الفريق الاستقلالي يدعو إلى إحالة أوزين على لجنة الأخلاقيات بعد ملاسنات مع أحد نوابه    كوبونات الخصم: مزاياها وكيفية استخدامها عند التسوق اونلاين    "الأشبال" يستعدون لتونس بالإسماعيلية    طعنات تنهي حياة شاب بباب تازة    من جنسية مغربية.. توقيف آخر المتورطين في مقتل عنصرين من الحرس المدني بإسبانيا    شركة Baleària تُطلق خطًا بحريًا جديدًا يربط طريفة بطنجة المدينة ابتداءً من 8 ماي    التقدم والاشتراكية يدعو إلى تعزيز الدبلوماسية البرلمانية والجبهة الداخلية للدفاع عن مغربية الصحراء    حادثة سير مميتة بطنجة.. مصرع سائق دراجة نارية إثر اصطدام عنيف    احتفالية نزاهة الملحون بمكناس تعرف مشاركة من مدينة العرائش    الموسم الفلاحي .. توقع تسجيل زيادة بنسبة 41 في المائة من محصول الحبوب الرئيسية    وزارة الداخلية تشدد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    احجيرة: 8 آلاف سيارة مغربية بمصر    شركة صينية تُحوّل استثمارها من إسبانيا إلى طنجة    البواري: 80 بالمائة من مربي الماشية بالمغرب "كسابة" صغار ونشتغل على إعادة تشكيل القطيع الوطني    مدارس السياقة ترفض الصيغة الجديدة للامتحان وتطالب برخصة خاصة "بالأوتوماتيك"    العروي.. الشرطة القضائية توقف "الصيد الثمين" في حملة أمنية ضد مروجي المخدرات    جهة الشرق تسجل أعلى معدل بطالة في المغرب    نتنياهو يعلن المصادقة على توسيع إبادة غزة بما في ذلك احتلالها    لفتيت يستقبل الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية الموريتاني المكلف باللامركزية والتنمية المحلية    الدريوش توضح حيثيات تصريح الداخلة: دعم مشاريع الأحياء المائية موجه للمبادرات وليس للأفراد وعدد المستفيدين بلغ 592 مستفيدا    الحسيمة تحتفي بالسينما الفرنسية ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة التهديد بارتكاب اعتداءات جسدية قاتلة في حق مرتادي الملاعب الرياضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمال «موغناطيكس» بسلا يشككون في «إفلاس» الشركة ويطالبون بالعودة إلى عملهم
مازالوا مستمرين في اعتصامهم منذ شهور ويطالبون الحكومة بالتدخل لإنقاذهم
نشر في المساء يوم 17 - 02 - 2011

معاناة حقيقية تلك التي يعيشها عمال شركة «موغناطيكس» ال1500، بعد إغلاق مصنعهم وعدم اهتمام الحكومة بإخراجهم من الأزمة، حيث تراكمت عليهم المشاكل
وصاروا مهدَّدين بالتشرد والطرد من المنازل التي يكترونها وبالتفكك الأسري. وتتلخص كل مطالب هؤلاء العمال في أن تقف الحكومة إلى جانبهم وتستمع إلى شكاواهم وتساعدهم على إيجاد الحل. الروبورتاج التالي يسلط الضوء على هذه الحكاية التي لم توضع لها نقطة النهاية بعدُ...
أجواء باردة تطبع الحياة هنا داخل الحي الصناعي لمدينة سلا. الطريق خالية إلا من بائع «صيكوك» تجمعت حوله فتيات رمت بهن الظروف إلى هذا المكان، طلبا للقمة خبزٍ حلال. الشمس آذنت بالرحيل وتوارت خلف غيوم نثرتها الريح الخفيفة هنا وهناك، فاسحة المجال لليل آخر، مظلم بارد، قارس وقاس... حتى جدران المعامل الملتصق بعضها ببعض، علاها الغبار وذهب عنها بريق طلائها ولا تكاد تسمع لآلاتها صوتا، ولولا لافتات تدل على أسماء معامل ومصانع مختلفة، لظن الزائر أنه يتواجد في حي «مهجور» وليس وسط حي صناعي من المفترَض أن يملأ ضجيجه المكان ويقطع مستخدَموه الطريق، جيئة وذهابا. لكن ما لا يعلمه الكثيرون، وخاصة من المسؤولين، هو أن هذه الجدران المهترئة تُخفي وراءها زفرات وأنات وآهاتٍ لمئات العمال، يعانون، في صمت، من استغلال بشع لجهدهم ولعمرهم ويقاومون «الذل والهوان»، حفاظا على راتب هزيل يُحصّنهم ضد الجوع والتشرد، وهو السيناريو الذي يهدد نحو 1500 شخص من عمال شركة «موغناطيكس» للنسيج. البحث عن مقر هذه الشركة «مهمة» ليست بالسهلة، تقطع السيارة الطريقَ والأزقة جيئة وذهابا دون جدوى، وحتى عدد من الحراس الذين تصادف وجودهم أمام مقرات المعامل التي يشتغلون فيها يؤكدون لك أنهم لا يعرفون شركة اسمها «موغناطيكس»، رغم أن الأخيرة تقع على بعد أمتار قليلة فقط منهم.. يبدو أن الناس يعيشون غربة حقيقية هنا، ولا أحد منهم تحذوه الرغبة في الربط بين هذه «الجزر» المتناثرة، وكل ما يشغل بالهم هو انتظار الراتب في كل شهر ومواجهة الديون الكثيرة، ومصاريف الحياة اليومية.
