مالطا رئيسة مجلس الأمن فالجلسة: خاص الأطراف يتعاونوا بلا تحفظ مع دي ميستورا ودور مينورسو مهم    الرباط .. خبراء يناقشون الرهانات الجيو-اقتصادية للمجالات البحرية ببلدان إفريقيا الأطلسية    بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصاً وإحداث أضرار بالغة؟    لاعبين ليبيا عطاو الكلمة لجمهورهم: غنربحو المنتخب المغربي فالدومي فينال ونتأهلو لفينال كوب دافريك والمونديال    ب"ريمونتادا" مثيرة.. فريق أشرف حكيمي يقلب الطاولة على برشلونة    عاجل. قتل بدر فعين الذياب بطوموبيل : الاعدام لولد لفشوش والمؤبد لامين رياض    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الزيادة في الأجور لأسرة التعليم نهاية أبريل    المئات يشيعون الأمين بوخبزة في جنازة مهيبة بتطوان بحضور شخصيات وطنية (صور)    الحكومة تأمل انتعاش النشاط الفلاحي وتكشف خطة استقبال عيد الأضحى    "ريمونتادا" سان جيرمان ترسل برشلونة خارج دوري أبطال أوروبا    رباعية مثيرة تعود بدورتموند إلى المربع الذهبي الأوروبي    صندوق النقد الدولي يكشف توقعاته بشأن اقتصاد المغرب    آيت الطالب يعطي انطلاقة خدمات 43 مركزا صحيا حضريا وقرويا بجهة الشرق (صور)    الملك محمد السادس يهنئ بيتر بيليجريني بمناسبة انتخابه رئيسا لجمهورية سلوفاكيا    الوداد والرجاء ومعهم 2 فرق مغربية ضمن 15 أحسن فريق إفريقي باغيين يشاركو فالسوبر ليگ الإفريقي    الدورة ال38 لماراطون الرمال .. المغربي محمد المرابطي يكرس تألقه وينهي المرحلة الثالثة في الصدارة    توجاد الحكومة للعيد الكبير بدا.. شي زوج مليون راس للي ترقمات وتجهز 34 سوق مؤقت لتعزيز الأسواق لي كاينة وتسجلات 210 آلاف وحدة تسمين    الصراع على رئاسة لجنة العدل والتشريع مستمر..السنتيسي ل"گود:" مغاديش نتنازلو على هاد المنصب والفريق الاشتراكي خالف الاتفاق اللي كان فاللول وها اش كيقول التمثيل النسبي    السطو على محل لبيع الذهب فكازا متبوع بالعنف: ها كيفاش تم الاستيلاء على كميات كبيرة ديال الحلي والمجوهرات والديستي دخلات على الخط (صور)    قاضي التحقيق ففاس هبط جوج عدول لحبس بوركايز بسبب تزوير وكالة لبيع عقار: جاو عندو فحالة سراح والخبرة فضحاتهم    صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد إسرائيل؟    مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يعلن استقالته    ماتش سفيان رحيمي وياسين بونو فشومبيونزليگ دارو له وقت جديد    خلال أسبوع.. 26 قتيلا و2725 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    حافلة للنقل العمومي تفقد السيطرة وتتسبب في إصابات وخسائر مادية جسيمة    بنسعيد: حماية التراث المغربي مسؤولية مشتركة .. ودعم صناعة السينما يزدهر    معرض مغاربي للكتاب بوجدة.. تعرفوا على أهداف هذه الدورة    الأمثال العامية بتطوان... (574)    علماء أمريكيون يحذرون من تأثير مادة "الباراسيتامول" على صحة القلب    كلفت أكثر من ربع مليار درهم.. تدشين المجازر الجهوية للرباط سلا الصخيرات تمارة    بلاغ جديد وهام من الصندوق المغربي للتقاعد    سانشيز: كأس العالم 2030 "سيكون ناجحا"    الحسن أيت بيهي يصدر أولى إبداعاته الأدبية    شركة ميتا تكشف عن سعيها لإحداث ثورة في التعليم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    ابن كيران: رفضنا المشاركة في ملتمس الرقابة بسبب إدريس لشكر(فيديو)    مساء اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : لمحات من سيرة وشعر الأمير الشاعر