في جولة قصيرة ل"المغربية" ببعض الأماكن، ومعاينة يومية لبعض الأحياء والأزقة القديمة، يظهر أن مدينة الدارالبيضاء مازالت لم تتخلص بشكل واضح من النفايات. أحمد بريجة نائب عمدة مدينة الدارالبيضاء فالنفايات تنتشر على الجنبات والممرات، إثر تكدسها بكميات لا تسعها حاويات القمامات، أو بفعل لا مبالاة بعض المواطنين وإلقائها عشوائيا، بصرف النظر عن قتامة المشهد، الذي يخلفه انتشار النفايات والأزبال في أوساط الدارالبيضاء، وإن كان مجلس المدينة سعى، منذ 2004 إلى تجاوز تبعات هذه الظاهرة، من خلال تعاقده مع ثلاث شركات تعنى بجمع النفايات والتخلص منها، اعتمادا على صفقة "التدبير المفوض" لمدة عشر سنوات، قصد الحفاظ على نظافة المدينة وضمان بيئة سليمة. تتأهب مدينة الدارالبيضاء في المدى القريب إلى تحقيق مجموعة مشاريع تنموية، تهم قطاعات اقتصادية وسياحية واجتماعية وبيئية، إذ مثل قطاع النظافة نسبة مهمة داخل الأوراش المفتوحة حاليا بالمدينة، قصد النهوض بها على نحو يجعل منها مدينة تتمتع بمعايير التمدن والتنظيم والنظافة، في مقابل احتفاظها بالخصوصيات التاريخية والتراثية، حسب ما عبر عنه عدد من المسؤولين بمجلس مدينة الدارالبيضاء. وانطلاقا من أن الدارالبيضاء مدينة كبيرة آهلة بالسكان ترتفع معها وتيرة الحياة في كل المجالات لتنعكس تجلياتها على الواقع البيئي للمدينة، فإن مجلسها ارتأى، منذ سنة 2004، تسيير قطاع النظافة اعتمادا على التدبير المفوض لشركات تتقاضى عن مهامها في جمع النفايات تبعا لمعيار "الحمولة". تختلف أنواع النفايات بين النفايات المنزلية والنفايات الصناعية والنفايات الطبية، لتقدر تكلفة جمع النفايات والتنظيف بما يناهز 52 مليار سنتيم كل سنة، حسب إفادة أحمد بريجة، نائب عمدة مدينة الدارالبيضاء ل"المغربية". وتتوزع مهام الشركات المعنية والمتعلقة ب"تيكميد"، و"سيطا"، وسجيدما"، في جمع الأزبال الضخمة، واعتماد الكنس اليدوي، والكنس بالشاحنات، وجمع النفايات وتنظيف الأماكن. كما يجد المعنيون في مجلس المدينة أن من عوامل نجاح المشاريع المزمع تحقيقها في أجل قريب، تحسين بيئة الدارالبيضاء في كل مناحيها، حتى تكون مشاهدها الحضارية منسجمة، اقتناعا بأن نظافة المدينة، جزء من تطور الحياة بالمدينة في كل المجالات والقطاعات. التعاقد كان اضطرار قال أحمد بريجة، نائب عمدة مدينة الدارالبيضاء، في تصريح ل"المغربية"، إن اعتماد طريقة "التدبير المفوض" لشركات أجنبية، كان اضطرارا وليس اختيارا، بحكم أن المدينة كانت تعاني بشكل كبير مشكل النفايات، لأنها مدينة كبيرة وتحتضن نسبة سكان مهمة، ومن ثمة فإن تدبير المرافق العمومية أصبح من مهام الشركات المتعاقد معها، منذ سنة 2004، إذ استطاعت في السنوات الأولى تخليص الدارالبيضاء من إكراهات انتشار النفايات وتراكمها في عدد من الأماكن والأرجاء". وأوضح بريجة أن المدينة استفادت من خدمات هذه الشركات، بعد أن عاشت نقلة نوعية في قطاع النظافة، خاصة خلال أربع سنوات الأولى، غير أن مشكل النفايات برز من جديد لأسباب لم تُؤخذ بعين الاعتبار عند التعاقد معها، وهو التوسع العمراني، الذي تشهده المدينة بموازاة تزايد عدد السكان. وأضاف أن "بروز مشكل النفايات بالدارالبيضاء بدأ منذ سنة 2009، في ظل توسع المدينة، بعدما ازدادت الأحياء السكنية، دون أن ترتفع قيمة التكاليف