داخل شركة «موغناطيكس»، لا تختلف الحياة كثيرا عما هي عليه خارجها: أجواء البرودة تعم المكان والآلات جامدة في مكانها وعيّنات من المواد الخام مرصوصة بجانبها، وكأن تلك الآلات توقفت عن العمل للتو، في حين تناثرت مجموعة العمال المعتصمين هنا وهناك داخل المصنع تتبادل في ما بينها أطراف الحديث وتبحث مستجدات إغلاق المصنع وسر صمت حكومة عباس الفاسي وتجاهل الأحزاب والمنتخبين لمأساتهم...
«قصص» حزينة...
يحتاج الناس هنا إلى من يستمع إلى «قصصهم» الحزينة المؤلمة، التي بدأت ذات مساء من أواخر شهر أكتوبر 2010، حينما فاجأهم المدير العام، وهو إنجليزي الجنسية، بطلب اجتماع طارئ مع ممثليهم النقابيين وكبار المسؤولين في الشركة، ليؤكد لهم أن «موغناطيكس» قد أفلست ولا مناص من إغلاقها وأن هناك قرارا من لدن المحكمة التجارية بهذا الشأن. التفّ الجميع حول «المساء» داخل مقر الشركة وشرعوا يسردون حكاياتهم المختلفة ومعاناتهم الموحَّدة مع الفقر والتهديد بالطرد إلى الشارع ومع الخوف من السجن، بسبب عجزهم عن تسديد ديون البنوك التي صرفوها إما لإجراء عملية جراحية أو للعلاج من مرض قاتل، كالسرطان، أو لشراء منزل يقي الأسرة تعقيدات الكراء ومشاكله... أكثر ما يقض مضجع العمال هنا إلى جانب إغلاق المصنع وتداعيات ذلك عليهم هو هذا التجاهل المريع للحكومة والمنتخَبين لقضيتهم: «ألسنا مواطنين مغاربة؟» يتساءل أحدهم، وقد اقترب من «المساء»، شاهرا بطاقة تعريفه الوطنية: «أنا مواطن مغربي، هذا هو الدليل، أحب ملكي وأحب بلادي وأعشقها، كافحتُ لسنوات طوال براتب هزيل، والآن أنا في الشارع، فأين هي الحكومة؟»... زميل له يقطع الحديث قائلا: «في البداية، قلنا إن المسؤولين ربما لا يعرفون الأبعاد الحقيقة لقضيتنا، فنظمنا وقفات احتجاجية أمام البرلمان وأمام وزارة الصناعة، وراسلنا الفرق النيابية والمنتخبين، وأدلينا للجميع بالوثائق الخاصة بهذا الموضوع، لكنْ لا حياة لمن تنادي»... كانت آخر تلك الوقفات الاحتجاجية التي نظمها هؤلاء المغلوبون على أمرهم الاثنين، 24 يناير الأخير، أمام مقر وزارة الصناعة والتجارة، والهدف منها كان: «أن يشرح لنا السيد الوزير لغزا واحدا: كيف تسمح هذه الحكومة للمستثمرين الأجانب باستغلال جهد شباب هذه البلاد الطيبة، ثم تغض الطرف عما يجري داخل تلك الشركات؟ ولا تكاد تعترف بآدميتنا، بله مواطنتنا، حينما يفعل فينا الأجانب «الأفاعيل» ويطردوننا ويحرموننا من حقوقنا ويدخلوننا في لعبة القانون والمحاكم التي يستطيعون، بفضل إمكانياتهم الهائلة، مواجهتها وطمس حقائق القضية، بينما نحن، أصحاب الحق ممن أفنوا زهرة شبابهم داخل المصنع، نضيع وسط كل هذا الزحام»... يوضح، باستفاضة، معاذ دريوش، مندوب العمال.
