في الأيام الماضية، تناقلت بعض المنابر الإعلامية خبرا صغيرا لم ينتبه إليه الكثيرون، يتعلق بالكلام الذي فاه به الشيخ عبد الرحمان المغراوي في ندوة بإمينتانوت يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، قال فيه إن على رئيس الحكومة «نشر الإسلام» إذا أراد أن يبقى هو وحزبه في الحكم «إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». ولأنني أعرف أن بعض الأشياء أحيانا تنشر دون أن تكون قد حصلت بالفعل، أو أن بعض الأمور يتم صرفها عن وجهها، فقد حرصت على البحث عن الشريط المصور الذي ورد فيه كلام الشيخ، فوجدته ثم رأيته. وقد أثارني كلام الشيخ حقا، ليس لأن التوقيت الذي قيل فيه غير مناسب ولا يحتمل، بل لأنه أصلا كلام في غير مكانه وغير متزن. ولو كان الكلام صادرا عن شخص آخر غير الشيخ المغراوي، الذي يتبع له المئات من السلفيين ويدير العديد من دور القرآن ويجر معه لقب الشيخ أينما حل وارتحل، لكان من جنس الكلام الذي يلقى كل يوم في الطرقات ولا يأبه له أحد، أما أن يصدر عن رجل ذي صفة في الدين، والموصوف يشار إليه، فإن الأمر لا بد أن يستدعي استثارة القلق. ولعمري كيف يثور الغبار حول فتاوى الشيخ الزمزمي، وهي كلام في الفقه، ويتم السكوت عن أقوال الشيخ المغراوي، وهي كلام في السياسة الشرعية. طيلة عقود ونحن نسمع باسم الشيخ المغراوي ونتابع بعض أخباره، وكانت قليلة، لكننا لم نكن نسمع صوته أبدا، وكان خافتا. وإذا كان الشيخ يدين بذيوع شهرته لأحد بعد الله فهو لكلامه الشهير حول تزويج بنت التاسعة، التي كانت تفسيرا لآية حرفها البعض إلى فتوى فقامت ضجة عليه، ظلم الرجل بسببها وأغلقت دور القرآن التي يديرها. وبعد خلوة وحلاوة في السعودية عاد إلى المغرب شيخا بارزا صارت له قضية. وكان التقليد أن الرجل يرعوي عن دخول السياسة لأنها دناسة، لكن لسانه انطلق مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، فعرفنا من ذلك لأول مرة أن التقية ليست حكرا على مذهب. قد لا يكون الشيخ المغراوي قصد مما قاله ظاهر الكلام، بل هذا أوكد، بيد أن السلفي لا يجب أن يكون لديه ظاهر وباطن، ولا يغني من الأمر شيئا أن يعود الرجل فيما بعد ويقول إنه كان يقصد كذا ولم يكن ينوي كذا، لأن الكلمة تكون قد انزلقت وأدت ما عليها، ولدى الشيخ ذكرى «فتوى» بنت التاسعة التي لم ينفع معها توضيح حتى الآن والتصقت به كالوشم في ظاهر اليد، ثم إن كلام العلماء يجب أن يكون مصونا وقاصدا، مع أن حبة حكمة خير من قنطار علم. والحديث عن «نشر الإسلام» ليس من الحكمة في شيء، فلا نحن في دار كفر، ولا الشيخ المغراوي في دار هجرة. ليس المهم ما قصده الشيخ المراكشي، بل ما يمكن أن يفهمه الآخذون عنه، وهم كثيرون. فواضح أن هذا التعبير -الذي لم يسمع به أحد منذ فجر الدعوة قبل أربعة عشر قرنا وبعدها الفتوحات- فيه حمولة تكفيرية واضحة، وأقصد هنا التعبير نفسه لا صاحبه، لأنه يصادف نزعة تكفيرية موجودة فعلا في»العقل الباطن» للمتدين السلفي الذي يرى الدنيا فسطاطين، مع أنها أكثر من اثنين، ويرى نفسه في الفسطاط الصحيح ويجيز إصدار أحكامه على الآخرين. وما عانت الأمة من ويلات وما ظهر الإرهاب الذي يستحل القتل إلا بسبب وجود مثل هذه الأفكار الخارجية. وكلام الشيخ عن نشر الإسلام يدعو إلى التساؤل: عن أي إسلام يتحدث بالفعل؟ وإذا كان تركيز عمله على العقيدة كما هو معروف، فإن هذا يجرنا إلى استنتاج سيء، يعرفه الجميع. وإذا كان الشيخ يفهم أن هذه الحكومة جاءت لنشر الإسلام -وهو لم يفهم ذلك على كل حال- فسنكون جميعا في خطر.