إسرائيل تقتل ثلاثة عناصر من حزب الله    ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    تراجع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم بالمغرب    ضوء النهار الطبيعي يساعد مرضى السكري على ضبط مستويات الجلوكوز    أجواء ممطرة في توقعات اليوم الثلاثاء بالمغرب    الصناعة التقليدية حاضرة بقوة ضمن فعاليات كأس إفريقيا للأمم 2025    تعزية ومواساة    كأس إفريقيا .. صلاح يقود مصر للفوز على زيمبابوي في الوقت بدل الضائع    لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين تصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    افتتاح كأس الأمم الإفريقية بالمغرب: حدث قاري يكشف خلفيات العداء السياسي    بلاغ مشترك توقيع اتفاقية إطار للشراكة والتعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومؤسسة أرشيف المغرب تهم حفظ الذاكرة القضائية    ميسور: حملة واسعة لتوزيع المساعدات الإنسانية لفائدة الأسر بالمناطقة الأكثر هشاشة بجماعة سيدي بوطيب    ماذا تريد الدولة من اعتقال الأستاذة نزهة مجدي؟    تراجع عن الاستقالة يُشعل الجدل داخل ليكسوس العرائش لكرة السلة... وضغوط في انتظار خرجة إعلامية حاسمة        بصعوبة.. مصر تفوز على زيمبابوي 2_1 في أول ظهور بالكان    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تحضيرات المنتخب المغربي تتواصل استعدادا لمباراة مالي    نيويورك.. زهران ممداني يفاجئ مشجعي أسود الأطلس في مطعم مغربي            موندو ديبورتيفو تشيد بحفل افتتاح كان 2025 بالمغرب    حموشي يقرّ صرف منحة مالية استثنائية لفائدة جميع موظفي الأمن الوطني برسم سنة 2025    الحسيمة.. حادثة سير خطيرة على الطريق الوطنية قرب بني عبد الله    بركة: دراسة ترسي حماية جديدة لآسفي.. ونراجع المناطق المهددة بالفيضانات    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    في ندوة وطنية بأزمور لمختبر السرديات: الخطاب والمرجع في النقد المغربي    «لماذا يخطئ المثقفون» صامويل فيتوسي الانحياز الفكري والأخلاقي أمام امتحان الحقيقة    مجموعة «فوضى مورفي» للكاتبة خولة العلوي .. شغف ووعي ورغبة في كتابة نص مختلف    نشرة انذارية جديدة تحذر من تساقطات ثلجية كثفة وامطار قوية    نبض بألوان الهوية المغربية والإفريقية: عرس كروي رفيع المستوى في افتتاح الكان        ختام السنة برياض السلطان تروبادور غيواني بادخ    تصنيف فيفا .. المغرب يحافظ على المركز 11 عالميا    يومية "آس" الرياضية الإسبانية: براهيم دياز.. قائد جديد لجيل واعد    انتقادات حقوقية لتراجع تصنيف المغرب في تنظيم الأدوية واللقاحات    ريدوان يطلق أولى أغاني ألبوم كأس أمم إفريقيا "ACHKID"    تحقيق ل"رويترز": في سوريا الجديدة.. سجون الأسد تفتح من جديد بمعتقلين جدد وتعذيب وابتزاز    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا مع توقع استمرار خفض الفائدة الأمريكية    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    رغم انخفاضها عالميا.. المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع والمستهلك يدفع الثمن    نهائيات كأس إفريقيا للأمم تعيد خلط أوراق العرض السينمائي بالمغرب    ارتفاع أسعار النفط    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    تفاصيل جديدة بشأن "مجزرة بونداي"    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    إعلام إسرائيلي أمريكي: نتنياهو يسعى لتفويض من ترامب لمهاجمة إيران    سعر الذهب يسجّل مستوى قياسيا جديدا    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرأي‮ والرأي‮ الآخر‮
نشر في المساء يوم 16 - 03 - 2011

مررت،‮ كعادتي،‮ زوال‮ الأحد‮ الماضي‮ وسط‮ مدينة‮ الدار‮ البيضاء،‮ فأثار‮ استغرابي‮ وجود‮ عناصر‮ من‮ قوات‮ التدخل‮ السريع‮ ترتدي‮ قمصانا‮ واقية‮ من‮ الرصاص‮. راجعت‮ برنامج‮ الاحتجاجات‮ التي‮ أعلنت‮ عنها‮ الهيئات‮ المكونة‮ لحركة‮ 20‮ فبراير،‮ فلم‮ أعثر‮ سوى‮ على‮ برنامج‮ لوقفة‮ احتجاجية‮ للتعبير‮ السلمي‮ عن‮ مطالب‮ الحركة‮.