لماذا الإغلاق؟
متحلقين حول «المساء»، الكل يريد أن تصل «رسالته» إلى الوزير الأول، عباس الفاسي، وإلى حكومته، وخاصة وزارتي التشغيل والصناعة، ومضمونها واحد: «كان العمل داخل المصنع يسير بوتيرة عادية، وكانت الطلبات الخارجية على منتوجاتنا في تزايد مستمر، ولدينا وثائق تثبت أن «موغناطيكس» كانت تحقق أرباحا مهمة.. وكما ترون، فالمواد الخامّ ما تزال مصفوفة بالقرب من الآلات، لأن الإعلان عن إغلاق المصنع جاء ونحن نؤدي أعمالنا بشكل عادي جدا»...
«تنتفض» سيدة من مكانها وتشرح ما جرى قائلة: «لقد كنت ضمن فوج تم تسجيله للعمل في اليوم الموالي للإغلاق الذي تزامن مع يوم سبت، والإدارة عادة ما تلجأ إلى تسجيل مستخدَمين للعمل ضمن الساعات الإضافية للوفاء بما التزمت به إزاء الزبناء»... تؤيد زميلة لها، قاربت الأربعينات من عمرها، ما قالته رفيقتها: «مرات ، كنا نضطر لمواصلة العمل حتى ساعات الصباح الأولى، للحفاظ على التزاماتنا مع الزبناء، وفي الوقت الذي تم توقيف العمل، كانت الكثير من الطلبات جاهزة للتصدير». ثم تتعالى الأصوات، من هنا وهناك، تشرح كيف كان ال1500 عامل يكدون بجهد خلال الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر، تحت تشجيعات رؤسائهم، للحفاظ على «سمعة» الشركة أمام الشركات العالمية التي تستورد منها البضاعة، وكيف أن خطة العمل كانت مستمرة بشكل الطبيعي، بل وتحت ضغط شديد من طلبات شركات عالمية. فماذا حدث، إذن؟ ولماذا اتخذ رب المصنع قرار إغلاقه؟... تظهر الوثائق التي يحملها ممثلو العمال، بالدليل، أن الشركة كانت تحقق أرباحا وسجلت أفواجا من العمال ضمن خارطة العمل للساعات الإضافية لليوم الموالي للإغلاق، بل إن الجميع يؤكد وجود كميات مهمة جاهزة للتصدير، هذا هو السؤال الذي يؤرق بال الجميع هنا. بدأت الحكاية يوضح معاذ دريوش قبل نحو عام كامل: «عندما انتهى إلى علمنا إقدام مدير الشركة على خطوة غريبة تمثلت في نقل مجموعة من معدات الشركة نحو وجهة مجهولة وانخراطه في مسلسل تضييقات لا حصر لها ضد العمال». ويتابع دريوش: «عندما شكونا الأمر إلى مسؤولين، ضمنَهم مفتش الشغل، كان الجواب واحدا: لا يوجد في القانون ما يجبر رب الشركة على عدم التحكم في مصنعه»...
المؤامرة...
راجت أحاديث بين العمال تتحدث عن عزم المدير العام، إنجليزي الجنسية، على نقل نشاط الشركة إلى سيريلانكا، لرخص اليد العاملة هناك ولوجود «مؤامرة» تستهدف إنجاح هذا المخطط عبر التضييق على العمال الذين يشتغلون بالحد الأدنى للأجر، لدفعهم إلى الاستقالة وحرمانهم من التعويضات عن الساعات الإضافية، ناهيك عن مضايقات إدارية كثيرة، يقول عنها مندوب العمال: «كنا حريصين -كممثلين نقابيين- على أن نوصل صوتنا إلى مفتشية الشغل لكننا، في الوقت نفسه، كنا -كعمال- مقتنعين بضرورة التهدئة وبعدم اتخاذ خطوات تصعيدية، حفاظا على استقرار الشركة وعلى مصلحتنا، دون أن نكون على علم بما يُدبرَّ للشركة ولنا». وما زاد من حيرة العمال أن عددا من المسؤولين الكبار داخل الشركة، ومباشرة بعد الإعلان عن إغلاقها، فتحوا معامل صغرى يطلق عليها العمال «كراجات»، لمزاولة «الصناعة» نفسها التي كانت تتكلف بها «موغناطيكس»، كما أن رب الشركة أقدم على بيع وتفويت أربعة مقرات كبرى لفروع شركاته، أحدها في مدينة الدار البيضاء. «نحن نطرح أكثر من علامة استفهام حول سبب عدم تحرك الحكومة المغربية، وهي ترى المسؤول يبيع ممتلكاته ويضيق الخناق على عماله وينقل معداته خارج البلاد؟». أكثر من ذلك، وشهورا قليلة قبل الإغلاق، تم نقل الكثير من المهام التي كانت تقوم بها «موغناطيكس» إلى شركة جديدة، يرأسها نجل مسؤول كبير في البلاد.
