من الحرير إلى الشراكة الذكية.. المغرب والصين ينسجان مستقبلًا بحكمة حضارتين    الخليج يحث على التهدئة بين إيران وإسرائيل ويؤكد دعم مساعي الاستقرار الإقليمي    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني: تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    تحول "OpenAI" إلى الربحية يشعل الخلاف مع "مايكروسوفت"    ترامب يطالب إيران باستسلام غير مشروط وسط تصاعد التوتر مع إسرائيل    فياريال الإسباني يتعاقد مع لاعب الوسط موليرو لخمس سنوات    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    أكلو : السلطات تُحبط تهريب أطنان من "الشيرا" بشاطئ أزرو زكاغن    مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران .. إشكالات وسياقات ومآلات    حجيرة: تعاونيات المغرب تلج التصدير    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    شاحنة تدهس شاباً وترديه قتيلاً بجماعة إنشادن    عائلة بودراجة تتوعد بالمتابعة القضائية    "فرانس بريس": الملك سيزور فرنسا في نهاية العام الحالي أو في بداية 2026    إجهاض محاولة تهريب سبعة أطنان و50 كيلوغراما من من من در الشيرا بميناء طنجة المتوسط    ولد الرشيد يستقبل وزير خارجية بنما وهذا الأخير يجدد دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي    عصام الشرعي مدربا لنادي فيسترلو البلجيكي    قطر تجدد دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي    من قلب باريس.. وزير الصناعة يكشف عن اتفاقيات واعدة تعزز مكانة المغرب في صناعة الطيران    العصبة الوطنية تعلن عن موعد انطلاق موسم البطولة الاحترافية 2025-2026    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    فاطمة الحمامصي… مسار نسائي رائد يُكرَّم في طنجة    فرع الحزب الاشتراكي الموحد –هولندا يدين العدوان الإسرائيلي على إيران ويؤكد موقفه الثابت ضد الحروب والإمبريالية    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    تهديد مباشر لخامنئي.. ترامب نعرف تحديداً أين يختبئ المرشد الأعلى    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأحمر    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    4.2 مليار درهم عائدات الضريبة على المركبات في 2024    تأجيل الجمع العام للرجاء الرياضي إلى غاية السابع من شهر يوليوز    الصحة والنزاهة على طاولة واحدة .. ورشة تسائل التوريد والممارسات الطبية    في المغرب .. الفاشلون يطاردون المتفوقين عبر ساحات التنمر الإلكتروني    الوداد الرياضي يختتم تحضيراته قبل مواجهة السيتي    رونالدو يهدي قميصه لترامب برسالة غير متوقعة        رئيس الحكومة يؤكد على مكانة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في النموذج التنموي    أمطار رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    طنجة الدولية.. اختبار فرضيتي التحول والتفاعل    الذهب يصعد وسط القتال بين إسرائيل وإيران ودعوة ترامب لإخلاء طهران    مجزرة جديدة تحصد أرواح المجوعين.. مقتل 47 فلسطينيا بنيران إسرائيلية قرب مركز مساعدات في غزة    هلال: المغرب يلتزم بالتصدي للكراهية    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    ترامب يقول إنه يريد "نهاية فعلية" للنزاع بين إسرائيل وإيران "وليس وقف إطلاق نار"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    موازين 2025… أزمة توزيع المنصات تثير استياء الجمهور    الأمير مولاي رشيد يترأس الجمع العام الاستثنائي للجامعة الملكية المغربية للغولف    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    د محمد صبري : الصيدلة دعامة أساسية في الرعاية الصحية القريبة من المواطن..    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاضي غارثون يفتح علبة البندورا في إسبانيا
نشر في المساء يوم 23 - 10 - 2008

قرار القاضي بالتثار غارثون بفتح ملف الجرائم المرتكبة خلال فترة الحرب الأهلية الإسبانية وفترة حكم الجنرال فرانكو، جعل إسبانيا تتحرك في جميع الاتجاهات بين مؤيد لقراءة جاءت متأخرة عن موعدها بأزيد من ثلاثة عقود ورافض يعتبر أن إسبانيا ليست في حاجة إلى محاكمة شبح فرانكو في هذه الفترة بحكم صدور قانون العفو عام 1977. مسلسل مثير أطلقه القاضي الشهير وتفرعت حلقاته لتصل إلى المغرب. بعدما ارتفعت أصوات منادية بالبحث في مصير مغاربة فرانكو المفقودين.
