تركيا في أقصى الشرق والمغرب في أقصى الغرب، لكنهما يتشابهان في أشياء كثيرة، في التاريخ وفي المزاج وفي القرب الجغرافي من أوربا وفي أحداث قريبة وبعيدة. تركيا موجودة على بحرين، البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وهي على مرمى حجر من أوربا وبوابة آسيا نحو أوربا ونافذة أوربا على آسيا. هذا بالضبط موقع المغرب جغرافيا، فهو موجود على بحرين، المتوسط والأطلسي، وعلى مرمى حجر من أوربا وبوابة إفريقيا نحو أوربا ونافذة أوربا على إفريقيا. القرب الجغرافي لتركيا من أوربا ربط البلاد بأحداث كثيرة مع القارة العجوز، مثلما حدث تماما مع المغرب؛ فالقائد المغربي، طارق بن زياد، عبَر مضيق جبل طارق وحوّل شبه الجزيرة الإيبيرية إلى دولة مسلمة استمرت حية على مدى ثمانية قرون؛ والقائد التركي محمد الفاتح فتح القسطنطينية وامتدت تركيا نحو أجزاء واسعة من أوربا. لكن من صدف التاريخ الماكرة أنه في الوقت الذي كانت فيه الأندلس تتفكك خيطا خيطا، كان الأتراك يزحفون على أوربا شرقا. وعندما سقطت دولة الأندلس، استقبل المغرب مئات الآلاف من الأندلسيين المهجرين من بلادهم، واستقروا في البلاد وصاروا مغاربة مع مرور الزمن. وتركيا استقبلت بدورها مئات الآلاف من الأندلسيين المهجرين الذين صاروا بعد ذلك أتراكا مثل غيرهم. وقبل أن تسقط الأندلس، كان الأندلسيون يتوقعون أن تأتيهم النجدة من بلدين لا غير، المغرب أو تركيا، ففي تركيا كانت الخلافة الإسلامية تبدو مثل «سوبيرمان» لا يقف في طريقها شيء، وفي المغرب كان السلاطين يتدثرون بالشرعية التاريخية والدينية ويبسطون نفوذهم الروحي والجغرافي على أجزاء واسعة من المنطقة. هناك جانب آخر متعلق بالأندلس تشترك فيه تركيا والمغرب؛ فعندما بدأ الأندلسيون أعمال الجهاد البحري (القرصنة) في البحر المتوسط، كانت أبرز نقاط القوة هي سفن الأتراك، وأيضا سفن الأندلسيين المغاربة المتمركزين في سلا والرباط، وبالضبط في ساحل «الوداية» على مصب أبي رقراق. هؤلاء «القراصنة» حوّلوا البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة مغربية تركية بامتياز، ووصلت أنشطتهم حتى بحار بعيدة، من بينها المحيط الأطلسي وشواطئ شمال أوربا والمناطق الأسكندنافية. التشابه الآخر بين البلدين هو أن تركيا كانت إمبراطورية ممتدة الأطراف لا تكاد تغرب عنها الشمس، وحكمت أطرافا شاسعة من ضفتي المتوسط شمالا وجنوبا، لكن مساحتها تقلصت كثيرا بعد أن غربت شمس الإمبراطورية بعد سقوط الخلافة. والمغرب كان بدوره إمبراطورية يمتد نفوذها من الأندلس حتى حدود الصحراء الكبرى، وفي النهاية تقلصت مساحته كثيرا بسبب الاستعمار، وأيضا بسبب أخطاء كارثية لمسؤولين وسياسيين مغاربة. تركيا لا تتشابه مع المغرب فقط في التاريخ والجغرافيا، فهناك تشابه أيضا في بعض الملامح السياسية؛ ففي تركيا حزب حاكم اسمه «العدالة والتنمية»، وفي المغرب حزب «شبه حاكم» اسمه أيضا «العدالة والتنمية». في تركيا رئيس وزراء صلب وقوي، اسمه رجب طيب أردوغان، وفي المغرب رئيس وزراء، اسمه عبد الإله بنكيران، صلّب الله عوده ورزقه القوة والسلامة. رجب التركي وصل إلى الحكم بالأغلبية المطلقة، ولا يبدو أنه سيغادر السلطة قريبا لأن الشعب يسْنده، وبنكيران في المغرب وصل إلى السلطة بعد انتخابات منحته الأغلبية المُقْلقة، ويبدو أنه يمكن أن يغادر في أي وقت يشاء له الرب ذلك. أردوغان تركيا حقق معدلات نمو قياسية للبلاد، ثم قص أجنحة العسكر يوما بعد يوم، بل واستطاع أن يقدم بعض الانقلابيين منهم إلى محاكم مدنية، فانتهت سطوة العسكر إلى الأبد، أو هكذا يبدو؛ وفي المغرب وعد بنكيران برفع الحد الأدنى للأجور إلى ثلاثة آلاف درهم هذه السنة، وعندما نجح اعتذر عن «هفوته» وقال إن وعده سيتحقق سنة 2016، فالعجلة من الشيطان والعياذ بالله. على هذا الأساس، يبدو أن المغرب وتركيا يتشابهان كثيرا في التاريخ والجغرافيا، ويتشابهان سياسيا في شيئين لا ثالث لهما: التشابه الأول في اسم الحزبين الموجودين في السلطة، والتشابه الثاني بين أردوغان وبنكيران، فكلاهما له ألف ونون في نهاية الاسم.