يعلو صراخ النساء والرجال من عمال «موغناطيكس»، مرة أخرى، عندما بدأ الحديث عن خيوط هذه «المؤامرة»، وتتقدم سيدة التزمت الصمت منذ البداية، تبدو على وجهها علامات الوقار وتزين وجهها التجاعيد، التي تحكي تفاصيل حياة امرأة تكافح الفقر والجوع بكبرياء وأنفة وتخاطب الوزير أغماني قائلة: «سيدي الوزير، أنا عملت داخل هذه الشركة لسنوات طويلة كمنظفة أعول ثلاثة أبناء، وراتبي لم يكن يتجاوز الحد الأدنى للأجور، وبعد صبري على مضايقات لا حصر لها، ها أنذا أجل نفسي مهدَّدة بالتشرد في هذه السن المتقدمة»... وكأن الكلمات لم تعد تكفي لكي تصف هذه السيدة وضعها، تضيف موضحة: «سيدي الوزير.. «الجوع كافر»، فهل أحسستَ في أحد الأيام بمعنى أن تكون مهددا بالجوع؟»... لم تكد السيدة الوقور تنهي كلامها، حتى انفجرت زميلة لها -متزوجة ولها بنت تبلغ من العمر 17 عاما اضطرت لإجبارها على الانقطاع عن الدراسة لكي تساعدها في توفير ثمن كراء المنزل: «السبب في ذلك تشرح السيدة هو أنني أقنعت زوجي بأن نكتري منزلا بعيدا عن أسرته والتزمتُ أنا بأداء واجب الكراء، والآن بعد توقف العمل في المصنع، اضطررت لدفع ابنتي إلى العمل بمبلغ لا يتجاوز 1000 درهم شهريا، فكيف سنأكل ونشرب وكيف سنشتري الملابس وندفع مصاريف الحياة اليومية؟ هل تريد هذه الحكومة أن تدفعنا إلى الشارع؟».. ولم تكد تنهي جملتها الأخيرة، حتى اغرورقت عيناها بالدموع واختنقت الكلمات في حلقها، قبل أن تتابع: «المئات من السيدات المتزوجات مهددات بالطلاق، وقد تشتت ثلاث أسر إلى حد الآن، بسبب تداعيات إغلاق المصنع، والكثير من الفتيات أصبن بأمراض مهنية مزمنة، وهن -رغم ذلك- يعُلن ب»السميك» المرضى من أسرهن، فكيف، بالله عليك، سيواجهن هذا الوضع؟ أريد من السيد عباس الفاسي أن يجيبني عن هذا السؤال: لماذا يتركوننا لوحدنا وسط كل هذا القهر؟»...
أين هي الحكومة؟
مآسٍ بالجملة، لا تكاد تنفع في وصفها الكلمات، يعيشها هؤلاء في مدينة سلا، على بعد دقائق قليلة من العاصمة، فهذه تصرف على أمها المريضة في الخميسات وتكتري منزلا في سلا.. وذاك اضطر لأخذ قرض يسدده على مدى 7 سنوات، لمعالجة أمه المصابة بداء السرطان.. وآخَرُ جلب زوجته وأطفاله الثلاثة للعيش داخل المصنع بعدما طُردوا من المنزل الذي كان يكتريه.. وأولئك يعيشون مأساة الخوف من بيع منزلهم في المزاد العلني، كما تهددهم البنوك... ووسط كل ذلك، يبقى الحديث عن الأطفال وحده ما يجعل الأفواه تصمت، تاركة المجال للعيون لتذرف دموعها: «لقد اضطررنا لإلى إعادة تسجيل أبنائنا في مدارسَ عمومية، بعدما عاشوا لسنوات وسط زملائهم في المدارس الخاصة، ولم نعد نستطيع تلبية طلباتهم، رغم أنها مطالب «بسيطة وعادية»، وقد كله سبب لهم مشاكل نفسية كثيرة، فهل يستطيع السيد الوزير أن يتفهم هذا الوضع، وهو يجلب لأبنائه كل ما يريدون؟»...