المعتمد بن عباد دفين أغمات    تأجيل جلسة البرلمان المخصصة لعرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة إلى وقت لاحق    دونالد ترامب في مواجهة قضية جنائية غير مسبوقة لرئيس أمريكي سابق    كمية الصيد المتوسطي تتقلص بالمغرب    هذه مستجدات إلغاء ذبح أضحية عيد الأضحى لهذا العام    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بودريقة يوضح أسباب استبعاده من مكتب مجلس النواب    الحصيلة الإجمالية للقتلى ترتفع في غزة    دراسة: الشعور بالوحدة قد يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة    كيف يمكن أن تساعد القهوة في إنقاص الوزن؟: نصائح لشرب القهوة المُساعدة على إنقاص الوزن    هجوم شرس على فنان ظهر بالملابس الداخلية    عبد الإله رشيد يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    مؤسسة منتدى أصيلة تنظم "ربيعيات أصيلة " من 15 إلى 30 أبريل الجاري    دراسة تحذر من خطورة أعراض صباحية عند المرأة الحبلى    المدرسة العليا للأساتذة بمراكش تحتفي بالناقد والباحث الأكاديمي الدكتور محمد الداهي    مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدعو إلى انهاء الحرب في السودان    العنصرية ضد المسلمين بألمانيا تتزايد.. 1464 جريمة خلال عام وجهاز الأمن تحت المجهر    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مول القرعة»
نشر في المساء يوم 21 - 04 - 2011

في إيطاليا صدرت قبل أسبوع أحكام قضائية من المفيد أن يتأملها القضاء المغربي عندنا، لأنها أحكام تتعلق بكبار مديري أجهزة المخابرات المدنية والعسكرية ومكافحة التجسس، وهم المسؤولون الذين ترتعد فرائص القضاة منهم بسبب اطلاعهم على الملفات السرية. فقد أصدرت محكمة ميلانو حكما بالسجن ثلاث عشرة سنة نافذة في حق الجنرال «نيكولو بولاري»، المدير السابق للجهاز السري العسكري الإيطالي. كما حكمت المحكمة بعشر سنوات سجنا نافذا في حق «ماركو مارسيني» مدير جهاز مكافحة التجسس العسكري الإيطالي.
والسبب وراء هذين الحكمين القاسيين هو تورط مديري هذين الجهازين في اعتقال إمام مصري في ميلانو وتسليمه إلى جهاز المخابرات الأمريكية «CIA»، الذي بدوره رحل الإمام المصري إلى مصر حيث تم إخضاعه للتعذيب.
ولم تكتف المحكمة الإيطالية بميلانو بإصدار أوامر باعتقال مديري المخابرات الإيطالية والحكم عليهما بكل هذه المدد السجنية الطويلة، بل حكمت أيضا على 27 عنصرا من عناصر جهاز المخابرات الأمريكية العاملين بإيطاليا، وفي مقدمتهم «جيف كاستيلي» رئيس «CIA» بإيطاليا و«بوب ليدي» رئيس فرع «CIA» بميلانو.
إن صدور مثل هذه الأحكام القضائية في إيطاليا لم يكن ليحدث لولا توفر البرلمان الإيطالي على لجنتين مهمتين، هما اللجنة البرلمانية لمراقبة الأجهزة الأمنية السرية، واللجنة البرلمانية لمراقبة القضاء.
ولعل أهم لجنة برلمانية يجب تأسيسها في مجلس النواب المغربي بغرفتيه هي اللجنة البرلمانية لمراقبة عمل الأجهزة الأمنية السرية.
وأول ملف يجب أن تعكف هذه اللجنة على دراسته هو تورط مسؤولين مغاربة كبار في هذه الأجهزة السرية في جرائم اعتقال واختطاف وتعذيب المواطنين وطبخ ملفات لتوريطهم واستعمال القضاء للزج بهم في السجون.
إن الانفراج الذي يعرفه ملف المعتقلين السياسيين والسلفيين بعد قرار العفو الملكي يجب أن يتبعه انفراج قضائي يسمي المسؤولين الأمنيين عن هذه الكارثة الإنسانية والحقوقية بأسمائهم الكاملة، ويعرضهم أمام المحكمة لكي يجيبوا عن الاتهامات التي يوجهها إليهم ضحاياهم.
