في إطار التزامها المتواصل بتنفيذ مخرجات الحوار الاجتماعي، أعلنت الحكومة المغربية عن فتح ورش هيكلي يهدف إلى تحسين وضعية موظفي الجماعات الترابية، بالتوازي مع إطلاق اللجنة الوطنية المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد. ويأتي هذا التوجه ضمن رؤية شاملة لتعزيز العدالة الاجتماعية وصيانة الحقوق المكتسبة لمختلف فئات الشغيلة، سواء في القطاع العام أو الخاص. وبحسب معطيات رسمية صادرة عن الحكومة، فقد انطلقت المشاورات مع الشركاء الاجتماعيين من أجل إعداد نظام أساسي جديد لموظفي الجماعات الترابية، يرتقب أن يسهم في تحسين ظروف العمل ومعالجة عدد من الاختلالات التي ظلت تؤرق هذه الفئة لسنوات طويلة. كما تشمل هذه المشاورات أيضا مراجعة الأنظمة الأساسية المشتركة بين الوزارات، من بينها هيئة المهندسين والمتصرفين والتقنيين، في خطوة تستهدف توحيد المعايير المهنية وضمان المساواة بين مختلف الهيئات. وفي السياق ذاته، أعلنت الحكومة عن تشكيل اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، والتي ستباشر عملها استنادا إلى المبادئ التي تم الاتفاق بشأنها في أبريل 2024 مع الفرقاء الاجتماعيين، وعلى رأسها ضمان استدامة الصناديق وصون حقوق المؤمنين. ويأتي هذا الورش في إطار معالجة الإشكالات البنيوية التي تواجه أنظمة التقاعد، وتفادي أي تهديد لاستمراريتها المالية في السنوات القادمة. ولعل من أبرز الإجراءات ذات الطابع الاجتماعي التي تم اتخاذها مؤخرا، تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 يومًا إلى 1320 يوما فقط، وهو ما سيمكن أكثر من 200 ألف مؤمن له من الاستفادة من معاش التقاعد أو استرجاع اشتراكاتهم، بغلاف مالي يبلغ 9.5 مليار درهم. وقد لقي هذا القرار ترحيبا واسعا من لدن الفئات ذات الدخل المحدود، باعتباره مدخلا أساسيا لتوسيع دائرة الحماية الاجتماعية. وفي ما يتعلق بالقطاع العام، أقرت الحكومة زيادة عامة في الأجور بقيمة 1000 درهم تصرف على دفعتين، الأولى تم صرفها في يوليوز 2024 والثانية ستصرف في يوليوز 2025، ليستفيد منها أزيد من مليون ومائة ألف موظف. ونتيجة لذلك، سيرتفع متوسط الأجور الصافية من 8.237 درهم سنة 2021 إلى 10.100 درهم سنة 2026، بينما سيبلغ الحد الأدنى للأجور 4.500 درهم ابتداء من يوليوز 2025. أما على مستوى الاتفاقات القطاعية، فقد خصصت الحكومة غلافا ماليا قدره 17 مليار درهم لقطاع التربية الوطنية، استفاد منه حوالي 330 ألف موظف من زيادة شهرية تبلغ 1.500 درهم، إلى جانب تحسينات في التعويضات والترقيات. وفي قطاع الصحة، بلغت كلفة الحوار الاجتماعي 3.5 مليار درهم، همت الرفع من الأجور والتعويضات عن الأخطار المهنية، وإدماج زيادات لفائدة الملحقين العلميين بقيمة 1.800 درهم شهريا بأثر رجعي منذ يناير 2023. أما في قطاع التعليم العالي، فقد تم تخصيص 2 مليار درهم لتحسين التعويضات النظامية للأساتذة الباحثين ب3.000 درهم، مع تسريع وتيرة ترقياتهم المهنية. وعلى صعيد القطاع الخاص، تم رفع الحد الأدنى للأجر في الأنشطة غير الفلاحية من 2.638 درهم سنة 2021 إلى حوالي 3.200 درهم سنة 2026، بزيادة تقارب 20%. كما تم رفع الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي إلى 2.360 درهم، في أفق توحيد الأجر الأدنى بين القطاعين في أفق سنة 2028، وهو إجراء من شأنه تحسين الأوضاع المعيشية لأزيد من مليوني مستفيد. وفي خطوة موازية، انطلقت الحكومة في مراجعة نظام الضريبة على الدخل ابتداء من يناير 2025، وهو ما مكن فئات واسعة من الأجراء من تحسين قدرتهم الشرائية بما يصل إلى 400 درهم شهريا، خاصة بالنسبة للطبقات الوسطى. وعلى المستوى التشريعي، تم الإعلان عن تقدم في مسار اعتماد القانون التنظيمي للإضراب، في توافق مع الفرقاء الاجتماعيين والدستوريين، بهدف تحصين هذا الحق وضمان استمرارية الخدمات الحيوية، مع تقليص آجال التفاوض في القطاع الخاص إلى 7 أيام فقط. وتؤكد الحكومة عزمها مواصلة تنزيل هذه الإصلاحات الهيكلية والاجتماعية، من خلال صرف الشطر الثاني من الزيادات في الأجور، واستكمال الملفات الفئوية العالقة، ومراجعة الأنظمة الأساسية لمختلف الهيئات، إلى جانب تنزيل إصلاح شامل لأنظمة التقاعد، وفق مقاربة تشاركية تحترم الحقوق المكتسبة وتستند إلى مبادئ الحكامة والتوازن الاجتماعي.