد عن الانتخابات وإلا سيتم إبعادهم    كأس العرب لكرة القدم (قطر 2025)..طارق السكتيوي: "سنخوض المنافسة ونحن عازمون على التتويج وتشريف المغرب"    توقيف التيكتوكر مولينيكس بمطار مراكش ونقله إلى طنجة للتحقيق    بن هنية: "صوت هند رجب" يتخلّد حين يصل نفس الشعور إلى كافة الناس    السكتيوي يتفادى نقاش استبعاد زياش    بورصة البيضاء تنهي التداولات بارتفاع    "العدالة والتنمية" يرفع مقترحاته لتحديث مبادرة الحكم الذاتي للصحراء    الداخلة: المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال يوقع أربع مذكرات تفاهم مع مؤسسات إفريقية لمكافحة تجنيد الأطفال    يونيسف تحصي مقتل طفلين فلسطينيين على الأقل يوميا في غزة منذ وقف إطلاق النار    الاتحاد الأوروبي يصفع دعاة الانفصال ويجدد عدم الاعتراف بالكيان الوهمي    صاحبة الجلالة أم "صاحبة جلال"    الحسيمة.. الغموض يلف حادثة إطلاق نار ببني بوعياش    وفاة رضيع في الطرامواي تولد في العراء الطبي بسلا تهز الرأي العام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    المنتخب المغربي للسيدات داخل القاعة ينهزم أمام نظيره الأرجنتيني    المطر يُعرّي أخطاء البشر !    بعد الهدنة في لبنان.. حصيلة دموية ثقيلة إثر استهدافات الإسرائيلية    لوحة بورتريه لفريدا كاهلو تصبح أغلى عمل فني من إنجاز امرأة    اختتام مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور وتتويج أبرز الأعمال    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفارقات المرحلة الانتقالية

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن الانتقال الديمقراطي في بلادنا والعالم العربي، وكثرت فتاواه ومناظراته، حتى أصبحت تشكل بحق فرعا خاصا من أدب السياسة. ومن وأشهر مقولاته و أكثرها تداولا عبارة "المرحلة الانتقالية" ، التي أصبحت مطية طيعة تساق لتبرير أشد الأوضاع والمظاهر تنافرا.
نطلب الإصلاح ونريده ونخطط له ،حتى إذا تم إقراره ترك لحاله يدبر أمره بنفسه، وكأنه لأنه"إصلاح" يمتلك إكسيرا أو سحرا خاصين يمدانه بحيوية لا تنضب .
سنعرض بعض الأمثلة المجتزأة من واقع الإصلاح ، ورغم أنها تبدو مجرد تفاصيل لا ترقى إلى مستوى القضايا الكبرى، فهي تعكس بوضوح ما أشرنا إليه.
أقرت الحكومة ووزارة التعليم برنامج الإصلاح الاستعجالي، من أهم أهدافه محاربة الهدر المدرسي. وفي نفس الوقت والآن يبث التلفزيون العمومي وصلة إشهارية تشجع الهدر المدرسي وتكافئه ببديل يفضله التلميذ على ملل القسم وجهامة المعلم.الشاهد في الموضوع أن أي جهة لم تتقدم بالاعتراض على هذه الوصلة الإشهارية ومثيلاتها البئيسة. وتتساوى في ذلك الوزارة المسؤولة عن خطتها لمحاربة الهدر المدرسي، وهيئات المجتمع المدني وفي مقدمتهم جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، وبعض الهيئات المهنية التي يظهر من تمثلهم في صورة لا يرضوها لأنفسهم.
المثال الثاني: أقر البرلمان انسجاما مع الجو العام للإصلاح بعض التعديلات الطفيفة، من شأنها أن تيسر على الفاعلين في المجتمع المدني بعض الإجراءات التي كانت تعرقل انتظامهم في جمعيات. والمقصود هنا الاكتفاء بالإدلاء بنسخة من البطاقة الوطنية ، بدل نسخة من سجل السوابق العدلية ، ضمن الملف الذي يودع لدى السلطات المحلية، إلا أن بعض المسؤولين المحليين رغم كل هذا الحديث عن الإصلاح ومقاصد الإجراءات الإدارية المتخذة بصدده مازالوا متشبثين ببعض السلوكات المنقرضة ، أيام كان قول رجل السلطة هو القانون ، ضربا بالحائط عبارته الصريحة.
