توحيد تدبير التأمين الصحي وتمديد استفادة الطلبة.. أبرز مستجدات مشروع قانون "أمو" الجديد    "بعد الرجة التي أحدثها".. بنسعيد يقدم بالبرلمان مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    الخلفي: "مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة نكسة دستورية وتراجع عن التنظيم الديمقراطي للمهنة"    بنسعيد يقدم شروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة ويعلن رفع تمثيلية "الناشرين"    بنك المغرب: 58% من المغاربة يمتلكون حسابات بنكية بنهاية 2024    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الحسابات الوطنية توضح المسيرة الإيجابية للاقتصاد الوطني    «المغرب يطلق أشغال محطة جوية عملاقة بالدار البيضاء بقيمة 15 مليار درهم لمواكبة التظاهرات العالمية»    بسبب مخاطر السباحة في السدود..إطلاق حملات تحسيسية واسعة لتفادي حوادث الغرق خلال فصل الصيف    أصيلة تحتضن الدورة الخامسة للأكاديمية المتوسّطية للشباب من 11 إلى 19 يوليوز    إسرائيل تؤكد اغتيالها لمسؤول عسكري في حزب الله    لبؤات الأطلس في اختبار حاسم أمام الكونغو الديمقراطية في ثاني جولات ال"كان"    زخات رعدية قوية مرتقبة اليوم الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    الرشيدية… النيابة العامة توضح ملابسات وفاة طفل بومية وتنفي تعرضه لاعتداء جنسي أو جسدي    بني بوعياش: عملية أمنية ناجحة تسفر عن اعتقال مروج مخدرات وحجز كميات كبيرة من الكوكايين    نسبة تقدم أشغال إنجاز سد الرتبة بإقليم تاونات تصل إلى حوالي 30 في المائة (وزير)    يوم تواصلي حول المشاريع العملية المقترحة لتأهيل مركز جماعة تنقوب ودوار الزاوية    مصرع شابة وإصابة 3 آخرين في حادثة مروعة    السرعة والإهمال يواصلان حصد الأرواح في المدن المغربية    بقيادة حكيمي .. باريس سان جيرمان يقارع ريال مدريد في نصف نهائي مثير    نجل أنشيلوتي يتولى تدريب بوتافوغو البرازيلي    المغرب يستقبل الجميع بحفاوة والجزائر ترد بالتجاهل والمراهقة الدبلوماسية في كان السيدات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    دراسة: التغير المناخي زاد وفيات الحر 3 مرات في المدن الأوروبية    أَسيرُ حرب: السَّرد الجريح    سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة    رياض: "أبذل قصارى جهدي للعودة للميادين وهدفي هو المشاركة في "الكان"    الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025    تجدد الدعوات لمقاطعة المنتدى العالمي لعلم الاجتماع بالرباط بسبب مشاركة إسرائيل    بينهم أطفال.. مقتل 26 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على قطاع غزة    فتى يقتل طفلا ويصيب بجروح طفلة ومعلمة داخل مدرسة في البرازيل    سيرغي لافروف يزور كوريا الشمالية    المطارات المحلية الأمريكية تتخلص من خلع الأحذية أثناء التفتيش    علاقة الدولة بالمجتمع وسوء الفهم الكبير.. محاولة للفهم    أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    مجلس المستشارين يصادق في قراءة ثانية على مشروع قانون المسطرة المدنية    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي (2-0)    الدوري الإنجليزي لكرة القدم.. سندرلاند يضم الظهير الأيسر رينيلدو ماندافا قادما من أتلتيكو مدريد الإسباني    فرص أكثر للشباب والنساء .. التشغيل يتصدر أجندة حكومة أخنوش    من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا        ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بخصوص قضية العامية والفصحى
نشر في المساء يوم 10 - 11 - 2010

منذ مدة ليست بالوجيزة، تثار قضية، طرفاها الفصحى والعامية، بين أقطاب ورموز فكرية، يجمعها السجال الفكري وواقع الحال، وتفرقها التوجهات والقناعات، الكتلة الأولى تنطلق من مسلمة الحفاظ على التراث والهوية، والثانية من مسلمة تكييف الخطاب مع الأمة.
وقبل الدخول في هذا السجال الذي لا يختلف عن سجالات قديمة حديثة، متعلقة بالثنائيات المشهورة: تراث/حداثة، تأصيل/تحديث، استشراف/استغراب، أقول يلزم تأطيره شرعيا، أي استقصاء ضرورات تشريع الاجتهاد الفكري.
