قرّبت الأزمة الاقتصادية وأزمة الأورو أكثر من أي وقت مضى بين فرنسا وألمانيا، وتحديدا بين نيكولا ساركوزي وأنجيلا ميركيل، اللذين لا يمر أسبوع دون أن يهاتفا بعضهما أو يعقدا قمة بينهما. آخر لقاء جمع بينهما تم يوم الاثنين الماضي وخصص للتحادث في المشاكل العالقة قبل انعقاد المجلس الأوروبي ببروكسيل اليوم الخميس. ويرغب الثنائي في حضور الاجتماع وفي جعبتهما ترسانة من الإجراءات الصارمة، تتمثل في فرض عقوبات على الدول المتراخية أو الكسولة بهدف طمأنة الأسواق. لم يستحسن طرف من الاشتراكيين هذا «الزواج» اللاشرعي بين ساركوزي وميركيل، وخاصة الاتجاه الذي ينشطه آرنو مونتبور الداعي إلى إخراج فرنسا من منطقة الأورو. فقد صدرت عنه ملاحظة أسالت الكثير من الحبر، لما طرح مقارنة بين المستشارة الألمانية ميركيل والمستشار بيسمارك، كناية على التجبر الألماني. وقد تلقف اليمين الفرنسي هذه «الخرجة» لاتهام الاشتراكيين بالجيرمانوفوبيا، أي معاداة الألمان، ورمي الأشواك في طريق فرانسوا هولاند الذي حل ضيف شرف على مؤتمر الحزب الاشتراكي الألماني. لكن المرشح للرئاسة لم يعلق على هذا الجدل بل حاول تمرير صورة رجل سياسي يحرص على علاقات متوازنة بين البلدين. ويلاحظ المراقبون أنه خلافا لساركوزي، ليست للألمان أي فكرة عن فرانسوا هولاند. إذ يبقى الفرنسي الذي يعرفه الألمان جيدا ويحظى بشعبية كبيرة هو اللاعب فرانك ريبيري. خيط رفيع يفصل الجيرمانوفوبيا عن العنصرية. في عدد هذا الأسبوع لمجلة «لوبوان»، كتب الروائي والمعلق باتريك بيسون ورقة قادحة يسخر فيها من لكنة إيفا جولي، المرشحة باسم البيئيين للانتخابات الرئاسية القادمة. إيفا جولي نرويجية لا يخلو نطقها من لكنة مغرية. وفي ورقته، تخيل باتريك بيسون سيناريو فوز إيفا جولي بالانتخابات الرئاسية وفي خطابها للشعب الفرنسي تحدثت بفرنسية مليئة بالأخطاء ونبرة صبيانية مثيرة للضحك. كان غرض بيسون تبيان أن الترشح لرئاسية فرنسا أصبح مفتوحا لكل من هب ودب من «الفرنسيين الأجانب»، الشيء الذي اعتبره أنصار إيفا جولي قدحا عنصريا بغيضا. وفي ردها، أشارت إيفا جولي إلى أن الأمر يتعلق ب«هجوم عنصري». وأضافت أن هذه الورقة عرض من أعراض الحالة المرضية التي تعيشها فرنسا». أما سيسيل ديفلو، السكرتيرة العامة للبيئيين، فطلبت من المجلة ومن كاتب المقال تقديم اعتذار لإيفا جولي وللبيئيين. أطروحة المؤامرة من جديد هل دومينيك ستروس-كان، حقا ضحية مؤامرة أم يتعلق الأمر بمجرد «هذيان» على حد تعبير أعضاء من الحاشية المقربة لساركوزي؟ وكما لو رغب هؤلاء في الطعن في مصداقية الاشتراكيين، رفع لواء هذا الهجوم المضاد كل من جان-فرانسوا كوبيه، السكرتير العام للحزب وكلود غيان، وزير الداخلية. لكن هذا الأخير لم يلبث أن وقع بدوره في مطبة الهذيان المناهض لرئيس صندوق النقد الدولي الأسبق لما صرح في مقابلة مع «لوجورنال دي ديمانش» بأن مصالح الشرطة أوقفت عام 2006 ستروس-كان في غابة «لوبوا دو بولون»، رفقة مومس. ويعرف المكان بأنه ماخور على الهواء الطلق. وقد حررت الشرطة محضرا بقي طي الكتمان إلى أن كشف عن وجوده وزير الداخلية في هذا التصريح، وذلك بغاية إظهار أن ستروس-كان فاسق بطبعه وليس ضحية مؤامرة كما يسعى البعض إلى إثباته، وبخاصة ميشال توبمان، الذي أصدر هذا الأسبوع سيرة ذاتية عن «صديقه» دومينيك. وسبق لجريدة «لوموند» أن أشارت إلى أن قصر الإليزيه كان على علم، وبناء على مذكرات بوليسية، بالحياة الخاصة لستروس-كان ولم يتردد في تسريب هذه المعلومات إلى بعض الصحافيين. وقد عمم استعمالات هذه التقنية على أكثر من شخصية سياسية وذلك بغاية تشويه سمعتها. وأشارت لوموند إلى أن مقربين من الرئيس ساركوزي سعوا إلى «تسريب» خبر عن دي-إس-كا، قبل العزوف عن ذلك بعد اعتقاله من طرف شرطة نيويورك. جاء جواب المعارضة الاشتراكية على لسان لوران فابيوس، الوزير الاشتراكي الأسبق، حين رد على كلود غيان بقوله بأنه على هذا الأخير أن «يعنى بما هو جدي بدل النبش في القمامات». وللمسلسل مزيد من الحلقات المشوقة. الأطباء الأجانب ينجدون المرضى في الوقت الذي يضيق فيه الخناق على حاملي الدبلومات والشهادات العليا من الأجانب للحصول على فرص عمل بالمؤسسات العمومية أو الخاصة الفرنسية، يعرف قطاع الصحة أزمة هيكلية خانقة، بسبب عزوف الطلبة الفرنسيين عن متابعة دراسة الطب، لذا تسعى الدولة إلى جلب المزيد من الأطر الطبية الأجنبية وبالأخص الرومانية. فمن بين أربعين ألف منصب معتمد لا زال عشرة آلاف منصب شاغرا. وقد خصص نصف هذه المناصب لأطباء أجانب. وعليه يبلغ عدد الأطباء الأجانب 5000 طبيب، يمارسون في المستشفيات العمومية والتي التحقوا بها منذ التسعينيات. وفي عام 2010 بلغ عدد الأطباء الوافدين إلى فرنسا 750 طبيبا، من بينهم 450 من رومانيا و 330 من المغرب العربي. محنة الصحافة في زمن الربيع العربي في غمرة انتفاضة الربيع العربي، احتل الصحافيون المواقع الأمامية لنقل الحدث وتمرير الخبر. لكنهم، وفي أحايين كثيرة، كانوا أولى ضحايا فصوله الدامية. يشهد على ذلك التقرير الصادر هذا الأسبوع عن منظمة «مراسلون بلا حدود» في عنوان: «حصيلة الثورات العربية: وسائل إعلام في مهب ربيع مضطرب». فقد رصدت المنظمة أعمال الرقابة والانتهاكات التي طالت حرية الإعلام خلال هذه الفترة، والتي أدى فيها الصحافيون ثمنا باهظا خلال أدائهم لواجبهم المهني. وأشارت المنظمة إلى أنه علاوة على مقتل صحافيين بارزين أجانب في عالم التصوير الصحافي، كانت النسبة مرتفعة في أوساط الصحافيين المحليين. ويغطي التقرير الفترة الممتدة من السابع عشر دجنبر 2010 إلى نوفمبر 2011، ولكنه يشمل أيضا الأحداث التي شهدتها مصر مؤخرا. وتجدر