مرت‮ ساعة،‮ فبدأت‮ أتوصل‮ بصور‮ التدخل‮ العنيف‮ الذي‮ قامت‮ به‮ عناصر‮ الأمن‮ ضد‮ المحتجين‮ والصحافيين،‮ وهو‮ التدخل‮ المجاني‮ والعبثي‮ الذي‮ لم‮ يكن‮ ليحدث‮ بدون‮ صدور‮ أوامر‮ من‮ وزير‮ الداخلية‮ شخصيا‮.‬
وزير‮ الداخلية‮ هذا‮ إما‮ أنه‮ لم‮ يستمع‮ إلى‮ الخطاب‮ الملكي‮ وإما‮ أنه‮ استمع‮ إليه‮ وفهمه‮ بالمقلوب‮. فعندما‮ تحدث‮ الملك‮ عن‮ تضمين‮ الدستور‮ الجديد‮ حماية‮ الحقوق‮ الفردية‮ والجماعية،‮ فإنه‮ أعطى‮ إشارة‮ قوية‮ إلى‮ دستورية‮ الحق‮ في‮ الاحتجاج‮ والتعبير‮ عن‮ الرأي‮.‬
وما‮ قام‮ به‮ المتظاهرون‮ يوم‮ الأحد‮ يدخل‮ ضمن‮ الأساليب‮ الديمقراطية‮ المتعارف‮ عليها‮ عالميا‮ في‮ التعبير‮ عن‮ الرأي،‮ طالما‮ أن‮ هذا‮ التعبير‮ كان‮ سلميا‮ وحضاريا‮ ولا‮ يشكل‮ أي‮ تهديد‮ للأمن‮ العام‮.‬
هناك‮ إذن،‮ وعلى‮ مستوى‮ وزارة‮ الداخلية،‮ صعوبة‮ في‮ فهم‮ مضامين‮ الخطاب‮ الملكي،‮ جعلت‮ سعادة‮ الوزير‮ يعتبر‮ احتجاج‮ المواطنين‮ بعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ شكلا‮ من‮ أشكال‮ تقليل‮ الأدب‮ على‮ الملك‮.
إن‮ هذا‮ الفهم‮ المخزني‮ العتيق‮ للعلاقة‮ التي‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ بين‮ الملك‮ والمواطنين‮ لم‮ يعد‮ له‮ مكان‮ في‮ مغرب‮ ما‮ بعد‮ خطاب‮ التاسع‮ من‮ مارس‮. ويبدو‮ أن‮ هناك‮ أشخاصا‮ داخل‮ الدولة‮ لازالوا‮ يعتقدون‮ أن‮ كل‮ من‮ عارض‮ الملك‮ يجب‮ أن‮ يتم‮ تكسير‮ أسنانه‮ وضلوعه‮.
