أطلق أصحاب الداخل على المهاجرين الوافدين في سيارات مرقمة بالخارج ألقابا فكاهية ينشد بعضها التشفي والبعض الآخر القدح والسخرية. هكذا استحق الوافدون من هولندا، الذين ترمز سياراتهم إلى بلد الإقامة بحرف NL، لقب «ناري لحكوا»؛ فيما أطلق على أصحاب بلجيكا «البرغوث» إشارة إلى حرف B؛ أما الوافدون من فرنسا ففازوا بلقب «فريفرات»، إشارة إلى رمز F المكتوبة على اللوحة، كما استحقوا مكانهم في سجل العيطة بمقطع يقول في حق سيارة الرونو: «الحولي بكرونو سايك الرونو»! ورد أصحاب سيارة «فياط» الإيطالية على أصحاب رونو بالمقطع: «إلى زادت لفياط ما بقا تعياط». كانت سيارة الرونو فعلا، بمشتقاتها «إر 4 » و«إر 16»... إلخ، من بين الموديلات الشهيرة التي جرت بذكرها الركبان في المغرب في الثمانينيات والتسعينيات، كما حظيت بشعبية كبيرة لدى صفارة الجدارمية! لكن سيارات الرونو، الشخصية أو العائلية، تطورت بسرعة لتصبح ماركة مسجلة عادية، بل مبتذلة، مقابل سيارات ألمانية من طراز بي-إم-دبليو أو مرسيديس أو حتى السيارات المسروقة من الطاليان من فصيلة «مازيراتي» أو «ألفا روميو». غير أن سيارات «الستاندينغ» من نوع «رونو 20»، التي تستعملها بعض الوزارات، تبقى الأكثر استهلاكا. في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف الإنتاج، أصبح ترحيل المصانع نحو بلدان معروفة بيدها العاملة الرخيصة من بين الحلول التي تراهن عليها شركات صنع السيارات الفرنسية، من أمثال بيجو ورونو؛ فبتشجيع من ساركوزي، رحلت هذه الأخيرة -التي تملك الدولة الفرنسية 15 في المائة من رأسمالها- تصنيع سيارات من طراز «كليو» في اتجاه تركيا، كما رحلت تصنيع موديل لوغان نحو رومانيا، وشملت هذه السياسة بلدانا أخرى، مثل إسبانيا وسلوفينيا. لكن مصنع طنجة بملوسة (إقليمالفحص أنجرة)، الذي دشن رسميا يوم الخميس الماضي بحضور العاهل المغربي والرئيس المدير العام لشركة رونو كارلوس غصن (وهو لبناني الأصل، ويتقاضى راتبا شهريا يناهز، «غمضوا عينيكم»، 10 ملايين أورو، فيما سيتقاضى العاملون المغاربة 240 أوروها في الشهر!)، يبقى -حسب كارلوس غصن- من بين المشاريع الاقتصادية المستقبلية الكبرى لشركة رونو-نيسان، لا فحسب على المستوى المغاربي والإفريقي بل أيضا على المستوى العالمي. وإن كان هذا المشروع الذي ستنتج فيه اليد العاملة المغربية، على طريقة «شارلو» في فيلم «الأزمنة الحديثة»، 30 سيارة في الساعة عام 2012 ليصل العدد إلى 60 في الساعة في نهاية 2014، فإنه سيوفر 6000 منصب شغل برواتب لوكوست (منخفضة جدا). وستخصص نسبة 90 في المائة من إنتاج المصنع للسوق الدولي، فيما ستخصص 10 في المائة المتبقية للسوق المغربي وشمال إفريقيا والشرق الأوسط وبعض الدول الإفريقية. لكن هذا المشروع، الذي ستكون انعكاساته الاقتصادية على القطب الشمالي للمغرب إيجابية جدا كما يقال، هو تفويت متبادل بين محمد السادس ونيكولا ساركوزي، أي أنه ترجمة لرغبة فوقية، مثله مثل مشروع التي-جي-في. في فرنسا، لم تنظر بعض الأطراف السياسية والنقابية بعين الاستحسان إلى هذا المشروع، إذ اتهمت نيكولا ساركوزي ب«تهريب» المصانع الفرنسية وفرص العمل خارج فرنسا، وذلك في الوقت الذي تغلق فيه المصانع أبوابها وفي الوقت الذي ما فتئ يشدد في خطبه على سياسة «الصنع في فرنسا» (مايد إين فرانس). من الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) إلى جبهة اليسار بزعامة جان-ليك ميلونشون مرورا بالمرشح للرئاسة باسم «من أجل نهوض الجمهورية»، نيكولا ديبون إينان، إلى بعض نواب الحزب الاشتراكي والأغلبية التابعة لساركوزي نفسه، أبرز الجميع الآثار الوخيمة لهذا النوع من العولمة التي تساهم في إغلاق المصانع الفرنسية، من دون أن يستفيد المغاربة من محاصيلها؛ أما دومينيك دو فيلبان فيرى في إطلاق هذا المشروع «خطأ استراتيجيا»، لأن السباق نحو الأثمنة الرخيصة (اللو-كوست) مؤداه الفشل، ودعا إلى إعادة النظر في التخصصات الصناعية الفرنسية. يبقى أن هذا المشروع ليس دون مخاطر على المغرب أيضا. وأخطر هذه المخاطر أن تضع رونو، في حالة تفاقم الأزمة العالمية وتوقف سيارة لودجي في «العكبة»، المفاتيح تحت سجاد المصنع و«تعلق اجبد». نكون حينها أكباش فداء لمشروع أهوج يستحق في هذه الأثناء فعلا التغني بالمقطع: «الحولي بكرونو سايك الرونو»!