هكذا تحدث العمال عن وضعيتهم، وهم يغالبون عبَراتهم التي انسابت من أعينهم المتقرحة من كثرة السهاد والتفكير في المصير «الغامض» الذي يتربص بهم وبعائلاتهم... الأطفال، بدورهم، يعيشون المأساة داخل منازلهم وداخل المصنع الذي بناه آباؤهم وأمهاتهم وباقي العمال، فبعضهم يشاركون مع أمه اتهمفي الاعتصام المفتوح منذ شهر أكتوبر 2010، لأن عمال «موغناطيكس»، وخشية أن يقدم رب العمل على «تهريب» المعدات بكاملها، قرروا -بالإجماع- التناوب على التواجد في المصنع دون انقطاع، في هذه الأيام الباردة من ليالي شتاء سلا القاسي... وحدها الابتسامات ولوحات السخرية التي يرسمها هؤلاء المغلوبون على أمرهم تخلق نوعا من الدفء الإنساني وسط هذا «الجليد» الذي يعيشون في صقيعه، وتجعلهم يقاومون وحشة المكان وذُلَّ انتظار رد فعل حكومي يجعلهم يحسون بقيمة مواطنتهم، فساعات الاعتصام داخل المصنع تمر ثقيلة، مملة، وكأنها شدت إلى صم جندل، خاصة وقد تم قطع التيار الكهربائي عنهم وتُركوا لمصيرهم، وسط ظلام دامس...
لكنْ، حتى متى سيطول هذا الوضع؟ سؤال يطرحه العمال خلال نقاشاتهم اليومية. ومن الملفت أن جوابهم دائما يكون واحدا: «قريبا، سنُتمّ شهرنا الثالث ونحن على هذا «الحال»، أصحاب المنازل منحونا مهلة ثلاثة أشهر لنسدد مصاريف الكراء وإلا سيكون مصيرنا الطرد، وهي المدة نفسها التي منحتها لنا البنوك كمهلة لتسديد ما بذمتنا، كما أنها المدة التي سنرفع الجميع بعدها «الراية البيضاء» أمام الفقر والجوع والحاجة... وهو ما يعني أننا وصلنا إلى الدرجة الصفر»، يشرح العمال، مؤكدين أن الحكومة يكفيها أنها «غضت الطرف عن مشكلنا طيلة هذه المدة وآن لها أن تبصر وتتخذ قرارات تحمي مواطنيها الذين عبّروا عن احترامهم للقانون طيلة الفترة الماضية».
اقترب آذان المغرب وبدأت برودة الليل تتسلل إلى المكان، يودعك العمال بأعينهم ودعواتهم، وينصرفون للحديث بينهم مجددا وبحث آخر الاستعدادات لقضاء ليلة جديدة من اعتصام يكاد يتم يومه ال90، دون نتيجة تذكر، وأعينهم تتكلع نحو الرباط، لعل شمس الغد تشرق بالجديد!...


شركة «موغناطيكس» في سطور
بدأت شركة «موغناطيكس» نشاطها في مدينة سلا منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وكانت في ملكية مستثمرين مغاربة قبل أن يتم بيعها لشركة إنجليزية باعتها، بدورها، لشركة أمريكية، لتستقر في نهاية المطاف في ملكية مجموعة اقتصادية صينية. بدأت شرارة الأحداث تتطور في الاتجاه السلبي، بعدما طلب مدير الشركة في شهر أكتوبر 2010 الاجتماع بمناديب العمال وبمسؤولين آخرين ليفاجئهم بقرار توقيف العمل في المؤسسة وإعلان إفلاسها. وأكد المدير خلال اللقاء نفسه أن قرار الإعلان عن إفلاس الشركة جاء بعدما أصدرت المحكمة التجارية قرارا بتوقيف أشغالها ورفض، بشدة، أن يطلع المناديب ومسؤولو الشركة على مضمون تلك الرسالة، التي زعم أنها مضمون قرار المحكمة. وقد راسل العمال ال1500 كلا من الوزير الأول، عباس الفاسي، ووزير التشغيل، جمال أغماني، ووزير الداخلية، الطيب الشرقاوي، وعامل مدينة سلا، بالإضافة إلى كل من رئيسي مجلسي النواب والمستشارين ومختلف الأحزاب ووسائل الإعلام والهيآت النقابية، يطالبونهم بفتح تحقيق في ما يدّعيه مسؤولو الشركة، وتوفير كافة الضمانات القانونية لحماية حقوقهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.