فتح القاضي الاسباني بالتثار غارثون علبة الشر عندما أعلن، قبل أسبوع اختصاص المحكمة الوطنية الإسبانية النظر في حالات الاختفاء القسري التي شهدتها إسبانيا خلال فترة الحرب الأهلية الإسبانية ما بين عامي 1936 و 1939 و تلك التي عرفها نظام فرانكو طيلة أربعين عاما من حكمه، كانت فيها اجهزته السرية والعلنية تختطف مناضلي اليسار والحزب الشيوعي. وبهذا القرار التاريخي، يكسر غارثون إحدى أهم قواعد اللعب التي قامت عليها الديمقراطية الإسبانية بتبني قرار العفو وطي صفحة الماضي دون قراءتها، وهو الحدث الذي خلق ضجة إعلامية وسياسية وحقوقية مهمة في الجارة الشمالية، إذ باتت الأعناق مشرئبة تنتظر ما ستسفر عنه الأيام المقبلة بعدما وضع القاضي الشهير أصبعه على موضع ألم قديم في الجسد الإسباني.
جرائم ضد الإنسانية
واعتبر غارثون أن تلك الاختطافات تمثل إحدى الجرائم ضد الإنسانية، لذلك قرر فتح المقابر الجماعية التسع عشرة التي تم تحديدها، وبينها تلك التي يعتقد أن شاعر إسبانيا الكبير فدريكو غارثيا لوركا مدفون بها بعد مقتله على يد الفاشية، ولم يتردد القاضي في الإشارة بأصابع الاتهام إلى تورط شخصيات كانت نافذة في الدولة في نظام فرانكو، واولهم الجنرال فرانسيسكو فرانكو باهموند نفسه، الذي حكم البلاد بسياسة الحديد والنار طيلة أربعة عقود، وبجانبه 34 متهما كانوا يحتلون مناصب رفيعة في هرمية الدولة الإسبانية، ارتكبوا جميعهم جرائم ضد الإنسانية.
ويشير صك الاتهامات الذي أعده القاضي غارثون، بعناية واحترافية ملحوظة، إلى أن المتهمين الذين وافتهم المنية جميعهم، وبعد انتصارهم في الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد، قاموا بتجييش جميع آليات الدولة من أجل تحديد مكان وهويات الضحايا المنتمين إلى الجهة المهزومة وقاموا بمتابعتهم وسجنهم وممارسة التعذيب والاختفاء القسري في حقهم.
اعتراض النيابة العامة
لكن النيابة العامة وقفت بالمرصاد لمساعي القاضي غارثون، واعتبرت أنه ليس مؤهلا للتحقيق في جرائم ما قبل عام 1977 بحكم المصادقة على قانون العفو، كما أنه في الفترة التي ارتكبت فيها هذه الأعمال اعتبرت هذه الأخيرة وقتها جرائم قتل واعتقال غير قانوني حسب القانون الجنائي للجمهورية، وهو مارد عليه القاضي غارثون بكون الأفعال المرتكبة تعد ضمن قائمة الافعال المحظورة بمقتضى قانون الحروب التي تنص عليها القوانين و أعراف الحروب و قوانين الانسانية، وأضاف غارثون مفسرا بأنه بناء على ذلك فالجرائم
المرتكبة ضد الإنسانية لم تكن مدرجة ضمن قانون العفو لعام 1977، والذي بموجبه تصالحت إسبانيا مع نفسها بدون قراءة دفاتر الماضي
الفرنكاوي.
فراغا ولوركا...
كان أول المنتفضين ضد قرار القاضي غارثون هو مانويل فراغا، الأب الروحي للحزب الشعبي المعارض الإسباني ومؤسسه، وهو أيضا وزير سابق لدى الجنرال فرانكو، آخر الحيتان القديمة التي مازالت على قيد الحياة، لذلك لم يتردد في القول علانية إن قراءة الماضي الفرنكاوي الآن خطأ جسيم، كما أن القاضي الإسباني لا يمكن أن يدعي لوحده انه قادر قانونيا على فتح هذا الملف في إشارة مبطنة إلى قانون العفو الذي تم تبنيه عام 1977 .
وعمل فراغا وزيرا لدى فرانكو في قطاعي الإعلام والسياحة طيلة سبع سنوات من الديكتاتورية، كما أنه كان يعرف بمواقفه المحافظة وسط صقور النظام، واستطاع أن يجمع حوله بعد حلول الديمقراطية بعض اليمينيين وخلق جيلاً يمينياً جديداً بإسبانيا لتأسيس التحالف الشعبي الذي سيصبح فيما بعد الحزب الشعبي، والذي استطاع أن يبقى في الحكم بإسبانيا طيلة ثماني سنوات قبل أن تطرده قطارات الموت منها.