المثال الثالث: يتجلى في المآل الذي صارت إليه مدونة السير. جميع المغاربة يستنكرون الحرب المفتوحة على الطرقات التي تعد خسائرها بملايير الدراهم سنويا ، وأصبحت أخبار ضحاياها وصورهم من المألوف لدينا على شاشة التلفاز وناصيات الصحف.
استطاعت بعض الجهات التي رأت فيها ضررا بمصالحها أن تؤجل تطبيقها ، والمثير ، أن المجتمع المتضرر الأول من هذه الحرب ، ظل غير مبال وكأن الأمر يعني جهة أخرى أو أن الضحايا ليسوا مغاربة. وتركت مدونة السير لوحدها في مواجهة مناهضيها دون أن يبادر المجتمع لمعادلة الكفة، أو التدخل من أجل المساهمة في إيجاد حل يكون من شأنه التخفيف على الأقل من الآثار المدمرة لهذه الكوارث اليومية، ومع هذا نستمر جميعا في لعن حرب الطرق.
يمكن الاستدراك على ما سبق، بأن مفارقات المرحلة الانتقالية أعمق بكثير من هذه الجزئيات التفصيلية، كتزامن الإصلاحات الاقتصادية مع تراجع أوضاع الفئات الوسطى، أو اتساع مجال حرية التعبير بموازاة تعدد محاكمة الصحفيين، ومفارقة المفارقات تتجلى في تزامن الإصلاح مع تراجع النفوذ السياسي للقوى الإصلاحية والتقدمية التي انبنى تاريخها وتشكلت هويتها في مسار كفاحها من أجل إقراره.
تعددت أوجه أزمة اليسار والصف التقدمي عموما، ضعف مردوديته الانتخابية، وتشرذمه ، أو بعبارة أقل حدة ، تعدد منابره ، ومحاولات شتى للوحدة، وتساؤلات متضاربة عن الهوية والإرث النضالي ، حتى أصبح حاله كمن تطلع في المرآة فلم يتعرف على نفسه أو لم تعكس له شيئا .
وفي رد فعل على هذه الوضعية ذات الالتباسات المتداخلة، طالبت عدة أصوات في اليسار من مختلف منابره ، بالرفع من حدة النبرة. أو بعبارة تنسجم مع ثقافتنا العربية،"بغضبة مضرية" تعيد للصف التقدمي وهجه وتألقه.
يؤدي الغضب في السياسة ، حسب الظروف إلى تحقيق بعض المكاسب ، لكن إظهار الغضب ليس دائما دليلا على اكتساب القوة أو طريقا مباشرا لها . فبعد فتور فورته تنهض نفس الأسئلة من جديد، وربما بحدة أشد وأكثر مضاضة.
تميز الصف التقدمي، دائما، بنخبته الفكرية وقدرته على استشراف الآفاق ، وصياغته لبدائل تمنح الثقة للجمهور العريض في المستقبل ،وتغذيه بالأمل. كان صاحب رؤية ومشروع مجتمعي، و هذه فضيلته التي ميزته، وفي نفس الوقت هي سبيله إلى استعادة صورته في المرآة.
من المعلوم أن للحداثة السياسية شقين، الليبرالية بما تعنيه من إعلاء لقيم الحرية وتشجيع الأفراد على النجاح والتألق، والاشتراكية الديمقراطية بما تعنيه من عدالة اجتماعية، وتأطير ثقافي وتربوي للجماهير العريضة، حتى تتحول من قطيع أو كم مهمل إلى طاقة فاعلة ، منتجة وخلاقة.
ولايمكن لمركب الحداثة والإصلاح السياسيين ، أن يخوض سباق المسافات الطويلة بمجداف واحد، وإلا فقد الاتجاه. ولنا في منطقتنا ما يغنينا عن السقوط في مطب التكرار.
إن في إعادة بناء اليسار لمشروعه المجتمعي منافع للصف الديمقراطي جميعه،وصلاح للمجتمع ، بل للوطن كله. ويقع النصيب الأكبر في هذا على الاتحاد الاشتراكي . فتاريخه النضالي ومساره السياسي وما يستطيع تعبئته من طاقات فكرية وسياسية ،كلها تؤهله لأن يكون المبادر في هذا الأمر، كما كان شأنه في أهم المنعطفات التي عاشها المغرب المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.