لا‮ يا‮ سادة،‮ أولئك‮ الذين‮ لديهم‮ رأي‮ مخالف‮ لما‮ جاء‮ في‮ الخطاب‮ الملكي،‮ لديهم‮ كامل‮ الحق‮ في‮ التعبير‮ عن‮ هذا‮ الرأي،‮ بدون‮ أن‮ ينتهوا‮ إلى‮ مخافر‮ الأمن‮ أو‮ غرف‮ المستعجلات‮ مثلما‮ حدث‮ يوم‮ الأحد‮.‬
إن‮ الديمقراطية‮ الحقيقية‮ هي‮ تلك‮ التي‮ تسمح‮ للجميع‮ بالتعبير‮ داخلها‮ بحرية،‮ وتعطي‮ الكلمة‮ الفصل‮ في‮ الأخير‮ للشعب،‮ بدون‮ وصاية‮ من‮ أحد‮.‬
إذا‮ كانت‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ والهيئات‮ السياسية‮ والنقابية‮ والشبابية‮ المشكلة‮ لها‮ قد‮ رأت‮ في‮ ما‮ أتى‮ به‮ الملك‮ شيئا‮ إيجابيا،‮ لكنه‮ لا‮ يستجيب‮ لمطالب‮ الحركة‮ التي‮ تطالب‮ بحل‮ الحكومة‮ والبرلمان‮ وتشكيل‮ حكومة‮ تصريف‮ أعمال‮ والإعداد‮ لانتخابات‮ سابقة‮ لأوانها،‮ فمن‮ حقها‮ أن‮ تقرر‮ الاستمرار‮ في‮ الاحتجاج‮ المنتظم‮ والسلمي‮ في‮ الشارع،‮ لأن‮ الحق‮ في‮ الاختلاف‮ هو‮ أحد‮ الحقوق‮ الفردية‮ والجماعية‮ الأساسية‮ التي‮ تنص‮ عليها‮ جميع‮ الدساتير‮ الديمقراطية‮.
فهذه‮ الحركة‮ قبل‮ كل‮ شيء‮ تمثل‮ 0.1‮ في‮ المائة‮ من‮ المغاربة‮ إذا‮ أخذنا‮ نسبة‮ ال37‮ ألفا‮ التي‮ أعلنت‮ عنها‮ الداخلية‮ للمشاركين‮ الذين‮ خرجوا‮ في‮ كل‮ مدن‮ المغرب‮ يوم‮ 20‮ فبراير‮ وقسمناها‮ على‮ 30‮ مليون‮ مغربي‮ الذين‮ يشكلون‮ سكان‮ المغرب‮. وإذا‮ خرج‮ مليون‮ مغربي‮ يوم‮ 20‮ مارس،‮ فإن‮ هذه‮ الحركة‮ ستصبح‮ معبرة‮ عن‮ رأي‮ 3‮ في‮ المائة‮ من‮ المغاربة،‮ وهذه‮ الفئة‮ من‮ الشعب‮ من‮ حقها‮ أن‮ تعبر‮ عن‮ رأيها،‮ سواء‮ في‮ الشارع‮ أو‮ في‮ وسائل‮ الإعلام‮ العمومية،‮ بطريقة‮ سلمية‮ ومنظمة‮ بدون‮ أن‮ تتعرض‮ للتعنيف‮ أو‮ التضييق‮ أو‮ الاعتقال‮.‬
وفي‮ مقابل‮ ذلك،‮ يجب‮ على‮ قياديي‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ أن‮ يقبلوا،‮ في‮ إطار‮ الديمقراطية،‮ بوجود‮ فئات‮ أخرى‮ من‮ المغاربة‮ لديها‮ رأي‮ آخر‮ في‮ الموضوع‮ لا‮ يساير‮ بالضرورة‮ توجهاتهم‮ السياسية‮ ومواقفهم‮ الإيديولوجية‮.‬