الإشارة إلى أن الأرقام الواردة هنا تبقى أرقاماً دنيا، نظراً لاستحالة إعداد قائمة شاملة بالانتهاكات المرتكبة. وفي المسح الذي قامت به المنظمة لست دول كانت أو لا تزال مسرحا لانتفاضة الربيع العربي، نقف عند فداحة الثمن الذي أداه الصحافيون من الإعلام المرئي، المكتوب والمسموع، إذ في ظرف عام واحد قتل ما لا يقل عن أحد عشر صحافيا. في تونس، وقبل الرابع عشر من يناير، تعرض حصيلة الأرقام على الشكل التالي: عدد القتلى: صحافي واحد. عدد المعتدى عليهم 11. عدد الصحافيين المسجونين: 6. عدد وسائل الإعلام الخاضعة للرقابة 14. أما حصيلة ما بعد 14 يناير فهي على الشكل التالي: عدد الصحافيين المعتدى عليهم: 25. عدد المواطنين المحتجزين بسبب جرائم التعبير، مواطن واحد. عدد وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية الخاضعة للرقابة: 9 . ويفيد التقرير بأنه منذ الرابع عشر يناير 2011، تغيرت لهجة الصحافة، ألغيت وزارة الإعلام وأصبح المدون سليم عمامو وزير دولة للشباب والرياضة. لكن ثمة خطوط حمراء جديدة بدأت ترتسم في الأفق مثل الرقابة على الأنترنت وخاصة على الفايسبوك. في مصر، نصادف نفس الأعراض التي تحكم عقلية وسلوكات الرقابة في تونس، والتي تتلخص في قتل الصحافيين، الاعتداء عليهم، توقيف المواطنين الإلكترونيين وتدمير التجهيزات الإلكترونية والمكاتب التي يستخدمونها. هكذا قتل صحافي، احتجز ثلاثة من المواطنين الإلكترونيين، تم الاعتداء على 25 صحافيا، طالب القضاء بتوقيف سبعة عشر صحفيا. كما وضعت تحت الضغط 16 من وسائل الإعلام. لكن محنة الإعلام لم تنته بعد، حتى بعد رحيل حسني مبارك: لا زالت السلطات العسكرية تتدخل بين الفينة والأخرى للضغط على الصحافيين أو ترهيبهم. وفي الحادي عشر من سبتمبر الماضي، لوح المجلس الأعلى للقوات المسلحة باللجوء إلى قانون الطوارئ ضد أي صحافي «يهدد السلم الاجتماعي». وقد أحصت المنظمة أكثر من أربعين اعتداء وعملية توقيف بحق الصحافيين. أما الصورة الكاشفة التي قدمتها مراسلون بلا حدود عن ليبيا فهي صورة قاتمة ونسخة مطابقة للوضع الذي قاد إلى تفتيت البلد. وتتقدم الحصيلة على الشكل التالي: عدد الصحافيين المقتولين 5. عدد الصحافيين المسجونين اثنان وثلاثون. عدد الصحافيين الموقوفين 8. عدد الصحافيين المختطفين 15. عدد الصحافيين المجبرين على مغادرة البلاد 30 صحافيا. رافق الانتفاضة الليبية انبثاق إعلام حر، إذ تم تسجيل أكثر من 130 مطبوعة لدى المجلس الوطني الانتقالي وإنشاء محطات إذاعية وقنوات فضائية. وتلاحظ المنظمة أنه من الصعب التكهن بمستقبل المشهد الإعلامي في ليبيا غدا. أما الوضع الإعلامي في البحرين، فليس أحسن حالا مما عرفته بقية الدول. فالحصيلة التي عرضتها المنظمة تتقدم على النحو التالي: قتل صحافي من بين المخالفين الإلكترونيين. اعتقال 36 