ولعل إحدى المهام الرئيسية للجنة البرلمانية المكلفة بمراقبة عمل الأجهزة الأمنية السرية هي الحد من تغوّل هذه الأجهزة ولجم شططها واستباحتها كل الأعراف والقوانين واستعمالها في تصفية الحسابات السياسية بين الفرقاء السياسيين والصراعات الاقتصادية بين رجال المال والأعمال.
إن مهمة مراقبة عمل الأجهزة الأمنية السرية لا ينحصر فقط في منعها من التحول إلى أداة للتحكم في الحقل السياسي، وإنما في منعها أيضا من التحول إلى أداة للحصول على المعلومات الاقتصادية والمالية الحساسة عن طريق تقنية التنصت على المكالمات.
ولعل أحد المزالق الكبرى التي انحدر إليها جهاز المخابرات على عهد «عبد اللطيف الحموشي» هو منزلق استيقاء المعلومة الاقتصادية التي تساوي المليارات من المتعاملين داخل البورصة وكبار المؤسسات المالية واستعمالها عند الطلب إلى درجة أن «خدمة الاستماع» هذه أصبحت منجما يتم استخراج أنفس المعادن وأغلاها ثمنا من بطنه بمجرد الضغط على زر التنصت وتسجيل المكالمات بدون احترام القوانين، التي تحمي المعطيات الخاصة والحياة الشخصية للمواطنين.
وما ينطبق على المعلومات المالية والاقتصادية، التي تمنح من يحصل عليها فرصة شراء الأسهم أو بيعها في الوقت المناسب، ينطبق أيضا على المعلومات المتعلقة بتجار المخدرات.وهي المعلومات التي تتحول في كثير من الأحيان إلى أداة للابتزاز والتهديد من أجل إجبار المتورطين في شبكات تجار المخدرات على المرور نحو «شبابيك الأداء».
إن الأداة الوحيدة لإعادة مارد الأجهزة الأمنية السرية إلى قمقمه هي البرلمان، أي أن عمل الأجهزة الأمنية السرية يجب أن يصبح خاضعا للمراقبة والمحاسبة، مثله مثل أي قطاع عمومي آخر.
هكذا سيشعر رؤساء هذه الأجهزة وموظفوها أن عملهم يخضع للقانون، وأنهم ليسوا فوق المحاسبة عندما يتطلب الأمر فتح تحقيق حول تدبيرهم ملفا أمنيا معينا.
ببساطة شديدة سيفهم هؤلاء الرؤساء أنهم ليسوا فوق القانون، وأن المعطيات الخاصة للناس والحياة الشخصية للمواطنين هي أشياء مقدسة لا يحق لهم العبث بها أو الاقتراب منها، وإلا سيكونون مجبرين على المثول أمام القضاء.
عندما نرجع إلى الخطاب الملكي الأخير نقف على الرؤية الملكية بعيدة المدى، والتي جعلت من احترام الحريات الخاصة للأفراد حقا دستوريا. ولعل التنصيص على دستورية هذا الحق ليس نابعا من فراغ، فأغلب أساليب عمل أجهزة المخابرات ترتكز على المعطيات الشخصية والحريات الخاصة للأفراد،
أي أن الملك أعطى إشارة واضحة إلى ضرورة ووجوب إحاطة مجال حريات الأفراد بسياج دستوري يحمي هذا المجال من شطط السلط الأخرى، التي يمكن أن تهدده، سواء كانت سلطة قضائية أو أمنية أو إعلامية.
إن روح الدستور الجديد الذي رسم الملك معالمه تقوم على احترام المواطن ومعاملته على أساس القانون وليس على أساس المزاج أو النزوات. وهذا التوجه الملكي الجديد يقطع الطريق على التوجهات الفوضوية والمتسيبة والبائدة التي تعودت أجهزة المخابرات اتخاذها كطريقة عمل.
ولعل أنجع طريقة للقطع مع هذا الإرث المتجاوز في تعاطي الأجهزة السرية مع المواطنين هي إجراء تغيير جذري في رأس هذه الأجهزة وإسنادها إلى أطر شابة لم تتلطخ أيديها بدماء الضحايا الذين أصبحنا بين يوم وآخر نسمع قصصهم المرعبة في أقبية «الحموشي» السرية.
