الطريق السيار الرابط بين الرباط وتل أبيب، والذي لا يظهر بالعين المجردة، لا ينقل البضائع فقط، بل حتى الأشخاص. في هذا الجزء من التحقيق، سنكشف عن تفاصيل الرحلات السياحية التي تُقلّ إسرائيليين من إسرائيل إلى المغرب، كما نميط اللثام عن عدد الأشخاص الذين يسافرون من المغرب إلى إسرائيل. حسب المعطيات الرسمية، الصادرة عن المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، فإن عدد اليهود الإسرائيليين الذين يتحدرون من المغرب والمقيمين في مختلف المدن الإسرائيلية بلغ، وفق آخر إحصاء خاص بسنة 2010، ما مجموعه 223 ألفا و500 شخص، بينهم 153 ألفا و600 شخص وُلدوا خارج إسرائيل. المغاربة اليهود الموجودون في إسرائيل، والذين يسمون «السفارديم»، يشكلون أقوى جالية يهودية في إسرائيل بعد الجالية المتحدرة من دول الاتحاد السوفياتي. وأغلب اليهود المغاربة الموجودون هناك تفوق أعمارهم 55 سنة، أي أنهم يمثلون الجيل الأول الذي انتقل إلى إسرائيل من المغرب، أثناء ما سمي «الرحلة الكبرى». لا يهمّنا في هذه الأرقام الآن، والتي تُكشف لأول مرة، بعدها الاجتماعي أو التاريخي. ما يهمنا، في هذا التحقيق هو البعد الاقتصادي. وتؤكد المعطيات الرقمية السالفة، بمعنى آخر، أن اليهود المغاربة يشكّلون قاعدة اقتصادية كبيرة في قلب إسرائيل. وتزيد صلتهم بالمغرب هذه القاعدة قوة.. كيف ذلك؟ يشكل اليهود المغاربة الموجودون في إسرائيل حبال الجسر الاقتصادي الرابط بين المغرب وإسرائيل. هم الذين يشكّلون أبرز المتعاملين اقتصاديا مع المغرب، وهم الذين يتنقل أغلبهم بين الجانبين، تجارة أو سياحة. في صيف 2010، قررت أكبر شركة للاتصالات في المغرب توسيع خدمة الاتصال الدولي «الرومينغ» لتشمل إسرائيل. والتبرير الذي قدمته الشركة هو أن هناك جالية مغربية عريضة في إسرائيل تربطها صلات بذويهم من اليهود المقيمين في المغرب، وبالتالي فهم يُشكّلون سوقا واسعة للاتصالات. هكذا تطورت الاتصالات غير المباشرة بين المغرب وإسرائيل. في مقابل ذلك، لا يكتفي إسرائيليون، وبينهم مغاربة ومواطنون من جنسيات أخرى، بالاتصال بالمغرب هاتفيا، بل يحرصون على زيارة المغرب، بغرض التجول أو زيارة الأقارب، الأحياء منهم والأموات، أو إحياء الطقوس الدينية.. لهذا ينشط قطاع اقتصادي بين المغرب وإسرائيل هو السياحة. في المقابل، يتمكن مغاربة من دخول إسرائيل، كل شهر، بغرض السياحة. لا يربط المغربَ بإسرائيل جسر جوي أو بحري أو بري. لهذا لا يمكن العثور على معطيات رقمية تكشف عدد السياح الإسرائيليين الذين يدخلون المغرب، فجل هؤلاء يلجؤون إلى السفر إلى دول أخرى، ومن تم الانتقال إلى المغرب عبر تأشيرة. يدخل غالبية السياح الإسرائيليين التراب المغربي في إطار رحلات سياحية منظمة، تشرف عليها وكالات أسفار مغربية أحيانا (وهو ما سنكشف عنه لاحقا) عن طريق فرنسا، على اعتبار أن السفارة الفرنسية هي التي تتكلف بأعمال المغرب مع إسرائيل، بحكم أن العلاقات «مقطوعة». يسمح المغرب، إذن، للسياح الإسرائيليين بدخول المغرب عن طريق السفارة الفرنسية، وكأنهم مواطنون فرنسيون، رغم أن عددا من هؤلاء يدخلون بجواز سفر إسرائيلي ويحجزون في فنادق بهذا الجواز. سياح آخرون يدخلون المغرب عن طريق دول أوربية أخرى ويُدرَجون في السجلات السياحية المغربية إما باعتبارهم أوربيين ويضافون إلى سجلات السياح القادمين من أوربا، أو يدخلون، كما أسلفنا، كسياح إسرائيليين، وفي هذه الحالة يُدرَجون في خانة «آخرون»، أي السياح