وأثار قرار غارثون بفتح المقبرة، التي يعتقد بشكل كبير أن رفات الشاعر فدريكو غارثيا لوركا مدفون بها، نقاشا تزداد جذوته اشتعالا مع مرور الأيام. ففي الوقت الذي صفق فيه الجميع من غرناطة إلى نيويورك لموافقة عائلة الشاعر لوركا في شخص ابنة أخيه لورا لوركا، مديرة مؤسسة غارثيا لوركان، على قرار القاضي غارثون بفتح المقبرة الجماعية التي يوجد بها رفات الشاعر الألمعي، خرج أحد افراد العائلة عن الصف، معتبرا أن فتح المقبرة يعد تلويثا ومسا بحرمة موت لوركا، وذهب مانويل فيرنانديث مونتيسينوس إلى حد التلويح بكونه سيلجأ إلى جميع الوسائل القانونية لمنع حدوث ذلك، وهو ما اعتبر في إسبانيا خطوة إلى الوراء بعد البيان الذي نشره ورثة لوركا جميعهم يعلنون فيه تأييدهم لقرار غارثون على لسان لورا لوركا التي تعد الناطقة الرسمية باسم العائلة، وهو ما اضطر لورا لوركا إلى التأكيد، مرة أخرى، أنه لم يقع أي تحول في موقف العائلة، معبرة عن استغرابها للخرجات التي قام بها قريبها.
مغاربة فرانكو يعودون
نظرا إلى الارتباط الكبير بين تاريخي المغرب وإسبانيا خلال القرن العشرين، فإنه كان لا بد لقرار غارثون من أن يجد له صدى قويا في المغرب، وهو ما التقطه مركز الذاكرة المشترك والمستقبل بالمغرب عبر دعوته حكومتي المغرب وإسبانيا إلى العمل سوية من أجل الكشف عن مصير المئات من المفقودين المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية إلى جانب فرانكو، (وهي التفاصيل التاريخية التي سبق أن شرحتها بشكل مسهب المؤرخة الإسبانية ماريا روسا دي مادرياغا في كتابها مغاربة فرانكو).
وحث المركز، في ندوة صحافية عقدها هذا الأسبوع، على التحرك من أجل فتح ملف مغاربة الحرب الأهلية الإسبانية ومرحلة ما بعد فرانكو، كما وجه رسالة إلى القاضي غارثون يطالبه فيها بالتحرك لفتح هذه الملف بالموازاة مع المعركة التي يخوضها من أجل التحقيق في جرائم تلك المرحلة الدقيقة في تاريخ إسبانيا المعاصر.
ولفهم جيد للمقصد الذي يروم المركز تحقيقه من مبادرته، لا بد من العودة إلى مضمون رسالة بعثها هذا الأسبوع إلى رئيس الوزراء الإسباني لويس رودريغيث ثباتيرو عبر سفارة إسبانيا بالرباط والتي جاء فيها أنه «رغم كون الحرب الأهلية الاسبانية لا تعدو كونها مواجهة عسكرية لا تهم غير إسبانيا المعتادة على مثل هذه الأحداث، فإن هذا الحدث كان له ارتباط قوي بالمغرب، حيث إن 130 ألف مغربي تم حملهم إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، جاؤوا من شمال وجنوب المغرب الذي كان وقتها تحت الحماية الإسبانية، فقد كانوا، في أغلبهم، مجبرين على حمل السلاح في حرب طاحنة كانت أجنبية عنهم»، مشيرة إلى «أن المغاربة تم استقدامهم من جبال الريف ومناطق جبالة، إذ كان يتعرض ساكنو هذه المناطق إلى معاملة سيئة من طرف الإسبان باعتبارهم يدا عاملة رخيصة قبل أن يتحولوا إلى أجساد يستخدمها الإسبان في تصفية حساباتهم الداخلية». وأبرزت الرسالة أنه «أمام هذا الوضع، ليس المهم فقط تحديد ظروف وملابسات اختفاء الآلاف من المغاربة، ولا حتى جبر الضرر المادي والنفسي، بل يجب إجراء مصالحة تروم إعادة الاعتبار إلى هؤلاء الجنود وتصحيح صورة «المورو» لكونها محبطة، لأنه من المؤسف الملاحظة أنه بعد كل هذه السنوات مازالت هذه الصورة سلبية في ذهن عموم الإسبان، موضحة أنهم تعرضوا لمختلف أنواع سوء المعاملة، نظرا إلى كونهم مستعمرين وعانوا من الظلم والاضطهاد».
وينتظر أن تنضاف هذه المبادرة إلى السجال الذي تعرفه إسبانيا هاته الأيام بسبب هذا الموضوع، خصوصا بعد الاهتمام الإعلامي الذي حظيت به سواء في إسبانيا أو المغرب. فعلا، لقد فتح غارثون أحد الأبواب السرية المغلقة لإسبانيا والذي ستخرج منه مفاجأة كبيرة تستحق المتابعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.