إن المغرب الجديد الذي بشر به الملك في خطاب التاسع من مارس لا يتسع لأمثال هؤلاء المسؤولين الأمنيين الذين خططوا بعناية ومكر لكي يكون لعهد محمد السادس معتقلوه السياسيون ومعذبوه وضحاياه ومختفوه.
لقد شوه هؤلاء الناس الصورة التي بدأ بها الملك محمد السادس عهده لدفعه إلى التوجس من مشاريع الانفتاح الكبير الذي أبداه منذ اليوم الأول لاعتلائه العرش. ولحسن الحظ أن الملك استعاد سريعا دفة الحكم لكي يدير السفينة بعيدا عن المستنقع المليء بالتماسيح الذي كان هؤلاء الأمنيون «العباقرة» يريدون أخذنا إليه جميعا.
لقد آن الأوان لكي تصبح أجهزة المخابرات السرية المغربية خاضعة للمراقبة البرلمانية والمحاسبة القضائية. وعلى السيد «الحموشي» أن يفهم أنه ليس فوق القانون، وأن اليوم الذي سيقف فيه أمام القضاء لكي يجيب عن التهم التي يوجهها إليه ضحايا معتقله الرهيب بتمارة لم يعد بعيدا.
ولكي يتأكد من ذلك ما عليه سوى أن يتأمل جيدا منظر ابني الرئيس المصري حسني مبارك وهما يلبسان بذلة السجن ويقفان أمام القضاء المصري الشامخ لكي يجيبا عن التهم الموجهة إليهما.
إن واحدة من نعم الله على المغرب هي أن شعبه سيتمكن قريبا من رؤية كبار مسؤوليه الأمنيين والعموميين واقفين أمام القضاء دون أن تسقط الأرواح في الشوارع بالرصاص للمطالبة بذلك.
والفضل في ذلك يعود إلى هذه الهبة من الكرامة التي اجتاحت الشارع المغربي، وإلى استماع وتناغم الملك مع مطالب شعبه.
إن معركة المغاربة اليوم ليست هي الحصول على الشغل والصحة والسكن فقط، بل إن معركتهم الأساسية هي التحرر من الخوف. ولعل الأداة الجهنمية الكبرى، التي ظلت تنتج الخوف في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، هي أجهزة المخابرات السرية. إنها المصنع الذي ينتج الرعب والباطل والتهم الجاهزة.
إنه المختبر الذي ظل يخترع أصناف التعذيب البشعة ويجربها على أبناء الشعب لانتزاع آدميتهم وقتل رجولتهم وكسر أنفتهم، وعلى رأس هذه الأدوات «القرعة» التي يستمتع جلادو هذا الجهاز بإجلاس المعتقلين عليها إلى أن تخرج أمعاءهم.
باختصار شديد، فجهاز «الحموشي مول القرعة» يشبه كثيرا جهاز أمن الدولة في مصر والبوليس السياسي في تونس. ولذلك كان مطلب الثوار في هذين البلدين هو حل هذين الجهازين ومحاكمة رؤسائهما على كل الجرائم التي ارتكبوها في حق المواطنين.
إن الخوف الذي ينتجه هذا الجهاز لا يقتصر فقط على المواطنين، بل الخطير في الأمر أن هذا الخوف يشمل القضاة أنفسهم. وبما أن بعض القضاة يعرفون أن الأجهزة السرية تعرف عن أرصدتهم وذممهم المالية كل شيء، فإنهم ينصاعون بخوف لتعليماتها ويصدرون أحكاما لا ترضي الله ولا ترضي العباد، وإنما ترضي «الحموشي» وزبانيته.
الشعب يريد أجهزة مخابرات تحميه وتسهر على أمنه وممتلكاته، لا أجهزة مخابرات ترعبه وتبتزه وتحول حياته إلى جحيم. الشعب يريد قضاة لا يخافون سوى الله وليس قضاة يخشون تقارير «الحموشي» أكثر مما يخشون يوم الحساب.
هذا هو الفرق بين المغرب الذي يريده الملك والشعب وبين المغرب الذي يريده أعداء الملك والشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.