الحاملين جنسيات أخرى غير واردة في قائمة السياح الوافدين إلى المغرب، التي تعدها وزارة السياحة، وهو ما سنبيّنه لاحقا. رغم أن المغرب لا يشير، رسميا، إلى أن سياحا إسرائيليين يدخلون ربوعه، كما أنه يستحيل العثور على لفظة «إسرائيلي» ضمن قوائم السياح الوافدين على المغرب، للأسباب التي ذكرنا، فإن الجهات الرسمية المعنية تعلم بدخول هؤلاء السياح، إما فرادى أو ضمن وفود سياحية. أول هذه الجهات المصالح الأمنية، التي تُخطَر بمسار هؤلاء السياح وبتفاصيل مقامهم في المغرب قصد توفير الحماية. لا تجيد الجهات الرسمية، إذن، لغة الأرقام في ما يخص التعامل السياحي بين المغرب وإسرائيل، بل لا تنبس حتى بأحرف بشأنه. وحدها الوثائق الإسرائيلية التي حصلنا عليها من داخل المؤسسات العمومية الإسرائيلية تكشف حجم التبادل السياحي بين المغرب وإسرائيل. وتتعلق هذه الوثائق بالسياح المغاربة، وبينهم يهود مغاربة، الذين يزورون إسرائيل شهريا. نبدأ، دائما، من النهاية، من آخر الأرقام المسجلة والتي تخص شهري يناير وفبراير الماضيين، إذ تشير المعطيات الإحصائية إلى أن عدد السياح المغاربة الذين دخلوا إسرائيل في هذين الشهرين بلغ 500 شخص، بينهم 300 شخص دخلوا إسرائيل في يناير و200 حلوا هناك في فبراير الماضي. ترتفع الأرقام كلما نقّبنا أكثر في سنوات سابقة. يقفز الرقم ليصير: 7254 مغربيا حلوا سياحا بإسرائيل ما بين 2009 و2011. ففي سنة 2011، بلغ عدد المغاربة الذين زاروا إسرائيل 2432 شخصا، بينما وصل هذا العدد في سنة 2010 إلى 2509 أشخاص، في حين بلغ السياح المغاربة الذين زاروا إسرائيل في 2009 ما مجموعه 2313 شخصا. أكثر من هذا، تشير المعطيات التي حصلنا عليها إلى أن عدد السياح المغاربة الذين سافروا إلى إسرائيل في سنتي 2010 و2011 يُشكّلون 13 في المائة من مجموع السياح الأجانب القادمين من أزيد من 100 دولة في القارات الخمس، الذين زاروا إسرائيل خلال هذه المدة. الجدير ذكره أيضا أن هذه المعطيات الرسمية تؤكد أن كل المغاربة الذين زاروا إسرائيل سافروا إليها عن طريق الرحلات الجوية، وهي رحلات تتم عبر «خطوط مفتوحة» مع إسرائيل، أبرزها دول أوربا وتركيا. ضمن هذه الخطوط تسافر، أيضا، شخصيات يهودية مغربية بارزة حلت، في الأسبوع ما قبل الماضي، بإسرائيل لإحياء عيد «الميمونة» وأسبوع الفصح هناك، وحتى مسؤولون مغاربة حاليون وسابقون، آخرهم وزير سابق للعدل حل، بدوره، في الأسبوع ما قبل الماضي، بإسرائيل ضيفا على مرجع ديني يهودي يتحدر من عائلية يهودية عريقة. ويرتقب أن يفوق المغاربة الذين زاروا إسرائيل، حتى حدود هذا اللحظة من سنة 2012، عدد الذين ساحوا في هذه الأرض في السنوات الماضية، فخلال النصف الأول من شهر فبراير، شهدت تل أبيب توافد أعداد كبيرة من اليهود المغاربة لإحياء عيد «الميمونة». في المقابل، فضّل يهود مغاربة يوجدون في إسرائيل إحياء هذا العيد في المغرب، وتحديدا في مراكش، التي حلت بها، في الأسبوع ما قبل الماضي، وفق مصادر «المساء»، عدة وفود سياحية إسرائيلية. لكنْ، أين يقيم السياح المغاربة الذين يدخلون إسرائيل؟ كيف يستقر بعضهم بصفة نهائية في المغرب، مقيمين مشاريع استثمارية وسياحية؟ وكيف تتعامل معهم المصالح الإدارية في المغرب؟.. هذه الأسئلة وغيرها نجيب عنها في المحور التالي، والمتعلق بالزيارة الميدانية التي قمنا بها إلى مدينة الصويرة، زيارة أظهرت وجها آخر للعلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الإسرائيليين والمغرب.