هل من قضية؟
بالعودة إلى طرفي القضية، لنا بعض التوضيحات، الفصحى لا تناظر العامية بالمعنى الغالب على الفهم، لماذا؟
على المستوى اللغوي، الفصحى صفة متكلم، وليست اسما قائما بذاته ومستقلا عن الأفراد كقولك شجرة. الفصحى ترميز صريح أو ضمني يشتغل على التوليفات الصوتية لإيصال خطاب معين، تصريحا أو تضليلا، بدون عجمة ولا تلكؤ أو تلعثم. تحيلنا الفصحى، إذن، على قوة صوتية مؤثرة، على نوع من السحر، على قدرة بلاغية تبليغية. والفصحى، أساسا، ماهيتها شفاهية، حركة مطابقة للهدف على المستوى الإبستيمي. وفصحاء عكاظ ، مثلا، يعون، شأنهم شأن المتخصصين في تحليل نظم الخطاب، قيمة الحرف، فما بالك بالكلمة، إذ إن اختيار كلمة دون أخرى لا يخضع فقط لمعايير الجمال والمجانية. الفصحى لغة طبعيه تدل على طبيعة الإنسان وتؤشر على جنسه ونسبه، على شيمه وشينه، على هواجسه وتطلعاته، وهي على سلاستها وحرارتها(onalité) أقرب إلى أمازيغية الجبال، جدا جدا، منها إلى شبه فصحى الكثير من المعربين ومفرنسي (et bah puf). الفصحى قيمة ذاتية وموضوعية تتعارض مع لغة الخشب والإنشاءات المبتدعة. تطرح إذن، هاهنا، قضية تأطير القضية، وهو ما يجعل القضية لاغية.
الأكثر من ذلك، العامية لا تناظر العامية، والعامية تناظر العلمية. معنى ذلك أنه إذا تكلم أحدهم بالأمازيغية -مثالا لا تحيزا- دون تلكؤ ولا تخريف فقد أفصح، وإذا ولف من شاء أن يكون -حدثا لا شخصا- كلمات موجودة في «منجد الطلاب» دون أن يفصح أو يقصد فقد عمى.
لغة الجزيرة، مثلا، هي أساسا لغة معيارية خاضعة لقوانين النحو والتحرير. أن نصفها بالفصحى فذلك لا يزيدها أو ينقصها شيئا، لأنها لغة حاملة لتوجهات ومساطير خاصة، لخطاب إعلامي محدد، وفي خضم واقع سياسي عربي معروف، ولأنها (الفصحى)، من جهة أخرى، وقد سقنا ذلك، لغة للتواصل الطبيعي الحي مرتبطة ببيئة وثقافة وقدرات متباينة خاضعة لما هو ذاتي وموضوعي.
أما بخصوص «العامية»، يحمل هذا المفهوم نوعا من الصفات السلبية المدمجة والملصقة بطريقة آلية ولا واعية، إذ يحيل على العامة والعمى. وكلنا يتفق على أن الفكر الموضوعي عليه أن يتجنب القيم المعيارية الأخلاقية. إن تأصيل هذا المصطلح راجع بالأساس إلى الأفكار الأرستقراطية، ونجد تجذرا ته في التعصب القبلي، وفي فكرة أرسطو حول نوع المعرفة المدرسة، إذ يفرق بين معرفة خاصة تلقن لخاصة الناس، ومعرفة عامة تدرس للعوام. وقد تكون نخبوية الطبقة المفكرة وارتباطها بالساسة في إطار علاقة السلطة بالمعرفة. وكذلك التبرج -من البرج- العاجي للمفكر أسهم في توليد هذه النظرة التحقيرية للأنساق العقلية والدلالية للجمهور.
المحصول التركيبي لما جرى ذكره أن هناك تضييقا قيميا على الفكر الشعبي وشبه انحياز محسوب نحو لغة الخطاب السياسي القانوني: اللغة باعتبارها قواعد. ما يؤكد ذلك أن فصحى قريش سابقة على نزول القرآن وعلى تقعيد اللغة. ألا يمكن، إذن، الحديث عن سياسة تمييز لغوي شأنه شأن التمييز الإثني والجنسي، مادامت اللغة وعاء فكريا وواقعا اجتماعيا محضا قابلا للتطور إلى معايير قانونية حاملة لتوجهات وأخلاق الطبقة السياسية المتطلعة إلى الحكم؟
يحيلنا هذا على نتيجتين أساسيتين. بالعودة إلى القضية، وإن كانت شكلية ومبتذلة، لا يمكن لمن شاء ومن منطلقات تعويم الخطاب وتأميم المعلومة، استسهال الفكر المسمى هكذا عاميا، دون استحضار القيم الشعبية وتأطيرها سوسيوسياسيا. ثانيا، الخطاب مستقل عن الشكل الذي يصاغ فيه، فمحددات الخطاب بالعودة إلى جاكبسون، ليست فقط القناة - في زمن تعددت فيه القنوات- ولكن كذلك المتكلم، المخاطب، القصدية، ولأن الرمز/الدلالة مستقل عن المدلول/المعنى؟
ألا يمكن، إذن، تجديد طرفي القضية، أحدهما لغة الخشب، لغة الارتزاق والترف الصالوني، شكلية ومعيارية، والطرف الآخر، لغة تنويرية ديمقراطية ذات عمق سياسي وإجرائية بنائية علمية. ما سواهما فهو نبض الحياة بآهاته وأفراحه، يستقطب الأميين والمثقفين على حد سواء.
الكلام جرح، الخيال ذكرى، والواقع وقع كلمات.

محمد أغشوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.