صحافيا. الاعتداء على أحد عشر آخرين. كما أجبر أربعون صحافيا على استقالات قسرية وتم ترحيل ستة صحافيين. في سوريا، لم يفلت الصحافيون من كماشة الاعتقال والتقتيل. فقد سجلت حصيلة الاعتقالات أربعة وثمانين معتقلا. فيما بلغ عدد المدونين المعتقلين واحدا وثلاثين صحافيا. أما عدد المرحلين فبلغ 7 صحافيين. في اليمن تعرض علينا «مراسلون بلا حدود» بانوراما يدمغها العنف والتسيب ويصبح فيها الصحافيون فرائس قنص. إذ جاءت الحصيلة على الشكل التالي: 3 قتلى. 14 من المختطفين. 8 موقوفين. 8 من المسجونين. اثنان وسبعون من بين المعتدى عليهم. الخلاصة أن هذا التقرير يقربنا من وضع إعلامي عربي معقد لا زالت تنشط فيه الرقابة الخفية للأنظمة الاستبدادية البائدة إلى جانب رقابة جديدة تمارس إما باسم المقدسات وإما بسبب أمن الدولة. وفي كلتا الحالتين، فإن الإعلام والصحافيين يبقون هم أكباش الفداء بامتياز. التسول ممنوع بعد مدن نيس، مونبولييه، شارتر، مارسيليا، أصدرت مديرية أمن باريس قرارا بمنع التسول في الشوارع الكبرى التي تحتضن المتاجر الفاخرة بمنطقة هوسمان، هافر-كومارتان واللوفر. وسبق لنفس المصلحة أن منعت التسول في جادة الشانزيليزيه. ويستند قرار الحظر على ذريعة «الإخلال بالأمن العام وتكاثر السرقات» وذلك مع حلول أعياد نهاية السنة. وحسب مذكرة أصدرتها مصالح الشرطة، تم تسجيل 300 مخالفة ضد المتسولين الذين يرتادون هذه الأماكن، وأغلبهم من المتسولين الرومانيين الذين يعملون لصالح عصابات منظمة، حسب المذكرة. السجال حول صعود الإسلاميين للسلطة في مقابلة مع صحيفة «لوباريزيان»، أشارت جانيت بوقراب، كاتبة الدولة في الشبيبة إلى أن «الإسلام المعتدل لا يعني شيئا» وأنه لم يسبق لها أن صادفت إسلاميا معتدلا. وانتقدت جانيت بوقراب، وهي فرنسية من أصل حاركي، وصول الإسلاميين إلى السلطة في كل من تونس والمغرب. لاوجود ل«شريعة لايت» تقول بوقراب، مضيفة أن القانون الذي يستند على الشريعة يحد بالضرورة من الحريات، وخاصة حرية الفكر. «لن أساند يوما حزبا إسلاميا. أبدا. باسم النساء اللائي قتلن وبخاصة في الجزائر برفضهن ارتداء الحجاب». تنتمي بوقراب إلى عينة الاستئصاليين الذين تقاطعت أطروحاتهم مع أطروحات الجيش أيام الحرب الأهلية لما حملوا مسؤولية الحرب والتقتيل الجماعي للجماعة الإسلامية المسلحة دون غيرها وباستثنائهم للمليشيات العسكرية التي سلحها النظام الجزائري. وقد وجدت الأطروحة الاستئصالية صدى قويا في فرنسا وفي أوساط اللائكيين الذين يعيشون انفصام الهوية: لا هم بالجزائريين ولا هم بالفرنسيين، بل خليط هجين الهوية. جانيت بوقراب لا تعرف لا الإسلام ولا العالم العربي ولم تزر الجزائر ولأول مرة إلا مؤخرا، لأن هذا البلد كان «يخيفها» باستمرار. فكيف لها أن تتحدث عن الإسلام والإسلاميين بهذه الخفة والاستخفاف؟