هذه‮ الفئات‮ الأخرى‮ تعتقد‮ أن‮ مطلب‮ حل‮ الحكومة‮ والبرلمان‮ الذي‮ تنادي‮ به‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ هو‮ تحصيل‮ حاصل،‮ فعمر‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ لن‮ يتجاوز‮ الخريف‮ المقبل‮ من‮ هذه‮ السنة،‮ ومن‮ يرجع‮ إلى‮ الخطاب‮ الملكي‮ سيعثر‮ على‮ جملة‮ تفيد‮ بأن‮ الحكومة،‮ التي‮ ستحكم‮ المغاربة‮ بعد‮ طرح‮ الدستور‮ الجديد‮ للاستفتاء‮ والتصويت‮ عليه‮ من‮ طرف‮ الشعب‮ بالموافقة،‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ حكومة‮ منتخبة‮.‬
والحال‮ أن‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ ليست‮ كلها‮ حكومة‮ منتخبة،‮ فداخلها‮ يوجد‮ عشرة‮ وزراء‮ غير‮ منتخبين،‮ بمعنى‮ أن‮ عباس‮ الفاسي‮ بمجرد‮ ما‮ ستنتهي‮ اللجنة‮ من‮ إعداد‮ الدستور‮ في‮ نهاية‮ جوان‮ وتطرحه‮ للاستفتاء‮ لكي‮ سيصوت‮ عليه‮ المغاربة،‮ سيكون‮ مضطرا،‮ في‮ حالة‮ قبول‮ الدستور‮ الجديد،‮ إلى‮ تقديم‮ استقالته‮ على‮ الملك‮ وحل‮ حكومته‮ وإجراء‮ انتخابات‮ سابقة‮ لأوانها‮ من‮ أجل‮ تشكيل‮ حكومة‮ منتخبة‮ لا‮ تتناقض‮ مع‮ روح‮ الدستور‮ الجديد،‮ بمعنى‮ أن‮ الأمور‮ إذا‮ سارت‮ في‮ هذا‮ الاتجاه‮ فإن‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي‮ ستسقط‮ أوراقها‮ مع‮ بداية‮ الخريف‮ المقبل،‮ وسيتم‮ الإعلان‮ عن‮ انتخابات‮ سابقة‮ لأوانها‮ بتزامن‮ مع‮ الدخول‮ السياسي‮ في‮ سبتمبر‮ المقبل‮. هكذا‮ سيكون‮ المغاربة‮ في‮ أكتوبر‮ أمام‮ خريطة‮ سياسية‮ جديدة‮ ستفرز‮ حكومة‮ جديدة‮ خارجة‮ من‮ صناديق‮ الاقتراع‮.‬
أما‮ في‮ حالة‮ حدوث‮ السيناريو‮ الأسوأ،‮ وهو‮ بقاء‮ حكومة‮ عباس‮ الفاسي،‮ لا‮ قدر‮ الله،‮ بعد‮ تبني‮ الدستور‮ الجديد،‮ فإن‮ هذه‮ الحكومة‮ ستكون‮ معرضة‮ لتلقي‮ ملتمسات‮ الرقابة‮ بسبب‮ لا‮ دستوريتها‮. وهذا‮ سيعمق‮ الأزمة‮ السياسية‮ في‮ المغرب‮ ويزيد‮ من‮ الاحتقان‮ الشعبي‮ بسبب‮ وصول‮ شعبية‮ عباس‮ وحكومته‮ إلى‮ الحضيض‮.
هذا‮ في‮ ما‮ يتعلق‮ بحل‮ الحكومة‮ والبرلمان،‮ وهو‮ أحد‮ المطالب‮ الأساسية‮ الذي‮ تتشبث‮ به‮ حركة‮ 20‮ فبراير‮ وقررت‮ من‮ أجله‮ الاستمرار‮ في‮ النزول‮ إلى‮ الشارع‮. أما‮ في‮ ما‮ تعلق‮ بمطلب‮ الملكية‮ البرلمانية‮ فهو‮ مطلب‮ تشترك‮ فيه‮ الحركة‮ مع‮ القوى‮ السياسية‮ التي‮ قدمت‮ بعض‮ أحزابها‮ مذكرات‮ بهذا‮ الخصوص‮ حتى‮ قبل‮ أن‮ يولد‮ أغلب‮ شباب‮ الحركة،‮ وأيام‮ كان‮ التعبير‮ عن‮ الرأي‮ المخالف‮ يقود‮ صاحبه‮ إلى‮ مخافر‮ التعذيب‮ وأقبية‮ الاعتقال‮.‬
