وحدها الكلاب وفية وتقول الحقيقة.. تعيش الحياة بلا ضغينة.. هكذا جاءت الفكرة كومضة في هذا الصباح. إنها كلما أحبتك تسير إلى جانبك إلى آخر الطريق، وهي لا تغدر بك ولن تغير مواقفها إلى مائة وتسعين درجة. هي لا تمارس السياسة ولا تؤمن بالشعار القائل: «ليست هناك عداوات ولا صداقات دائمة في السياسة»... لكن حشر الإنسان نفسه في كل شيء غيّر ملامح أشياء كثيرة... أذكر ذلك الكلب الحزين، الذي كان يبيت الليل ينبح في وجه القمر. الكلب «القانْعْ» لن يطلب منك أن تغير سلوكه ومبادئك ولن يطلب منك أن تسرق من أجل إطعامه ولن يتهاون في حراستك والدفاع عنك ومساعدتك إن كنت في خطر.. هذه طبيعته، وطبيعته هي قول الحقيقة بدون ماكياج، لكن السامعين قلائل. لقد تعلم من الكلاب. ومن بين ما تعلم منها أن إصلاح الآخر يقتضي من المصلح أن يبدأ بنفسه ويصلح اعوجاجها، يقتضي منه أن يغسل داخله وقلبه، عوض أن يذهب إلى الحمام، ثم يخرج بعد ذلك و«يتعطر» بآخر العطور، بعدما يكون قد لبس بذلة أنيقة، فيسير في الشارع العام مثل الطاووس، معتقدا أن الشمس لم تطلع إلا من أجله وحده.. حقيقة، هذا «البوراس» من أعقد ما خلق الله، هو كالبئر العميقة التي لا تدري ما يوجد في قاعها. يستقبلك بالبشاشة، لكن ما في البئر يبقى مجهولا، لا يعرفه إلا الذي خلقه.. مجاهل النفس البشرية تبقى مثل الصحراء، التي لا يمكن أن تُؤمَن جوانبها، لذلك فقط خصّها كثير من الكتاب بكثير من الروايات والمسرحيات وما يزالون. وخصها «المجانين» و«المجاذيب» بكثير من الكلام، كقولهم مثلا: «كاع الروس تفتش إلا راس بنادم». الإنسان هو كوكب مجهول، ومن تم كان علم الظاهر والباطن الذي قد لا تتعلمه في مدرسة أو جامعة، وإنما تتعلمه في هذه الحياة، التي تدور فيها ملايين الكواكب. وبعد تجربة الحياة، تصبح للمرء قدرة هائلة على اكتشاف ما يوجد في عمق البئر. يحمل ملايين البشر شعار «أنا الأنقى» و«الأطهر».. وما يهمني مصلحة خاصة. لكن «القدر بما فيها تنضح». ووحده الانسان يبرر كل شيء ويجعل من الخيانة شرفا ومن السرقة شجاعة.. وسأبقى وفيا لفكرة هذا الصباح «الكلاب وحدها وفية وتقول الحقيقة»..