المخصصة لقطاع النظافة، ولهذا فالمجلس هو الآن في صدد مراجعة العقود، بعد أن تنتهي مدة العقود المبرمة مع الشركات الثلاث سنة 2014، من أجل تفعيل خدمات قطاع النظافة، تماشيا مع الواقع الجديد للمدينة". في السياق ذاته، ذكر بريجة أن بعض الأحياء والمرافق التي كانت من قبل تابعة لجماعات قروية أصبحت تحت مسؤولية مجلس المدينة، كما هو الشأن بالنسبة لمناطق بسيدي مومن، والهراويين، ودار بوعزة، وليساسفة وغيرها، والمجلس سيراعي في الأفق القريب هذا التوسع، قصد وضع دفتر تحملات جديد يتوافق وحجم الاحتياجات. جهود حثيثة أكد بريجة، خلال استفساره عن إمكانية تعاقد المجلس مع شركات أخرى غير الشركات الثلاث (تيكميد وسيطا وسجيدما)، أن هناك منافسة قوية حول قطاع النظافة من قبل شركات أخرى ستنافس هذه الشركات الأجنبية، خاصة أن هناك مقاولات وطنية تعتزم التعاقد مع مجلس المدينة، مجرد انتهاء مدة العقود المبرمة سنة 2004، وهو ما سيقود في غالب الأحيان إلى تقديم أحسن الخدمات في هذا القطاع، مادامت عدة شركات تنوي الاستثمار فيه مع التزامها بتقديم خدمات ذات جودة ومردودية ناجعة، للرفع من نظافة المدينة. وكانت قيمة التكاليف التي يرصدها مجلس المدينة في قطاع النظافة كل سنة تقدر بحوالي 24 مليار سنتيم سنة 2004، ليرتفع المبلغ إلى 52 مليار سنتيم كل سنة، وهي قيمة قابلة للارتفاع بموازاة ارتفاع حجم الاحتياجات والتوسع العمراني للمدينة وازدياد النمو الديموغرافي، حسب بريجة. وأضاف أن هناك جهودا للرفع من الخدمات التي تهم قطاع النظافة، مع التفاؤل بتجديد أسطول الشاحنات، ثم تجديد حاويات القمامات، وكذا الزيادة في عدد العمال وتحسين وضعيتهم المهنية، حتى يكون عطاؤهم ملائما لحجم متطلبات مدينة تحتضن عددا كبيرا من السكان وتضم مرافق ومراكز ومركبات وأحياء ومؤسسات كثيرة ومتنوعة الاختصاصات. ومن بين المشاريع المسطرة للرفع من جودة البيئة داخل الدارالبيضاء المثقلة بالتحديات والإكراهات، بسبب ارتفاع النمو الديوغرافي فيها، هناك مشروع محاربة التلوث بمنطقة شرق المدينة، بجمع المياه المستعملة التي تصرف حاليا في عمق البحر، وسينجز هذا المشروع على مساحة 150 هكتارا، 40 منها في عين حرودة، وسيكون مشروع معالجة المياه بالمنطقة الصناعية سيدي البرنوصي. كما أن هناك مشروع تهيئة مطرح نفايات مديونة، عن طريق بناء جدار، إلى جانب تشييد بنايات أخرى ومرائب وتبليط الطرقات، ثم إنشاء خزانات مائية بمساحة 8 هكتارات مربعة، وخلق مصارف عمودية وأفقية لسحب البيوغاز، وكذا خلق 3 جسور، وكلفة المشروع تقدر ب 67 مليون درهم كل سنة. ويرى بريجة أن "نجاح المجهودات المبذولة لخلق مدينة نظيفة رهين بالتجاوب الإيجابي مع هذا القطاع، لأنه يدخل ضمن مسؤولية الجميع، سواء المواطن أو الجمعيات المدنية أو المعنيين بالشأن المحلي، أو الشركات والمؤسسات". ومن شأن تحسين البيئة داخل مدينة الدارالبيضاء أن سيساعد سكانها وزوارها على العيش في ظروف اجتماعية واقتصادية، على نحو مريح ومطمئن، لأن النظافة حافز مهم في تحسين نفسية المواطن وتشجيعه على المشاركة في تقدم المجتمع، إلى جانب أن نظافة المدينة هو شق من ثقافتها. وقال مسؤولون في مجلس المدينة، ل"المغربية"، إن المجلس لديه "تطلع كبير، ويسعى سعيا حثيثا للرفع من جودة بيئة المدينة في سياق المشاريع التنموية المبرمجة".