أما‮ مطلب‮ محاسبة‮ المفسدين‮ والتوزيع‮ العادل‮ للثروة‮ والحق‮ في‮ السكن‮ والشغل‮ والصحة‮ والعدالة،‮ فكلها‮ مطالب‮ تشترك‮ فيها‮ الحركة‮ مع‮ الأغلبية‮ الساحقة‮ للمغاربة‮. ولذلك،‮ فمن‮ حقها‮ أن‮ تعبر‮ عن‮ مطالبها،‮ سواء‮ تلك‮ التي‮ تعنيها‮ وتعني‮ الفئة‮ التي‮ تمثلها‮ أو‮ تلك‮ التي‮ تعني‮ أغلبية‮ الشعب‮ المغربي،‮ بطريقة‮ حضارية‮ وسلمية‮ بدون‮ أن‮ تتعرض‮ للتعنيف‮ والتضييق‮ والاستفزاز‮.‬
هناك‮ اليوم‮ موقفان‮ يقسمان‮ الرأي‮ العام‮ المغربي‮: موقف‮ يقول‮ بعدم‮ وجود‮ ضمانات‮ لإخراج‮ دستور‮ ديمقراطي‮ يفضي‮ إلى‮ الملكية‮ البرلمانية‮ بسبب‮ وجود‮ أشخاص‮ محافظين‮ في‮ اللجنة‮ المكلفة‮ بإعداد‮ الدستور،‮ وموقف‮ آخر‮ يقول‮ بضرورة‮ إعطاء‮ الوقت‮ لهذه‮ اللجنة‮ لتقديم‮ اقتراحها‮ إلى‮ الشعب‮ لكي‮ يناقشه‮ ويعطي‮ رأيه‮ فيه‮ بدون‮ وصاية‮ من‮ أحد‮.‬
أولا،‮ عندما‮ نقول‮ إن‮ هناك‮ أعضاء‮ محافظين‮ داخل‮ اللجنة‮ ولديهم‮ «‬سوابق‮» في‮ الاشتغال‮ مع‮ الدولة،‮ علما‮ بأن‮ الدولة‮ المغربية‮ ليست‮ هي‮ إسرائيل‮ والاشتغال‮ معها‮ ليس‮ جريمة،‮ فهذا‮ يشكل‮ حكما‮ مسبقا‮ على‮ بقية‮ أفراد‮ اللجنة‮ المشهود‮ لهم،‮ حسب‮ القائلين‮ بهذا‮ الرأي،‮ بالاستقلالية،‮ ويضعهم‮ في‮ خانة‮ الأعضاء‮ الذين‮ سيسهل‮ استعمالهم‮ وقيادتهم‮.‬
هل‮ سيقبل‮ الأستاذ‮ عبد‮ الله‮ ساعف‮ أن‮ يتم‮ استعماله،‮ مثلا؟‮ إنني‮ مقتنع‮ بأن‮ ساعف‮ سيقدم‮ استقالته‮ من‮ اللجنة‮ بمجرد‮ ما‮ سيشعر‮ بأنه‮ يشتغل‮ مع‮ أشخاص‮ مسيرين‮ عن‮ بعد‮. والواقع‮ أن‮ كل‮ من‮ شعر‮ بهذا‮ الإحساس‮ داخل‮ اللجنة‮ يجب‮ أن‮ تكون‮ لديه‮ الجرأة‮ السياسية‮ والأخلاقية‮ لكي‮ يصفق‮ الباب‮ خلفه‮ ويغادر‮ اللجنة‮ بلا‮ ندم،‮ لأن‮ الأمر‮ لا‮ يتعلق‮ بالتفكير‮ في‮ مخرج‮ من‮ مأزق‮ سياسي‮ ظرفي‮ وإنما‮ يتعلق‮ بكتابة‮ دستور‮ سيحدد‮ العلاقة‮ بين‮ الحاكم‮ والمحكوم‮ ويضع‮ لكل‮ واحد‮ منهما‮ حدودا‮ لسلطاته‮ واختصاصاته‮.
إن‮ الديمقراطية‮ تقتضي‮ أن‮ تكون‮ لهذين‮ الرأيين‮ إمكانيات‮ التعبير‮ عن‮ نفسهما‮ بكل‮ حرية،‮ دون‮ مصادرة‮ أي‮ واحد‮ منهما‮ لحق‮ الآخر‮ في‮ الوجود‮ والتعبير‮. لذلك،‮ فاللجوء‮ إلى‮ الهراوات‮ واستعراض‮ العضلات‮ ضد‮ المحتجين‮ والصحافيين‮ وارتداء‮ القمصان‮ الواقية‮ من‮ الرصاص،‮ للتصدي‮ لمجرد‮ رأي،‮ يعكس‮ في‮ الواقع‮ تخلف‮ العقل‮ الأمني‮ وعدم‮ قدرته‮ على‮ مسايرة‮ الإيقاع‮ الذي‮ وضعه‮ الخطاب‮ الملكي‮ الأخير‮.‬
كما‮ أن‮ هذا‮ اللجوء‮ العبثي‮ إلى‮ القوة،‮ ضد‮ حرية‮ التعبير‮ عن‮ الرأي‮ المخالف،‮ يعكس‮ وجود‮ قوى‮ خفية‮ داخل‮ أجهزة‮ الدولة‮ تتعهد‮ بالرعاية‮ عقلية‮ عتيقة‮ تريد‮ أن‮ تستمر‮ في‮ ممارسة‮ الترهيب‮ على‮ المواطنين‮ الذين‮ يخالفونها‮ الرأي‮ من‮ أجل‮ ثنيهم‮ عن‮ الجهر‮ بآرائهم‮.
هذه‮ العقليات‮ الأمنية‮ المتجاوزة،‮ التي‮ تعشش‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ والتي‮ ورثتها‮ الدولة‮ من‮ عهد‮ إدريس‮ البصري،‮ يجب‮ أن‮ تفهم‮ أن‮ مغرب‮ ما‮ بعد‮ التاسع‮ من‮ مارس‮ لم‮ يعد‮ يقبل‮ بإشهار‮ الهراوة‮ في‮ وجه‮ الرأي‮ حتى‮ ولو‮ كان‮ مخالفا‮ لرأي‮ الملك‮.
ولذلك،‮ فإن‮ الهراوة‮ لم‮ تعد‮ هي‮ الحل‮ لمحاورة‮ أصحاب‮ الرأي‮ المخالف‮. الحل‮ يبدأ‮ بتحرير‮ وسائل‮ الإعلام‮ العمومية‮ من‮ سلاسل‮ الجهل‮ والخوف‮ والتعتيم،‮ وإعطاء‮ الكلمة‮ للجميع‮ بالتساوي‮ لكي‮ يتحدثوا‮ أمام‮ المغاربة‮ ويقارعوا‮ أفكار‮ بعضهم‮ البعض،‮ حتى‮ يستطيع‮ الشعب‮ أن‮ يختار‮ أي‮ الأفكار‮ أقرب‮ إليه‮ وأي‮ المواقف‮ أنسب‮ للتبني‮.
عندما‮ سيتحرر‮ الإعلام‮ العمومي‮ من‮ قيوده‮ الثقيلة‮ ويفتح‮ أبوابه‮ لاستقبال‮ الفاعلين‮ السياسيين‮ والحقوقيين‮ والشباب،‮ بيسارييهم‮ وإسلامييهم‮ ويمينييهم،‮ لمناقشة‮ أفكارهم‮ ومواقفهم‮ بحرية‮ أمام‮ المغاربة،‮ سيفهم‮ هؤلاء‮ أن‮ هناك‮ مكانا‮ غير‮ الشارع‮ للتعبير‮ عن‮ الرأي‮.
أما‮ عندما‮ يصم‮ هذا‮ الإعلام‮ العمومي‮ آذانه‮ عن‮ سماع‮ شعارات‮ ومطالب‮ المحتجين،‮ فلا‮ يجب‮ أن‮ نلوم‮ هؤلاء‮ المحتجين‮ على‮ اختيارهم‮ الشارع‮ مكانا‮ للتعبير‮.
‮«‬اللي‮ عندو‮ باب‮ واحد‮ الله‮ يسدو‮ عليه‮».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.